أسباب ترك الخصومة وإجراءات تركها و الآثار المترتبة علي الترك.
نعني بترك الخصومة ذلك الإعلان الذي يصرح به المدعي تعبيرا عن إرادته في إنهاء الخصومة دون حكم في الموضوع أو بعبارة أخرى هو تنازل المدعي عن الخصومة وعن كافة إجراءاتها بما في ذلك عريضتها الافتتاحية مع احتفاظه بأصل الحق الذي يدعيه، وهو الأمر الذي يميز الترك عن التنازل عن الدعوى الذي يعد عدول عن الحق محل النزاع.
ولقد تعرض المشرع الجزائري لأحكام ترك الخصومة وإجراءات مباشرتها في المادة 97 ق.إ.م والتي تنص:” ترك الخصومة إذا كان بغير قيد أو شرط يجوز طلبه كتابة أو إبداؤه في محضر يحرر لذلك، ويثبت ترك الخصومة بحكم “.
” غير أن المشرع لم يعط المدعي مطلق الحرية في التنازل عن الدعوى إذ قد يكون للمدعى عليه مصلحة في المضي بالخصومة إلى حكم إلا أن بعض التشريعات تجيز اعتراض المدعى عليه ترك الخصومة “.
أسباب ترك الخصومة.
هناك مجموعة من الأسباب التي تؤدي إلى ترك الخصومة نوردها فيما يلي:
1- أن يترك المدعي الخصومة حتى يعيد النظر في دعواه ضد المدعى عليه، كأن تفتقد هذه الدعوى إلى الأسانيد والحجج القانونية الأمر الذي يدفع القاضي برفض دعواه.
2- حدوث خطأ من المدعي يدفعه إلى رفع دعوى تبعا لذلك الخطأ.
3- هذا السبب متعلق بالمدعى عليه كأن يكون هذا الأخير فقيرا أو ذو أوضاع اجتماعية مزرية أين يشعر المدعي بعدم جدوى المطالبة القضائية.
4- لجوء الطرفين أي المدعي والمدعى عليه إلى المصالحة خارج جلسات المحكمة وهو ما يصطلح عليه بالصلح.
إجراءات ترك الخصومة:
يجوز ترك الخصومة في أية مرحلة من مراحل التقاضي، وفي كل درجة هناك إجراءات تتبع.
1- ترك الخصومة أمام المحكمة أو المجلس القضائي:
لقد نصت عليها المادة 97 ق.إ.م، والتي توجب اتباع الإجراءات التالية:
أ- إعلان المدعي عن إرادته في ترك الخصومة:
ونفرق بين حالتين:
الحالة الأولى: إعلان الترك قبل تبليغ المدعى عليه أو بعد إعلامه مع عدم حضوره، فهنا يقدم المدعي أمام رئيس المحكمة ويبدي طلبه شفاهه أو كتابة أين ” يتولى رئيس الجلسة بتسجيل طلبه مبينا ذلك تحت عبارة (إشهاد بترك الخصومة من قبل المدعي) على أن يمكنه من توقيع طلبه ذلك “. ومهما يكن فلا بد أن يكون هذا الترك بدون شرط لأن الغاية المتوخاة من ترك الخصومة هي إزالة النزاع.
الحالة الثانية: وهي حالة إعلان الترك بحضور المدعى عليه، وهنا قد يفاجئ المدعى عليه بترك الخصومة من قبل المدعي وفي هذه الحالة لا يخرج الأمر عن أحد الأمرين:
– أولهما: أن يوافق المدعى عليه المدعي في ترك الخصومة ويوقع المدعى عليه طلب الترك وهنا لا إشكال.
– وثانيهما: أن يرفض المدعى عليه إجراءات ترك الخصومة الذي اتخذه المدعي، وهذا ما يدفعنا للحديث عن
ب – قبول المدعى عليه ترك الخصومة:
لا يكون لإعلان المدعي عن رغبته في ترك الخصومة أي أثر لأن كل ذلك متوقف على موافقة المدعى عليه بهذا الإعلان أي تطابق إيجاب المدعي بقبول المدعى عليه، ومتى رفض المدعى عليه الطلب فلا يجوز إرغامه على هذا الترك لأن الدعوى متى صارت إليه يعد شريكا فيها إلى جانب المدعي وهذا الأخير لا يجوز له التصرف فيها بمفرده،
وهنا قد يثور تساؤل مفاده: ماذا لو تراجع المدعى عليه عن الموافقة على ترك الخصومة؟.
