أنواع الودائع المصرفية الإلكترونية في القانون التجاري المصري.
أن الودائع المصرفية تنقسم إلى إيداع النقود، إيداع الصكوك، إيداع الأشياء الثمينة أو الشخصية، ولكن سيقتصر حديثنا على إيداع النقود والصكوك فقط لمحاولة إبراز كيفية تحويل هاتين العمليتين من الشكل التقليدي إلى الشكل الإلكتروني.
أولاً: إيداع النقود:
تبنت المادة 301 من القانون التجاري الجديد تعريف الوديعة النقدية المصرفية بأنها، “عقد يعطي البنك ملكية النقود المودعة والتصرف فيها بما يتفق ونشاطه مع إلتزامه برد مثلها للمودع طبقاً لشروط العقد”.
ومع ذلك إن التعامل الواقع على هذه النقود يعطى الوديعة مفهوم أوسع بحيث لا تقتصر على المبالغ التى يسلمها العميل للبنك، بل تتسع لتشمل كافة المبالغ التى يكون العميل منها دائناً للبنك، والمستحقة الدفع المقيدة في الجانب الدائن لحساب العميل لدى البنك([1]).
كما نصت م302 من نفس القانون على أن “يفتح البنك حساباً تقيد فيه جميع العمليات التى تتم بين البنك والمودع أو البنك والغير لحساب المودع” وقد يقترن هذا العقد بكافة العمليات الآخري كالأقراض، الخصم، الأعتمادات([2]).
تأسيساً على أن محل الحديث هنا هو النقود فإن الأمر يقتضي منا تعريف النقود الإلكترونية التى ستحل محل النقود التقليدية المستخدمة في هذا النوع من التعامل.
تعريف النقود الإلكترونية E-Money definition
يتفق الفقهاء على عدم وجود تعريف محدد للنقود الإلكترونية بالأضافة لأختلاف نتائج إجتهادهم في هذا الشأن إلا أن ذلك لن يحول دون أن نقوم بعرض بعض التعريفات التى تلائم مجال حديثنا لنتعرف على ملامح هذا الشكل الجديد من النقود.
فالبعض يري أن النقود الإلكترونية هي النقود المخزنة إلكترونياً أو المدفوعة إلكترونياً والتي تأخذ الأشكال الآتية:
بطاقات الوفاء Debit cards– البطاقات المدفوعة القيمة Stored – value card – النقد الإلكتروني e – Cash – الشيكات الإلكترونية e – Checks. ([3]) وهذا يتفق مع الشكل التقليدي المنصوص عليه في م302 السابق الأشارة إليها.
بعض التحليلات الأخري تعرفها بأنها هي أشكال النقود التى تختزن وتتحرك من خلال برامج الكمبيوتر والرسائل الإلكترونية، وهذا المفهوم يوسع من نطاق استخدام لفظ النقود الإلكترونية، ويري البعض الآخر أنها دليل على التطورات التكنولوجية في المجال المصرفي([4]).
والبعض يري أنها تأحد صورها آليات الدفع مختزنة القيمة أو سابقة الدفع، والتى تمكن من إجراء مدفوعات من خلال استخدام شبكة الأنترنت وقد يطلق عليها نقود الشبكة أو النقود السائلة الرقمية([5]).
أما البنك المركزى الأوروبي (BCE) فيري أنه توجد نقود إلكترونية عندما يكون هناك قيمة نقدية تخزن إلكترونياً على بطاقة بلاستيكية، قد تستخدم في السحب النقدي أو تسوية مدفوعات وحدات اقتصادية أخري غير تلك التى أصدرت البطاقة([6]).
وبذلك نجد أن كل التعريفات السابقة تقاربت لتتلاقي عند نقطة واحدة وهي أن النقود الإلكترونية هي وسيلة الدفع النقدية وكذلك الأيداع المستخدمة إلكترونياً عبر شبكات الأنترنت كمخزون إلكتروني لقيمة نقدية يمكن استخدامها في تسوية المدفوعات.
