إيضاحات حول التركة والحقوق المتعلقة بها
أولاً: مفهوم التركة.
ثانياً: مكونات التركة ومضامينها.
ثالثاً: الحقوق المتعلقة بالتركة.
المحور الأول: المفهوم
التركة في اللغة ما يتركه الشخص ويبقيه ويخلفه وراءه، فاللفظ من حيث اللغة دائر مع مطلق الترك، وأما في الاصطلاح الفقهي فهناك خلاف بين الجمهور والحنفية في تحديد مفهومه، فيرى الجمهور أن التركة هي: “كل ما يخلفه الميت من الأموال والحقوق الثابتة مطلقاً”، سواء كان هذا الحق متعلقاً بأعيان التركة، أم كان متعلقاً بأموالها، أي أن التعلق يكون بذمة الميت وليس بعين التركة، أم لم يتعلق بالتركة حق أحد مطلقاً. بينما عرف الحنفية التركة بأنها: “ما يتركه الميت من الأموال صافياً عن تعلق حق الغير بعين من هذه الأموال”.
ومرجع الخلاف في التعريف بين المسلكين الخلاف في تحديد ماهية المال:
فالمال عند الجمهور: “كل ما له قيمة يلزم متلفه بضمانه”، فيدخل فيه الأموال العينية والحقوق والمنافع لإمكان حيازتها بحيازة أصلها. ودليل الجمهور من حيث المعقول أن المنافع يمكن حيازتها بحيازة أصلها ومحلها ومصدرها، ولأن المنافع هي المقصودة من الأعيان ولولاها لما صارت الأعيان أموالاً، ودليلهم من حيث المنقول أن الشارع الحكيم أجاز أن تكون المنافع مهراً، والمهر لا يكون إلا مالاً، والوقائع في تزويج النبي صلى الله عليه وسلم بعض الصحابة بما معهم من القرآن مشهورة مبثوثة في كتب السنة النبوية.
بينما المال عند الحنفية: “هو كل ما يمكن حيازته وإحرازه وينتفع به عادة”، فالمنافع والحقوق المعنوية وأمثالها لا تعد مالاً عندهم، والحجة عندهم أن المال هو ما يمكن إحرازه وحيازته وادخاره لوقت الحاجة، والمنافع لا تقبل الحيازة والادخار لأنها معنوية، والأصل فيها أنها معدومة، والمعدوم ليس بمال، واستدلوا نقلاً بقوله عليه الصلاة والسلام المروي في الصحيح: “من ترك مالاً فلورثته”.
والراجح عندنا ما قاله جمهور الفقهاء لقوة أدلتهم، ولجريان العرف باعتبار المنافع والحقوق المعنوية أموالاً يجري التعامل بها في المعاملات المالية، وعلى ذلك الفتاوى المعاصرة التي أصدرتها المجامع الفقهية، وأما ما استدل به الحنفية، فإنه لا يقوى على رد أدلة الجمهور ونقضها، والحديث الذي استدلوا به يسلم لهم صحته سنداً ولكن لا يسلم لهم صحته استدلالاً، إذ المال في سياق الحديث ينطلق على كل ما يعد مالاً سواء كان عينياً أو معنوياً، حقاً أو منفعة، بدلالة قبول المنافع مهراً في عقد النكاح.
المحور الثاني: مكونات التركة ومضامينها
انعكس الخلاف بين الجمهور والحنفية في تعريف التركة على تحديد مكونات التركة ومضامينها، فالتركة عند الجمهور تتضمن ما يأتي:
أولاً: الأموال المادية المملوكة، ويدخل فيها المنقول: وهو ما يمكن نقله وتحويله من مكان إلى مكان ويشمل العملات بمختلف صورها النقدي والورقي، والعروض التجارية، والمكيلات، والموزونات ونحوها. وغير المنقول: هو ما لا يمكن نقله وتحويله، ويشمل: الدور والأراضي.
ثانياً: الحقوق العينية، كحق الشرب، وحق المسيل، وحق المرور، ونحوها.
ثالثاً: الحقوق الشخصية، كحق الشفعة، وحق الخيار، وحق الرهن.
رابعاً: المنافع، كحقوق الإجارة، والاعارة، واللباس، والركوب، ونحوها.
بينما التركة عند الحنفية تتضمن الأموال المادية المملوكة، والحقوق العينية، والحقوق الشخصية، على التفصيل المتقدم عند الجمهور، ولا تتضمن المنافع.
