التفتيش الإجرائي والتفتيش الوقائي.
(1) التفتيش لغه هو البحث عن الحقيقة في مستودع السر. وفي الاصطلاح هو إجراء تحقيق ينطوي علي بحث متعمق في ملابس الشخص أو ما قد يحمله بصدد جريمة وقعت وتوافرت قرائن علي أنه يخفي معه ما يفيد في كشف الحقيقة فيها وتامر به سلطة التحقيق أو يتخذه رجل الضبط القضائي من تلقاء نفسه في أحوال التلبس. والتفتيش علي هذا النحو ينطوي علي مساس بحق السر إذ يتم ببحث متعمق في ملابس الشخص وقد يقتضي الأمر خلع ثيابه أو ما يرتديه من حذاء.ويمتد التفتيش الي ما في حوزة الشخص من منقولات لحظه التفتيش كمتاع يحمله أو حقيبه يمسكها أو سيارة يقودها اذ تعتبر المنقولات من توابع الشخص فكلما جاز تفتيشه جاز تفتيشها بالتبعية.
ويطلق الفقه علي هذآ التفتيش مسمي “التفتيش الاجرائي أو القضائي” تمييزا له عن صوره أخري من التفتيش لامساس فيها بحق السر بالمعني الدقيق إذ يقتصر فيها الأمر علي تحسس جسم الشخص من الخارج بغرض التحقق من عدم حمله سلاح قد يعتدي به علي من يقوم بضبطه أو يلحق به الاذي بنفسه ولا يلزم لاجرائه اذن سلطة التحقيق أو أن يقوم به من يحمل صفه الضبط القضائي.
اذ يجوز اتخاذه من جميع رجال السلطة العامة وهو جائز في جميع الأحوال التي يصح لهم فيها التعرض لحريه الفرد في الحركه كما هو الشأن عند التلبس طبقا للمادتين ٣٧و٣٨اجراءات والتحفظ وفقا للمادة ٣٥اجراءات أو عند صدور أمر بضبط المتهم وإحضاره من سلطة التحقيق أو عند ضبط المحكوم عليه لتنفيذ حكم واجب النفاذ أو عند ايداع المتهم حجز قسم الشرطة تميدا لعرضه علي سلطة التحقيق وهو ما يطلق عليه “التفتيش الوقائي”.وسند هذآ التفتيش هو الضرورة الإجرائية
(د.عوض محمد عوض-التفتيش في ضوء قضاء النقض ٢٠١١؛ د.محمود نجيب حسني-شرح قانون الإجراءات الجنائية ١٩٩٨؛د.محمد زكي أبو عامر-الإجراءات الجنائية-٢٠١٣).
(2) غير أن محكمة النقض فيما يبدوا لأ تلتزم هذا النظر إذ تري أن سند التفتيش الوقائي هو نص المادة ٤٦اجراءات التي تجيز تفتيش المتهم عند القبض عليه وأنه دون توافر مبررات القبض القانوني يمتنع إجراء التفتيش الاجرائي والوقائي. ولقد جر هذا النظر محكمة النقض إلي تسويغ التفتيش الوقائي رغم تجاوز الغرض منه والمتمثل في التأكد من عدم حمل المتهم سلاح علي النحو المار ذكره.اذ لا تري باسا من إجراء التفتيش الوقائي منذ البداية بالبحث الدقيق في ملابسه الشخص ولا تري غضاضه من استمرار التفتيش رغم التأكد من عدم حمل المتهم سلاح بل أنها تري أن تفتيش ملابس المتهم وإخراج ورقه سلفانيه صغيره منها وفضها والعثور علي مخدر تفتيش وقائي.
ورغم ذلك كله تحرص محكمة النقض أن تبين ان جريان التفتيش بهذه الطريقة هو من وسائل التوقي والحذر من حمل المتهم سلاح يؤذي به نفسه أو يعتدي به علي من يقوم بضبطه. بل انها تري أن وصف محكمة الموضوع لهذا التفتيش بأنه وقائي لتجريد المتهم من سلاح يحمله صحيح وأن مدي تقيد القائم بالتفتيش الوقائي بالغرض منه يدخل في السلطة التقديرية لقاض الموضوع وتنحسر عنه رقابه النقض حتي ولو كان ثابت من الحكم المطعون فيه أن القائم بضبط المتهم تجاوز الغرض من التفتيش.
