تجريم الشروع في جرائم تقنية المعلومات.
(1) لا تقع الجريمة في طور وأحد وإنما تمر بثلاث مراحل،المرحلة الأولي وهي التجهيز والإعداد لها وتسمي بالأعمال التحضيرية وتلك لأ عقاب عليها لانعدام خطرها ولان الجاني قد يغض الطرف عن الاستمرار نحو ارتكاب الجريمة.والمرحلة الثانية وهي البدء في تنفيذ ركنها المادي وتسمي”الشروع في الجريمة” وتلك لأ عقاب عليها في الجنح الا بنص خاص ويعاقب عليها في الجنايات بعقوبة تقل درجة عن عقوبة الجريمة التامة.
أما المرحلة الاخيرة وهي مرحلة تمام الجريمة حيث ينتهي الجاني من جريمته وتلك يعاقب عليها بالعقوبة المرصودة للجريمة. وثمة صورتان أساسيتان للشروع أولاهما: الشروع التام، ويعرف كذلك بالجريمة الخائبة، وفيها يستنفد الجاني نشاطه الإجرامي كاملاً وتتخلف النتيجة لسبب خارج عن إرادته،
والصورة الثانية للشروع هي الشروع الناقص أو مايعرف بالجريمة الموقوفة، وفيها لا يسنفد الجاني نشاطه الإجرامي حتى نهايته، وإنما يوقفه أو يحبطه عامل خارجي فلا يستكمل النشاط ولا تتحقق النتيجة وليس ثمة فارق من الناحية القانونية بين صورتي الشروع فيما يتعلق بالتجريم والعقاب فكل منهما يستكمل عناصر الشروع، ولكل منهما يتقرر ذات العقاب.
ولما كان الشروع هو البدء في تنفيذ فعل بقصد ارتكاب جناية أو جنحة إذا اوقف أو خال اثرة لذا فإن الشروع لا يكون متصور فى جرائم تقنية المعلومات ذات السلوك الشكلي المجرد وكذا الجرائم غير العمدية والسلبية ومتعدية قصد الجاني.ولقد نص المشرع علي ذلك كلة في المواد ٤٥و٤٦و٤٧ من قانون العقوبات .
(2) وفي ذلك تقول النقض لما كان المشرع بما أورده في المادة ٤٧من قانون العقوبات قد نص صراحة ووضوح لا لبس فيه على أن ” تعين قانوناً الجنح التي يعاقب على الشروع فيها وكذلك عقوبة هذا الشروع ” هو مناط التجريم والعقاب ؛ إذ الأصل عدم العقاب على الشروع في الجنح إلا بنص خاص ، وكانت المادة 98 (ب) من قانون العقوبات إذ سكتت عن النص على ثمة عقوبة للشروع في الجريمة المنصوص عليها فيها ، وكان من المقرر أنه لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص ،
وإذا كان ذلك ، وكان الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه والمعدل بالحكم المطعون فيه قد خالف هذا النظر وغابت عنه هذه الحقيقة القانونية وقضى على الرغم من ذلك بإدانة الطاعنين عن جنحة الشروع في الترويج لقلب نظام الحكم– موضوع التهمة الأولى – إعمالاً للمادة الأخيرة – على السياق المتقدم – رغم أنه فعل خارج عن نطاق التأثيم المنصوص عليه في تلك المادة ولا يندرج تحت أي نص عقابي آخر ، فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون وتأويله .
(الطعن رقم 22647 لسنة 84 جلسة 2015/11/18 (40)
وقضت أيضا بأنه لما كانت المادة الخامسة من قانون العقوبات قد نَصت على أنهُ : ” يُعاقب على الجرائم بمُقتضي القانون المعمول به وقت ارتكابها ، ومع هذا إذا صَدر بعد وقوع الفعل وقَبل الحُكم فيه نهائياً قانون أصلح للمُتهم فهو الذي يُتَّبع دون غيره … ” ، كما أن نص المادة 47 من ذات القانون قد نص على أنه : ” تعيَّن قانوناً الجُنح التي يُعَاقب على الشروع فيها ، وكذلك عقوبة هذا الشروع ” .
لمَّا كَان ذلك ، وكَان قد صدر القانون رقم 95 لسنة 2005 بشأن تعديل بعض أحكام قانون الجمارك رقم 66 لسنة 1963 – والذي عُمِل به اعتباراً من يوم 21 يونيه سنة 2005 – والذي ألغى المادة 124 مُكرراً من القانون الأخير ، والتي كَانت تُقرِّر عقوبة جنائية لجريمة الشروع في التهريب الجمركي المُؤثمة بالمادتين 122 ، 124 مُكرر من ذلك القانون آنف البيان ، وخَلت نصوص القانون الجديد من ثمة تأثيم لجريمة الشروع والتي كَان منصوصاً عليها في القانون سالف الذكر قبل تعديله ، ومن ثم فقد أضحت تلك الجريمة بموجب القانون رقم 95 سالف الذكر ، فعلاً غير مُؤثم
(الطعن رقم 16371 لسنة 4 جلسة 2014/07/09 س 65)
وقضت أيضا بأنه مفاد نص المادة ٤٦عقوبات أنه من شرع فى ارتكاب الجرائم المنصوص عليها بالقانون، يعاقب بالسجن وبما لا يجاوز نصف الحد الأقصى المسموح به للجريمة التامة أو بالحبس اذا كانت عقوبة الجريمة التامة هي السجن .” فقد اعلن صراحة أنهُ يرى العقاب على الشروع في الجريمة بعقوبة أقل من عقوبة الجريمة التامة ، ذلك لأن الشروع لا ينال بالاعتداءِ الحق الذي يحميه القانون ، وإنما يقتصر على مُجرد تَهدِيده بالخطر ، فالشروع أقل ضرراً من الجريمةِ التامة ، والعقاب عليه يُعَدُّ نوعاً من التوسع في المسئولية الجنائية ،
ولذلك اختط المُشَرِع خطة مؤداها التفَرَّقَة بين العقوبة المُقررة للشروع في الجناية وبين تلك المُقَررة للجريمة التامة ، فجَعَلَ الأولى أخف من الأخيرة ، ومن ثم يتعين على المحكمة ألا تُوَقِع العقوبة على الشروع في الجناية ، إلا على الأساس الوارد في المادة 46 سالفة الذكر ، وأن تنزل بالعقوبة على الشروع إلى الحد الوارد فيها
(الطعن رقم 7934 لسنة 83 جلسة 2014/02/12 س 65؛الطعن رقم 1310 لسنة 82 جلسة 2014/02/06 س 65)
(3) هذا ولم يخرج المشرع في قانون جرائم تقنية المعلومات رقم ١٧٥لسنه ٢٠١٨ علي القواعد المار ذكرها بالنسبة لتجريم الشروع في جنح تقنية المعلومات وحدد هذا العقاب بنصف الحد الأقصى للعقوبة المقررة للجريمة التامة ولولا هذا النص ما عوقب علي الشروع في تلك الجنح طبقا للمادة ٤٦عقوبات.
