أحكام التأمينات العينية في القانون المصري.
التأميناتInsurance بصورة عامة
هي في مختلف النظم القانونية التي تهدف إلى حماية الدائن من مخاطر عدم الوفاء بالدين وتكفل له في جميع الأحوال استيفاء حقوقه الشخصية. ومن شأن هذه النظم تعزيز الثقة في التعامل وتشجيع الأشخاص على الإقراض، مما ينعكس إيجابياً على تطور مؤسسة الائتمان التي تعد الشريان الأساسي لكل المشاريع الاقتصادية كبيرة كانت أم صغيرة.
وإذا كان كل حق يحتاج إلى حماية، فإن وسائل هذه الحماية تختلف باختلاف طبيعة هذه الحقوق، ففي الحقوق العينية، تكون الحماية بتمكين صاحب الحق من مباشرة السلطة على محل هذه الحقوق من غير معارضة أحد. أما حماية الحقوق الشخصية (الالتزامات) فإنها تثير بعض الصعوبات على الصعيد العملي، لأن الدائن لا يستطيع مباشرة السلطة على حقه إلا عن طريق شخص آخر يسمى المدين. وإذا كانت شرائع الرومان تسمح للدائن باسترقاق المدين، وأن يباشر عليه الإكراه الجسدي، وأن يقتله من أجل استيفاء دينه، فإن الشرائع في العالم المعاصر لم تعد تسمح بذلك، لأن التنفيذ الجبري يكون فقط على أموال المدين ولا على شخصه. وقد وضع المشرع قاعدة عامة هي: إن جميع أموال المدين ضامنة للوفاء بدينه وإن الدائنين متساوون في هذا الضمان، وإن كل دائن يستوفي دينه من أموال مدينه بنسبة الدين الذي بذمته دون تفضيل لأحد من الدائنين على غيره، عند عدم كفاية الدين. إلا أن هذه القاعدة العامة في الضمان لا تكون سليمة من الناحية العملية، فقد يهمل المدين إدارة أمواله، أو يعمل على تبديدها، وقد يقترض أموالاً من عدد من الدائنين، مما يجعل الدائن مهدداً بعدم إمكانية الحصول على دينه في موعد الاستحقاق، وقد يلجأ هذا الدائن إلى مجموعة من الوسائل القانونية من أجل حماية الضمان العام، مثل إقامة الدعوى غير المباشرة، والدعوى البوليسية، والدعاوى الصورية والدعاوى الإجرائية والتحفظية، ويمكن أن يلجأ إلى دعوى الإعسار المدني، أو دعوى الإفلاس التجاري، إلا أن جميع هذه الوسائل قد لا تكون كافية لضمان الوفاء بالدين كاملاً في موعد الاستحقاق.
من أجل ذلك تم اللجوء إلى فكرة التأمينات. وتتجلى هذه الفكرة بحصول الدائن على ضمان خاص، إضافة إلى الضمان العام، غايته ضمان الوفاء بالالتزامات من دون مخاطر أو بأقل المخاطر. والتأمينات الخاصة نوعان: -التأمينات الشخصية: ومثالها الكفالة: وهي التي تعطي الدائن حقاً شخصياً، ويكون من شأنها ضم ذمة إلى ذمة المدين عند المطالبة بالدين، فإذا أعسرت إحداهما يكون له في يسار الأخرى ما يضمن له الوفاء بدينه. وإن هذا النوع من التأمينات لايعطي الدائن ضماناً أكيداً بالوفاء بدينه، إنما يجعل الفرصة أمامه أكبر، والمخاطر التي يتعرض لها أقل.
التأمينات العينية: Les Suretés Zeeles:
وهي التي يتم اللجوء إليها عند عدم الثقة بالتأمينات الشخصية، وتعني تخصيص مال يملكه المدين أو شخص آخر لضمان الوفاء بالدين في موعد الاستحقاق، ويكون بموجبها للدائن الحق بتتبع هذا المال في أي يد ينتقل إليها والتنفيذ عليه عند عدم الوفاء بالدين حجزاً أو بيعاً، ويكون له الأولوية على غيره من الدائنين في استيفاء دينه منه. وأهم التأمينات العينية المعروفة في القوانين العربية هي الرهن الحيازي والرهن العقاري وحق الامتياز.
الرهن:
عقد يلتزم بمقتضاه الراهن أن يخصص عقاراً أو منقولاً مملوكاً له لضمان الوفاء بالدين، ويضعه تحت يد الدائن أو في يد شخص ثالث متفق عليه، ويكون من حق الدائن حبس المال المرهون حتى يستوفي دينه كاملاً، وله الحق في تتبعه والتنفيذ عليه جبراً في أي يد واستيفاء دينه من ثمنه بالتقدم على غيره من الدائنين. من هذا التعريف تتحدد خصائص الرهن بما يلي:
1ـ إن الرهن رضائي لا ينشأ إلا بالعقد، ويسري عليه ما يسري على العقود من أحكام.
