إجراءات المعاينة في نظام المرافعات السعودي.
والمعاينة مأخوذة من عاينَ يُعاين، مُعاينةً وعِيانًا، فهو مُعايِن، والمفعول مُعايَن، يُقال: عايَن الموقعَ: رآه أو شاهدَه بعينه، أو تحقَّق منه بنفسه بنظرة عامَّة أو شاملة عليه، ويُقال: عايَن البضاعةَ: فحصَها.
وشاهد عِيان: شاهدٌ يَشهد بشيءٍ رآه، ويُقال: ظهَر للعِيان: اتَّضَح، وبدا للنَّظر؛ انظر: “معجم اللغة العربية المعاصرة”؛ بتصرُّف يسير.
ولَمَّا كانت معرفة الشيء المُتنازَع عليه ضروريَّة لسماع الدعوى والجواب عنها، وسَماع البيِّنات ودَفْعها – كان من الأهميَّة بمكانٍ إدراكُ الشيء المُتنازع عليه، حسَب الإمكان وظروف الحال، وقد يتطلَّب الأمر مُعاينة الشيء المدَّعى به أو فيه، بشروط وضوابط حدَّدها نظام المرافعات السعودي في الفصل الرابع من الباب التاسع.
وإليكم أيُّها الأفاضل ما ورَد في هذا الفصل حول المعاينة وإجراءاتها وثمرتها.
جاء في المادة الثانية عشرة بعد المائة: (يجوز للمحكمة أن تُقرِّر من تلقاء نفسها، أو بناءً على طلب أحد الخصوم مُعاينةَ المتنازع فيه؛ بجَلْبه إلى المحكمة إن كان ذلك ممكنًا، أو بالانتقال إليه، أو نَدْب أحد أعضائها لذلك، على أن يُذكر في القرار الصادر بذلك موعدُ المعاينة، ولها أن تستخلفَ في المعاينة المحكمةَ التي يقع في نطاق اختصاصها الشيءُ المتنازَع فيه، وفي هذه الحالة يُبلَّغ قرارُ الاستخلاف للقاضي المستخلَف، على أن يتضمَّنَ هذا القرار جميعَ البيانات المتعلِّقة بالخصوم وموضعَ المعاينة، وغيرَ ذلك من البيانات اللازمة لتوضيح جوانب القضية).
وأوضَحت اللائحة التنفيذيَّة للمادة أنَّ للقاضي رفضَ طلب المعاينة مقرونًا بأسبابه، مع تدوين ذلك في ضَبْط القضيَّة؛ لأن القاضي أدرَى بما يتطلَّبه النظر القضائي، وما كلُّ شيء يُدَّعى به أو فيه، يُحتاج إلى معاينته، وربما يتصوَّر القاضي والخصوم الشيء المدَّعى به بمجرَّد وصفه وتحديده، ولا حاجة إلى إحضار كلِّ ما يُدَّعى به إلى المحكمة.
وأضافَت اللائحة التنفيذية للمادة أنه عند تقرير المعاينة، يُدوِّن القاضي ذلك في ضبط القضيَّة، وموعده ومَن يَحضُر معه.
وفي المادة الثالثة عشرة بعد المائة بيان طريقة دعوة الخصوم عند المعاينة، ونصُّها: (تدعو المحكمة أو القاضي المُنتدب أو المستخلَفُ – الخصومَ قبل الموعد المعيَّن بأربع وعشرين ساعة على الأقل – عدا مُهَل المسافة – بمذكرة تُرسَل بوساطة إدارة المحكمة، تتضمَّن بيان مكان الاجتماع، واليوم والساعة التي سيَنعقد فيها.
ويَجوز للمحكمة إذا لَزِم الأمر أن تتحفَّظ على الشيء موضِع المعاينة، إلى حين صدور الحكم أو إلى أيِّ وقتٍ آخرَ).
وبيَّنت اللائحة التنفيذية أن للقاضي إجراءَ ما يَلزم حيال المعاينة، ولو لَم يَحضر الخصوم أو أحدهم، إذا بُلِّغوا بالموعد وَفْق المادتين (15، 18)؛ لأنهم بتخلُّفهم أسقَطوا حقَّهم في الحضور وقت المعاينة، وإرجاء المعاينة إلى وقتٍ آخرَ يترتَّب عليه هَدْرُ وقت القاضي ومَن معه.
كما بيَّنت اللائحة التنفيذية أنه إذا رأى القاضي ما يَقتضي التحفُّظَ على موضع المعاينة والحراسة عليه، فيَأْمر بها، ويُراعي في ذلك المواد (239 – 245) من نظام المُرافعات، التي أوضَحت ما يتعلَّق بطلب الحراسة القضائيَّة، وسيرد عنها الحديث لاحقًا – بإذن الله تعالى في حينه.