أما بالنسبة للجنايات فقد خالف المشرع في قانون جرائم تقنية المعلومات القواعد المقررة في قانون العقوبات حينما رصد لعقوبة الشروع في جناية نصف الحد الأقصى المسموح به للجريمة التامة وليس طبقا للقواعد العامة عقوبة السجن بما لا يجاوز الحد الأقصى المسموح به للجريمة التامة أو بالحبس اذا كانت عقوبة الجريمة التامة هي السجن .” .
اذ نصت المادة ٤٠من قانون جرائم تقنية المعلومات رقم ١٧٥لسنه ٢٠١٨ كل أن” من شرع فى ارتكاب الجرائم المنصوص عليها بالقانون، يعاقب بما لا يجاوز نصف الحد الأقصى للعقوبة المقررة للجريمة”.
(3) والشروع طبقا للمادة ٤٥ عقوبات هوالبدء في تنفيذ فعل بقصد ارتكاب جناية أو جنحة. ولقد اختلف الراي في الفقه حول معيار البدء فى تنفيذ الجريمة الذي يعتبر شروع معاقب عليه. فذهب راي الي لزوم أن يمس نشاط الجاني الركن المادي للجريمة ففي جريمة السرقة لا يعد الشخص شارعا في الجريمة الا اذا وضع يدة علي المال المسروق.
بينما ذهب راي آخر الي أن الشخص يعتبر شارعا في الجريمة إذ اتي فعل سابق علي الركن المادي مباشرتا للجريمة مادام أن هذا الفعل يؤدي وفقا للتسلسل المنطقي الي المساس بالركن المادي فمن يجتاز سور مسكن لسرقة محتوياته يعد شارعا في الجريمة ولو لم يضع يدة بعد علي المال المسروق. وتأخذ محكمة النقض في اغلب احاكمها بالراي الاخير.
وقد قضت في حكم حديث لها بان يعد الفعل شروعاً فى هتك عرض متي اتي الجاني فعل سابق على تنفيذ الركن المادى للجريمة ومؤدى إليه حالاً ومباشرة وقالت في ذلك أن الركن المادى في جريمة هتك العرض لا يتحقق إلا بوقوع فعل مخل بالحياء العرضى للمجنى عليه يستطيل إلى جسمه فيصيب عورة من عوراته ويخدش عاطفة الحياء عنده من هذه الناحية ، إلا أنه متى ارتكب الجاني أفعالاً لا تبلغ درجة الجسامة التى تسوغ عدها من قبيل هتك العرض التام ،
فإن ذلك يقتضى تقصى الجاني من ارتكابها ، فإذا كان قصده قد انصرف إلى ما وقع منه فقط فالفعل قد لا يخرج عن دائرة الفعل الفاضح ، أما إذا كانت تلك الأفعال قد ارتكبت بقصد التوغل في أعمال الفحش فإن ما وقع منه يعد بدءاً في تنفيذ جريمة هتك العرض وفقاً للقواعد العامة ولو كانت هذه الأفعال في ذاتها غير منافية للآداب ،
وإذ كان لا يشترط لتحقيق الشروع أن يبدأ الفاعل تنفيذ جزء من الأعمال المكونة للركن المادى للجريمة بل يكفى لاعتباره شارعاً في ارتكاب الجريمة أن يأتى فعلاً سابقاً على تنفيذ الركن المادى لها ومؤدياً إليه حالاً ومباشرة , وكان الثابت في الحكم ومن التحقيقات أن المطعون ضده قد استدرج المجنى عليه إلى مكان خال من المارة وأمسك به وهدده بسكين وتعدى عليه بالضرب وطرحه أرضاً وحاول حسر ملابسه عنه فقاومه مستغيثاً وعلى أثر ذلك توقف قائد إحدى السيارات ففر المطعون ضده هارباً ،
وحيث إن الأفعال التى أتاها المطعون ضده طبقاً لما سلف بيانه تتحقق بها جريمة الشروع في هتك عرض المجنى عليه بالقوة بركنيها المادى والمعنوى والذى أُوقف أثره لسبب لا دخل لإرادة المطعون ضده فيه وهو استغاثة المجنى عليه وتوقف أحد قائدى السيارات المارة بمكان الواقعة وأن تلك الأفعال تؤدى مباشرة وفى الحال إلى إتمام الجريمة
(الطعن رقم 42450 لسنة 75 جلسة 2012/11/27 س 63)