وبالتالي فإن هذه النقود تتطلب تدخل أداتين رئيسيتين:
1- مستند أو صك أي بطاقة إلكترونية ذات قوام بلاستيكي، تحوى تياراً من المعلومات المشفرة المتنقلة ومصنوعة بمواصفات تضمن سلامة المعلومات المنطوية عليها.
ووحدات الدفع المبرمجة في هذه البطاقة تشتري إما مباشرة بواسطة نقود سائلة، لأجراء التخزين الإلكتروني لهذه القيمة النقدية لاستخدامها في تسوية المدفوعات لوحدات أخري غير تلك المصدرة للبطاقة (بطاقات الدفع المسبق)، أو من خلال دين يحمل على حساب بنكى (بطاقات الدفع اللاحق).
2- منفذ إلكتروني تستخدم فيه البطاقة لأنجاز عملية تسجيل إلكترونية لمعلومات مالية، سواء تمثلت في أحد منافذ التوزيع (الصراف الآلي) في البنوك أو غيرها من منافذ التوزيع الأخري، أو بتدخل الكمبيوتر الشخصي المتصل بشبكة الأنترنت([7]).
والتالي يمكن لأي شخص الدخول إلى الموقع الإلكتروني للبنك المعنى وطلب فتح حساب سواء كان ذلك البنك في بلده أو في بلد آخر وذلك إذا كان البنك المعنى يسمح بذلك([8]).
وبذلك نكون متفقين مع آلية التعامل التقليدي الذى كان يجري على الوديعة النقدية المصرفية، ولكن كل مافي الأمر هو تغير وسيلة التعامل إلى وسيلة إلكترونية.
ويستطيع العميل التصرف في نقوده المودعة في حسابه بعدة طرق أما عن طريق السحب مباشرة من البنك أو عن طريق التحويل المصرفي، أو عن طريق النقل المصرفي([9]). وذلك يعد من صور الوديعة النقدية المصرفية أو يسمى بالوديعة لدى الطلب (الوديعة الجارية) ([10]).
وذلك التعامل في النظام التقليدي يكون في حالة السحب المباشر بإصدار شيك أما في حالة النقل أو التحويل المصرفي عن طريق أوامر النقل أو التحويل المصرفي([11]). وسوف نقوم بالحديث عن كيفية السحب المباشر إلكترونياً دون عملية النقل أو التحويل المصرفي لأنه سيتأتى تفصيلها في الفرع التالي.
كما ذكرنا أنفاً أن السحب المباشر يتم عن طريق الشيك الورقي ولذلك فإن التحول للنظام الإلكتروني يتطلب شبكات إلكترونية أسهل في التعامل وأقل تكلفة للوقت. والشيك الإلكتروني – Eelectronic Check– هو: المكافئ الإلكتروني للشيكات الورقية التقليدية التى أعتدنا التعامل بها،
وهو عبارة عن رسالة إلكترونية موثقة ومؤمنة يرسلها مصدر الشيك إلى مستلم الشيك (حامله) ليعتمده ويقدمه للبنك الذى يعمل عبر الأنترنت، ليقوم البنك أولاً بتحويل قيمة الشيك المالية لحساب حامل الشيك وبعد ذلك يقوم بإلغاء الشيك وإعادته إلكترونياً إلى مستلم الشيك (حامله) ليدرك بذلك على أنه قد تم صرف الشيك فعلاً ويمكن لمستلم الشيك أن يتأكد إلكترونياً أنه قد تم بالفعل تحويل المبلغ لحسابه([12]).
وبذلك فإن الشيكات الإلكترونية تسمح لمستخديمها القيام بتسوية جميع المعاملات المتعلقة بهذه الشيكات عبر شبكة الأنترنت دون حاجة لاستخدام الشيك الورقي، بالأضافة لذلك فإنها تتميز بانخفاض تكلفتها عن الشيكات الورقية، ونتيجة لهذه المميزات بدأت بعض الأجهزة في استخدامها مثل إدارة الحسابات في دولة فرجينيا قامت باستخدام هذه الشبكات في مايو 1994 وذلك لتسوية بعض الحسابات الدولية([13]).
