أثار بطلان العقد بالنسبة للغير.
نعرض للقاعدة العامة ، ثم للاستثناءات الواردة عليها .
( أ ) القاعدة العامة:
إذا تم إبطال العقد فإنه يعتبر كأن لم يكن ويزول كل أثر له سواء فيما بين المتعاقدين أو بالنسبة للغير .
والغير هنا هو كل من تلقى حقاً من أحد المتعاقدين على الشئ الذي ورد عليه العقد الباطل ، حيث يتعاقد الغير مع المتصرف إليه في العقد الباطل بقصد اكتساب حق متعلق بالشئ موضوع هذا العقد . يقوم المتصرف إليه في العقد الباطل بترتيب حق للغير علي الشئ موضوع هذا العقد ، كأن يبيعه أو يرهنه أو يؤجره أو يرتب عليه حق ارتفاق .
يؤدي منطق البطلان إلى زوال هذه الحقوق ، فإذا رتب المشتري على العين التي اشتراها بعقد باطل أو قابل للإبطال رهنا أو حق ارتفاق مثلا ، ثم تقرر بطلان البيع ، فإن البائع يسترد العين خالية من الحقوق العينية التي رتبها المشترى . وكذلك لو باع المشترى العين إلى آخر ، فإن البائع يستردها من المشترى الثاني ، مؤدي ذلك أن الحق الذي يتلقاه الغير على الشئ الذي ورد عليه العقد الباطل يزول بالتبعية لبطلان هذا العقد . فبطلان سند المتصرف يستتبع زوال سند المتصرف إلية ، أن الشخص لا يستطيع أن ينقل إلى غيره أكثر مما يملك .
فإذا كان أحد الطرفين في العقد الباطل قد تصرف فلا حقه إلى الغير ، فإن حق الغير يزول بالتبعية لزوال هذا العقد بالبطلان . فلو أن محمداً اشترى قطعة أرض من محمود بعقد باطل أو قابل للإبطال ثم باعها لأحمد ، وبعد ذلك تقرر بطلان العقد فإن محمود البائع يسترد الأرض من المشترى ( أحمد ) . وإذا كان قد رتب على الأرض رهناً أو حق ارتفاق أو حق انتفاع فانه يسترد الأرض خالية من الرهن أو الارتفاق أو الانتفاع .
وزوال العقد بالبطلان لا يحتج به فقط على الغير أو الخلف الخاص بالمعنى السابق ، بل يحتج به من باب أولى على الدائنين . ويعتبر محكمة النقض عن ذلك بقولها أن الحكم بإبطال العقد الصادر من المدين يكون حجة على دائنة لأن المدين يعتبر ممثلا لدائنه في الخصومات التي يكون هذا المدين طرفا فيها ، ويستتبع الحكم إلغاء الآثار المترتبة على هذا العقد وقت انعقاده بالنسبة للمتعاقدين والغير حتي ولو لم يصدر الحكم في مواجهة الدائن .
( ب ) الإستثناء الواردة على القاعدة .
إن اعمال القاعدة السابقة على إطلاقها أن يؤدي إلى المساس بالمعاملات ، فقد يترتب على تطبيق مبدأ الأثر الرجعى للبطلان على إطلاق غلى الأضرار الفادح بالغير حسن النية الذي استند إلى الوضع الظاهر ورتب معاملات على أساس قيام العقد الباطل . ويقضى الصالح العام يوجب مراعاة استقرار التعامل برعاية الإئتمان العام والاعتداد بالثقة المشروعة التي يركن الناس إليها في معاملاتهم .
لكل هذه الاعتبارات أورد المشرع بعض الإستثناءات التي بمقتضاها تظل الحقوق التي يكتسبها الغير على الشئ المتصل بالعقد الباطل وذلك في حالات معينه ، ويمكن التمييز في هذا الصدد بين عقود التصرف ، وعقود الإدارة والاعتداد بالأوضاع الواقعية .
