أقوال الشهود وسلطة المحكمة في تقديرها وعدول المجني عليه عن أقواله.
” لما كان من المقرر أن وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها شهادتهم وتعويل القضاء علي أقوالهم مهما وجه إليها من مطاعن وحام حولها من شبهات كل ذلك مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه بغير معقب، كما ان لمحكمة الموضوع سلطة تقدير الأدلة والأخذ بما ترتاح إليه منها والتعويل في قضائها على قول الشاهد في أي مرحلة من مراحل الدعوى فلها أن تأخذ بأقوال المجني عليه في التحقيقات ولو خالفت أقواله أمامها دون بيان العلة إذ يرجع الأمر في ذلك كله إلى اطمئنانها إلى ما تأخذ به دون ما تعرض عنه ، ومن ثم لا يكون ثمة محل لتعييب الحكم لالتفاته عن عدول المجنى عليه عن أقواله سواء بجلسة المحاكمة أو بالإقرار العرفي المحرر منه في ذات السياق إذ لا يعدو أن يكون قولاً جديداً من الشاهد وهو ما يدخل في تقدير محكمة الموضوع وسلطتها في تجزئة الدليل ولا تلتزم في حالة عدم أخذها به أن تورد سبباً لذلك إذ الأخذ بأدلة الثبوت التى ساقتها تؤدي دلالة إلى اطراح هذا القول ، ولا يعد ما ذكرته المحكمة تبريراً لسبب عدول المجني عليه عن أقواله ـ من الضغط عليه من قبل الطاعن – تدخلاً منها في رواية الشهود أو أخذها على وجه يخالف صريح عبارتها وإنما هو استنتاج سائغ أجرته المحكمة وهي بسبيل استخلاص الحقيقة من كل ما تقدم إليها من أدلة ، ولا تثريب عليها في ذلك ما دام أن تقدير الدليل موكول إلى اقتناعها واطمئنانها إليه وحدها بما ينتفي معه ما يلوح به الطاعن بأسباب طعنه من دعوى مخالفة الثابت بالأوراق وهى – وعلى فرض وجودها – لم يكن لها أثر في منطق الحكم واستدلاله علي اقتراف الطاعن للجرائم المسندة إليه، فإن ما يثيره في هذا الصدد لا يكون مقبولا ً “.
” الدوائر الجنائية بمحكمة النقض – الطعن رقم 4906 / 78 بتاريخ 14-3-2011 ”
عدم إثبات أقوال الشاهد بمحضر تحقيق المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذى تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة .
حيث إن الوقائع – على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن – تتحصل فى أن المطعون ضدها أقامت على الطاعن الدعوى رقم … ، بطلب الحكم بتطليقها عليه طلقة بائنة للضرر ، وقالت بياناً لذلك : إنها زوج له وأنه اعتدى عليها بالسب والضرب بما لا يستطاع معه دوام العشرة ، ومن ثم أقامت الدعوى أحالت المحكمة الدعوى إلى التحقيق ، وبعد أن سمعت شهود المطعون ضدها ، حكمت بتطليقها على الطاعن طلقة بائنة للضرر استأنف الطاعن هذا الحكم بالاستئناف رقم … , وبتاريخ … قضت المحكمة بتأييد الحكم المستأنف ، طعن الطاعن فى هذا الحكم بطريق النقض ، وقدمت النيابة مذكرة ، أبدت فيها الرأى برفض الطعن وإذ عُرض الطعن على هذه المحكمة فى غرفة مشورة حددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها .
وحيث إن مما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه الخطأ فى تطبيق القانون وفى بيان ذلك يقول إنه يتعين لثبوت الضرر الموجب للتطليق قيام البينة عليه من رجلين أو رجل وامرأتين ، وكان الثابت من محضر جلسة تحقيق محكمة أول درجة أن المحكمة استمعت إلى شهادة رجل وامرأة واحدة ولم تستمع إلى أقوال الشاهدة الثانية إذ خلا المحضر من أقوال لها غير توقيعها مما لا يكتمل معه نصاب البينة الشرعية ، وإذ خالف الحكم المطعون فيه ذلك وأورد بمدوناته أن الثابت سماع المحكمة إلى رجل وامرأتين هما شهود المطعون ضدها فإنه يكون قد خالف الثابت بالأوراق الذى جره إلى الخطأ فى تطبيق القانون مما يعيبه ويستوجب نقضه .
وحيث إن هذا النعى فى محله – ذلك أن المشرع قد فرق فى الإثبات – وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة – بين الدليل وإجراءات الدليل فى مسائل الأحوال الشخصية ، فأخضع إجراءات الإثبات كبيان الوقائع وكيفية التحقيق وسماع الشهود وغير ذلك من الإجراءات الشكلية لقانون المرافعات ، وكان مفاد المادتين 91 ، 93 من قانون الإثبات – وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة – أن المشرع أوجب أن يثبت بمحضر التحقيق نص الأقوال والإجابات التى يدلى بها الشاهد أمام المحكمة دون التصرف فيها بالتلخيص والاختصار لتكون هذه الشهادة المدونة بالمحضر مطروحة تحت نظر الخصوم لمناقشتها وتحت بصر المحكمة لتقول كلمتها فيها عند الفصل فى الدعوى ولتمكين المحكمة الأعلى درجة من الرجوع إليها عند إعمال رقابتها على صحة استخلاص الواقع من أقوال الشهود والالتزام بما يؤدى إليه مدلولها ، ومن ثم فإن عدم إثبات أقوال الشاهد بمحضر التحقيق من شأنه أن تتخلف به الغاية التى هدف إليها المشرع من تدوينها بهذا المحضر ويترتب عليه وجوب استبعاد شهادته وعدم التعويل عليها عند تقدير أقوال الشهود ،
لما كان ذلك وكان البين من محضر التحقيق الذى أجرته محكمة أول درجة أن القاضى المحقق سمع بينة المطعون ضدها وهى شهادة رجل وامرأتين إلا أنه لم يثبت بالمحضر أقوال الشاهدة الثانية ، واكتفى بتوقيعها على المحضر تحت أقوال الشاهدة الأولى وهو ما لا يصلح سنداً لإثبات شهادتها بالمحضر وتقدير دلالتها شرعاً ، ولا يتحقق به غرض المشرع من إجراءات الإثبات التى حتمت تدوين الشهادة بالمحضر ، وكانت المرأة الثانية لم يثبت لها شهادة بمحضر التحقيق على النحو الذى استلزمه قانون الإثبات ومن ثم لا يعتد بها فى حساب نصاب البينة الشرعية وذلك لما هو مقرر فى قضاء هذه المحكمة أن البينة فى خصوص التطليق للضرر وفق مذهب الحنيفة يستلزم أن يكون رجلين عدلين أو رجل وامرأتين ومن ثم يكون نصاب البينة التى اعتد بها الحكم المطعون فيه غير مكتمل شرعاً ، وإذ عول الحكم المطعون فيه على البينة المشار إليها فى قضائه بتأييد الحكم الابتدائى بالتطليق فإنه يكون قد أخطأ فى تطبيق القانون بما يوجب نقضه لهذا السبب دون حاجة لبحث باقى أسباب الطعن .
وحيث أن الموضوع صالح للفصل فيه وكان نصاب بينة المطعون ضدها غير مكتمل شرعاً ومن ثم تكون قد عجزت عن إثبات دعواها بما يتعين الحكم فى موضوع الاستئناف رقم …. بإلغاء الحكم المستأنف ورفض الدعوى “.