تعاطي المواد المخدرة وعقوبتها في القانون السعودي بحث شامل
تعاني مجتمعاتنا من آفة انتشرت بصورة تمثل تهديدا خطيرا على كافة فئاته ألا وهي انتشار تعاطي المواد المخدرة، فخطرها على المجتمع يمتد ليشمل كافة قطاعاته من أمنية واقتصادية واجتماعية.
فانتشار هذا الوباء بين الشباب ونخره فيه كما ينخر السوس في الخشب ما هو إلا تدمير لمستقبل مجتمعاتنا ودولنا المتمثل في هذا الشباب.
لذا وجب على الكافة محاربة هذا الوباء، وبالطبع فإن حرباً كهذه تحتاج إلى تكاتف كافة أجهزة الدولة وأفراد المجتمع فالعلاج ليس فقط بتشريع القوانين والجزاءات الرادعة والعقاب على الجرائم المتصلة بالمواد المخدرة كالتهريب والحيازة والاتجار فيها، نعم هذا مطلوب وبشدة بل إن المشرع مطالب بتغليظ العقوبات بحق من يرتكب تلك الأفعال لكي تكون رادعة لكل من تسول له نفسه إتيان امر منها، ومن جانب آخر هناك إجراءات أخرى تقع على عاتق المجتمع نفسه في حربه على هذه الآفة وهي تتمثل في تحصين المجتمع نفسه ضد هذا الخطر بتقوية الوازع الديني والثقافي لديه أولا لإيجاد حائط صد في مواجهة هذا العدو ، ثم من جانب أخر العلاج لمن أبتلي بهذا الامر فيجب أن نسانده ونقف بجانبه لإعادة توجيهه مرة أخرى نحو الطريق الصحيح ودعمه واعادته مرة أخرى للمجتمع ليندمج فيه كفرد صالح للاستفادة من طاقاته ، بالإضافة إلى ذلك فلابد من وجود وازع آخر لردع من تسول له نفسه الولوج في هذا الطريق وهذا لا يكون إلا بوجود سياسة عقابية تتلاءم مع حالته لإعلامه بالخطأ الذي ارتكبه في حق نفسه أولا وحق مجتمعه ثانيا ، ليعاد ادماجه واحتضانه في المجتمع مرة أخرى كما ذكرنا آنفا.
ومن هنا فإننا في حاجة إلى القاء الضوء على ما افرده القانون لتلك الفئة ممن اصيبوا وابتلوا بهذا الداء من حيث القاء الضوء على سياسة المشرع والنهج الذي سار عليه في محاولته هذه.
فما هو المقصود بتعاطي المواد المخدرة
هو بتعريف بسيط تناول المخدر أو المؤثر العقلي أي إدخاله إلى الجسم أيا كانت الوسيلة إلى ذلك.
التعريف السابق يقودنا إلى ضرورة استيضاح العناصر المكونة للفعل الجرمي الخاص بهذه الجريمة، وذلك لكي نتمكن من معرفة متى يمكن أن يقال “أن هذا الفعل أو ذاك يشكل جريمة تعاطي للمواد المخدرة من عدمه.”
طبقا لقواعد القانون الجنائي لكي يقال أن فعلا ما يمثل جريمة لابد من توافر عدة أركان هي الركن المادي وركن عدم المشروعية لهذا الفعل المادي وأخيرا الركن المعنوي.
وبالنظر إلى الجريمة التي نحن بصددها فإذا ما طبقنا العناصر التي ذكرناها سالفا نجد أن الركن الأول وهو الركن المادي لهذه الجريمة يتمثل هنا في حيازة المواد المخدرة والتي تكون محددة حصرا في جداول خاصة ملحقة بالتشريعات الجنائية.
ثاني الأركان هو ركن عدم مشروعية الحيازة، فالحيازة لمادة مخدرة ليس مُجرما بحد ذاته إنما ما يسبغ عليه هذا الوصف وهو (التجريم) فذلك يكون من قبل المشرع بتحديده لمواد ذات خصائص معينة غير مسموح إلا لأشخاص معينين بذواتهم التعامل عليها ولا يمكن للكافة حيازتها، وعليه فمن يحوز المادة المخدرة هل هو مخول بحيازتها من عدمه وفقا للأحوال التي حددها القانون، هذا هو مناط المشروعية.
ثالث الأركان فهو الركن المعنوي – أو القصد الجنائي – لابد من ملاحظة أن جريمة حيازة المواد المخدرة على الغالب الاعم دائما جرائم يتوافر فيها القصد الجنائي العام أي أن الشخص يكون عالما بأنه يحوز مادة مخدرة لا يجيز له القانون حيازتها بل إنه يجرم ذلك الفعل ويعاقب عليه، ومع ذلك فإن هذا الشخص يكون متعمدا حيازة تلك المادة.
