بحث حول إجراءات التحقيق الإبتدائي وحضور المتهم ومحاميه.
اولا :القاعدة العامة:حق المتهم ومحامية في الحضور:-
(١) التحقيق هو مجموعة الإجراءات التي تباشرها النيابة العامة بغيه كشف الحقيقه في شأن الجريمة. وهذه الإجراءات عديده ومتنوعة كسماع شاهد وسؤال المجني عليه ومعاينه مكان الجريمة ومناظره جثه المجني عليه واستجواب المتهم ومناقشه خبير ……..الخ. والأصل لزوم مباشر هذه الإجراءات في حضور المتهم اومحاميه وذلك لتعلق مصلحه المتهم بما تسفر عنه من نتائج فأراد المشرع أن تجري تحت نظر المتهم أو محاميه كي يبدي ما يراه من اعتراضات بشانها أو يقدم ما ينفيها.
وبديهي ان حضور المحامي يغني عن حضور المتهم إذ ذلك ما تقضي به طبيعة الوكالة. ولكن الأمر مختلف بالنسبة لجمهور الناس اذ لا شان لهم بالتحقيق ومن ثم فلا حق لهم في حضور إجراءاته فضلا عن حرص المشرع علي ستر المتهم في تلك المرحلة الدقيقة حفاظا علي سمعته ولهذا كان التحقيق الابتدائي علانيا بالنسبة للمتهم وسريا للجمهور .
(٢) وتأكيدا لاصل حضور المتهم او محامية إجراءات التحقيق نصت المادة 77 إجراءات علي أن للمتهمين وؤكلائهم ان يحضروا جميع إجراءات التحقيق… وتمكيننا لهم من الحضور نصت المادة 78 إجراءات علي لزوم اخطارهم باليوم التي تباشر فيه إجراءات التحقيق ومكانها .ويتم الإخطار في محل اقامه المتهم ان كان مفرج عنه أوالي مامور السجن ان كان رهن الحجز أو الحبس .
ولم يحدد القانون للاخطار شكلا معينا فيصح ان يكون بخطاب مسجل أو بإعلان علي يد رجال السلطة العامه كما يصح ان يكون شفاهتا أو بالتليفون. ولا يقتصر حضور المتهم ومحاميه علي إجراءات معينة بل يشمل الحضور سائر إجراءات التحقيق دون تخصيص.
ومن ثم فإن ما جري عليه العمل في بعض النيابات من صد محام متهم عن حضور استجواب متهم آخر او منعه من حضور سماع شاهد او مجني عليه أو مناقشه خبير او رجل ضبط وقصر حضوره مع المتهم الموكل عنه لدي استجوابه هو عرف فاسد لايبوء به يجب الإقلاع عنه ويكون من حق المتهم ومحاميه الدفع ببطلان الاجراء الذي بوشر في غيبته أوالذي منع من حضوره كما سوف كما سوف نري حالا.
ثانيا:الجزاء المترتب علي حرمان المتهم أومحاميه من حضور التحقيق:-
(٣) مر بنا احقيه المتهم او محاميه في حضور كافه إجراءات التحقيق دون تخصيص سواء اجريت معه أو مع غيره من المتهمين الآخرين وانه لا يجوز صده عنها اذ الأصل علانيه التحقيق الابتدائي بالنسبة للخصوم ومنهم المتهم. وجمهور الفقه علي ان حرمان المتهم او محاميه من حضور اجراء أو اكثر من إجراءات التحقيق يورث البطلان وانه بطلان مطلق لاخلاله بضمانات الدفاع.
غير أن محكمة النقض كان لها في الموضوع راي اخر اذ قررت ان اجراء التحقيق في غيبه المتهم غير قادح في صحته وكل ما للمتهم أن يتمسك لدي محكمة الموضوع بما اعتري التحقيق من نقص او عيب
(نقض 1979 /6 /14 مجموعة أحكام النقض س 30 رقم 146 ص 685؛ نقض 1980 /1 /30 س 31 رقم 29 ص 148؛ نقض 1980 /6 /15 س 31 رقم 150 ص 775)
(٤) ومذهب الفقه في تقرير البطلان ارجح اما مذهب النقض فغير صحيح اذ يحرم المتهم من حق قرره له القانون والقاعده أنه لا حرمان الا بنص. فضلا عن أنه ليس صحيحا ما تقرره النقض من كفاية أن يتمسك المتهم بما اعتري التحقيقات من نقص أو عيب إذ يكفي المتهم أن يثبت أن الإجراء اتخذ في غيبته لكي يتقرر بطلانه. ولا يلزم فوق ذلك ان يثبت أو ينعي عليه اى نقص أو عيب آخر لأن مجرد اتخاذ الإجراء في غيبه المتهم دون ضرورة أو استعجال سبب كاف لبطلانه.
