الزواج الإلكتروني والمفاهيم الحديثة الداخلة على عقد الزواج.
تتباين آراء الفقهاء في تحديد الأحكام الشرعية المرتبطة بالزواج أو الطلاق عبر شبكة الانترنت، وقد فجّرت دراسة أعدّها د.هايل عبدالحفيظ،أستاذ الفقه في الجامعة الأردنية، حول هذا الموضع جدلاً واسعاً وخلافاً واضحاً،في مؤتمر القضاء الشرعي الأول، الذي عقد في عمان الشهر المنصرم.
إلاّ أنّ الخلاف بين العلماء والفقهاء الأجلاء -حول العقود الالكترونية للزواج والطلاق، وكذلك حول الصور الجديدة للزواج (كالزواج العرفي والمسيار والفرندز) وغيرها- يأتي متردداً متأخراً في سياق زمن متسارع، يتسابق فيه الواقع بمتغيراته وشروطه وأزماته مع الفقه والشريعة الإسلامية، التي لا تقدم أدبياتها وفتاواها وأحكامها جهداً موازياً لتسارع الأحداث، مما خلق – ويخلق- فجوة واضحة بين الفقه والفتوى وبين الواقع،ويؤدي إلى مشكلات قانونية وشرعية،وبالطبع اجتماعية وثقافية.
ففي الوقت الذي لا يزال فيه الفقهاء مترددين ومختلفيون حول الزواج العرفي والمسيار وغيرها، نجد عشرات الآلاف من حالات الزواج هذه تتم، وفق فتاوى غير معتمدة، لكن بضغط من واقع تنتشر فيه العنوسة بصورة واضحة، وتسود ظروف اقتصادية قاهرة تمنع من تحقق الصور التقليدية من الزواج.
القضية ليست تبريراً أو منحاً للمشروعية للزواج أو الطلاق الالكتروني أو الصور الجديدة من الزواج،فهذا ليس من مهمات العمل الإعلامي، لكن هي رسالة تنبيه للسادة الفقهاء والمجامع الفقهية، أنّ هنالك فجوة، بل فجوة كبيرة، بينكم وبين الواقع من ناحية، وأنّ فتاوى التحريم والمنع لا تكفي،وإنما لا بد من تقديم “فتاوى النوازل” الجريئة التي تتعامل مع الضرورات والحرج وتقدم الأحكام وفق فقه الموازانات والضرورات والأوّليات..
ترى دراسة “العقود والتوثيقات عبر وسائل الاتصال الحديث” أنّ التعاقد بطريق الإنترنت، من حيث الأصل،تعاقداً بين حاضرين من حيث الزمان وغائبين من حيث المكان.وقد لفتت الدراسة إلى أن للتعاقد بطريق الإنترنت عدة طرق من أهمها وأكثرها انتشاراً التعاقد عبر شبكة المواقع(web)، والتعاقد عبر البريد الإلكتروني(Email)، والتعاقد عبر المحادثة والمشاهدة. وكلها قائمة على الرضا.
المأذون الالكتروني: المشروعية والواقع
وترى الدراسة أنّ التعاقد عبر الانترنت (من حيث المبدأ والعموم) مشروع في كافة أنواع العقود والتصرفات القانونية. ذلك أن كلا من العاقدين يسمع الآخر ويشاهده. إن هذا الحكم لا خلاف فيه بالنسبة للعقود العادية، ولكن الإشكالية تثار في حالة تعلق الأمر بعقد الزواج، نظرا لقدسيته وأهميته وما يترتب عليه من آثار ذات أهمية لا يجب الاستهانة بها.
فبعد تعميم التنسيق الالكتروني برزت على الانترنت ظاهرة مثيرة للانتباه،تتمثل في المأذون الكتروني، من خلال مواقع يقدم بعضها عناوين المأذونين, ويرد على استفسارات الراغبين في الزواج، والبعض الآخر يقدم وثيقة زواج للراغبين في الارتباط تماثل وثيقة عقد القران، كما يوجد بها خانة للشهود.
إن بعض الدول، ومنها روسيا،اعترفت بهذه المواقع وأضفت الشرعية على وثائق الزواج التي تعقدها، بعد أن ربطت بينها وبين مكتب توثيق الزواج الالكتروني الروسي، الذي قرر تعميم التجربة اعتبارا من العام المقبل، أما في مصر فالأمر يتم من دون تنظيم أو تقنين أو حتى رقابة على هذه المواقع، فهل العقود التي تقوم بها سليمة من الناحية الشرعية والقانونية؟
تشير الأرقام، بحسب دراسة في هذا المجال، إلى أن عدد المواقع التي تقدم هذه الخدمة باللغة العربية يصل إلى مائتي موقع،يزورها نحو ثمانية ملايين من الشباب يبحثون عن شريك العمر، وغالبا ما يدفع الطرف الذي يرغب في الزواج الرسوم،
ولا يشترط أن يكون هذا الطرف هو الشاب.كما أن بعض المواقع لا تشترط الحصول على بيانات الراغبين في هذه الخدمة، والبعض الآخر يشترطها لضمان الجدية، كما تؤكد الإحصائيات على مستوى العالم أن حجم سوق خدمات الزواج على الانترنت بلغ أرقاما غير معقولة؟ والملاحظ أن ارتفاع نسبة العنوسة سبب رئيسي لرواج تلك المواقع،لكن من الواضح أن تجربة الزواج عبر الانترنت لا تخلو أحيانا من خداع وتلاعب.
