إسقاط الخصومة القضائية.
قد تزول الخصومة القضائية مع جميع إجراءاتها وذلك بإهمال من أحد الخصمين وهو ما يستفاد منه ضمنيا أن إرادة الخصمين لم تتجه إلى تحقيقه وعليه سنعالج في الفرع الأول تعريف سقوط الخصومة وفي فرع ثاني شروط سقوطها.
تعريف سقوط الخصومة :
يمكن تعريف سقوط الخصومة بأنه:” هو زوالها بسبب إهمال المدعي السير فيها مدة سنتين من آخر إجراء صحيح فيها ويصح اعتبار السقوط كجزاء لإهمال المدعي في السير في الخصومة “، كذلك يمكن تعريف سقوط الخصومة بأنه جزاء إجرائي يطلب المدعي عليه الحكم به ضد المدعى الذي تهاون في الاستمرار في الخصومة وذلك لمدة سنتين من تاريخ آخر إجراء صحيح فيها.
ولقد نص المشرع الجزائري على سقوط الخصومة في المادة 220 ق.إ.م إذ نص على ما يلي:” يجوز للمدعى عليه أن يطلب إسقاط الدعوى أو الحكم الصادر قبل الفصل في الموضوع إذا تسبب المدعي في عدم الاستمرار فيها أو عدم تنفيذ الحكم الصادر قبل الفصل في الموضوع وذلك طيلة مدة سنتين.
ويسري ذلك على الدولة والجماعات العمومية والمؤسسات العمومية وجميع الأشخاص حتى القصر وغيرهم من عديمي الأهلية فيما عدا حالة رجوعهم على ممثليهم الشرعيين “.
ونظرا للشبه الموجود بين سقوط الخصومة والتقادم كان لزاما علينا التفرقة بين هذين المصطلحين بعد إجراء عملية المقارنة لما من أوجه شبه بينهما، وهي أن كلاهما يتوافقان في بعض النقاط لأنه لا يصوغ للمحكمة أن تحكم بالتقادم أو السقوط من تلقاء نفسها إذ لا بد أن يثيرهما صاحب الحق.
إلى جانب ذلك لا يمكن التنازل عن التمسك بهما مسبقا ولا يتحقق ذلك إلا بعد تحقق شروطهما.
أما عن أوجه الاختلاف وهو ما يفيدنا فإنه يمكن القول إن التقادم يضع حد للدعوى والتي تتضمن الحق، ذلك ما لا يحققه سقوط الخصومة إذ يبقى الحق قائما رغم سقوطها، ضف إلى ذلك أن التمسك بالتقادم يجب أن يباشر في شكل دفع في حين أن سقوط الخصومة لا يستدعي ذلك، ومن جانب آخر فإن ” حق الاستفادة من التقادم لا يزول بعد فوات أجله خلافا للسقوط الذي يزول بفعل الإجراءات التي يقوم بها أحد الأطراف قبل طلب السقوط “.
وبعد التفريق بين التقادم وسقوط الخصومة بقي أن نشير إلى أن هذه الأخيرة متوقفة على جملة من الشروط وهو ما يقودنا للحديث في فرع ثاني عن هذه الشروط وفي فرع ثالث عن آثار سقوط الخصومة.