والشيك الإلكتروني يعتبر إرساء لنظام دفع جديد يستخدم أي شخص للدفع لآخر سواء كان ذلك بين مستهلك وآخر (C.to C)، أو بين رجال الأعمال والمستهلكين (B.to.C)، أو بين رجال الأعمال بعضهم لبعض([14]). (B.to.B).
من صور الوديعة النقدية أيضاً الوديعة بشرط الأخطار وهي تلك التى لايستردها العميل إلا بعد مدة من إخطار البنك، والوديعة لأجل والتىلا يستردها البنك إلا بعد مرور مدة معينة([15]). وفي شأن تحويلها للنظم الإلكتروني فأننا سنتحدث فقط عن كيفية تحكم البنك في الأحتفاظ بكل منها تبعاً للقواعد المتفق عليها في العقد من البداية حسب نوعها.
ونحن نرى في شأن ذلك أنه على البنك عندما يكون لديه وديعة بشرط الأخطار، أن يقوم بوضع نظام يمنع العميل من الوصول للسحب من حسابه إلا بعد مدة معينة من إخطار البنك سواء كان ذلك باستخدام توقيع إلكتروني خاص بالبنك أو غير ذلك بحيث لا يفتح هذا الحساب للسحب منه إلا بواسطة البنك بعد مرور مدة معينة من الأخطار،
ونفس الشأن بالنسبة للوديعة لأجل يستخدم البنك نفس الوسيلة السابقة بحيث لايمكن استخدام العميل لحسابه إلا بعد مرور الأجل وذلك أيضا بمعرفة البنك الذى يفتح الحساب للسحب منه بعد مرور المدة المحددة بتوقيعه الإلكتروني أو الوسيلة التى قام بها بغلق الحساب أي كانت.
أما عن الوديعة المخصصة التى يلتزم فيها البنك بتخصيصها لغرض معين لمصلحة البنك أو لمصلحة العميل([16])، فإن التعامل عليها لن يختلف عن طريق التعامل في الوديعة الجارية بالنسبة للنظام الإلكتروني ولكن الأختلاف فقط في أنها لن تستخدم إلا في الغرض الذى أعدت له ولذلك نحيل في تفصيل طريقة التعامل عليها إلى ماسبق ذكره.
ثانياً:- إيداع الصكوك:
يتضمن عقد الوديعة المصرفية أيضا إيداع للصكوك، ومؤداه، أن الشخص قد يقوم بإيداع الصكوك لدى البنك بقصد حفظها من الضياع وتفويض البنك القيام بالعمليات التى يتطلبها الحفاظ على الحقوق الناشئة عنها، ويقوم البنك بكافة الأعمال اللازمة لتحقيق ذلك([17]).
كان ذلك في ظل النظام التقليدى أما لو أردنا التحول إلى النظام الإلكتروني فإن إيداع هذه الصكوك سوف يكون بطريقة إلكترونية كما أن هذه الصكوك ستكون صكوك إلكترونية، والصك في النظام التقليدى:
قد يعبر عن بعض الأوراق التجارية كالكمبيالة والشيك والسند لأمر وهذه الأشكال من الأوراق التجارية قد نظم القانون التجاري الجديد رقم 17 لسنة 1999 الأحكام المتعلقة بها ولكنه نظمها في شكلها الورقي وتأسيساً على ضرورة مواكبة التطورات التكنولوجية فأننا سنقوم بنقل تطبيق أحكام القانون أنف الذكر من المجال الواقعي إلى مجال الأفتراض على شبكة الأنترنت بتحويل هذه الصكوك إلى صكوك إلكترونية.
وذلك يكون بنقل هذه الصكوك إلكترونيا للبنك عبر شبكة الأنترنت بعد تحريرها إلكترونياً، فالشيك الإلكتروني والكمبيالة الإلكترونية والسند لأمر الإلكتروني كل هذه الصكوك السابق الأشارة إليها يتم تحريرها إلكترونياً من قبل المصدر لها وذلك بتحرير بياناتها بصورة إلكترونية وذلك عن طريق شريط ممغنط يصدر في كل منهم ثم ترسل إلى البنك الذى يريد المصدرالتعامل معه في رسالة موثقة وآمنة، ليقوم البنك بإجراء عليها نفس ما يجري من فحص الصكوك الورقية ولكن بصورة إلكترونية للتأكد من صحتها([18]). وينطبق عليها نفس أحكام القانون التجاري الذى يحكم الصكوك الورقية المكافئة لها.