كإجراء وقائي يمكن القول بأنه على المحكمة قبل إصدارها حكم الترك أن تتحرى بشكل جيد أن النزاع انتهى فعلا مع إلزام المدعي أن يحيط طلب ترك الخصومة بمجموعة من الضمانات.
2- ترك الخصومة أمام المحكمة العليا.
في هذا الصدد “يمكن التمييز بين حالتين وفق الحالة التي وصلة إليها الإجراءات “. وهو الأمر الذي نصت عليه كلا من المادتين 261 و262 ق.إ.م.
فالحالة الأولى نصت عليها المادة 261 ق.إ.م بقولها:” للطاعن أن يترك طعنه ما لم يكن قد تم تبليغ المطعون ضده، وذلك بأن يطلب من المحكمة مجرد إثبات هذا الترك “، فهنا طلب الترك يكفي أن تشير إليه المحكمة العليا وذلك بتدوينه على ظهر ملف القضية .
أما الحالة الثانية فنصت عليها المادة 262 ق.إ.م بقولها :”لا يجوز إثبات ترك الخصومة بدون أسباب إذا كانت الخصومة في الطعن قد انعقدت إلا إذا قبل المطعون ضده هذا الترك صراحة أو ضمنا قبل انقضاء المهلة المحددة في هذا الخصوص “، وهو ما يعني معه أن ترك الخصومة لا يجب تقديمه دونما أسباب، كما لا يجوز قبوله إذا كان مرتبط بشروط وذلك متى تم تبليغ المطعون ضده هذا الترك صراحة وقدم مذكراته، غير أن للمطعون ضده قبول ترك الطاعن حتى ولو قدم مذكراته بموجب مذكرة يعلن فيها صراحة هذا الترك.
ويمكن أن يكون قبول الترك ضمنيا وذلك ما يستفاد من امتناع المطعون ضده عن الرد رغم إبلاغه بعريضة الطعن.
آثار ترك الخصومة
لما تصدر المحكمة حكمها بانقضاء الخصومة عن طريق الترك، وبعد التحقق من توافر شروطه، ولكن ما يلاحظ أن حكم المحكمة ما هو إلا حكم تقريري وليس إنشائي بمجرد تحقق هذه الشروط ويمكن ذكر بعض الآثار المترتبة عن طريق الخصومة فيما يلي:
إلغاء جميع إجراءات الدعوى وكافة الآثار القانونية المترتبة عن قيامها:
بما في ذلك آثار العريضة الافتتاحية، ولكن هذا الأثر لا يمتد إلى الحق الذي رفعت لأجله الدعوى إذ يكون لصاحب هذا الحق إمكانية رفع دعوى من جديد ما لم يكن هذا الحق قد انقضى بالتقادم.
هذا وقد ينصب الترك على إجراء من إجراءات الخصومة كطلب تعيين خبير أو طلب خروج المحكمة للمعاينة فيقتصر أثر الترك على هذا الإجراء ولا يسري على باقي الإجراءات، وقد ينتج الترك أثره في أي جهة على الإجراءات المتبعة أمام هذه الجهة دون غيرها.
الحكم على طالب ترك الخصومة بالمصاريف القضائية:
ما لم يتفق الطرفان على خلاف ذلك، بالإضافة إلى ذلك تنص المادة 263 ق.إ.م على أن:” إثبات ترك الخصومة يعد بمثابة (حكم) برفض الطعن، ويترتب عليه في جميع الأحوال الحكم على الطاعن بالمصاريف والغرامة المالية والتعويضات المحتمل ترتبها و المنصوص عليها في المادة 271 ق.إ.م “، الفقرة الأخيرة تشير إلى الآثار المترتبة عن الترك إذ قررت أن المصاريف والغرامات والتعويضات المحتمل الحكم بها في حالة تعسف الطاعن في استعمال حقه أو أثناء خسره للدعوى.