أحكام زواج المسلم من كتابية في مصر
الزواج
شرع الله سبحانه وتعالى الزواج وحثّ عليه، وحثّ على تكوين الأسرة التي تقوم على شريعته وتطبيق أحكامه، فحثّ الإسلام على الزواج بذات الدين، والخلق الحسن، والتقوى، قال الله سبحانه وتعالى: (وَلَا تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلَا تُنكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُوْلَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ)،[١] ولم يمنع الإسلام المسلم من الزواج من أهل الكتاب، ولكن وضع شروطاً لهذا الزواج، وهذا ما ستتناوله هذه المقالة بإذن الله.[٢]
معنى الزواج وحكمه
معنى الزواج لغة واصطلاحاً
الزّواج في اللغة مأخوذ من زوَّج الشّيء، وزوّجه إليه: أي ربَطهُ به، وهو بمعنى الاقتران والارتباط، ويُطلَق على كلّ واحدٍ من الزّوجين اسم زوجٍ إذا ارتبطا بعقد نكاحٍ.[٣] أمّا الزواج في الاصطلاح فقد عرّفه فقهاء الحنفية بأنّه عقد يُفيد مُلك المتعة بالأنثى قصداً؛ أي يفيد حل استمتاع الرجل بامرأة لم يمنع من نكاحها مانع شرعي، أمّا فقهاء المالكية فعرّفوا النكاح أو الزواج بأنّه: عقد لحلّ التمتُّع بأنثى ليست من المحرّمات بسبب النسب، أو الرضاع، أو المصاهرة، وليست مجوسية، وليست أَمة كتابية بصيغة، أما فقهاء الشافعية فعرّفوه بأنّه: عقد يتضمّن إباحة وطء بلفظ إنكاح أو تزويج أو ما كان في معناهما، أما عند فقهاء الحنابلة فالنكاح: عقد التزويج، أي عقد يعتبر فيه لفظ نكاح أو تزويج أو ما كان في معناهما.[٤]
حكم الزواج
ذهب الفقهاء إلى أنّ للزواج بشكل عام أحكاماً خمسة؛ الوجوب، والندب، والإباحة، والكراهة والتحريم، وفيما يلي بيان لذلك:[٥] يكون الزواج واجباً في حق من تتوق نفسه إليه، ويخشى على نفسه الوقوع في الحرام. يكون الزواج مندوباً ومستحباً في حق من تتوق نفسه للزواج ولا يخشى على نفسه الوقوع في الحرام. يكون الزواج مباحاً في حق من لا توجد لديه شهوة في الزواج كالعنين، والكبير في السن. يكون الزواج مكروهاً في حق من لا تميل نفسه للزواج، ولا يجد الشهوة إليه، ويخاف الوقوع في الجور ومنع الزوجة من حقوقها. يكون الزواج محرّماً إذا الرجل المريد للزواج في دار كفَّار حربيِّين؛ وذلك لأنَّ فيه تعريضًا لذريَّته وأهله للخطر من استيلاء الكفَّار عليهم، وعدم أمانه على زوجته.
أما زواج المسلم من الكتابيات كاليهودية، والمسيحية فيجوز له الزواج منهنّ بشروط سيأتي بيانها، أمّا الزواج من النساء الكافرات اللواتي لا ينتمين إلى أهل الكتاب كالهندوسية، والبوذية، والملحدة فهؤلاء يحرم الزواج منهنّ.
شروط زواج المسلم من مسيحيّة
يجوز زواج المسلم من مسيحيّة، ولكن بشروط وهي:[٢] على المسلم بداية التأكد من أنّ المرأة التي يريد الزواج بها كتابية؛ يهودية أو نصرانية، على أيّ فرقة منها كاثوليكية أو بروتستانتية أو أرثوذكسية، وأنّها ليست ملحدة أو مرتدة أو لا دينية. أن تكون المرأة التي يريد المسلم الزواج بها عفيفة محصنة، فالله سبحانه وتعالى قيّد الإباحة بالزواج من الكتابيات بالإحصان؛ فقال في كتابه العزيز: (وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ).[٦] نص بعض أهل العلم على اشتراط ألا تكون المرأة التي يريد المسلم الزواج بها حربية معادية للإسلام محاربة له. ألا تكون في الزواج من المسيحية فتنة، ولا ضرر محقق أو مرجح، فاستعمال المباحات كلها مقيّد بعدم حدوث الضرر.