2ـ إن الرهن حق عيني يمنح صاحبه مزيتي التتبع والتقدم، وبمقتضى ذلك فإنه من حق المرتهن أن ينفذ على المال المرهون في أي يد ينتقل إليها، وأن يستوفي حقه منه قبل غيره من الدائنين.
3ـ إن الرهن حق عيني تابع، فهو لا يوجد مستقلاً بذاته، إنما يوجد من أجل ضمان الوفاء بالتزام أصلي، بمعنى أنه تابع للدين الذي يضمنه من حيث النشوء، والصفات والعيوب، والانتقال، والانقضاء.
4ـ إن الرهن يرد على عقار كما يرد على منقول من غير تفريق.
5ـ إن الرهن لايقبل التجزئة، بمعنى أن المال المرهون وكل جزء منه يعد ضامناً للوفاء بالدين كاملاً، ولكل جزء منه ما لم يوجد اتفاق على غير ذلك.
إنشاء الرهن:
ينشأ الرهن بالعقد، وعليه فإنه يتوجب أن تتوافر فيه الأركان والشروط التي يتطلبها القانون في جميع العقود من رضا وأهلية ومحل وسبب، إضافة إلى الشروط الخاصة المميزة له.
الشكلية في عقد الرهن:
إن الشكلية ركن في عقد الرهن، إذ لا يكتفي أن تتوافر فيه الأركان السابقة، وإنما يجب أن يراعى في تنظيمه شكلية معينة، من أجل حماية حقوق الغير من جهة، ومن أجل ترتيب حق الأفضلية من جهة أخرى، لهذا فإن الرهن الذي يكون محله عقاراً يجب أن يسجل في السجل العقاري، وكذلك تسجيل كل ما يطرأ عليه من تعديلات، وإن الرهن الوارد على عقار لايعد موجوداً بالنسبة للغير إلا من تاريخ التسجيل في السجل العقاري، لذلك فإن رهن العقارات غير المحددة وغير المحررة غير صحيح، لعدم إمكانية تسجيل الرهن في القيود العقارية.
أما رهن المنقول الذي تكون قيمته أكثر من مئة ليرة سورية فيتوجب إفراغه بسند رسمي أو سند عادي ثابت التاريخ، ويجب أن يتضمن السند مقدار الدين المضمون، والأشياء المرهونة من حيث النوع والماهية، حتى يتمتع المرتهن الدائن بحق الامتياز على المال المرهون.
انتقال حيازة المال المرهون:
إن الرهن لاينشأ صحيحاً إلا إذا انتقلت حيازة المال المرهون من الراهن إلى الدائن، أو إلى شخص آخر متفق عليه، أو وضعه تحت الحراسة، ويتوجب استمرار الحيازة للمال المرهون طيلة مدة الرهن، كي لا يتعرض الدائن لفقدان امتيازه عليه، وإنه من حق الحائز للمال المرهون أن يطالب باستعادته من تحت أي يد عملت على نزع حيازته، وأن يقيم بشأنه دعاوى الحيازة إذا كان عقاراً، ودعوى الاستحقاق إذا كان منقولاً.
آثار الرهن: يرتب الرهن الصحيح آثاراً قانونية للمتعاقدين وللغير.
أ ـ آثار الرهن فيما بين المتعاقدين: ينشئ عقد الرهن التزامات وحقوقاً فيما بين المتعاقدين وفقاً للآتي:
1ـ التزامات الراهن وحقوقه:
يترتب على الراهن بمجرد إنشاء عقد الرهن أن يسلم المال المرهون إلى الدائن، أو إلى الشخص المتفق عليه بالعقد، وإذا كان المال المرهون عقاراً، وجب فوق ذلك تسجيل الرهن في السجل العقاري، كما يتوجب عليه ألاّ يتعرض للدائن في حيازة المال المرهون، سواء أكان هذا التعرض قانونياً، أم كان تعرضاً مادياً، وعليه ألاّ يقوم بأي تصرف يترتب عليه إخراج المال المرهون من تحت يد الحائز المرتهن، وأن يمتنع عن أي عمل من شأنه نزع الحيازة، أو القيام بأي عمل يترتب عليه الإنقاص من الضمان. كما يلتزم ضمان هلاك أو تعيب المال المرهون، لأن المال المرهون يكون تحت يد الدائن وبعهدة الراهن، فإذا ما تعرض المال المرهون إلى الهلاك أو التلف فعندئذ يكون من حق الدائن أن يطالب بدينه أو أن يطالب بضمان آخر.