شروط سقوط الخصومة:
بعد استقرائنا نص المادة 220 ف 1 ق.إ.م نتخلص جملة الشروط التي يشكل توافرها مجتمعة سقوط الخصومة القضائية، إذ تنص على ما يلي:” يجوز للمدعى عليه أن يطلب إسقاط الخصومة أو الحكم الصادر قبل الفصل في الموضوع إذا تسبب المدعي في عدم الاستمرار فيها أو عدم تنفيذ الحكم الصادر قبل الفصل في الموضوع وذلك طيلة مدة سنتين … ” ، فبناءا على هذه الفقرة فإن شروط الخصومة هي:
1- عدم السير في الخصومة مدة سنتين من آخر إجراء في الخصومة:
يفترض هذا الشرط وجود خصومة فعلية لكن لم يصدر حكم فيها، وتبعا لذلك لا تسري إجراءاتها كما لو كانت في حالة وقف أو انقطاع أو في أي صورة من صور عدم السير فيها، وكقاعدة عامة تسقط الخصومة بمرور سنتين من أخر إجراء صحيح في الدعوى، ولكن أحيانا تتعرض هذه المدة إلى القطع وذلك لتعجيلها من جانب أحد الطرفين، ولذلك يشترط في هذا التعجيل ما يلي:
أ- أن يكون متوفرا على شروط صحة.
ب- أن يصدر التعجيل من أحد الخصوم.
ج- أن يكون الإجراء متعلق بالخصومة المطلوب الحكم بسقوطها.
وخلال هذه المدة إذا تعرضت الخصومة إلى عائق مادي أو قانوني فلا تسري هذه المدة إلا بعد زوال المانع.
2- إهمال المدعي:
لا تسقط الخصومة إلا إذا كان عدم السير فيها بسبب المدعي أو بسبب عدم تنفيذه لحكم تحضيري، وهي تلك الأحكام التمهيدية التي يصدرها القاضي قبل الفصل نهائيا في القضية المطروحة كأن يمتنع المدعي الذي استصدر حكم بانتداب خبير في مجال العقارات الفلاحية في تبليغ هذا الحكم وفقا للإجراءات القانونية
وتكون الخصومة في الحماية من السقوط إذا توافر إحدى الاستحالتين:
أ- الاستحالة المادية:
وتكمن في استحالة اتخاذ الإجراءات لقيام حرب أو فيضان ومن ثم يجب وقف مدة السقوط خلال هذا الحدث.
ب- الاستحالة القانونية:
تكون بسبب تأخير الفصل في الموضوع لوجود مسألة أولية.
وللقاضي واسع النظر في تقدير ما إذا كان سبب جمود الخصومة لمدة طويلة يرجع إلى إهمال المدعي أو إلى دافع آخر كمحاولة الصلح بين الخصمين.
3- طلب المدعى عليه إسقاط الخصومة
نصت المادة 220 ف 1 ق.إ.م على أنه:” يجوز للمدعى عليه أن يطلب إسقاط الخصومة أو الحكم الصادر قبل الفصل في الموضوع … ” ، من خلال هذه الفقرة يتضح أن المشرع الجزائري قد خير المدعى عليه في إسقاط الخصومة إذ استعمل لفظ (يجوز)،
ولما كان الأمر كذلك فلا يحق للقاضي أن يحكم من تلقاء نفسه بسقوط الخصومة ما لم يثرها المدعى عليه، ولعل مرد ذلك أن عدم السير في الخصومة قد يكون في صالح المدعى عليه الذي ينتظر استصدار حكم من القاضي ينتهي به النزاع القائم وحتى يتفادى أي عراقيل في المستقبل،
أما إذا طلب إسقاط الخصومة وحكم القاضي له بذلك بعد توافر شروط السقوط فإن حكم القاضي يعد بمثابة حكم تقريري وليس حكم منشأ فيكون تحت طائلة البطلان أي إجراء يباشر فيها بعد انقضاء مدة سنتين ولو قبل الحكم بالسقوط.
وتعتبر خصومة الاستئناف خصومة جديدة ينتقل فيها المدعي إلى مركز المستأنف والمدعى عليه إلى مركز المستأنف عليه، وبناء على ذلك فلا يحق للمستأنف أن يطلب إسقاط الخصومة حتى وإن كان أمام المحكمة الابتدائية في مركز المدعى عليه، ويؤول حق إسقاطها إلى المستأنف ضده وذلك بغض النظر عن صفته كمدعي أصلي أمام محكمة الدرجة الأولى.