أضرار زواج المسلم من المرأة الكتابية
من أضرار زواج المسلم بالمرأة الكتابية ما يلي:[٢] انتشار زواج الرجال المسلمين من النساء الكتابيات تنتج عنه زيادة نسبة العنوسة في بنات المسلمين. في الوقت الحاضر من يتزوّج من بلد كافر فإنّه يتزوج وفق قوانين تلك البلد التي هو فيها، فتطبق عليه نصوص قوانين تلك البلد، فلا تكون ولاية للمسلم على زوجته وأولاده. ومن الأضرار التي تنتج أيضاً عن الزواج بالمرأة الكتابية، أن يكون المسلم بموضع يخافُ فيه على ولده بأن يُجْبر على الكفر، أو يؤخذ منه عنوة ليسلم إلى أمه النصرانية أو اليهودية لتربيته.
مقاصد الزواج
قسّم العلماء مقاصد الزواج أو النكاح إلى قسمين، هما:[٧]
المقاصد الأصلية للزواج:
ويُقصد بها المقاصد التي كان النكاح لأجلها أو لتحقيقها، وهما أمران؛ أولاً: طلب الولد، وابتغاء النسل، وتكثير الأمة المحمدية، وكثرة النسل يكون بهدف تحقيق العمارة في الكون، والمحافظة على بقاء النوع البشري، وطلب الولد أمر فطري عند الإنسان، وقد نصّ الفقهاء على أنّ المقصود الأصلي من النكاح هو طلب الولد، مستدلّين على ذلك بعدد من النصوص من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، منها؛ قول الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)،[٨] ووجه الدلالة بالآية الكريمة أنّ الزواج مشروع لتحقيق النسل والذرية، وقد فسر بعض أهل التفسير أنّ المقصود بالمودة في الآية الجماع، والمقصود بالرحمة الولد، واستدلوا أيضاً بقول الله سبحانه وتعالى: (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا)،[٩] ووجه الاستدلال بالآية الكريمة أنّ طلب الولد وابتغاء النسل أمر فطري، لذلك يلجأ الإنسان إلى ربه بطلبه منه، ثانياً: حفظ الأنساب والفروج؛ فقد حرّم الإسلام الزنا، والأنكحة الباطلة حتى تُصان الحرمات.
المقاصد التبعية للزواج:
ويُقصد بها المقاصد التي يُراعى فيها ما جُبلت النفس الإنسانية المكلّفة عليه، وهذه المقاصد تخدم المقاصد الأصلية للزواج، وتترتب على الزواج بعد ترتب المقاصد الأصلية، ومن أمثلة المقاصد التبعية؛ تحقيق المتعة بين الزوجين، وتحقيق التواصل والسكن والمودة والرحمة بين الزوجين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- ↑ سورة البقرة، آية: 221.
2- ^ أ ب ت “الزواج من غير المسلمة”، الدليل الفقهي، اطّلع عليه بتاريخ 1-7-2017، بتصرّف.
3- ↑ ابن منظور (1973)، لسان العرب (الطبعة الثانية)، بيروت: دار الفكر، صفحة 60، جزء 2، بتصرّف.
4- ↑ وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية – الكويت (1427هـ)، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة الثانية)، الكويت: وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، صفحة 205، جزء 41، بتصرّف.
5- ↑ د.عبد المجيد الدهيشي (24-1-2012)، “حكم الزواج وأهميته”، شبكة الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 1-7-2017. بتصرّف.
6- ↑ سورة المائدة، آية: 5.
7- ↑ حسن السيد حامد خطاب (2009)، مقاصد النكاح وآثارها دراسة فقهية مقارنة (الطبعة -)، صفحة 10-13، بتصرّف.
8- ↑ سورة الروم، آية: 21.
9- ↑ سورة الفرقان، آية: 74.