أولا : عقود التصرف وهنا يقرر المشرع حماية الغير المتصرف إلية في الحالات الآتية:
1. يستطيع الغير حسن النية حماية حقه بالاستناد إلى قاعدة في المنقول سند الملكية . فإذا كان محل التعامل منقولا وحازه الغير بسبب صحيح وحسن نية ، فيصبح مالكاً ، ولا يمكن مطالبته برده . فلو أن محمد باع منقولا لحمد ، ثم باع أحمد المنقول لمحمود أو رهنه له وانتقلت حيازة المنقول لمحمد خالصا من الحقوق التي رتبها أحمد لمحمود ، ولكن محمود الذي تسلم المنقول بحسن النية وهو يجهل ما يشوب سند أحمد من أسباب البطلان ، يمكنه الاستناد إلى قاعدة الحيازة في المنقول ليكسب على أساسها ملكية المنقول أو الحق العيني عليه رغم أنه تعاقد مع غير مالك .
2. إذا كان محل التعامل عقاراً كان للغير حسن النية أن يكتسب ملكيته بالتقادم الخمسي دون أن يتأثر بإبطال سند من تصرف إلية في العقار فلو باع محمد عقاراً لأحمد ، ثم باع أحمد العقار لمحمود الذي حازه بحسن نية ، ثم تم إبطال البيع الأول ، هذا الإبطال لا يؤثر على حق محمود إذا حاز العقار مدة خمس عشرة سنة حيث يكتسب ملكيته بالتقادم الطويل ، أو إذا سجل عقده وحاز العقار مدة خمس سنوات بحسن نية حيث يكتسب ملكيته بالتقادم الخمسي . هنا يشترط لأعمال التقادم الخمسي أن يكون سند ملكية المتصرف باطلاً بطلاناً نسيباً أي أن يكون بيع محمد لأحمد قابلا للإبطال ، ذلك أن العقد الباطل بطلاناً مطلقاً لا يعد سبباً صحيحاً يجيز التملك بالتقادم الخمسي .
3. إذا اكتسب الغير حسن النية حقاً عينياُ على العقار الذي ورد عليه العقد الباطل وذلك قبل تسجيل دعوى البطلان أو التأشير بالحكم الصادر فيها في هامش تسجيل العقد الباطل ،فإن هذا الحق يظل قائماً لا يؤثر فيه البطلان . مؤدي ذلك أن الحق الذي كسبه الغير بحسن نية لا يسقط بالرغم من إبطال سند ملكية من قرر له هذا الحق . وإذا كسب الغير حقاً عينياً بعد تسجيل دعوى البطلان أو التأشير بها فإن هذا الحق يزول نتيجة لبطلان سند من تصرف إليه ، أما إذا كان الغير قد كسب حقه قبل تسجيل دعوى البطلان أو التأشير بها فإن هذا الحق يبقي إذا كان حسن النية . مثال بيع محمد قطعة أرض لمحمود الذي يبيعها بدوره لأحمد ، ثم يرفع محمد دعوى لإبطال عقد البيع ويسجلها ويحكم ببطلان العقد . هنا يحتفظ احمد بالأرض ولا يتأثر ببطلان سند محمود الذي باع له ، ذلك أن احمد سجل عقده وهو حسن النية ولم يكن يعلم عند شرائه للأرض بسبب البطلان . لذلك فإن محمود لا يستطيع . رغم الحكم بالإبطال ، رد الأرض لمحمود فإنه يلتزم بدفع تعويض معادل .