ثم ان مذهب النقض يجعل الكلمه العليا لمحكمة الموضوع في تقرير العيب أو النقص دون ضابط أو رقيب. ولقد اثبت العمل ازاء ذلك تغاض محاكم الموضوع عن اوجه قصور التحقيقات رغم جريانها في غيبة المتهم أو محاميه والتفاتها عن اهات الدفاع بشانها من خلال ذكر المحكمة لعباره نمطية حاصلها اطمئنانها الي جريان تحقيقات الغيبة من قبل النيابة العامة بموضوعية وانها تطمئن لذلك ولا تشاطر المتهم نعيه في هذا الخصوص. وبالتالي اضحت ضمانات الدفاع نسيا منسيا ومجرد قواعد إرشادية لا بطلان علي اهدارها.
ولا ريب في أن حصول الاجراء في حضره المتهم وتحت عينه وبصره واتاحه الفرصة له بابداء ما يعن له من ملاحظات لحظه اتخاذه هو الكفيل الوحيد ببث الثقة فيه اما النعي علي الاجراء في مرحله المحاكمة بالقصور أو العيب من واقع ما سطر في الاوراق فلا يحقق ضمانات الدفاع وايا ما كان قدر الثقه في عضو النيابة العامة المحقق فإن من حق المتهم أن يساوره القلق ما دام أن المذكور خالف القانون باقصاءه عن حضور التحقيق واتخاذ الاجراء في غيبتة. ولهذا فإننا نأمل من محكمة النقض أن تعدل عن قضاءها المار ذكره وتحذوا حذو الفقه في احكامها الاحقه انصياعا للقانون واحتراما لحقوق الدفاع.
ثالثا:استثناء حرمان المتهم و محاميه من حضور التحقيقات الابتدائية والإطلاع عليها ومدي دستوريتها:-
(٥) اوضحنا سلفا احقيه المتهم ومحاميه في حضور كافه إجراءات التحقيق والاطلاع عليها دون تخصيص سواء اجريت معه أو مع غيره من المتهمين الآخرين وانه لا يجوز صده عنها والا اضحي التحقيق باطلا لان الحضور احد ضمانات الدفاع التي كفلها الدستو والقانون. بيد أن القانون اضعف من هذه الضمانة حين أجازللمحقق اجراء التحقيق في غيبه المتهم أو صده عن الحضور في أحوال الضرورة او الاستعجال(المادة 2/77اجراءات)
ويشترط لصحه التحقيق في هذه الحالة أن يثبت المحقق في محضر التحقيق وجه الضرورة أو الاستعجال الذي دعاه الي اجراء التحقيق في غيبه المتهم كي يكون تحت نظر محكمة الموضوع لتقدر مدي توافرهما من عدمه.
ويلزم كذلك تمكين المتهم أو محاميه من الإطلاع علي التحقيقات التي اجريت في غيبته بمجرد زوال الضروره أو الاستعجال وبداهه ان الضروره تقدر دائما بقدرها فلا يتوسع فيها ومن أمثله الضرورة تفتيش المتهم ومسكنه والتنصت علي محادثاته الخاصة.
ولقد بررت المذكره الايضاحيه لقانون الإجراءات هذا الحكم الاستثنائي بقاله ان المحقق قد يجد أن وجود المتهم اثناء سماع شاهد من شأنه التاثير عليه فلا يبوح بشاهدته علي ما يرام أو قد يكون الشاهد او المجني عليه علي شفا الموت ويخش هلاكه اذا ما انتظر المحقق حضور المتهم.
(٦) ويكشف الواقع العملي عن اساءه بعض اعضاء النيابة العامة استعمال هذا الحكم الاستثنائي بصدد جرائم المال العام وامن الدوله إذ غالبا ما يعمد عضو النيابة الي اجراء التحقيق في هذه الجرائم في غيبه المتهم أو محاميه بغيه حجب بعض الأدلة عنه تمهيدا لمواجهته بها مستهدفا في ذلك مصلحة التحقيق ومتشدقا بالضروره والاستعجال. وما الي ذلك قصدالمشرع اذ ليس للمحقق ان يخفي علي المتهم امرا يخصه والا اعتبر ذلك انتقاصا خطيرا من حقوق الدفاع.