وبذلك نكون قد تعرضنا لتفصيل بعض الجوانب المتعلقة بتحول الوديعة المصرفية من الشكل التقليدى الذى يعتمد على الورق إلى الشكل الإلكتروني الذى يعتمد على المجال الافتراضي للشبكة (شبكة الأنترنت)، ويتميز به من سرعة في التعامل ومرونة ستؤثر في العديد من النواحي الاقتصادية كما سيتأتي عرضه لاحقاً.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
([1]) القانون رقم 17 لسنة 1999.
([2]) أنظر، د/ فايز نعيم رضوان، القانون التجاري، المرجع السابق، ص407، بند15.
([3]) أنظر،
S. MisbKin (Frederic), The Ecoomics of Money, Banking , and Financial Markets, Addison – Wesley, 5ed, 1998, P.55.
([4]) أنظر،
The future of Money , by (OECD), 2002, in http://www.oecd.org. p.104.
([5]) أنظر، د/ أحمد جمال الدين موسي، النقود الالكترونية وتأثيرها على دور المصارف المركزية في إدارة السياسة النقدية، مجلة البحوث الاقتصادية والقانونية، كلية الحقوق – جامعة المنصورة، العدد التاسع والعشرون، إبريل 2001، ص26، بند 101.
([6]) أنظر، د/ عبد الباسط أو الوفا، سوق النقود الألكترونية، (الغرض، المخاطر، الآفاق)، بحث منشور في مجلة مصر المعاصرة، القاهرة، العدد 471 / 472،يوليو / أكتوبر 2003، السنة الرابعة والتسعون، ص208.
([7]) أنظر المرجع السابق، ص210.
([8]) أنظر، سعيد عبد الله الحامد، العمليات المصرفية الألكترونية والإطار الإشرافي، بحث مقدم لمؤتمر الأعمال المصرفية الألكترونية بين الشريعة والقانون، كلية الشريعة والقانون، جامعة الأمارات العربية المتحدة، دبي، 10-12 مايو 2003، ص239.
([9]) أنظر، د/ فايز نعيم رضوان، القانون التجاري، المرجع السابق، ص405، بند 13.
([10]) أنظر، د/ على جمال الدين عوض، عمليات البنوك من الوجهة القانونية،دار النهضة العربية، 1969، ص18، بند14.
([11]) أنظر، د/ عبد الفضيل محمد أحمد، الأوراق التجارية وعمليات البنوك، المرجع السابق، ص390،بند 280.
([12]) أنظر، د/ منير محمد الجنبيهى، د/ ممدوح محمد الجنبيهى، البنوك الألكترونية،المرجع السابق، ص49 ومايليها.
([13]) أنظر،
S.Misbkin (frederic), The Economic of Money, Banking, and Financial Markets, op. Cit., P. 56.
([14]) لمزيد من التفصيل راجع،
The Future of Money, by (OECD), OP, Cit., P.82.
([15]) أنظر، د/ عبد الفضيل محمد أحمد، الأوراق التجارية وعمليات البنوك، المرجع السابق، ص391، بند 281، 282، د/ على جمال الدين عوض، عمليات البنوك من الوجهة القانونية، المرجع السابق، ص18، بند14.
([16]) أنظر، د/ فايز نعيم، القانون التجاري، المرجع السابق، ص411، بند17.
([17]) أنظر، د/ عبد الفضيل، الأوراق التجارية وعمليات البنوك، المرجع السابق، ص399، بند286.
([18]) أنظر، د/ بلال عبد المطلب بدوى، البنوك الألكترونية (ماهيتها – معاملاتها، المشاكل التى تثيرها)، بحث مقدم لمؤتمر الأعمال المصرفية الألكترونية بين الشريعة والقانون،السابق الأشارة إليه، ص1961 ؛ د/ منير محمد الجنبيهى، أ/ممدوح محمد الجنبيهى، البنوك الألكترونية، المرجع السابق، ص49.