تصوير بطاقات الجيش والشرطة.
(1) لم يكن قانون العقوبات يرصد جزاء جنائي علي مجرد استبدال صورة شخصية علي محرر بوضع أخري محلها. وذهب الفقه والقضاء الي عدم اعتبار هذا الإبدال تزوير لأن الصورة الشخصية ليس محرر مكتوب. ونظرا لخطورة الفعل تدخل المشرع بموجب القانون رقم ٩لسنه ١٩٨٤معدلا المادة ١١٢عقوبات بجعل استبدال الصورة الشخصية محررا في تطبيق نصوص التزوير.
ولكن المقصود بالصورة الشخصية هي الصورة الأصل اما الصوره الضوئية منها فإنها لا تعد محررا إذ لا قيمة أو حجية لها في الاثبات الذي هو مناط العقاب علي التزوير. وعلي جانب آخر لجأ بعض الجناه إلي النصب علي الناس بادعاء صفه ضباط شرطة وجيش مستغلين ضعف ثقافة المواطنين فأصدر المشرع القانون رقم ١٧٤لسنة ١٩٩٨باضافة المادة ٢٤مكررا الي قانون الإجراءات الجنائية بالزام رجال السلطة العامة بإبراز ما يثبت صفتهم وشخصيتهم عند مباشرة اي اجراء أو عمل قانوني.
مما ضيق الخناق علي منتحلي الصفه فلجؤا إلي تصوير بطاقات وكارنيهات لضباط جيش وشرطة عن طريق التصوير الشمس المتطور بالألوان مطمئنين إلي أن هذا السلوك لا جريمة فية حتي ولو تم التلاعب في بيانات الصورة الشمسية والتقطة منها صورة شمسية أخري اذ ذلك لأ يعد تزوير لأن البطاقة المتلاعب فيها مجرد صورة شمسية وما اسفرت عنه كذلك صورة شمسية أو بالاحري ضوئية ومن ثم لا تزوير.
بل انه متي لجأ الجاني فقط الي تصوير بطاقة أصل من شانها خداع اوسط الناس بأن الصورة اصل فلا جريمة وأن اقص ما يمكن أن يعاقبوا عليه هو التداخل في وظيفه عمومية أو نصب علي حسب الاحوال اي جنح يمكن أن تنتهي إلي غرامة طبقا للمواد عقوبات.
فلجأ المشرع أخيرا الي إصدار القانون الرقم 57 لسنة 2014 بتنظيم تصوير بطاقات رجال القوات المسلحة والشرطة والمنشور في الجريدة الرسمية العدد 26 مكرر هـ بتاريخ 2 / 7 / 2014 لتدارك الموقف فأصاب حين وافلت منه حبل التجريم حين آخر كما سوف نري.
اذ نص في المادة الأولى منه علي أن يحظر تصوير بطاقات تحقيق الشخصية الخاصة برجال القوات المسلحة ورجال الشرطة تصويراً ملوناً يطابق الأصل أو يضاهيه، سواء كان ذلك بطريق التصوير التقليدي أو باستخدام الأساليب الفنية الحديثة للتصوير أو بأي وسيلة أخرى.
كما يحظر حيازة أو استعمال صور البطاقات المبينة في الفقرة الأولى ولو بصفة مؤقتة وتضبط صور البطاقات موضوع الجريمة بالطريق الإداري.
ثم نص المشرع فى المادة الثالثة منه علي العقوبة فقرر “مع عدم الإخلال بأية عقوبة أشد يعاقب بالسجن كل من خالف أي حكم من أحكام المادتين السابقتين ثم شدد المشرع العقوبة وجعلها السجن المشدد إذا كان القصد من ذلك ارتكاب جريمة أخرى كما شدد العقوبة الي السجن المؤبد إذا حصل التصوير أو الحيازة أو الاستعمال بغرض المساس بالأمن القومي.كما ضاعف المشرع العقوبة في حديها الأدنى والأقصى في حالة العود.
( 2) والجريمة كما هو واضح من جرائم الفاعل المطلق إذ لا يشترط صفه خاصة في فاعلها. وهي من جرائم السلوك المادي البحت إذ تتحقق بمجرد إتيان السلوك بغض النظر عن هدف أو غرض الجاني من اتيان السلوك بل ولو كان غرضة مشروعا!