وايا ماكان الامر فاننا نعتقد انه إذا كانت الضرورة تقتضي في بعض الاحيان اقصاء المتهم عن حضور بعض اجراءات التحقيق لما قد يكون للمتهم من سطوه ونفوذ قد توثر مثلا علي شاهد فانه ليس هناك مبرر لأبعاد محام المتهم عن الحضور أو الإطلاع على تحقيقات الضرورة والقول بغير ذلك يودي الي عدم دستورية المادة 77اجراءات المتعلقة بإجراء التحقيق في سريه عند الضرورة أو الاستعجال.
وايه ذلك أن الدستور كفل حق الدفاع بالوكالة وجعل من المحاماه ضمانة لكفاله حق الدفاع(المادة ٩٨)ومشاركا للسلطه القضائية في تحقيق العدالة وسيادة القانون(المادة١٩٨) والشراكه ضد الحجب والاستئثار فليس للمحقق ان يثني شريكه المحامي عن حضور التحقيقات نيابه عن المتهم أو يمنعه من الإطلاع علي التحقيقات التي تمت في الدعوي بحجه وجود ضروره مادام أن كلاهما بنص الدستور شريكا في إرساء العدالة وإعلاء سياده القانون ومادام أن المحامي منوط به كفاله حقوق الدفاع.
إذ من المستحيل أن يودي المحامي دوره الدستوري وهو محروم من حضور التحقيقات وممنوع من الإطلاع عليها فاقدا بذلك ادوات الرقابة التي تمكنه من انفاذ حكم الدستور. نهيك عن أن أجازت إجراء التحقيق في غيبه المتهم عند الضرورة أو الاستعجال ينطوي علي مخالفة دستورية تتمثل في إهدار حق الدفاع المكفول دستوريا في المادة 98 والذي يعتبر من الحقوق اللصيقه بشخص المتهم والتي لا تقبل تعطيلا ولا انتقاصا طبقا للمادة 92 من الدستور ومن شأن حرمان المتهم من حضور التحقيق المساس بحق لصيق له إلا وهو الدفاع عن نفسه من خلال مناقشه الادله ضده.
لذا فإننا نناشد المشرع سرعه تعديل المادة 77 إجراءات بقصر الحرمان علي اجراءات التحقيق التي من الواجب اتخاذها في خفيه عن المتهم وإلا فقدت الغاية منها وهي التفتيش والضبط والتصنت والمنع من التصرف في الاموال مع تمكين المتهم ومحامية فورا من الإطلاع علي نتائجها تجنبا لعدم دستورية المادة 77المار ذكرها.
رابعا:حق المتهم ومحامية في الاطلاع على التحقيقات:-
(٧) ومما يرتبط بحق المتهم ومحامية في حضور التحقيق حقهما كذلك في الإطلاع علي التحقيقات التي تمت وإلا كان الحضور عقيما إذ ما فائدة حضور تحقيق جمعت فيه ادلة واتهام ضد شخص ولا يعلم عنها هذا الشخص ومحامية ثمه شيئ!فالاتهام بجريمة موقف صعب لذا كان للمتهم دائما الحق في الإستعانة بمحام ليبدي له المشورة ويرسم له خطه الدفاع التي تمكنه من إظهار براءته من خلال الاطلاع علي مجريات التحقيق وتصوير أوراقه .
لهذا أجازت المادة 84 من قانون الإجراءات الجنائية للمتهم أن يطلب علي نفقته اثناء التحقيق صور من الأوراق أيا كان نوعها. كما اوجبت المادة 125 من ذات القانون السماح للمحامي بالاطلاع علي التحقيق في اليوم السابق على الاستجواب أو المواجهة.
ولكن أضعف المشرع من هذه الضمانة حين أجاز في في المادتين سالفي الذكر للمحقق حرمان المحامي من حق الاطلاع بموجب قراره.وتكشف المناقشات البرلمانية لقانون الإجراءات الجنائية أن هذا الحرمان قوبل بمعارضه شديدة بحسبانه أمر شاذ إذ ليس هناك مبرر معقول لهذا الحرمان وهو يعد بلا شك انتقاصا من حق الدفاع لا مسوغ له فليس للمحقق أن يخفي عن المتهم أمر يخصه أو ادله ضده. ولهذا تري العجب حين يطلب المحامي من المحقق صوره من التحقيقات إذ السماح والمنع بيده واذا قدر المنع فلا ضوابط تحكم عمله سوى تظلم إداري لرئاستة!