فإذا ما كنا أمام فعل الحيازة بقصد التعاطي فهنا يضاف إلى القصد الجنائي العام السالف بيانه قصدا آخرا وهو – القصد الجنائي الخاص – حيث ان الحيازة في حد ذاتها هنا مقصودة بغرض تعاطي تلك المادة المخدرة، أي أن نية الشخص هنا توجهت إلى حيازة المادة المخدرة بقصد تعاطيها أيضا.
لذا فإن هذه الجريمة تتطلب وجود وتوافر القصد الجنائي بنوعيه العام والخاص.
وعليه إذا ما توافرت الأركان الثلاثة السالفة البيان فإننا نكون أمام شخص ارتكب جريمة حيازة مادة مخدرة بقصد التعاطي، لكن ما هو الوضع القانوني لمرتكب هذه الجريمة.
مع الأخذ في الاعتبار أن النظرة الآن للمتعاطي قد تغيرت طبقا للكثير من المفاهيم الدولية والعالمية التي نادت بها منظمة الأمم المتحدة والتي تعتبره مريضا لا مجرما وبالتالي هو انسان يحتاج للعلاج والرعاية صحيا ونفسيا واجتماعيا، فما هي نظرة المشرع السعودي إلى كل ذلك.
إذا ما نظرنا إلى نظام مكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية السعودي نجد أن المشرع قد نص في الفقرة الثانية من مادته الثالثة على الأفعال التي تعد جريمة، ومن ضمن الأفعال التي جرمها المشرع في نص المادة السالفة البيان جرم تعاطي المواد المخدرة.
وحيث أن المشرع السعودي قد جرم فعل تعاطي المواد المخدرة، إذن فإن التجريم للفعل يستتبع بالتالي وضع العقوبات لهذا الفعل ومرتكبه.
المشرع السعودي بالرغم من وضعه العقاب القانوني لتلك الفعلة إلا أنه مع ذلك أخذ في الحسبان بعض الأوضاع التي تستلزم منه بعض المرونة في تطبيق العقوبة ، فهناك حالات تتطلب تشديد العقوبة عندما تتوافر ظروف خاصة بالمتعاطي ، كما أن هذا المتعاطي قد تخيب جريمته فلا تكتمل وتقف عند حد الشروع هل تطبق عليه نفس العقوبة ، العقوبة المطبقة على البالغ هل هي نفسها التي تطبق على الحدث ومن هم في سن الدراسة ، ما الوضع بالنسبة للمتعاطي الذي يقوم بتسليم نفسه للسلطات طواعية من تلقاء نفسه هل يخضع للتجريم والعقاب أيضا ، هل يجوز الحكم بوقف تنفيذ العقوبة أم لا ، كل التساؤلات السالفة تدور حول شخص المتعاطي ذاته لكن هناك طائفة من الأفراد هم المحيطون بالمتعاطي من أهليته فما الوضع بالنسبة لهم هل هم ملزمون بالإبلاغ عنه كونه مرتكب لفعل مجرم في القانون وإن لم يفعلوا فما موقفهم بالنسبة للقانون .
تساؤلات عديدة نحاول استيضاحها في هذا البحث.
العقاب على جرم تعاطي المواد المخدرة أو المؤثرات العقلية
بداية إذا ما استعرضنا نص المادة (41) من نظام مكافحة المواد المخدرة والمؤثرات العقلية سنجد أنها نصت في الفقرة الأولى منها على عقاب كل من يحوز مواد مخدرة بقصد التعاطي أو الاستعمال الشخصي بالسجن مدة لا تقل عن ستة أشهر ولا تزيد على سنتين.
ونص في الفقرة الثانية منها على تشديد العقوبة وذلك في حالتين الأولى منها تتعلق بطبيعة وظيفة مرتكب فعل التعاطي حيث أنه أورد بنص صريح من هم الذين تشدد عليهم العقوبة وهم ” حالة كونه من المنوط بهم العمل على مكافحة المخدرات أو المؤثرات العقلية أو الرقابة على حيازتها أو تداولها أو لهم صلة وظيفية بأي نوع من أنواع المخدرات أو المؤثرات العقلية “.
وهو تشدد في محله وذلك استنادا إلى أن من ارتكب الفعل المجرم هو ذاته من وثق به المجتمع وافترض فيه العمل على حماية افراده من هذا الخطر، فما هو الحال إذا أصبح هو من يشكل تهديدا لأمن المجتمع لذا وجب التشدد في العقوبة.
الحالة الثانية من حالات التشدد الواردة بنص المادة تتعلق بأن يكون تعاطي المواد المخدرة أو المؤثرة على العقل أو استعمالها أو حتى أن يكون المتعاطي تحت تأثيرها أثناء تأدية العمل.
