الشروط المتعلقة بالشهادة وفقا لنظام المرافعات السعودي.
الشهادة حُجة شرعيَّة تُظهر الحقَّ ولا تُوجبه، ولكن تُوجب على الحاكم أن يحكمَ بمقتضاها؛ لأنها إذا استوفَت شروطَها مُظهرة للحقِّ، والقاضي مأمور بالقضاء بالحق.
وللشهادة نوعان من الشروط: شروط تحمُّل، وشروط أداء:
فأمَّا شروط التحمُّل – أي: الشروط التي يَلزم توفُّرها وقت العلم بالشيء المشهود به – فهي كثيرة؛ منها: العقل، وأن يكون التحمُّل عن علمٍ، أو عن معاينة للشيء المشهود به بنفسه، لا بغيره، إلاَّ فيما تَصِح فيه الشهادة بالتسامع والاستفاضة، كالنَّسب ونحوه.
وأمَّا شروط الأداء، فمنها ما يرجع إلى الشاهد، وقد سبَق الحديث عنها في الحلقة الماضية، ومنها ما يرجع إلى الشهادة نفسها، ومنها ما يرجع إلى المشهود به، ومنها ما يرجع إلى النِّصاب؛ أي: عدد الشهود.
فمن الشروط التي يَلزم توفُّرها في الشهادة نفسها؛ كي تُقبل وتكون مؤثِّرة في إثبات المدَّعى به:
1- اشتراط وجود الدعوى في الشهادة على حقوق العباد من المدَّعي أو نائبه؛ لأن الشاهد يُدلي بشهادته؛ لإثبات الدعوى المُقامَة لدى القاضي، فالدعوى سابقة للشهادة.
2- أن تكون الشهادة موافقة للدعوى؛ إذ لا تُقبل شهادة بحقٍّ مالي في دعوى منازعة على تَملُّك عقار مثلاً.
3- أن تؤدَّى بلفظ الشهادة، بأن يقول: أشهد بكذا، وهذا قول الجمهور.
ومن الشروط ما يرجع إلى نِصاب الشهادة؛ إذ يَختلف عدد الشهود في الشهادات بحسب الموضوع المشهود به:
أ – فمن الشهادات ما لا يُقبل فيه أقلُّ من أربعة رجالٍ، لا امرأة بينهم، وذلك في الزنا؛ لقوله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ ﴾ [النور: 4]، وقوله تعالى: ﴿ لَوْلَا جَاؤُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ ﴾ [النور: 13].
ب – وإذا ادَّعى مَن عُرِف بغنًى أنه فقيرٌ؛ لأَخْذ زكاةٍ، فلا بدَّ من شهادة ثلاثة رجال، يَشهدون له – وقد نصَّ عليه الحنابلة – لحديث قَبِيصة – رضي الله عنه – في صحيح مسلم، وفيه قوله – صلى الله عليه وسلم -: ((ورجل أصابَته فاقةٌ؛ حتى يقوم ثلاثة من ذَوِى الحِجَا من قومه، لقد أصابَت فلانًا فاقةٌ، فحلَّت له المسألة؛ حتى يُصيب قِوامًا من عيش)).
ج – ومنها ما يُقبل فيه شاهدان ذَكَران، وهو ما سوى الزِّنا من الحدود والقِصاص، كالقَطْع في السرقة، وحَدِّ الحِرابة، والجلْد في الخمر، وهذا باتِّفاق الفقهاء.
د – وأمَّا ما يَطَّلع عليه الرجال غالبًا، مما ليس بمالٍ ولا يُقصد منه مال؛ كالنكاح، والطلاق، والرَّجعة، والإيلاء، والظِّهار، والنَّسب، والإعسار، والوكالة، والوصاية، ونحو ذلك – فإنه يثبت عند جمهور الفقهاء بشهادة شاهدَيْن، لا امرأة فيهما، ودليلهم في ذلك أنَّ الله تعالى نصَّ على شهادة الرجلين في الطلاق والرَّجعة والوصية، وقِيسَ عليها ما شارَكها في الشرط المذكور.
هـ – ومنها ما تُقبل فيه شهادة رجلين أو رجل وامرأتين، وذلك في الأموال ونحوها؛ لقوله تعالى ﴿ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ ﴾ [البقرة: 282].