(٨) غير أنه مما يخفف من وطأة ذلك أن المشرع الزم المحقق بإصدار قرار بالمنع وهذا القرار لابد أن تكون هناك أسباب تحمله وإلا كان باطلا وهذة الأسباب لأ تخرج عن الضرورة والاستعجال بمعني أن المنع يرتبط بسبق صدور قرار من المحقق باجراء التحقيق في غيبة المتهم عند الضرورة والاستعجال وفقا لنص المادة 77المار ذكرها. فلقد نصت المادة 84للمتهم وللمجني عليه وللمدعي بالحقوق المدنية وللمسئول عنها أن يطلبوا على نفقتهم أثناء التحقيق صوراً من الأوراق أيا كان نوعها، إلا إذا كان التحقيق حاصلاً بغير حضورهم بناء على قرار صادر بذلك.
كما نصت المادة 125يجب السماح للمحامي بالإطلاع على التحقيق في اليوم السابق على الاستجواب أو المواجهة ما لم يقرر القاضي غير ذلك.وفي جميع الأحوال لا يجوز الفصل بين المتهم ومحاميه الحاضر معه أثناء التحقيق. فالمادة 84 تتحدث عن منع الإطلاع متي وجد قرار سابق من المحقق بإجراء التحقيق في غيبه المتهم وهو ما لا يملكه المحقق إلا في أحوال الضرورة والاستعجال وفقا للمادة 77وكذا المادة 125فهي تفترض أن المحقق رأي منع الإطلاع وهذا المنع مرتبط بإجراء استجواب المتهم في غيبه محامية وفقا للمادة 124السابقه لها اي عند التلبس والخشية من ضياع الأدلة اذ اطلاع المحامي سيكون تزيدا مادام أنه لن يحضر الاستجواب لعدم وجودة. ومن ثم أن وجد المحامي وجب اطلاعة ولا يملك المحقق متعه إذ لا يجوز الفصل بين المتهم ومحاميه الحاضر حتي عند التلبس والخشية من فوات الوقت.
(٩) ويكشف الواقع العملي أن النيابة العامة في كثير من القضايا لا سيما السياسية نادرا ما تسمح للمحامي بالاطلاع وان سمحت فإنها تحجب عنه سائر التحقيقات فيما خلا اقول المتهم الموكل عنه مما يضع المحامي في موقف بالغ الحرج أمام المتهم وذويه ويعجزه في الوقت ذاته عن الالمام بتفاصيل القضيه كي يرسم خطه دفاعه عن المتهم . وعلي أي حال فإن حرمان اطلاع المحامي علي أوراق التحقيق لم يعد جائزا بعد صدور دستور 2014 إذ تنص المادة 98 منه علي أن حق الدفاع مكفول اصاله أو بالوكالة وان حماية حقوق المحاماه ضمانة لكفالة حق الدفاع كما تنص المادة 198 من الدستور علي أن المحاماه تشارك السلطه القضائية في تحقيق العدالة وسيادة القانون وكفالة حقوق الدفاع. وأيضا نصت المادة 94 علي أن حياد القاضى ضمانة أساسية لحمايه الحقوق والحريات.
(١٠) ولا ريب في أن ماقرره المشرع من اجازه حرمان المحامي من الإطلاع علي التحقيقات يفرغ حق الدفاع من مضمونه ويجعله رمزيا أو بالأحرى شرفيا إذ يعجز المحامي من أداء الدور الذي اناطه به الدستور وهو كفالة حق الدفاع. وأيضا فإن هذا الحرمان يخل بحياد المحقق إذ يجعل همه إثبات الاتهام فقط. بل إن ما نص عليه الدستور من أن المحاماه تشارك السلطه القضائية في تحقيق العدالة وكفالة حقوق الدفاع تعني النديه والمساواة في هذا الإطار وليس الغلبه والمنع بما يتعارض مع تخويل المحقق منع شريكه المحامي من حق الاطلاع على التحقيقات مادام أن كلاهما منوط به دستوريا هدف واحد يسعي إليه وهو تحقيق العدالة وكفالة حقوق الدفاع.
ولهذا نعتقد عدم دستورية المادتين 84 و125 إجراءات فيما تضمناه من أحقية المحقق في منع المحامي من الإطلاع على التحقيقات وأخذ صور منها وان للمحامي دائما الاطلاع علي التحقيقات ولا يجوز تعطيل هذا الحق أو الانتقاص منه بقوه الدستور ذاته الذي حظر تعطيل أو انتقاص الحقوق اللصيقه بشخص المواطن ومنها حق الدفاع (المادة 93 من الدستور ) .
د.ياسر الامير فاروق.