الوصف القانوني لرقابة الامتناع في مصر.
تفترض هذه الطريقة أن هناك دعوى مقامة لدى القضاء أيا كان موضوعها، فقد يكون النزاع مطروحا أمام محكمة جنائية أو حقوقية أو ادارية، فيدفع أحد الخصوم بعدم دستورية القانون الذي سيفصل في النزاع استنادا إليه، مطالبا بعدم تطبيقه. فإذا أقره القاضي على طلبه و حجته فإنه يمتنع عن تطبيق ذلك القانون دون أن يحكم بإلغائه أو بطلانه.
وعليه يمكن تعريف رقابة الامتناع بأنها:
طريقة دفاعية يلجأ إليها صاحب الشأن المضرور من تطبيق قانون معين، أثناء نظر دعوى أمام القضاء، طالبا استبعاد تطبيق هذا القانون لمخالفته للدستور.
ويحدث اللجوء الى هذا الأسلوب في حالة سكوت الدستور عن تنظيم الرقابة على دستورية القوانين، فهو لا يحتاج إلى نص دستوري يقرره، لأنه يتصل بطبيعة عمل القاضي حينما يدفع المدعى عليه بعدم دستورية قانون معين، فإن من واجب القاضي أن يتحرى عن صحة هذا الدفع، فإذا تبين له أن القانون متفق مع أحكام الدستور قضى بتطبيقه، أما إذا تأكد من جدية الدفع ومخالفة القانون للقواعد الدستورية، فعليه أن يرجح كفة الدستور بإعتباره التشريع الأعلى مقررا الامتناع عن تطبيق هذا القانون في القضية المطروحة.
والحكم هنا يقتصر فقط على الامتناع عن تطبيق القانون لتعارضه مع أحكام الدستور، كما أنه ذو حجية نسبية، إذ يقتصر أثره على أطراف الدعوى فقط، فإن هذا القانون يبقى قائما و موجودا، و يمكن للمحاكم الأخرى أن تطبقه إذا لم يدفع بعدم دستوريته أمامها، أو إذا قررت هذه المحاكم دستوريته.
وعليه فإن من المحتمل أن تتضارب الأحكام الصادرة عن المحاكم بأنواعها، ولكن الملاحظ من الناحية العملية أن صدور الحكم بالامتناع عن تطبيق قانون ما لعدم دستوريته من محكمة عليا يقيد سائر المحاكم على اختلاف درجاتها، ويكون سببا في شل تطبيق ذلك القانون.
كانت البداية لظهور هذه الطريقة في الولايات المتحدة الأمريكية، فهي المهد الذي نشأت فية رقابة الامتناع على دستورية القوانين وقد مهد لذلك أن الولايات المتحدة تتكون من مجموعة ولايات كان عددها عند نشأة الاتحاد ووضع الدستور الاتحادي ثلاث عشرة ولاية، حتى تجاوز الخمسين ولاية في الوقت الراهن، لهذا نص الدستور الاتحادي على توزيع السلطات والاختصاصات بين الدولة الاتحادية والولايات، فلكل منها دستورها وسلطاتها العامة التشريعية والتنفيذية والقضائية.
ويصبح هذا التوزيع الدستوري مجردا من قيمته وغايته في إقامة التوازن بين طرفي المعادلة إذا خالفت أيا من السلطات العامة اختصاصاتها سواء في الدولة الاتحادية أو الولايات. ومقتضى ذلك ضرورة قيام جهة معينة، للتأكد من اتفاق أعمال هذه السلطات مع النصوص الدستورية الاتحادية وخاصة في المجال التشريعي.
ولكن الدستور الاتحادي وضع حلا جزئيا لهذه المشكلة وذلك فيما يتعلق بعدم تعارض دساتير الولايات و قوانينها مع دستور الاتحاد أو قوانينه، وجاء هذا في المادة السادسة منه: ” يكون هذا الدستور و قوانين الولايات المتحدة التي ستوضع بموجبه و جميع المعاهدات المبرمة أو التي ستبرم بموافقة الولايات المتحدة، القانون الأعلى للبلاد، ويلتزم بها القضاة في كل ولاية بصرف النظر عما يرد خلاف ذلك في دستور أو قوانين أية ولاية “.
ولكن هذا الدستور لم ينص على الحل الذي يمكن اتباعه إذا تجاوزت السلطات الاتحادية حدود اختصاصاتها التي رسمها الدستور واعتدت على الاختصاصات المقررة لسلطات الولايات.
وعلى هذا الطريق سار القضاء المصري في ظل دستور سنة 1923 نظرا لعدم وجود أي نصوص دستورية أو تشريعية تنظم حق القضاء في مراقبة دستورية القوانين.وقد حسمت محكمة القضاء الاداري تردد القضاء المصري في هذا المجال في حكمها الشهير الصادر بتاريخ 10 فبراير 1948، مقررة حق المحاكم في بحث دستورية القوانين، وصاغت أسانيدها بعبارات دقيقة محكمة مما جعل هذا الحكم من الأحكام الكبرى الشهيرة في تاريخ القضاء المصري، ومما جاء في حيثياته:
ومن حيث أنه ليس في القانون المصري ما يمنع المحاكم من التصدي لبحث دستورية القوانين سواء من ناحية الشكل أو الموضوع.
وقد قدمت هذه المحكمة تسبيبا لهذا الحكم يستند الى المفهوم السليم لمبدأ الفصل بين السلطات وضرورة احترام كل منها للمبادىء التي قررها الدستور حال قيامها بوظائفها، وإلى تحديد وظيفة المحاكم إزاء تعارض قانون عادي مع الدستور، بقولها:
المحاكم تملك الفصل عند تعارض القوانين في أيها الواجب التطبيق إذ لايعدو أن يكون هذا التعارض صعوبة قانونية مما يتولد عن المنازعة فتشملها سلطة المحكمة في التقدير لأن قاضي الأصل هو قاضي الفرع.
اما الاعلان الدستورى الحالى فينظم الطريقة القانونية للرقابة على دستورية القانون وتوجد ايضا المحكمة الدستورية العليا صاحبة الاختصاص الوحيد فى الفصل فى مدى دستورية القوانين ومايترتب على ذلك من الامتناع عن تطبيفها .
اما وان تقوم اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية بألامتناع عن تطبيق قانون العزل السياسى من تلقاء نفسها فيعد ذلك مخالفة صارخة للقواعد الدستورية وتجاوز حدود اختصاصها المرسوم لها فى القانون وتعدى واضح منها على السلطة التشريعية والاعلان الدستورى المشبوة , ولايستطيع اى متخصص او غير متخصص ان يستسيغ اى تفسير شرعى او قانونى لذلك .