الفصل في شئ لم يدع به الخصوم أو القضاء خطأ جوهري.
وتتوفر هذه الصورة عندما يقضي القاضي بأكثر مما طلبه المدعي في عريضة دعواه أو في عريضة استئنافه أو القضاء بما لم يطلبه أو يثيره في تلك العريضة ، كما لو طلب المدعي الحكم له بالدين وقدره خمسمائة دينار ؛ فحكم القاضي له بألف دينار ،أو انه طلب التعويض عن الأضرار ولم يطلب بالفوائد ، ولكن لو فوض المدعي الأمر للمحكمة للحكم له بالتعويض ؛ فان هذا التفويض يعني طلبه منها بأن تقضي بما تراه مناسبا مع اقتناعها ومتفقا مع القانون (28).
وعلة ذلك أن القضاء المدني مقيدٌ بالحكم بما طلبه الخصم في عريضة دعواه نوعاً ومقداراً لذا فالحكم بأكثر من طلبه أو بغير طلب يكون مبررا لقبول الطعن في الحكم باعتبار أن القاضي قد اخطأ في الحكم خطأً جوهرياً (29). وعلى هذا استقر القضاء العراقي (30). أما الفقه والقضاء المصري فالأمر في خلاف ،فجانب من الفقه (31). يرى أن الحكم في مثل هذه الحالة يعتبر مفتقدا لمفترض ضروري لإصداره إلا وهو الطلب القضائي ، بمعنى أن القاضي قد حكم في نزاع لم يطرحه الخصوم بصورة طلب قضائي ،
لهذا فانه يقع ضمن حالة بطلان الحكم وفق المادة(248/2م0م0مصري) ، وبالتالي يجوز الطعن فيه بالنقض مع توفر الشروط الأخرى . أما الجانب الأخر من الفقه (32). يرى أن الحكم في هذه الحالة يعتبر كعمل أجرائي باطل ، وبما انه حكم انتهائي فأن الطعن فيه يكون بأعمال المادة (221م0م0مصري) أي بالاستئناف استثناء لوقوع بطلان في الحكم (33). أو بالتماس إعادة النظر أما القضاء المصري (34). فقد انقسم إزاء حالتين ؛
الأولى انه إذا كان القاضي قد قضى بغير طلب ، أو بأكثر مما طلبه الخصوم عن أدراك وتعمد ، وقد ذكر في حكمه الذي بنى عليه قضاءه ، فالأولى رفع الشكوى لمحكمة النقض لا لمحكمة التماس إعادة النظر.
أما الحالة الثانية ، وهي حالة أن القاضي قد قضى عن سهوا أو عن عدم أدراك بما لم يطلبه الخصوم أو بأكثر من الذي طلبوه لعدم توفر العلم لديه أو لإغفاله الطلب القضائي ، فان الطعن في حكمه يكون بالتماس إعادة النظر ليتمكن القاضي من إصلاح وتدارك ذلك، وقد جاء في أحد أحكام النقض ما نصه ” قضاء الحكم بأكثر مما طلبه الخصوم عن سهو منه إذا لم تشر المحكمة لشيء إليه في أسباب حكمها فأن الطعن يكون عليه بالتماس إعادة النظر ، وليس سبيل الطعن بالنقض (35).
وبتقديرنا المتواضع نرى أن ما وصل إليه القضاء المصري من رأي جدير بالاحترام ، إذ يمكن لنا أن نؤكد هذا الرأي ونبرره من الناحية النظرية في الأقل ، إذ أن من المقرر في الفقه الإجرائي المصري (36). أن سلوك سبيل الالتماس إنما يرجى به تمكين القاضي الذي حكم من استدراك ما وقع فيه عن سهوٍ أو غلط بفسخ الحكم عن الملتمس وأعادته لمركزه الأصلي وتمكينه من مواجهة النزاع من جديد رجاء الحصول على حكم أخر ،
والحقيقة أن سلوك سبيل الالتماس بالحالة الأولى لا يحتمل معه رجوع القاضي عن رأيه الذي أرتاه عن علم وبينة لذا يمكن الطعن بالحكم أمام محكمة النقض على أساس مخالفة القانون بانعدام الطلب القضائي..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
28 -وكذلك لا يعتبر وجها للطعن إذا حكمت المحكمة بأقل مما طلبه الخصم لان ذلك معناه أنها رفضت بقية الطلب ، انظر في ذلك عبد الرحمن العلام – المرجع السابق –ص43 0
29 -انظر آدم وهيب النداوي-المرجع السابق –ص385، احمد أبو ألوفا- أصول المحاكمات –المرجع السابق-ص657 0
30 -قرار الهيئة المدنية الخامسة لمحكمة التمييز 804/ إدارية ثانية /في 20/4/1988مشار إليه في آدم وهيب النداوي – المرجع السابق –ص 385 0
31 -انظر فتحي والي –مبادئ –المرجع السابق –ص620، احمد جلال الدين هلالي –المرجع السابق –ص315، حامد فهمي ومحمد حامد –المرجع السابق –ص402 0
32 -انظر نبيل إسماعيل – المرجع السابق –ص 180 0
33 -تنص المادة 221 م0م0مصري (يجوز استئناف الأحكام الصادرة بصفة انتهائية من محاكم الدرجة الأولى بسبب وقوع بطلان في الحكم أو بطلان في الإجراءات اثر بالحكم 000)وقد نصت المذكرة التفسيرية لقانون المرافعات المصري (000 إتاحة أعمال النص المستحدث على الأحكام النهائية الصادرة من محاكم الدرجة الأولى ولو تجاوزت حدود نصابها الانتهائي 000)وبعبارة أخرى اصبح من الجائز استئناف الأحكام النهائية عملا بالمادة 221سواء كانت صادرة في حدود النصاب النهائي للمحكمة ، أو بنص المشرع عليها ، أم باتفاق الخصوم ، انظر احمد أبو ألوفا – التعليق –المرجع السابق –ص 494
34 -نقض مدني 11/3/1972، مجموعة أحكام النقض س 10 ،ص597، نقض مدني 22/6/1976 مجموعة أحكام النقض س 42،ص723، نقض مدني 22/10/1959 مجموعة أحكام النقض /س10ص 597، نقض مدني 12/5/1973 مجموعة أحكام النقض س 24ص740 0
35 -نقض مدني 3/12/1937 مجموعة أحكام النقض س 25 ص 117 0
36 -انظر محمد كمال –المرجع السابق –ص 486، نبيل إسماعيل – المرجع السابق –ص 182