ولقد حدث في احدي القضايا أن اصدرت النيابة العسكرية أمر بضبط المتهم وإحضاره وعند ضبطه نفاذا لهذا الأمر عثر الضابط في جيوب البنطال الذي يرتديه المتهم علي ورقتين بفضهما تبين احتواء الاولي علي مخدر حشيش والاخري علي مخدر الافيون وعلي الرغم من دفع المتهم ببطلان التفتيش الوقائي لتجاوز الغرض منه إذ لا يعقل احتواء الورقتين الصغيرتين علي سلاح وأن التفتيش لم يقتصر علي تحسس ملابس المتهم من الخارج وإنما أجري منذ البداية بالبحث الدقيق في ملابسه بحثا عن جريمة إلا أن محكمة الموضوع رفضت الدفع ورأت صحه التفتيش الذي وقع علي المتهم بحسبانه وقائي
وكان لازم للتاكد من خلو المتهم من حمل سلاح قد يعتدي به علي من يقوم بضبطه أو يلحق به الاذي بنفسه .وحينما طعن في الحكم لتجاوز الغرض من التفتيش الوقائي رفضت محكمة النقض الطعن ورأت أن ما أورده الحكم من رد علي الدفع سائغ وأن مدي تقيد القائم بالتفتيش الوقائي بالغرض منه يدخل في السلطة التقديرية لقاض الموضوع وأن المجادلة في ذلك أمام النقض غير جائز
(الطعن رقم 49020 لسنة 85 جلسة2017/02/26)
وفي قضيه أخري سوغت محكمة النقض ما انتهت إليه محكمة الموضوع من صحه ضبط قطعه مخدر ملفوفة داخل علبه سجائر كانت في جيب المتهم حال قيادته سيارة تاسيسا علي أن فحص الضابط للتراخيص فنيا وتبينه سبق اتهام المتهم في جنحه يبيح للضابط تفتيش المتهم وقائيا. وقالت محكمة النقض أن سند هذا التفتيش هو المادة ٤٦اجراءات وانه متي جاز القبض صح التفتيش وهو ماتوافر في حق المتهم لسبق اتهامه في جنحه
(نقض٢٠١٧/١٢/٩الطعن رقم ٣٨٦٤٢لسنه ٨٥ق)
وفي قضية ثالثة ايدت محكمة النقض وجهه نظر محكمة الموضوع التي انتهت إلى أن المتهم قد صدر ضده حكماً غيابياً في جنحة بالحبس لمدة ستة شهور عن جريمة سرقة من ثم يجوز للضابط القبض على المتهم ويكون قبضاً في هذه الحالة مشروع وأن قيامه بإجراء تفتيش وقائى تحوطياً تحسباً لما قد يكون عساه أن يحمله من أسلحة أو أدوات يخشى أن يعتدى بها على القائم بالقبض أو على نفسه وإذا ما أسفر هذا التفتيش التحوطى السياق عن الكشف عن جريمة كما هو في الحالة الماثلة من إحراز المتهم لمادة مخدرة تمثلت في ثلاث لفافات ورقية مطوية بين طيات ملابسه ودون تعسف من جانب مجرى التفتيش فإن الدليل المستمد من هذا التفتيش معتبر قانوناً
(الطعن رقم 73369 لسنة 74 جلسة 2012/11/01)
(3) وهذا القضاء غير صحيح إذ أن سند التفتيش الوقائي ليس نص المادة ٤٦اجراءات أو أي نص اخر في القانون بل هو نظرية الضرورة الاجرائيه حسبما أسلفنا.كما أن التفتيش الذي أجري هو في حقيقته تفتيش إجرائيا بالبحث الدقيق في ملابسه الشخص فهو تفتيش إجرائيا بغرض ضبط دليل جريمة وليس التأكد من عدم حمل المتهم سلاح.
ولم تكن محكمة النقض بحاجه عند رفض الطعن في القضية الاولي الى تاييد وجهه نظر محكمة الموضوع لهذا التفتيش بأنه وقائي لتجريد المتهم من سلاح يحمله وانما كان بوسعها رفض الطعن مع تصويب أسباب الحكم علي اساس أن التفتيش الذي أجري هو في حقيقته تفتيش إجرائيا بالبحث الدقيق في ملابسه المتهم يجد مبرره في صدور أمر بضبط المتهم وإحضاره من النيابة العسكرية إذ قضاء النقض مستقر علي أن أمر الضبط والاحضار هو في حقيقته أمر بالقبض لا يختلف عنه إلا في مده الحجز وانه في كلما جاز القبض صح التفتيش.ولكن يلاحظ من جهه أخري أن سبق اتهام شخص في جنحه لا يبرر القبض عليه ومن ثم تفتيشه
(4) ويرجع السبب فى هذآ الخلط بين التفتيش الوقائي ونظيره الاجرائي في قضاء النقض إلي ترديد النقض مبادئها القديمة دون أن تعي أنها صارت تاريخ يروي. وايه ذلك أنه في ظل قانون تحقيقات الجنايات الملغي لم يكن هناك نص يبيح التفتيش عند القبض فاضطرت محكمة النقض إلي تسويغ التفتيش علي اعتبار أنه من لوازم القبض تجنبا لاعتداء المتهم علي القائم بضبطه من خلال سلاح يخفيه وبغرض احكام السيطره عليه ووصفت ذلك بانه إجراء وقائي.
ولكن بصدور قانون الإجراءات الجنائية منذ عام ١٩٥٠ صار التفتيش عند القبض مقنن بمقتض المادة ٤٦اجراءات التي تجيز لمامور الضبط القضائي تفتيش المتهم في الأحوال التي يصح له فيها القبض على المتهم أي عند التلبس لضبط ادله الجريمة وهو ما يستغرق التفتيش الوقائي ويزيد عليه. ولم يعد هناك حاجه لوصف التفتيش عند القبض بانه وقائي لتبريره مع وجود النص وهو ما لم تلتفت اليه محكمة النقض.