4. لم يكتف المشرع بالمبدأ السابق بل أورد تطبيقاً خاصاً له بالنسبة للدائن المرتهن وهناً رسمياً إذا كان حسن النية . يبقى قائماً لمصلحة الدائن المرتهن الصادر من المالك الذي تقرر إبطال سند ملكيته أو فسخه أو زواله لأي سبب آخر ، إذا كان هذا الدائن حسن النية في الوقت الذي أبرم فيه الرهن . إذا رهن محمد الأرض التي اشتراها لأحمد ثم تثرر بطلان العقد الذي اشترى به ، فإن الرهن يبقى قائماً طالما تم شهره قبل تسجيل صحيفة دعوى البطلان وكان أحمد حسن النية لا يعلم بسبب البطلان . ويترتب على البطلان أن البائع يسترد الأرض من محمد إلا أنها تظل تحمله بالرهن لصالح أحمد ، ويلتزم محمد بتعويض البائع عما يصيبه من ضرر بسبب وجود هذا الرهن .
ثانيا: عقود الإدارة:
بالنسبة لأعمال الإدارة الصادرة من المالك الذي تقرر إبطال سند ملكيته ، تضل قائمة لصالح من تعامل معه إذا كان حسن النية . فإذا كسب الغير حقاً يتعلق بالشئ الذي ورد عليه العقد الباطل ، وذلك بمقتضى عقد من عقود الإدارة ، فإن هذا الحق يبقى بالرغم من البطلان . فلو اشترى شخص شقة بعقد قابل للإبطال ثم أجرها ، فإن إبطال العقد لا يؤدي إلى زوال الإيجار ، حيث يظل قائماً لصالح المستأجر ، ويسترد البائع الصفقة محملة بحق الإيجار .
ويشترط لبقاء عقود الإدارة بالرغم من البطلان إلا تكون مشوبة بغض من جانب من أبرمها ، وأن يكون الغير حسن النية ، وأن يكون ثابتة التاريخ قبل دعوى البطلان فيشترط لبقاء عقد الإيجار مثلاً أن يكون بشروط مألوفة كأجرة المثل والمدة المعقولة ، وأن يكون ثابت التاريخ قبل دعوى البطلان ، وأن يكون المستأجر حسن النية ، أي يجهل ما يشوب سند المتصرف من أسباب البطلان .
ثالثا : الاعتداد بالأوضاع الواقعية:
حرص المشرع على حماية الغير حسن النية الذي يرتكن إلى وضع ظاهر واقعي ، من نتائج بطلان العقود التي يكون من حقهم التعويل على قيامها ، فبطلان العقد لا يمنع من وجوده كواقعة مادية قد توهم بوجوده القانوني ، ويتولد عن ذلك مظهر يوهم بأن العقد صحيح ، ويكون الشخص العادي معذورا في اعتقاده بصحة العقد وتعامله مع ذلك الوضع ، هنا ينبغي حماية تلك الثقة المشروعة تشجيعاً للائتمان العام . ومن أمثلة الحالات التي احترم فيها المشرع تلك الثقة .
1. الشركة الفعلية : اشترط القانون أن يكون عقد الشركة مكتوباُ وإلا كان باطلا ، وإلا أن هذا البطلان لا يحتج به في مواجهة الغير .
2. صورية العقد : إذا أبرم عقد صوري فلدائنى المتعاقدين وللخلف الخاص متي كانوا حسن النية ، أن يتمسكوا بالعقد الصوري ، كما أن لهم أن يتمسكوا بالعقد المستتر ويثبتوا بجميع الوسائل صورية العقد الذي أضر بهم . وإذا تعارضت مصالح ذوى الشأن ، فتمسك بعضهم بالعقد الظاهر وتمسك الآخرون بالعقد المستتر ، كانت الأفضلية للأولين .
فإذا تم إبرام بيع صوري صورية مطلقة ، وهنا لا يوجد في الحقيقة أي عقد ومع ذلك يجوز لدائن المشترى ولمن كسب منه حقا عينيا على الشئ محل التصرف الصوري ، إذا كان حسن النية ، أ، يعتبر أن العقد الصوري هو عقد حقيقي ، أو يرتب أموره على هذا الأساس