بيان علاقة القتل مع سبق الإصرار في حال المفاجأة بالزنا.
لغرض بيان علاقة القتل في الحال مع سبق الاصرار في حالة المفاجأة بالزنى، لابد من التفريق بين حالتين، الأولى إذا كان الزوج أو المحرم متشككاً من سلوك زوجته أو إحدى محارمه، والثانية إذا كان عالماً بهذا السلوك.
اولاً- حالة التشكيك بسلوك الزوجة أو إحدى المحارم:
إن عذر الاستفزاز لا يتوفر إذا ارتكب الجاني جريمته وهو هادئ النفس رابط الجأش متحكماً بإرادته، وعليه يمكن القول بأنه إذا ثبت الاستفزاز انتفى سبق الاصرار، فالاستفزاز يفترض انتفاء هدوء البال بعكس الاصرار الذي يفترض هدوء البال بل هو شرطه الضروري(1).
ولكن في حالة مفاجأة الزوج بتلبس زوجته أو إحدى محارمه بالزنى وقتلها بالحال، فإن “الرأي متفق على أن سبق الاصرار لا ينفي بالضرورة إمكان قيام العذر. فإذا ارتاب أو شكك زوج في سلوك زوجته (أو إحدى محارمه) ففكر في كشف الحقيقة، ففعله هذا يكون مقترناً بسبق اصرار حقيقةً ولكن ذلك لا يحول دون اعمال العذر لأن اعماله مرهون باكتمال شروطه، وسبق الاصرار لا يتعارض بالضرورة مع أي منهما(2).
هنا إن سبق الاصرار كان معلقاً على حدوث أمر هو زنى الزوجة أو إحدى المحارم، بمعنى أن المفاجأة تحققت رغم توافر الاصرار السابق على القتل لأن الجاني يكون مأخوذاً- عند اكتشاف الحقيقة- بفظاعة المشهد وقساوة المفاجأة(3).
وإن سبق الاصرار يجوز ان يكون مشروطاً إذ نصت المادة (33/4) عقوبات عراقي على أن سبق الاصرار يتحقق سواء كان القصد معلقا عل حدوث أمر أو موقوفاً على شرط. وبذلك فأن حالة الغضب التي ينبني عليها حكم المادة (409) عقوبات لا تتعارض مع فكرة سبق الاصرار(4)،
عليه يمكن القول إن الجاني يستفيد من العذر المخفف إن كان متشككاً في سلوك زوجته أو محرمه ولكنه لم يكن واثقاً من ذلك فكمن لها لكي يستجلي الحقيقة حتى ضبطها متلبسة بالزنى فقتلها وشريكها أو احدهما. وتطبيقاً لذلك قضت محكمة النقض المصرية بأن (الفقهاء في هذا الموضوع قد ميزوا بين حالتين،
حالة ما يكون الاختفاء قد حصل بعد تأكد الزوج وتيقنه من خيانة زوجته له تأكداً وتيقناً لا يخامره اقل ريب وحالة ما يكون الاختفاء قد حصل والزوج متشكك في الأمر فقط فرأوا ان لا عذر للزوج في الحالة الأولى لأن القتل في هذه الحالة لم يكن الدافع له التأثر الفجائي والأنفعال النفساني الناشئ من المفاجأة برؤية الفعل وأنما الدافع له في الحقيقة حب الانتقام من الزاني عن فعل سابق ولم يكن الاختفاء في هذه الصورة الا بقصد ايجاد الفرصة المناسبة للوصول لهذا الغرض.
أما في الحالة الثانية فقد اتفقت كلمتهم على وجوب العذر لأن الاختفاء فيها كان الغرض منه اولاً وبالذات التأكد أي الوقوف على الحقيقة، فلما رأى الزوج بعيني رأسه ما لم يكن مصدقاً به هاجه هول المنظر وفظاعة المشهد فاضاع الرشد ولم يتمالك نفسه الى ان قتل)(5).
ثانياً- حالة العلم بسوء سلوك الزوجة أو إحدى المحارم:
إذا كان الشخص عالماً مسبقاً بسوء سلوك زوجته أو احدى محارمه فيكون من الصعب أن نقول بحصول المفاجأة أو قيام حالة الاستفزاز حتى ولو كان الجاني قد صمم على القتل وكمن للثأر من الزانيين وقتلهما وهما متلبسان، فالقتل في هذه الحالة لا يتوفر فيه شروط العذر المخفف إذ إن الجاني لم يفاجأ بشيء بل كان عالم بسوء سلوك المجنى عليها مما يفيد بتوفر ظرف سبق الاصرار في الجريمة المرتكبة.