ويمارس المدعى عليه أو المستأنف ضده أمام المجلس القضائي حقه في طلب إسقاط الخصومة – متى أهمل المدعي السير فيها لمدة سنتين من تاريخ آخر إجراء صحيح فيها – بإحدى الطريقتين التاليتين وذلك وفقا للقواعد المقررة لمباشرة الدعاوى.
أ- طريق الدفع:
يقدم المدعى عليه طلب سقوط الخصومة في شكل دفع وذلك كما هو مقرر قانونا في رفع الدعاوى، ولكن بعد تمعننا في نص المادة 221 ق.إ.م والتي تعد صريحة في فقرتها الثانية لما قررت وجوب إبداء سقوط الخصومة في شكل دفع،
إلا أن هناك من يرى خلاف ذلك ويرى أن طلب الخصومة لا يجوز تقديمه وفقا لذلك الشكل ومرد ذلك إلى سببين:
• تعارض ذلك مع الفقرة الأولى من نفس المادة والتي ورد فيها بأن الخصومة لا تسقط بحكم القانون، وخلافا لذلك يزول السقوط بسبب الإجراءات التي يقوم بها أحد الخصوم قبل طلب السقوط.
• إغفال النص الوارد باللغة الفرنسية ذكر إمكانية تقديم طلب السقوط في شكل دفع.
ومن جهتنا نحن نرى أن الصحيح هو جواز تقديم طلب سقوط الخصومة في شكل دفع وذلك ما ذهبت إليه الغرفة المدنية على مستوى المحكمة العليا في قرار لها بتاريخ 28/05/1997 والذي جاء فيه، ” من المقرر قانونا أنه يرفع طلب سقوط الخصومة طبقا للقواعد المقررة لرفع الدعاوى كما يكمن تقديمه في شكل دفع.
ولما ثبت – في قضية الحال – أن قضاة المجلس لما تمسكوا بأنه لا يمكن تقديم طلب سقوط الخصومة على شكل دفع مصرحين بأن النص العربي ما هو إلا مجرد ترجمة للنص الفرنسي لوجود تناقض بين المادة 221 ف 2 والمادة 220 ق.إ.م فإنهم أخطئوا في تطبيق القانون، ذلك أن النص العربي هو النص الأصلي والرسمي ” .
2- طريق الدعوى الأصلية:
يجيز القانون للمدعى عليه أن يرفع طلبا أصليا للمحكمة المتواجدة أمامها الدعوى المراد إسقاطها، فإذا كانت الدعوى مرفوعة أمام محكمة الاستئناف فيرفع الطلب الأصلي أمامها.
ولكن في هذه الحال تثور مسألة حول إمكانية سقوط الخصومة بالنسبة لعدة مدعى عليه في حالة تعددهم أم لا يسري السقوط إلا بالنسبة للمدعى عليه الذي طلبه؟.
إن المشرع الجزائري لم ينص على أي شيء من هذا القبيل ولذلك فإن في المسألة رأيان،
الاتجاه الأول ويرى أنه لا يجوز تجزئة الخصومة حتى ولو كان موضوعها يقبل التجزئة وذلك حتى لا تسقط الخصومة في حق البعض وتبقى للبعض الآخر،
ولقد رتب القضاء في كل من فرنسا ومصر نتيجتين على هذا الاتجاه وهي أن:
إذا تعدد المدعى عليه وتوافرت شروط سقوط الخصومة استفاد الباقون من هذا السقوط.
إذا تعدد المدعين لزم أن يقدم طلب السقوط إلى جميعهم وإلا كان غير مقبول.
في حين يرى اتجاه ثاني قابلية الخصومة للتجزئة إذ يجوز أن تسقط الخصومة في حق البعض دون البعض الأخر، ويتساءل البعض لما لا يطبق حكم الترك على سقوط الخصومة وهو لا يعدوا أن يكون تركا ضمنيا للخصومة ؟.