المحور الثالث: الحقوق المتعلقة بالتركة
نصت المادة السابعة والثمانون من قانون الأحوال الشخصية العراقي رقم 188 لسنة 1959م على جملة الحقوق المتعلقة بالتركة، ونصها: ” الحقوق التي تتعلق بالتركة بعد وفاة المورث أربعة مقدم بعضها على بعض، هي:
1- تجهيز المتوفى على الوجه الشرعي.
2- قضاء ديونه وتخرج من جميع ماله.
3-تنفيذ وصاياه وتخرج من ثلث ما بقي من ماله.
4- إعطاء الباقي إلى المستحقين “.
وظاهر من هذا النص وجوب الترتيب عند التصرف بالتركة وتقسيمها، خاصة فيما يتعلق بمؤن التجهيز مع الديون المتعلقة بذمة المتوفى، والحق أن الحقوق المتعلقة بالتركة قسمان:
الأول: أن يتعلق بها حق الغير حال الحياة، وهذا لا يسمى تركة، فيقدم على تجهيز الميت، لتعلقه بالمال قبل صيرورته تركة، كحق البائع في تسلم المبيع، وحق المرتهن في المرهون، وهذا الذي يسمى: الدين المتعلق بعين التركة، وهو مقدم على مؤن تجيز الميت عند جماهير الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية، بخلاف مذهب الحنابلة فإنهم يقدمون مؤن التجهيز على الديون المتعلقة بعين التركة.
الثاني: ألا يتعلق بها حق الغير، وهذا هو المسمى تركة، وتتعلق بها الحقوق الأربعة المذكورة آنفاً.
وبناء على ذلك، فإن الحقوق المتعلقة بعين التركة هي على الوجه الآتي:
الأول: تكاليف تجهيز الميت: من تغسيل وتكفين ودفن، ونحوها، من غير إسراف ولا تقتير، مع مراعاة يسار المتوفى وإعساره حال حياته، وتركته قلة وكثرة بعد وفاته، وإنما قدمت على الدَيْن وغيره؛ لأنها بمثابة الكسوة الشخصية للحي، فلا تنزع عنه لوفاء الدَيْن، وينبه في هذا السياق على أن ما أحدثه الناس من مراسيم ومظاهر من إقامة المآتم وما تتضمنها من مخالفات وانحرافات شرعية، وما يرافق ذلك من تكاليف مالية، فإنه لا يجوز صرفها من مال التركة؛ لتعلق الحقوق بها شرعاً.
الثاني: الديون المرسلة: وهي الحقوق المتعلقة بذمة المتوفى وليس بعين التركة، وتنقسم على قسمين، الأول: حق الله وهو دَيْن ثبت في ذمة المتوفى ولم يوفه حال حياته، كالزكاة والكفارة والنذر، وهذا القسم يلزم قضاؤه من تركة المتوفى قبل الوصية والإرث عند جماهير الفقهاء، بينما يسقط بالوفاة عند الحنفية، وهو خلاف الدليل، فإنه قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: “دَيْن الله أحق أن يقضى”.
الثالث: ديون العباد، وهي الديون التي لزمت الميت حال حياته ولم يوفها سواء في حالة الصحة أو حالة المرض، وتثبت بالإقرار أو البينة وكان معلوماً، كالقرض والمهر والأجرة، ونحوها.
الرابع: الوصية: وهي تمليك عين أو منفعة بعد الموت، ويتم تنفيذها بشرطين: الأول أن تكون من ثلث المال الباقي بعد أداء الحقوق السابقة (الديون المتعلقة بعين التركة، مؤن التجهيز، الديون المرسلة)، لا من ثلث أصل المال. الثاني: أن تكون لغير وارث، لقوله عليه الصلاة والسلام: “لا وصية لوارث”. وقد اتفق الفقهاء على أن الدَيْن مقدم على الوصية؛ لقول علي رضي الله عنه: “قضى النبي صلى الله عليه وسلم أن الدَيْن قبل الوصية”، وإنما قدمت الوصية على الدَيْن في قوله تعالى: ﴿ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ ﴾ [النساء: 11] [النساء: 12]؛ لشبهها بالميراث، لكونها مأخوذة بلا عوض، فيشق إخراجها على الورثة، وقد يجحدها الورثة أو بعضهم، فكان ذلك مظنة للتفريط فيها، فندب الشارع إلى تأديتها حقاً للموصى لهم، بخلاف الدَيْن، فإن له من يطالب به الورثةَ، فأداؤه مضمون لوجود المُطالِب.
الخامس: الإرث، فيقسم المال الباقي على الورثة المستحقين.