مع ذلك يبقى الراهن مالكاً للمال المرهون، وله عليه جميع سلطات المالك ما عدا ما يتعارض منها مع حق الدائن، إلا أنه لا يملك الحق بالتصرف بالمال المرهون طيلة عقد الرهن إلا باتفاق الطرفين، ويعد كل عقد يتم خلاف ذلك باطلاً، لأن إعطاء الحق بالتصرف يعطل الحق بالحبس المعطى للدائن.
2ـ التزامات الدائن وحقوقه:
يتعين على الدائن أن يعتني بالمال المرهون من حيث الصيانة وإجراء الإصلاحات المفيدة والضرورية، وعليه أن يبذل في ذلك عناية الرجل العادي، وإذا ما قصر في ذلك يكون مسؤولاً تجاه الراهن عمَّأ يصيب المال المرهون واستغلاله وفقاً لطبيعة المال المرهون ووفق الغاية التي أعد من أجلها، إلا أنه لا يجوز له أن ينتفع به لمصلحته الشخصية من دون موافقة الراهن، ويلزم في هذه الحال بأن يحسم ما يعادل المنفعة من النفقات التي صرفها على المال المرهون، من الفوائد إذا كان الدين المضمون بفائدة، وإذا ما بقي شيء فإنه يحسم من رأس المال. ويجوز أن يتفق الراهن والدائن على أن يأخذ الدائن غلة المال المرهون مقابل الفائدة على رأس المال، ويكون هذا الاتفاق صحيحاً إذا كانت الغلة لاتزيد على 9%، أما إذا زادت الغلة على 9% فإن الاتفاق لايكون صحيحاً بالزيادة. وإذا أساء الدائن الإدارة أو الاستعمال أو الاستغلال، فإن من حق الراهن أن يطالب بوضع المال المرهون تحت إدارة حارس قضائي، وإذا ما أصاب المال المرهون عيبٌ أو إذا نقصت قيمته فأصبح الدائن يخشى أنه لم يعد كافياً لضمان الوفاء بالدين، فإن هذا يستطيع أن يقيم الدعوى بطلب بيع المال المرهون بالمزاد العلني، أو بسعر البورصة أو السوق، وإذا ما أذن القضاء بذلك وجب إيداع الثمن في مصرف رسمي ويبقى مخصصاً للوفاء بالدين، إلا أنه يمكن للراهن في هذه الحالة أن يعترض على البيع، وأن يطالب باسترداد المال المرهون، ويعرض تقديم مال آخر يجد القاضي أنه كاف لضمان الوفاء بالدين. كما يحق للراهن إذا وجد أن بقاء المال المرهون تحت يد الدائن يؤدي إلى تعيُّبه أو نقص قيمته أن يقيم الدعوى بمواجهة الدائن مطالباً ببيع المال وإيداع الثمن في مصرف رسمي يخصص للوفاء بالدين، وله أن يطالب باسترداده على أن يقدم تأميناً آخر يراه القاضي كافياً لضمان الوفاء بالدين. ويتوجب أيضاً على الدائن أن يرد المال المرهون إلى الراهن عند انتهاء الرهن، وبعد استيفاء دينه كاملاً، وكل مايتصل به من فوائد ونفقات. ويشتمل الرد على المال ذاته بالإضافة إلى ما لحقه من نماء أو زيادات، وإذا كان المال المرهون قد هلك واستوفى الدائن تعويضاً عنه وجب عليه أن يرده إلى الراهن مع فوائده إذا كان له فوائد.
أما حقوق الدائن فإنها تتجلى في الامتياز المترتب له على المال المرهون، إذ يكون له الحق في حبسه حتى استيفاء دينه وملحقاته، وله أيضاً امتياز عام ـ بوصفه دائناً عادياً ـ على جميع أموال مدينه، وذلك عند عدم كفاية المال المرهون المخصص للوفاء بالدين.
ب ـ آثار الرهن فيما بين الدائن المرتهن والغير: يرتب عقد الرهن للدائن حقوقاً بمواجهة الغير هي:
1 ـ حق التتبع: ويعني أن للدائن المرتهن تتبع المال المرهون في أي يد ينتقل إليها، وإذا خرج المال المرهون من حيازته فله الحق بطلب استرداده سواء بوساطة دعاوى الحماية، أو دعوى الاستحقاق.
2ـ حق الحبس: للدائن الحق بحبس المال المرهون حتى يستوفي دينه كاملاً إضافة إلى الفوائد والنفقات، ويبقى له هذا الحق ولو انتقلت الملكية إلى الغير، ولو كان المال المرهون تحت يد شخص ثالث.