فتشدد المشرع في هذه الحالة يكون في محله لما يشكله هذا الفعل من خطورة في هذه الحالات فمن الاعمال ما هو ذا طبيعة خطرة تستلزم الحيطة والحذر والحرص على حياة الآخرين.
كما أن المشرع أعطى للقاضي الشرعي الحق إذا ما أراد تعزير المتعاطي أو مستعمل المؤثرات العقلية بالسجن فإنه يكون له ذلك طبقا لنص المادة السالفة شريطة ألا تتجاوز العقوبة الحد الأقصى الوارد بنص الفقرة الأولى من المادة (41).
هذا هو العقاب الذي افترضه المشرع السعودي على من يضبط مرتكبا لجرم تعاطي المواد المخدرة مع التشدد في حالات معينة منصوص عليها على سبيل الحصر نظرا لطبيعة أو ظروف معينة.
لكن هل يفهم من ذلك أن هذا هو نهج المشرع السعودي في العقاب على ارتكاب هذا الفعل أم أنه يأخذ بالإضافة إلى ما سلف بالاتجاهات الأخرى مثل الظروف المخففة أو ايقاف العقوبة وهكذا.
إذا ما نظرنا إلى نظام مكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية سيتضح لنا بصورة جلية أن المشرع السعودي مثلما انتهج السياسة العقابية فإنه أيضا اعتد بالاتجاهات الحديثة في السياسات الجنائية مثل تخفيف العقوبة في حالة الشروع، وكذا اتجاه عدم إقامة الدعوى في بعض الحالات أو حفظ التحقيق لاعتبارات انسانية معينة، بل إنه تعامل مع من هم مصابين بهذه الآفة باعتبارهم مرضى وليسوا مجرمين، ولكن ذلك كله مشروط بتوافر عناصر معينة وليس متروك على عواهله بحيث يطبق على الكافة.
النزول بعقوبة متعاطي المواد المخدرة أو المؤثرات العقلية
من المظاهر الدالة على اتخاذ المشرع لسياسة قانونية تهدف إلى التعامل مع المتعاطي بطريقة الهدف منها علاج مشكلة التعاطي، نجده قد أخذ بنظريات الأسباب المخففة في القانون عند توقيع العقوبات، ويظهر ذلك جليا من نص المادة (60) من نظام مكافحة المخدرات.
حيث أن المشرع اعطى للمحكمة الحق في أن تنزل بعقوبة المتعاطي للمواد المخدرة والمنصوص عليها في المادة (41) منه إلى الحد الأدنى.
وهذا الامر هو سلطة تقديرية للمحكمة التي إذا ما رأت من الأسباب كظرف ارتكاب الفعل أو سن المتهم أو شخصيته أو اخلاقه مما يُظهر أن المتهم لن يعود إلى ارتكاب مثل تلك الافعال مرة أخرى فإنه يكون للمحكمة وقتها النزول بالعقوبة عن الحد الأدنى المقرر لعقوبة السجن الواردة بالمادة (41).
ما سلف يتعلق بالجريمة التامة، فما هو الحال إذا ما توقف الأمر عند حد الشروع فقط في تلك الجريمة؟ وهل للأسباب التي أدت إلى وقف ارتكاب الفعل المجرم عند حد الشروع تأثير على نوع العقوبة أم لا؟ بمعنى آخر هل يختلف الامر إذا ما كان التوقف لسبب يعود إلى المتعاطي نفسه أم لسبب خارج عن إرادته؟
العقاب على الشروع في جريمة تعاطي المواد المخدرة أو المؤثرات العقلية
يتضح أن المشرع السعودي قد أخذ بالاتجاهات الفقهية التي تفرق في العقوبة بين الجريمة التامة والشروع فيها.
فهو لم يطبق نفس العقوبة على الحالتين بل نجد أنه خفف العقوبة في حالة كونها قد توقفت عند حد الشروع فيها ولم تكتمل وذلك في الفقرة الثانية من المادة (59).
على أنه يجب أن نلاحظ أنه بمطالعة نص المادة يتضح لنا أمرين الأول منهما هو أن النص ذكر الشروع بصفة عامة دون تحديد السبب الذي أدى إلى توقف الجريمة عند حد الشروع فقط، هل هو سبب راجع إلى المتهم نفسه أم لسبب خارج عن إرادته.
الامر الثاني أن المشرع قد أتي على ذكر العقوبة الخاصة بالشروع بصيغة عامة دون تحديد للجرائم التي ينطبق عليها هذا النص، إنما هو امر يبين من قراءة نص المادة الذي ورد به أن العقوبة لا تزيد على نصف الحد الأعلى لعقوبتي السجن والغرامة المحددتين في هذا النظام للجريمة التامة، وبالتالي فإنه من الجرائم التي ينطبق عليها النص أيضا الشروع في جريمة تعاطي المواد المخدرة.
