التشريعات اللازمة في أفق الدستور
اكتظت أجندة مجلس النواب الموقر فى دورته الحالية بمشروعات قوانين مهمة منها ما أحيل الى اللجان لدراسته، ومنها ما أحيل الى مجلس الدولة لمراجعته، وعدد آخر مدرج بجدول الأعمال لمناقشته، وكلها مشروعات مهمة لقوانين يجب إدراجها حسب الأولوية والأهمية، كما يجب أن تحظى بالدراسة والتدقيق وموضوعية المناقشة، بل متابعة نتائجها للوقوف على مدى تحقق الفلسفة التى دعت الى إصدارها، خاصة أن بعض الدول يوجد بها لجان برلمانية متخصصة لمتابعة تنفيذ القوانين بعد صدورها، باعتبار أن المجلس النيابى هو صاحب السلطة والأب الشرعى لها.
ولقد جمعت نصوص الدستور التزامات جديدة على الدولة، تجاوزت خمسين مادة، أضافتها لجنة الخمسين على مواد مشروع لجنة العشرة، وأصبحت تلك المواد من مواد الدستور حتى بلغت 247 مادة، وصارت نسيجا مترابطا وكلا لا يتجزأ بتكامل أحكامها فى وحدة عضوية متماسكة، يتعين الالتزام بها من حيث الشكل والمضمون.
ومن بين تلك النصوص الجديدة ما ورد بالأحكام العامة والانتقالية ما يوجب على مجلس النواب تحديدا، إصدار بعض القوانين حصريا خلال مدة معينة، وهو التزام دستورى يقع على عاتق مجلس النواب، سواء قدمت الحكومة مشروعات تلك القوانين أو لم تقدمها لأن المجلس هو سلطة التشريع.
ومن أمثلة التشريعات التى يجب أن تصدر، بنص المادة 239 من الدستور، أن يصدر المجلس قانوناً ينظم ندب القضاة وأعضاء الجهات والهيئات القضائية بما يضمن إلغاء الندب كليا أو جزئيا لغير الجهات القضائية أو اللجان ذات الاختصاص القضائى أو إدارة شئون العدالة أو الإشراف على الانتخابات, وذلك خلال مدة لا تتجاوز خمس سنوات ولسوف ينتهى الأجل فى 17 يناير المقبل!
وقد أتى هذا النص ليواجه ندب القضاة الى جهات إدارية أو وزارات أو هيئات مهما يكن شأنها، لأن هذه الجهات ليست من الهيئات أو الجهات القضائية ولا هى قائمة على إدارة شئون العدالة، لأن هذا التعبير قد ورد تحديدا فى باب السلطة القضائية بشأن القضاء والنيابة العامة، وجهات القضاء مجلس الدولة والمحكمة الدستورية، أو الهيئات القضائية هيئة قضايا الدولة والنيابة الإدارية، فيحظر الندب إلى غير هذه الجهات كلياً أو جزئياً، وقد حدد الدستور أجلاً لإصداره بخمس سنوات من تاريخ نفاذه، وهو نص يسهم بقوة فى تحقيق العدالة الناجزة.. ويخفف العبء عن القضاة.. ويحقق العدل.. والمصلحة فى البلاد.
كذلك ما ورد بنص المادة 240 التى توجب على الدولة أن تكفل توفير الإمكانات المادية والبشرية المتعلقة باستئناف الأحكام الصادرة من الجنايات وأن يصدر القانون خلال عشر سنوات من تاريخ العمل بالدستور، وقد مضى خمس سنوات حتى الآن، لم نسمع حديثا أو حوارا عن إعداد مشروع قانون ينظم كيفية استئناف أحكام الجنايات، رغم تكاثر القضايا أمامها.. وأخذت طريقها الى محكمة النقض والمقصد التخفيف عن القضاة، ورفع المعاناة، وسرعة إجراءات التقاضى وتحقيق العدالة الناجزة، وبالمناسبة فإن السنوات العشر هى مدة قصوى، لا تمنع من الاجتهاد فى سرعة الإصدار.
كما ورد بأمر الدستور كذلك المادة 241، التى كثر بشأنها الجدل والنقاش، بأن يلتزم مجلس النواب بإصدار قانون العدالة الانتقالية بما يكفل كشف الحقيقة والمحاسبة وحتى الآن لم يصدر هذا القانون رغم أن كشف الحقيقة أمر ضروري, وهو أكثر إلحاحاً خلال المرحلة الانتقالية أو بعدها. ومن أمثلة التشريعات التى يجب أن تصدر بأمر الدستور كذلك المادة 242، للانتقال من نظام الإدارة المحلية الى الحكم المحلي، ودعم اللامركزية الإدارية والمالية والاقتصادية، ونقل السلطات والموازنات الى وحدات الإدارة المحلية، وقد نصت المادة على أن يكون ذلك بالتدريج خلال خمس سنوات، تنتهى فى 17 يناير المقبل.. ولم يصدر القانون حتى الآن ولو بالتدريج، وهو مدرج بجدول الأعمال ويحتاج الى مناقشة متعمقة!!
والغريب أن هذه النصوص الدستورية جديدة وقد أضافتها لجنة الخمسين، على ما أعدته لجنة العشرة، وكشفت المناقشة عن فلسفة إصدارها، بما يتعين الالتزام بها دون إهمال أو التفاف!! لأنه التزام دستورى لا يصح مخالفته أو الالتفاف حوله مهما تكن طرق التفسير، أو ذكاء المفسر والله أعلم!!
د. شوقي السيد