وهي من الجرائم ذات القالب المقيد التي يتخذ السلوك فيها اما شكل التصوير أو الحيازة أو الاستعمال. وهي من جرائم الخطر لا الضرر اذ لايلزم أن يترتب علي السلوك المحظور ثمة نتيجه أو بالاحري حدث.
والجريمة اخيرا من جرائم الحدث المفترص إذ يلزم أن ينصب السلوك المادي فيها علي صورة بطاقا ملونه أو كارنيهات خاصه برجال الجيش والشرطة ماخوذة من أصل.
(٣) فيلزم اولا أن ينصب السلوك المادي المجرم علي بطاقة أو كارنية يخص الجيش أو الشرطة اما إذ انصب السلوك علي بطاقه أو كارنية لمجلس النواب أو وزارة التربية والتعليم أو الخارجية فلا تتحقق الجريمة.
كما يلزم في البطاقة أو الكرنية محل السلوك الإجرامي أن تكون ملتقطة من اصل فإن التقطة الصورة من صورة فلا جريمة. وهو ما يقتضي أن تكون البطاقة المأخوذة منها الصورة صحيحة غير مقلده أو متلاعب فيها أو بالاحري غير مزورة.
ومن ثم فإنه لا يرتكب تلك الجريمة من يقوم بتصوير صورة شمسيه من صورة شمسية أخري لكرنية ضابط جيش أو شرطة. كما أن هذا السلوك لا يعد تزوير في محرر ان جري التلاعب في الصورة الشمسية للكرنية أو البطاقة الملتقطة منها الصورة سواء حيث البيانات أو الصورة الشخصية باستبدالها باخري غير صحيحه لأن الصورة الشمسية لا حجية لها في الاثبات كما اوضحنا. مما يعني أن المشرع عجز عن تجريم الفرض الذي تدخل بإصدار القانون من اجله!!!!
(3) أما السلوك المادي المجرم فهو إما التصوير الملون أو حيازة البطاقة أو الكرنية المصور. فأما التصوير؛فيقصد به الالتقاط من أصل بشرط أن يكون هذا الالتقاط بالألوان وأن يكون متقن ومطابق للاصل الملتقط منه من كل الوجوه بحيث أن كان التصوير غير متقن أو وجد خلاف بينة وبين الأصل فلا تتحقق هذه الجريمة.
ومعيار الإتقان في التصوير هو خداع أوسط الناس بأن الكرنية أو البطاقة المصورة أصل. ولكن يستوي الجهاز أو الآلة التي تم بها الالتقاط إذ قد تكون بجهاز تقليدي مثل مكنة التصوير الملونة أو بجهاز تقني حديث أو ببرامج إليكترونية من خلال شبكة المعلومات الأليكترونية. أما الحيازة؛
فتعني بسط الجاني سيطرته علي البطاقة أو الكرنية المصور ولو لم يكن محرزا لها اي تحت يدة. أما الاستعمال فيقصد به الدفع بصورة الكرنية أو البطاقة المصورة الوان والاحتجاج بها أمام الغير علي انها صحيحة. ويكفي مجرد الالتقاط للصورة الملونة من أصل لتحقق الجريمة ولو لم يعقبة استعمال للصورة الملتقطة.
كما انة لا يلزم في الحائز أو المستعمل أن يكون هو ذاتة من قام بالالتقاط لصورة الكرنية أو البطاقة بل يتصور أن يستعمل أو يحوز آخر صورة بطاقة التقطها غيرة. اذ هناك استقلال بين الالتقاط والحيازة والاستعمال.
(4) والجريمة عمدية فلا تقع بالإهمال ولو كان جسيما فيلزم أن يتحقق العلم لدي الجاني بعناصر الجريمة بأسرها.فان اتخذ السلوك مثلا شكل الحيازة أو الاستعمال ولم يكن الجاني هو المصور لاصل المحرر وجب أن يتوافر العلم لديةبانه يحوز أو يستعمل صورة بطاقة جيش أو شرطة فإن اعوزة العلم لم يقم القصد .