وقد قضت محكمة التمييز في العراق بعدم تطبيق أحكام المادة (409) عقوبات في قضية قتل فيها المتهم والدته وعشيقها عندما وجدهما في غرفة واحدة، إذ قالت (…فالثابت من وقائع الدعوى ومن اقرار المتهم الصريح امام قاضي التحقيق الذي أدلى به بعد وقوع الحادث مباشرة من أنه كان يعلم بوجود علاقة غير شريفة بين والدته المجنى عليها (س) والمجنى عليه المصري الجنسية (م) وقد تأكد من وجود هذه العلاقة، إذ أن المجنى عليه كان (يحضر إلى الشقة ويبيت مع والدته للصباح)
إذ أن المادة (409) عقوبات تتطلب عنصر المفاجأة أي ان يكون المتهم خالي الذهن تماماً من وجود علاقة بين المجنى عليهما ثم يفاجأ بوجودهما في الفراش الواحد فيرتكب الجريمة تحت تأثير المفاجأة…)(6).
ونعتقد إن الجاني الذي يعّد لجريمة القتل بعد مدة طويلة من مفاجأته بالمجنى عليهما متلبسين بالزنى بأنه لا يستفيد من العذر المخفف، لأنه في هذه الحالة يكون عنصر الاستفزاز قد انتفى وأنه قد ارتكب جريمته بهدوء وتروٍ يتوفر معه سبق الاصرار الذي يُسأل عنه الجاني.
وتطبيقاً لذلك قضت محكمة التمييز في العراق بأنه (لا يحول دون توفر سبق الاصرار الهياج النفسي لدى المتهم وذلك بمشاهدة المجنى عليه يزني بزوجته قبل خمسة عشر يوماً طالما توفرت له الفرصة للتفكير فيما هو قادم عليه وأنه قد أعد لجريمته الاسباب التي اعتقد إنها تسهل له ارتكابها وأنه مصمم على تسوية ما حدث بينه وبين المجنى عليه بالقتل)(7).
ويذهب اتجاه في الفقه الى أنه يستوي ان يكون سبق الاصرار متوفراً أم لا فالقاتل مستفيد من التخفيف إذا ما قتل زوجته أو إحدى محارمه في حالة المفاجأة(8). وهو ما يذهب إليه القول الراجح في فرنسا الذي كان يميل الى ان الزوج يمكنه ان يستفيد من العذر ولو كان لديه إصرار سابق على جريمته(9) .
ولكن اتجاه آخر يرى أن هذا الرأي لم يزل منفردا واساسه أن القانون ينشأ قرينة قانونية لمصلحة الزوج مؤداها أنه كان في حالة تهيج عند مباغتته للزوجة وقتلها، والمتهم في هذه الحالة غير ملزم بأثبات حالته هذه كما أنه من غير الجائز أن يثبت الادعاء العام انتفاء الأنفعال لدى الزوج وقت ارتكابه للجريمة، لأن ذلك يجر إلى بحث اسرار فاضحة يصعب الوصول فيها إلى نتائج حاسمة(10).
ونعتقد أن الرأي الأول يستند إلى عبارة من فاجأ زوجته الوارد في النص، أي ان المفاجأة تنصرف إلى الزوجة وليس إلى الزوج، لذلك لا يمكننا التسليم بهذا الرأي فسبق الاصرار يتوفر عندما يكون الزوج عالماً مسبقاً بارتكاب زوجته او احدى محارمه فعل الزنى، وهذا العلم ينفي المفاجأة والاستفزاز الذي هو عذر المدافع عن شرفه المثلوم.
——————————————————————————————
1- ينظر د. فخري عبد الرزاق الحديثي، شرح قانون العقوبات –القسم العام، مرجع سابق، ص457.
2- ينظر د. عوض محمد، مرجع سابق، ص116.
3- ينظر د. محمد صبحي نجم، مرجع سابق، ص87. د. عبد المهيمن بكر، القسم الخاص في قانون العقوبات، جرائم الاعتداء على الأشخاص والأموال، دار النهضة العربية، القاهرة، 1968، ص102.
4- ينظر د. فخري عبد الرزاق الحديث، شرح قانون العقوبات-القسم الخاص، مرجع سابق، ص170.
5- نقض مصري في 3/11/1925. سبقت الاشارة إليه ص60 من هذه الرسالة. ولمزيد من التفاصيل ينظرد. عبد الحميد الشواربي، جرائم الإيذاء في ضوء القضاء والفقه، دار المطبوعات الجديدة، الاسكندرية، 1986، ص206.
6- القرار رقم 102/موسعة ثانية/90 في 15/8/1990. مجلة القضاء، نقابة المحامين في العراق، ع1 و2، س46، 1991، ص191.
7- القرار رقم 1228/جزاء أولى/ جنايات/82-83 في 27/6/1983.مجموعة الأحكام العدلية، ع1 و 2 و 3 و 4، لسنة 1983، ص91.
8- ينظر سلمان بيات، مرجع سابق، ج3، ص334.
9- لمزيد من التفاصيل: ينظر د. رؤوف عبيد ، مرجع سابق، ص90. حسن الفكهاني، موسوعة القضاء والفقه للدول العربية، ج25، الدار العربية للموسوعات القانونية، القاهرة، 1977-1978، ص38.
10- ينظر د. حميد السعدي، مرجع سابق، ج3، ص233.