الجنحة المرتبطة بالقتل وشرط تقديم الشكوى.
1)من المعلوم أن المشرع شدد في الفقرة الثانية من المادة ٢٣٤من قانون العقوبات عقوبة القتل العمد الي الإعدام أو السجن المؤبد إذا وقع القتل من أجل التأهب لفعل جنحة أو تسهيل ارتكابها أو ارتكابها بالفعل أو الخلاص من عقوبتها
(الطعن رقم ٤٠٠٧ لسنة ٨٢ قضائيةالدوائر الجنائيةجلسة ٢٠١٤/٠٥/١٥)
ولقد كان رائد المشرع من تشديد العقاب خطورة الجاني إذ يأخذ الأيسر بالاجسم فلا يرتكب القتل لذاته وإنما كوسيلة لارتكاب جنحه وفي هذا استهانة فائقة بحياة الناس توجب التشديد. ولكن يدق الآمر في الأحوال التي يعلق القانون فيها رفع الدعوي الجنائية عن الجنحة المرتبطة بالقتل علي شكوي المجني عليه كالسرقة بين الاصول والفروع ولا تقدم الشكوي عن السرقة لقتل الأبن أباه فهل عدم تقديم الشكوي لوفاة الأب يمنع من تطبيق الظرف المشدد ويعاقب الأبن عن قتل عمد فحسب؟
(2)ذهب الفقه الفرنسي التقليدي إلى أن عدم تقديم الشكوي لوفاة الأب يمنع من اعتبار جنحة السرقة ظرفا مشددا للقتل
( جاروا ج4-1649n; هيلي- ج5-1955;لسبيله-ج1 209 ;جارسون-art 304)
مخالفا بذلك حكم قديم لمحكمة النقض الفرنسية ذهبت فيه الي أن القرابة ولئن كانت مانع من العقاب علي السرقة كجريمة مستقلة إلا أنها حين تعتبر مجرد ظرف مشدد في القتل فلا يشترط أن تكون محل عقاب
(Cass crim 3/11/1880 Siry 1880)
أما الفقه المصري فمختلف.وجمهور الفقه علي لزوم تقديم الشكوي
(د.محمود نجيب حسني-شرح قانون العقوبات القسم الخاص- ١٩٨٨- ص ٣٨٢؛د.محمود مصطفى- شرح قانون العقوبات القسم الخاص- ١٩٨٤-٩٩١؛د.حسن المرصفاوي- قانون العقوبات الخاص- ١٩٧٥-ص٢٠٤؛د.رمسيس بهنام- قانون العقوبات جرائم القسم الخاص-٢٠٠٠-ص٨٤٠،علي زكي العرابي-شرح القسم العام من قانون العقوبات-وجرائم القتل والضرب والجرح- ١٩٢٥-ص٢٧٨ ؛د.محمد محي الدين عوض-القانون الجنائي-جرائمة الخاصة-١٩٧٩-ص٣٥٧؛د.حسن أبو السعود-القسم الخاص في قانون العقوبات-١٩٥٢-ص١٥٨؛ د.عمر السعيد رمضان-شرح قانون العقوبات القسم الخاص-١٩٨٦-ص ٢٦٢ ؛د.احمد فتحي سرور-الوسيط في قانون العقوبات القسم الخاص-١٩٩٠-ص ٤٦٣؛د.جلال ثروت-نظم القسم الخاص في قانون العقوبات-جرائم الإعتداء علي الأشخاص-٢٠٠٠-ص٢١١ ؛د عبد المهيمن بكر-القسم الخاص في قانون العقوبات-١٩٧٧ ص٩٣؛د.مامون سلامة-قانون العقوبات القسم الخاص-جرائم الإعتداء علي الأشخاص والاموال-١٩٨٣-ص٨٧؛محمود ابراهيم اسماعيل-شرح قانون العقوبات القسم الخاص-الجزء الثاني-١٩٥٢-ص٩٨؛د.عبد الفتاح الصيفي-قانون العقوبات القسم الخاص-٢٠٠٠-ص٣٦٧؛د.حسنين عبيد-الوجيز في قانون العقوبات القسم الخاص-١٩٩٢-ص٧٩؛د.نبيل مدحت سالم-شرح قانون العقوبات القسم الخاص-١٩٨٦-ص١٤٤)
ولكن قلة من الفقهاء لا تشترط تقديمها
(د.رءوف عبيد-جرائم الاعتداء علي الاشخاص والاموال-١٩٧٨-ص٢٠٨؛د.عوض محمد عوض-جرائم الاشخاص والاموال-١٩٧٥-ص١٠٣؛د.فوزية عبد الستار-شرح قانون العقوبات القسم الخاص-٢٠١٧-ص٤٢٨؛د.محمد زكي أبو عامر-قانون العقوبات القسم الخاص-٢٠٠٥-ص٤٨١).
