الفصل في خصومة قائمة وفق صحيح القانون.
وحيث إن هذا النعى فى محله , ذلك أن الحكم القضائى هو فصل فى خصومة قائمة وفق صحيح القانون , وعلى القاضى إذ يباشر وظيفته القضائية أن يجعل بغيته وجه الحق فى الدعوى , وهو مالا ينال إلا بفهم صحيح لواقعها , ودرس عميق لأدلتها , ثم إنزال حكم القانون عليها , وعليه – إذ يقضى بين الناس – أن ينزه نفسه عن التردى فى مساجلة فكرية أو مبارزة مذهبية تشغله عن الوقوف على عناصر الدعوى الواقعية والقانونية اللازمة لحسم النزاع فيها فإن هو فعل , كان حكمه مبنياً على غير أسباب ,
فإذا استلزم الفصل فى الدعوى أن يوازن بين المبادىء ويقايس بين الأفكار , كان له ذلك – فى حدود سلطته التقديرية – دون أن يعتنق – فى هذا السبيل – فكراً لا يشهد له علم ولا هدى ولا كتاب منير , أو رأياً يناهض ما استقر فى ضمير الجماعة وما تعارفت عليه فى دستورها وقانونها ,
فإن فعل , كان استدلاله فاسدا , وتطبيقه للقانون خاطئاً ، لما كان ذلك , وكان الأساس الذى قامت عليه دعوى الطاعنين هو إساءة المجلة المطعون ضدها لحق النشر والنقد , لدى تعليقها على ما ندبوا أنفسهم له من تعقب عارضى الصور المنافية للآداب بالطريق العام ,
وما أدى إليه من صدور حكم بإدانة أحدهم , إذ أساءت اليهم وشهرت بهم, بما حواه مقالها المذكور , وهو ما عدوه خطأ أصابهم بضرر أدبى يوجب مساءلتها عن تعويضه , وكان الفصل فى الدعوى على هذا النحو , يقتضى من محكمة الموضوع أن تتناول بالبحث والتمحيص المقال المشار إليه وتبيان ما إذا كانت عبارته قد إلتزمت الضوابط المنظمة لحق النشر والنقد ,
من حيث صحة الخبر أو اعتقاد الناشر صحته بناء على أسباب تسوغه , وأن يكون النقد فى إطار المقومات الاساسية للمجتمع ,والحفاظ على الحريات والواجبات العامة , وأحترام حرمة الحياة الخاصة للمواطنين , وعدم الاعتداء على شرفهم وسمعتهم واعتبارهم , وما إذا كانت قوة العبارة قد اقتضتها ضرورة تجليه قصــــــد الناقد
, وأن رائدها المصلحة العامة , ولم يكن الغرض منها الطعن والتجريح , وهى الأمور الواجب استظهارها لاثبات أو نفى عناصر المسئولية محل الدعوى , وكان الحكم الابتدائى –المؤيد لأسبابة بالحكم المطعون فيه – قد رد على دعوى الطاعنين بأن أفاض فى عرض أفكار جماعها أن التطرف الدينى وباء نكبت به البلاد يجب استئصاله .
وأن ديدن المبتلين به الحجر على حرية الآخرين مما يقعد بالمجتمع عن مواكبة الحضارة التى لا سبيل إليها إلا حرية مطلقة من كل قيد , وأنه لا ضير فى نشر الصور الإباحية لشيوعها وإلفها , وأن مسلك الطاعنين فى محاربتها تدخل مرذول فى شئون الآخرين ينم عن أهداف خبيثه ونفوس مريضه , وأن المجلة المطعون ضدها إذ تصدت لهم بمقالها الآنف بيانه , قد تغيت المصلحة العامة وبرىء مسلكها من قاله الخطأ ,
وانتهت من ذلك إلى رفض الدعوى , وإذ كان ذلك , وكانت تلك الأفكار التى أبانت مدونات الحكم أنه يدين بها ويصدر عنها , قد شابها الخلط والتعميم , وجاءت مناهضة للأسس الخلقية القويمه والمبادىء الدينية الصحيحة التى تحكم المجتمع المصرى وتضبط حركته , والتى حرص الدستور والقانون – على ما سيلى بيانه – على رعايتها ,
ويتعين على القضاء تثبيتها مهما تفلت الناس من عقالها , كما نأت هذه الأفكار عن الفطرة السوية التى لا ترى فى حرية طليقة من كل قيد غير باب لفوضى عارمة , وشعار لعبودية خالصة للشهوات , فضلاً عن أن الحكم قد شغل بهذه الآراء – التى لا صلة لها بموضوع الدعوى – عن الوقوف على عناصرها السالف بيانها – مما أدى به إلى رفضها على غير أسباب تحمله , وهو ما يعيبه بالقصور فى التسبيب والفساد فى الاستدلال , بما يوجب نقضه – فى هذا الخصوص دون حاجة للرد على باقى الأسباب .
– ونقول …. كارثة أن يعتنق القاضى فكراً يحل ما حرمه الله ويحرم ما أحله ويبيح ما جرمه القانون ويناهض الأسس الخلقية القومية والمبادىء الدينية الصحيحة الصحيحة التى تحكم المجتمع المصرى وتضبط حركته وينافى الفطرة السوية ويدعوا إلى نشر الرذيلة ومحاربة الفضيلة ..
ولكن كارثة الكوارث أن يجعل القاضى فكره هذا يتحكم فى ميزان العدالة الذى بيده ويقيم هواه مقام القانون الذى يحكم به فيقضى لصالح من يوافقة فكره محاباة له وإيثاراً ويقضى ضد من يخالفه فكره نكاية فيه … عندئذ يصير مدخول الضمير لا يؤمن جوره ولا يطمأن بحال إلى عدله ويعرض وظيفته للمهانة والنيل من هيبتها