3ـ حق التقدم: ويعني أنه إذا لم يقم المدين بالوفاء بالدين في موعد الاستحقاق، فإنه من حق الدائن أن يتخذ إجراءات نزع الملكية والبيع الجبري للمال المرهون، وله الحق في التقدم على غيره من الدائنين في استيفاء دينه أولاً، ويشتمل الدين على رأس المال، والفوائد الاتفاقية حتى تاريخ البيع، وكذلك النفقات التي دفعها الدائن من أجل الحفاظ على المال المرهون وصيانته إذا كانت ضرورية أو مفيدة، ما لم يوجد اتفاق على غير ذلك.
ج ـ آثار الرهن فيما يتعلق بتزاحم المرتهنين:
يمكن إنشاء أكثر من رهن واحد على العقار أو المنقول الواحد إلا أنه يتوجب في هذه الحالة إمَّا تسليمه إلى شخص ثالث، أو أن يتم تسليمه إلى أحد الدائنين ليضع يده عليه لحساب نفسه، ولحساب بقية الدائنين، ويكون التقدم والأولوية على العقار بحسب تاريخ تسجيل رهوناتهم في السجل العقاري، ويكون التقدم والأولوية على المنقول بحسب التاريخ الثابت لرهوناتهم، إذ يتقدم الأسبق في التاريخ على من يليه. انقضاء الرهن: ينقضي الرهن إمَّا تبعاً لانقضاء الالتزام المضمون وإما بصورة أصلية وفقاً لما يلي:
أـ انقضاء الرهن تبعاً لانقضاء الالتزام المضمون: إن الرهن حق تابع للالتزام الذي يضمنه، ويدور معه وجوداً وعدماً، وبذلك ينقضي بانقضاء الالتزام، وينقضي الالتزام إمَّا بالوفاء أو بالإبراء أو بالإسقاط أو بالإبطال، إلا أن الالتزام المضمون برهن لايسقط بالتقادم، لأن حيازة المال المرهون من قبل الدائن تعد كالإقرار الضمني من المدين بوجود الدين، والإقرار يقطع بالتقادم.
ومن أجل انقضاء الرهن تبعاً لانقضاء الدين (الالتزام)، يتوجب أن يقع الانقضاء على الدين كله، فإذا ما بقي جزء منه فإن الرهن يبقى بتمامه، لعدم جواز تجزئة الرهن. وأن قاعدة عدم جواز تجزئة الرهن ليست من النظام العام، يمكن الاتفاق في عقد الرهن على أن يحرر جزء من المال المرهون كلما تم الوفاء بجزء من الدين.
ب ـ انقضاء الرهن بصورة أصلية:
ينقضي الرهن على وجه الاستقلال في الحالات التالية:
1ـالانقضاء بالتنازل: يحق للدائن المرتهن أن يتنازل عن المال المرهون بإرادته المنفردة، من دون موافقة الراهن، وإن التنازل يمكن أن يكون صريحاً، ويمكن أن يكون ضمنياً، وعلى من يدعي التنازل أن يقدم الدليل، وقد وضع المشرع قرينتين قانونيتين بسيطتين (قابلتين لإثبات العكس) على قيام التنازل هما إرجاع المال المرهون وموافقة المدين على التصرف بالمال المرهون من دون تحفظ، كما لو وقع شاهداً على عقد البيع.
2ـ الانقضاء بالهلاك: ينقضي الرهن إذا هلك المال المرهون هلاكاً كلياً، أما إذا كان الهلاك جزئياً، فلا ينقضي الرهن، ويبقى ما بقي أي جزء منه، والهلاك الكلي يمكن أن يكون مادياً، كما لو تلف، أو تهدم، ويمكن أن يكون قانونياً، كما لو تم استملاك العقار، أو الاستيلاء على المنقول من قبل الدولة. ففي هذه الحالة ينتقل الرهن إلى مبلغ التعويض الذي سيدفع بسبب الاستملاك، أو الاستيلاء.
3ـ الانقضاء باتحاد الذمة: ينقضي الرهن إذا اجتمعت في شخص واحد صفة الراهن وصفة الدائن، كما لو اشترى الدائن المال المرهون، أو آل إليه إرثاً.
4ـ الانقضاء بالبيع: ينقضي الرهن إذا بيع المال المرهون، سواء تم نتيجة التنفيذ الجبري عليه من قبل الدائن، أو تم بناء على طلب الراهن، أو طلب الدائن، وينتقل الرهن في هذه الحالة إلى ثمن المال المرهون.