وإذا كانت معاينة موضع الدعوى تتطلَّب مشاركة خبيرٍ فيها؛ لكونها من الأمور ذات التخصُّص الذي لا يُحيط به إلاَّ الخُبراء فيه – فإن للمحكمة في ذلك مجالاً رحبًا.
جاء في المادة الرابعة عشرة بعد المائة: (للمحكمة أو القاضي المنتدب أو المستَخْلَف للمعاينة، تعيينُ خبيرٍ أو أكثر للاستعانة به في المعاينة، ولها وللقاضي المُنتدب أو المُستخلَف سَماع مَن يرون سماع شهادته من الشهود في موضع النزاع).
ولتعيين الخبراء إجراءات سيَرد ذِكرها لاحقًا – بإذن الله تعالى.
كما بيَّنت اللائحة التنفيذية أنَّ للقاضي سماعَ شهادة الشهود حال المعاينة، ولو لَم يَحضُر الخَصم إذا بُلِّغ بالموعد المحدَّد.
وفي المادة الخامسة عشرة بعد المائة بيان ما يُصنَع بنتيجة المعاينة، ونصُّها: (يُحرَّر محضر بنتيجة المعاينة، يُوقِّعه المُعاين، والكاتب، ومَن حضَر من الخُبراء، والشهود، والخصوم، ويُثبت في دفتر ضبْط القضية).
وتُبيَّن اللائحة التنفيذية أنه في حال رَفْض أحد الشهود أو الخصوم التوقيعَ على المحضر، فيُدوَّن ما يدلُّ على حضورهم ورَفْضهم التوقيعَ، مع بيان سبب الرفض، ويُوقِّع على ذلك المُعاين والكاتب، ومَن حضَر من الخبراء، ومَن لَم يَرفض التوقيع من الخصوم والشهود.
وتُبيِّن المادة السادسة عشرة بعد المائة أمرًا جوازيًّا يتعلَّق بالمُعاينة عند توقُّع الاحتياج إليها، ونصُّها: (يجوز لكلِّ صاحبِ مصلحةٍ في إثباتِ معالِم واقعةٍ، محتمل أن تُصبح محلَّ نزاعٍ أمام القضاء مستقبلاً – أن يتقدَّم للمحكمة المختصة بها محليًّا بدعوى مستعجلة؛ لمعاينتها بحضور ذَوِي الشأن وإثبات حالتها، وتتمُّ المعاينة وإثبات الحالة وَفْق أحكام المواد السابقة).
وبيَّنت اللائحة التنفيذية أن طلبَ المعاينة يكون بصحيفة تُقدَّم للمحكمة المُختصة.
وأنه إذا كان طلب المعاينة لاحقًا لرفع الدعوى الأصليَّة، فتُحال لناظرها؛ لأنَّ القاضي أدرى بالقضية المعروضة عليه، ولا يُسوغ الافتيات عليه فيها خلال النظر.
وأمَّا إذا كان طلب المعاينة سابقًا لرَفْع الدعوى الأصلية، فالمحكمة المُختصة بنظره هي المحكمة التي تقع العين في مشمول ولايتها.
وأنه لا يُشترط لسماع دعوى المعاينة، وإثبات الحالة – حضورُ غيرِ صاحب المصلحة إذا بُلِّغ ذَوُو الشأن بالموعد.
ويُمكن التمثيل لإثباتِ معالِم واقعةٍ، محتمل أن تُصبح محلَّ نزاعٍ أمام القضاء مستقبلاً، بما لو قرَّرت الجهة المختصة في البلد إزالةَ عقارات قديمة؛ لكونها آيلةً للسقوط، فتقدَّمَ أحد المُلاَّك الذين يَملكون جزءًا من العقار إلى المحكمة، طالبًا معاينة العقار، وإثبات حدوده وأطواله؛ كيلا يقعَ نزاعٌ مستقبلاً بين المتجاورين.
ومثال آخر: لو أَلْحَق زيد أضرارًا بالغة بسيارة عمرو، واضطرَّ زيد إلى الإسراع بإصلاحها، فتقدَّم إلى المحكمة طالبًا معاينة السيارة وإثباتَ الأضرار اللاحقة بها قبل إصلاحها؛ لكونه مضطرًّا لإصلاح السيارة قبل انتهاء جلسات القضية، وصدور الحكم – فإن له ذلك بموجب النظام.