وأغلب الفقهاء يرون أن هذا الزواج لا يصح أبدا؛ لأن الشهود يجب أن يكونوا حاضرين أمام المأذون الشرعي أثناء إتمام عقد الزواج حتى يتحقق ركن الإشهار الذي هو أهم أركان الزواج،كما أن العروسين يجب أن يكونا موجودين ويحدث نوع من العلانية والمواجهة أما أن يختصر الأمر كله في ملء بيانات استمارة علي شاشة جهاز الكمبيوتر،فهذا يناقض أركان الزواج الصحيح.
أما د. هايل عبدالحفيظ (من خلال حوار خاص معه) فلا يرى خطورة من إبرام الزواج الكترونيا،أمّا ما يتعلق بضرورة توثيقه في المحكمة الشرعية فلابد من وجود طريقة لذلك حتى لا تضيع حقوق الناس،كما يجب أن يتم بإشراف من دائرة رسمية وشرعية.
ويضيف د. عبدالحفيظ قائلا: “يمكن إجراء عقد الزواج دون حاجة لإرسال المأذون أو الرجوع إلى مقر المحكمة الشرعية، بل يحدد موقع إلكتروني للمحكمة الشرعية، وتقدم الوثائق اللازمة عبر الانترنت باستعمال السكانر(الهوية، شهادة الشهود.)،والقيام بإجراءات أمنية للتأكد من صحة المعلومات والبيانات على أن يجب أن يتم كل ذلك تحت رقابة مؤسسة شرعية، وليس من خلال مواقع عشوائية.ويؤكد إضافة لما تقدم على أن هذا الأمر يحتاج إلى بحث أوسع يشارك فيه المختصون بعلوم الانترنت مع علماء الشريعة لوضع القيود والضوابط الضرورية”.
فقهاء: يرفضون زواج “التيك أوي”!
إن فكرة المأذون الالكتروني بهذا الشكل، كما يرى د. عبد الناصر أبو البصل، تفتح فعلا مجالا خصبا للتلاعب وضياع الحقوق وعدم توثيق العقود، ونفس الشيء ينطبق على الطلاق من خلال رسائل الـSMS عبر الموبايل، أو حتى من خلال التليفون العادي وصدرت فتوى شهيرة من دار الإفتاء تمنع ذلك.
أما د. محمد المسير – أستاذ العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر- فيؤكد أن فكرة تحرير عقد الزواج لابد أن تتم من خلال المواجهة الصريحة بين جميع الأطراف، وإلا فكيف يشهد الشاهد على زواج لم ير طرفيه، كما يجب أن تتم عملية القبول والإيجاب بشكل واضح وصريح، ولا يمكن أن نكتفي بالصور أو الصوت عبر الميكروفون،وإلا فسندخل في فاصل من الفوضى، ويحذر د. المسير من الاندفاع وراء موضات التكنولوجيا والرغبة المرضية في تقليد الغرب.فما الداعي إلى أن تتحول خطوة تعد من أهم خطوات الإنسان إلى إجراء مريب على طريقة (التيك أوي)؟
ويضيف د.المسير “أن تحرير عقد الزواج عبر المواقع الالكترونية الشخصية للأفراد هو كارثة حقيقية لأن الأمر برمته يكون خارج إطار المراقبة الاجتماعية والشرعية والضبط القانوني، فقد يتم هذا الزواج بدون أركانه الشرعية أو بدون خطبة وتعارف حقيقي جاد أو بدون مجلس زواج أو بدون أن ينظر الشاب إلى الفتاة التي سيتزوجها. وقد تتزوج الفتاة المسلمة بدون إذن وليها،كما قد يتم تحرير عقود زواج فاسدة على الانترنت، ولا تستند هذه العقود إلى أسس وضوابط شرعية، بل إن منها ما يحمل صيغا تكون متنافية لتعاليم الإسلام”.
د. عبدالناصر أبو البصل،يؤيد المسير، ويقول:”إنه ليس ضد استخدام الإنترنت ووسائل الاتصال الحديثة في العقود من حيث المبدأ، ولكن في مسألة عقد الزواج تحديدا فإن الشريعة الإسلامية أحاطته بشروط وإجراءات وشكليات كالشهود والإشهار، لا تتحقق عبر الاتصال بالإنترنت”. ويضيف”بالنسبة لمسألة المحكمة الإلكترونية فأرى ضرورة عرضها على مجمع الفقه الإسلامي وتوضيح كافة الأمور وتفاصيلها بدقة، حتى يتم ضمان سلامة الإجراءات وسلامة الأسرة وسلامة الاختيار، لأننا نتحدث عن عقد يتعلق بأقدس شيء في حياتنا”.