(3)ولقد عرض الأمر علي محكمة النقض حديثا في واقعة قتل فيها الأبن أباه بغرض السرقة ورغم عدم تقديم الشكوي لوفاة الأب أخذت محكمة النقض الإبن بالظرف المشددوقالت في ذلك أنه لما كان من المقرر أن ظرف الارتباط بين جريمة القتل العمد مع سبق الإصرار وجريمة السرقة يتوافر متى كان قد وقع لأحد المقاصد المبينة بالفقرة الثالثة من المادة 234 من قانون العقوبات وهي التأهب لفعل جنحة أو تسهيل ارتكابها أو ارتكابها بالفعل ،
وكان البين من المفردات المضمومة أن المتهم اعترف بتحقيقات النيابة العامة أنه نظراً لعدم إنفاق أبيه عليه اشتد الخلاف معه وما إن علم المتهم باحتفاظ والده بمبلغ مالي حتى فكر فى قتله فتظاهر بالنوم بجواره حتى استغرق والده فى النوم فتسلل من جواره وأحضر عصا غليظة وضربه فوق رأسه ثلاث ضربات ففارق الحياة فى الحال فقام بسرقة المبلغ المالي ، وساعة يد ، وفيزا كارت ، ومن ثم يكون القتل قد وقع بقصد السرقة الأمر الذي يوفر فى حق المتهم جريمة القتل العمد المرتبطة بجنحة سرقة فضلاً عن توافر ظرف سبق الإصرار فى حقه كظرف مشدد
ولا ينال من ذلك ما قد يثار من أن تلك الجنحة غير معاقب عليها بموجب نص المادة 312 من قانون العقوبات لوقوعها بين الأصول والفروع وأن وفاة الأب يكون حائلاً دون تقديم الشكوى ومن ثم لا يصح تغليظ العقوبة عليه ، إذ إن ذلك لا يتفق وفلسفة المشرع الجنائي فى المادة 312 من قانون العقوبات التي تنص على أنه:
” لا تجوز محاكمة من يرتكب سرقة إضراراً بزوجه أو زوجته أو أصوله أو فروعه إلا بناء على طلب المجنى عليه . وللمجنى عليه أن يتنازل عن دعواه بذلك فى أية حالة كانت عليها . كما له أن يوقف تنفيذ الحكم النهائي على الجاني فى أي وقت شاء ” ،
ومفاد ذلك أن هذه المادة تضع قيداً على حق النيابة العامة فى تحريك الدعوى الجنائية بجعله متوقفاً على طلب المجنى عليه ، كما تضع حداً لتنفيذها الحكم النهائي على الجاني بتخويل المجنى عليه وقف تنفيذ الحكم فى أي وقت شاء وذلك رغبة من المشرع فى التستر على أسرار العائلات صوناً لسمعتها وحفظاً لكيان الأسرة وهو ما أشير إليه فى تقرير لجنة الشئون التشريعية والمذكرة التفسيرية ، الأمر الذى يستفاد منه بحكم اللزوم العقلي والمنطقي أن يكون المضرور من الجريمة – المسروق ماله – باق على قيد الحياة ، كي يكون له الحق فى الإقدام على الشكاية أو الإحجام عنها وهو وشأنه فى الخيار بين هذا أو ذاك ،
أما إذا قتل المجني عليه بقصد سرقة ماله وكان القاتل ابنه – كما هو الحال فى الدعوى الراهنة – فيزول هذا القيد لوفاة المضرور من السرقة وتسترد النيابة العامة حقها فى تحريك دعواها لأسباب ثلاثة :
أولها :- أن الحق فى الشكوى قد انقضى لوفاة المجني عليه وأضحى ماله تركه تؤول لورثته يتوارثونها شرعاً ، عدا القاتل لقتله مورثه ، والسرقة التي حدثت تكون واقعة على مال للورثة ومن حق النيابة العامة تحريك دعواها دون توقف على تقديم شكوى من قبلهم .
