الاقرار وحكمه في اثبات الطلاق الاكتروني
من طرق إثبات الطلاق الإلكتروني ” الإقرار “
الطلاق الإلكتروني يحتاج إلى توثيق وتثبيت لدى المحاكم المختصة، لأن الرجل قد يجحد الطلاق، والزوجة تدعي طلاق زوجها بوسائل الاتصال الإلكترونية، ويكون عليها عبء إثبات دعواها، فما هي وسائل الإثبات المتاحة؛ لإثبات واقعة الطلاق الإلكتروني.
علما أن الأصل شرعاً وقانوناً أن يقوم الزوج بتسجيل طلاقه، وتثبيته لدى المحكمة المختصة أصولًا، وبعد تحقق المحكمة أن الطلاق قد صدر من الزوج، وهو بكامل قواه العقلية، ترسل المحكمة إعلاماً بذلك للزوجة؛ لتبدأ الآثار المترتبة على الطلاق من تاريخ صدوره، ومن ذلك بداية العدة.
والطلاق الإلكتروني يثبت بوسائل الإثبات الشرعية القديمة والحديثة، وفيما يلي بيانها في الفروع الآتية:
الفرع الأول: الإقرار.
أولاً – الإقرار لغة واصطلاحاً: تفيد قواميس اللغة العربية أن الإقرار هو الإثبات، من قر بالشيء، يقر به، وأقر بالحق اعترف به مأخوذ من المقر، وهو المكان كأن المقر جعل الحق في موضعه، ويقال أقررت الكلام لفلان إقراراً، أي بينته حتى عرفه[1].
وفي اصطلاح الفقهاء: إخبار بالحق في مجلس القضاء على وجه ينفي عن المقر التهمة والريبة، إلا أنه ليس إخباراً محضاً، وإنما هو إخبار من وجه، وإنشاء من وجه[2].
وصورته أن يخبر الزوج في مجلس القضاء أنه طلق زوجته، ويحدد صيغة الطلاق، ووسيلة الاتصال، وزمانه، ومكانه، وكيفيته، وأنه كان بكامل الأهليه، وقاصداً طلاق زوجته، وخروجها من قيد النكاح الصحيح المبرم بينهما.
وقد ثبت الإقرار بأدلة كثيرة نذكر منها:
1- ﴿ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلَا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ ﴾ [البقرة: 84].
2- ﴿ وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ ﴾ [آل عمران: 81].
3- ﴿ وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [التوبة: 102].
4- ﴿ وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ ﴾ [الأعراف: 172].
5– قوله – صلى الله عليه وسلم -: “واغد يا أنيس على امرأة هذا، فإن اعترفت فارجمها فغدا عليها فاعترفت فرجمها”[3].
6- أجمعت الأمة على صحة الإقرار؛ لأن العاقل لا يكذب على نفسه كذباً يضر بها[4].
7- البينة العادلة مظهرة للحق؛ لأن الإنسان لا يقر على نفسه كذباً، فكان القضاء بالإقرار قضاء بالحق، والإقرار آكد من الشهادة، فإن المدعى عليه إذا اعترف لا تسمع عليه الشهادة، وإنما تسمع إذا أنكر[5].
شرائط الإقرار:
يشترط في الإقرار ما يلي:
أ- أن يكون المقر عاقلاً مختاراً، فلا يصح الإقرار من المجنون، والمعتوه، والمغمى عليه، والنائم، والمكره.[6]
ب- أن يكون الإقرار معبراً عن إرادة المقر صراحة، أو دلالة، ومتفقاً مع موضوع الدعوى، أي منتجاً.
ج- ألا يكذب ظاهر الحال الإقرار.
د- أن يكون المقر له ممن يثبت له الحق، أي أن تكون له أهلية وجوب، فلا يصح الإقرار بدين لبهيمة.
هـ- أن لا يكذب المقر له المقر في إقراره.
والإقرار حجة قاصرة على المقر؛ لأنه شهادة على النفس، وهو أقوى أدلة الإثبات.
ويقسم الإقرار إلى قسمين:
الأول – الإقرار القضائي:
وهو اعتراف الخصم، أو من ينوب عنه اذا كان مأذوناً له بالإقرار بواقعة ادعي بها عليه، وذلك أمام القضاء أثناء السير في الدعوى المتعلقة بهذه الواقعة.
والثاني – الإقرار غير القضائي:
وهو الذي يقع في غير مجلس الحكم، أو يقع في مجلس الحكم في غير الدعوى التي أقيمت بالواقعة المقر بها.
وحكم الإقرار:
ثبوت الحق المقر به في ذمة المقر لغيره، وليس إثبات هذا الحق بواسطة الإقرار ابتداء، أي أن الإقرار كشف لنا عن ثبوت الحق في ذمة المقر في الماضي بسبب من الأسباب الشرعية غير الإقرار.
[1] انظر: لسان العرب ج 5 ص 84، ومعجم مقاييس اللغة ج 4 ص 282، ومختار الصحاح ص 529، والمعجم الوسيط ج2 ص 595.
[2] المغني ج 5 ص 87.
[3] صحيح البخاري ج 6 ص 2502، باب الاعتراف بالزنا.
[4] المغني ج 5 ص 87.
[5] انظر: بدائع الصنائع ج 7 ص 6.
[6] المغني ج 5 ص 87، وما بعدها.