والجريمة جناية عقوبتها السجن من ثلاث سنوات الي خمسة عشر سنة ويضاعف الحد الادني للعقوبة ليصبح ستة سنوات والاقص ليصبح ثلاثين سنة عند توافر ظرف العود!! ثم تشدد العقوبة لتصبح السجن المشدد من ثلاثة سنوات الي خمسة عشر عاما إذا كان غرض الجاني من التصوير والحيازة والاستعمال ارتكاب اي جريمة أخري وعند العود تضحي العقوبة السجن المشدد من سته سنوات الي ثلاثين سنة.
أما إذا كان غرض الجاني من التصوير والحيازة والاستعمال بغرض الأضرار بالامن القومي عوقب الجاني بالسجن المؤبد. اي مدي الحياة. ولقد وضع المشرع عقوبة تبعية وهي المصادرة للصورة الملتقطة الملونة.
أذ نصت المادة الرابعة من ذات القانون علي أن تقضي المحكمة فضلاً عن العقوبات المنصوص عليها في المادة السابقة بمصادرة صور البطاقات والملابس المضبوطة وكل مال يكون متحصلاً من الجريمة وكذلك الأجهزة والآلات والأدوات التي تستخدم في التصوير أو التصنيع أو الإنتاج، وينشر منطوق الحكم الصادر بالإدانة بالوسيلة المناسبة على نفقة المحكوم عليه.
(5)ولنا في النهاية ملحوظة هامة علي عقوبة تلك الجريمة فهي غليظة جدا لا تتناسب البتة مع خطوره السلوك إذ تتحقق الجريمة بمجرد فعل التقاط صور شمسية من بطاقة اصل دون أن يستهدف الجاني من هذا الالتقاط أو التصوير اي هدف أو غاية ودون اي تلاعب في اصل البطاقة أو حتي الصورة الملتقطة وهذا السلوك ليس من الخطورة لنجعلة جناية فهذا انحراف بسلطة التجريم والعقاب.
أذ أن القانون الجنائي هو أداة المجتمع في الحفاظ علي أمنه وامانه وأمواله وحقوق المواطنين الجوهرية كالحق في الحياة وسلامه الجسد والأموال والخصوصية.
والاصل أن سلطة المشرع في مجال التجريم ليس مطلقه بل مقيده بقيدين. الأول، وجود ضرورة تحتم تجريم فعل بعينه والقيد الثاني، وجود تناسب بين العقوبة وخطورة الفعل.انطلاقامن قاعدة اصوليه حاصلها أن الضروره تقدر بقدرها.وان العقوبة الجنائية بما تتضمنه من سلب للحريات والأموال من خلال السجن و الغرامات المالية أخطر جزاء يمكن ايقاعه علي المواطنين في الدولة
(راجع الدكتور رمسيس بهنام _نظريةالتجريم في القانون الجنائي_١٩٧٨_ص١٤٣).
وهذا المسلك من المشرع كما قلنا ينطوي علي غلو في مجال التجريم ويخرج بالعقوبة الجنائية عن هدفها وغرضها المتمثل في الردع العام والخاص ومن ثم حماية المصالح الجوهرية للمجتمع بل ينطوي علي افراط في استخدام سلاح العقاب l,arme penale مما يؤدي إلى ما أطلقت عليه المحكمة الدستورية الاسبانيه التضخم العقابي inflation penal الذي لايستند إلي ضرورة.
لذا فإننا نعتقد أن المشرع لم يراع التوازن المطلوب عند تفريد العقاب علي تصوير أصل بطاقات وكارنيهات رجال الجيش والشرطة وبين الحقوق والحريات والضرر والخطر الذي قد يصيب المجتمع من جراء هذا التصوير أو الحيازة أو الاستعمال.ولقد قضت المحكمة الدستورية العليا المصرية في أكثر من مناسبة أنه لأ يجوز أن يجرم المشرع أفعالا في غير ضروره إجتماعية ولا أن يقرر عقوبات بما يجاوز قدر هذه الضرورة
(حكم المحكمة الدستورية العليا في ١٩٩٧/٤/١ القضية رقم ٢لسنه ١٥ق دستوريه ).