ثانيها :- أن المشرع رهن محاكمة السارق وفقاً لنص المادة 312 المار ذكرها بتقديم شكوى من المجني عليه شريطة أن تكون جريمة السرقة قائمة بذاتها ، أما إذا كانت مرتبطة بجريمة أخرى أو ظرفاً مشدداً لها – كما هو الحال فى الدعوى الراهنة – فلا لزوم لتقديمها ، وتضحى النيابة العامة طليقة من هذا القيد .
ثالثها :- أن القول بغير ذلك يؤدي إلى نتيجة ينفر منها العقل وتأباها العدالة إذ يجعل من يجهز على أبيه قتلاً لسرقته أوفر حظاً ممن لا يجهز عليه تماماً حال سرقته لأنه فى الحالة الثانية يكون فى وسع الوالد شكاية ولده بينما يستحيل عليه ذلك فى الحالة الأولى لوفاته.
(الطعن رقم 28565 لسنة 86 جلسة 2017/05/06).
(4)ونعتقد انه يشترط في الجنحه المرتبطة بالقتل أن تكون محل عقاب فإن علق القانون رفع الدعوي عنها علي شكوي المجني عليه كما في حاله السرقه بين الأصول والفروع لم يجز تشديد العقاب بقاله الارتباط ذلك أن التشديد هو بمثابه عقوبه تضاف الى عقوبه القتل وسببها ارتكاب فعل يستوجب العقاب دون عائق من القانون فإن وجد فلا محل لأن يزاد مقدار العقاب والقول بغير ذلك معناه أن يعاقب المتهم من أجل جريمة ما كان سيعاقب عليها قانونا لولا القتل وينبني علي ذلك أنه إذا مات المجني عليه فلا محل لتقديم الشكوي
وتبعا لذلك لا يكون ثمه تشديد.ويبدوا أن محكمة النقض في حكمها محل التعليق تأثرت بظروف الواقعه فعز عليها الا توقع عقوبه الإعدام علي الإبن القاتل لابيه لغرض سرقته فانحازت للراي الضعيف في الفقه فحاولت جاهده إيجاد حجج من عندها. ودون الدخول في مناقشه الحجج التي استعرضتها محكمة النقض لمخالفتها المنطق والقانون وهي في جملتها لا تخلو من تكلف . فإننا نساءل محكمة النقض ما الحل لو وقف القتل عند مرحله الشروع ولم يقدم الاب شكوي عن جريمة سرقه ابنه له؟هل سوف تشدد العقوبه؟
وماذا اذا قدم الاب شكوي ثم تنازل عنها؟ ان محكمة النقض بحكمها محل التعليق ألغت قيد الشكوي اي انها الغت نصوص قانونية فهل تملك ذلك؟
ان ماذهبت اليه محكمة النقض من أن انقضاء حق الشكوي بالوفاه يبيح للنيابه رفع الدعوي فمردود عليه بأن انقضاء الحق في الشكوي يعني غلق الباب مطلقا علي النيابة في رفع الدعوي عن الجريمة محل الشكوي وليس كما خال لمحكمة النقض. ولا يحاج بان قيد الشكوي ينحسر في حاله ارتباط جريمه الشكوي بغيرها فهذا فهم خاطيء لحكم ارتباط جريمه الشكوي بغيرها إذ ما يترتب علي هذا الارتباط هو غل يد النيابة عن رفع الدعوي عن جريمه الشكوي وتخويلها رفعها عن الجريمه الاخري التي لا يلزم فيها شكوي.
ولم يقل احد في الفقه ولا القضاء من قبل بحريه النيابه في حاله الارتباط برفع الدعوي عن جرائم الشكوي وغيرها فهذا استحداث من النقض في القانون. واما ادعاء النقض بوجود شذوذ فإن ذلك ليس من شانه لي عنق القانون أو اهدار تطبيقه وانما بمناشده المشرع بأن يتدخل بجعل صفه الوالد فيمن قتله القاتل ظرفا مشددا لعقوبه القتل الي الإعدام مثلما كان الحل في القانون الروماني وقانون العقوبات الفرنس القديم.
والواقع إن القاض حين يطبق القانون علي الواقعه يجب ألا يتأثر بظروفها وبشاعتها والا جره ذلك الي ما لا يحمد عواقبه من انتهاك أحكامه بذريعه اقامه الحق وماهو من الحق في شييء. وبذريعه تأويل القانون وما هو من التاؤيل بل خلقه وهو ما لا يملكه القاض.وهو ما وقع فيه الحكم محل التعليق.