و – ومنها ما تُقبل فيه شهادة النساء مُنفردات، كالرَّضاع، وما لا يَجوز أن يطَّلع عليه الرجال الأجانب من العيوب المستورة.
يشتراط العلم في الشهادة، وأنَّ من شرط الشاهد أن يكون عدلاً؛ كي يَصدق فيما يَشهد به، فإذا كذَب الشاهد في شهادته، فماذا يسمَّى في عُرف الشرع الحكيم؟ وما قيمة ما شَهِد به؟ وهل يُترك هذا الشاهد دون تأديبٍ؟
إنَّ الذي يَشهد كاذبًا يسمَّى في الشرع شاهدَ زُورٍ، وشهادة الزور: مُركَّب إضافي، يتكوَّن من كلمتين، هما:
الشهادة، والزور:
أما الشهادة في اللغة، فمن معانيها: البيان، والإظهار، والحضور، ومستندها المشاهدة؛ إمَّا بالبصر، أو بالبصيرة، وأما الزور، فهو الكذب والباطل، وقيل: هو شهادة الباطل، يُقال: رجل زورٍ؛ أي: مُمَوه بكذبٍ.
وشهادة الزور عند الفقهاء:
هي الشهادة بالكذب؛ ليتوصَّل بها إلى الباطل من إتلاف نفسٍ، أو أخْذ مالٍ، أو تحليل حرامٍ، أو تحريم حلالٍ، ونحو ذلك.
ولا خلافَ بين الفقهاء في أنَّ شهادة الزور من أكبر الكبائر، وأنها محرَّمة شرعًا؛ فقد نهى الله تعالى عنها في كتابه مع نَهْيه عن الأوثان، فقال الله تعالى: ﴿ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ ﴾ [الحج: 30].
وفي الصحيحين عن أبي بَكرة – رضي الله عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: ((ألا أُنَبِّئُكم بأكبر الكبائر؟))، ثلاثًا: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وشهادة الزور – أو قول الزور))، وكان رسول الله – صلى الله عليه وسلم مُتَّكِئًا، فجلَس، فما زال يُكرِّرها؛ حتى قلنا: ليتَه سَكَتَ.
ومتى ثبَت عند القاضي أو الحاكم عن رجلٍ أنه شَهِد بزورٍ عمدًا، عزَّره باتِّفاق الفقهاء، مع اختلافهم في كيفيَّة التعزير، وما ذلك إلاَّ لخطورة شهادة الزور وأثرها في قلب الحقائق، وسَلْب الحقوق، فالقاضي لا يَعلم الغيب، ومتى شَهِد شاهدان طبق الدعوى، ولَم يَطعن المشهود عليه في عدالتهما، فإن القاضي سيَحكم بموجبها، وفي هذه الحال هل يُبيح هذا الحكم الشيء المحكوم به للمدَّعي أو لا؟
ذهَب جمهور الفقهاء إلى أنَّ قضاء الحاكم بشهادة الزور يَنفذ ظاهرًا لا باطنًا؛ أي: في ظاهر الأمر فقط، فيَنفذ القضاء كذلك؛ لأن القضاء يَنفذ بقَدْر الحُجَّة، ولا يُزيل شيئًا عن صفته الشرعيَّة، فلا يحلُّ للمقضي له بشهادة الزور ما حُكِم له به من مالٍ أو بضعٍ أو غيرهما؛ لِما في الصحيحين عن أمِّ سَلَمة – رضي الله عنها – أنَّ النبي – صلى الله عليه وسلم -: قال: ((إنَّكم تَختصمون إليّ، ولعلَّ بعضَكم أن يكون أَلْحَن بحُجَّته من بعض، فأقضي له على نحو مما أسمَع منه، فمَن قطَعتُ له من حقِّ أخيه شيئًا، فلا يأخذه، فإنما أقطعُ له به قطعةً من النار)).
وقوله: ((أَلْحن بحُجَّته))؛ أي: أفْطَن وأفصَح ببيان حُجَّته، وإظهار أنَّ الحقَّ له.
والواجب على المسلم أن يتَّقي الله تعالى في شهادته، فلا يَشهد إلاَّ بما يعلم، وليَحذر شهادة الزور التي تُوبق الشاهد بها والمشهود له بها