وهذا الامر يحسب للمشرع السعودي من حيث التخفيف في العقوبات إذا ما توقفت عند حد الشروع دون تفرقة بين الأسباب التي أدت إلى توقف الفعل عند حد الشروع دون اتمام الفعل المجرم سواء كان ذلك من تلقاء الشخص نفسه أم لسبب راجع إلى الغير ولا دخل للشخص فيه.
بل إن ما نحى إليه المشرع السعودي بالاتجاه نحو اعتماد التخفيف هو امر محمود لما له من أثر كبير في السياسة العقابية ، فنجد أيضا أن وزير العدل رئيس المجلس الأعلى للقضاء – الدكتور محمد العيسى – اصدر تعميما بتخفيض عقوبة الشروع في جرائم المخدرات بأنواعها (الحيازة والتهريب والتعاطي) وجعلها تخضع لتقدير القاضي واجتهاده ، على ألا تتجاوز العقوبة الحد الأدنى المنصوص عليه في الجريمة وذلك بتعديل الفقرة الثانية من المادة (59) في نظام مكافحة المخدرات ، والتي نصت على أن عقوبة الشروع في الجريمة تصل إلى نصف الحد الأعلى للجريمة التامة .
لكن هل هذا هو ما انتهجه المشرع السعودي في علاجه لهذه المشكلة بأن لجأ فقط إلى التخفيف من العقوبات أم أنه سلك مسلكاً أخراً؟
عدم إقامة الدعوى الجنائية ضد متعاطي المواد المخدرة أو المؤثرات العقلية
المشرع السعودي راعى في نهجه أن المتعاطي هو مريض يحتاج إلى تضافر الجهود ومساعدته لكي يشفى ويعود إلى ما كان عليه فردا صحيحا لذا نراه قد عمد إلى انتهاج سياسة عقابية هادفة تتمثل في اتجاهه إلى الأخذ بنظام عدم إقامة الدعوى الجنائية ضد من يقوم بتسليم نفسه لكي يعالج ، لأن مثل هذا المسلك من قبل المتعاطي إنما يدل على أنه يبغي العلاج والاصلاح من ذات بينه مرة أخرى لذا يجب على المجتمع مساعدته لا لفظه وتجنبه ، لهذا نص المشرع السعودي في نظام مكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية على ذلك .
وهذا الامر يتضح مما نص عليه المشرع السعودي في الفقرة الأولى من المادة (42) من نظام مكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية، نجد أن المشرع اتجه إلى عدم إقامة الدعوى ضد المتعاطي أو المستعمل للمواد المؤثرة، وهذا شريطة أن يتقدم هذا المتعاطي أو المستعمل بنفسه أو أحد أصوله أو فروعه أو زوجه أو أحد أقاربه طالبا العلاج من علته. ولم يقف الامر عند هذا الحد فقط ولكن المشرع أكمل نص المادة المشروط بأن يكون هذا التقدم من تلقاء النفس مضافا إلية شرطا أخر وهو أن يسلم المتعاطي ما بحوزته من مخدرات أو مؤثرات عقلية أو على الأقل أن يرشد على مكانها.
حفظ التحقيق مع متعاطي المواد المخدرة أو المؤثرات العقلية
وهذا الامر هو أخطر ما في الموضوع كله فالمشرع السعودي وضع في اعتباره وجود فئة معينة انجرفت إلى الادمان لكن المشكلة تكمن في كونهم من الناشئة والأحداث ممن هم في مراحل التعليم، فكيف هو التعامل معهم لأن العقوبة قد تؤدي إلى القضاء عليهم تماما وإنهاء مستقبل ينتظرهم فضياعهم يمثل ضربة موجعة لأي مجتمع.
فما هو الحل بالنسبة لهم هل يتم الحكم عليهم بأحكام جزائية مع ما تمثله تلك الاحكام من تأثير خطير وتهديد لمستقبلهم.
الامر الذي دعا بالمشرع السعودي انطلاقا من مسئوليته في الحفاظ على المجتمع إلى أن يعالجها بكل الحرص، فنجد أنه وطبقا لنصوص القانون أجاز حفظ التحقيق مع من يضبط من هؤلاء الصغار ممن هم في سن الحداثة والتعليم.
فطبقا لنص الفقرة الثانية من المادة (42) أجاز حفظ التحقيق في قضايا استعمال المواد المخدرة أو المؤثرات العقلية، ولكن ذلك كله مشروط بأن تكون الواقعة هنا هي للمرة الأولى وأيضا لمن تتوافر فيه الاعتبارات الآتية:
ألا يتجاوز عمر المتهم عشرين عاما.
ألا تقترن جريمة الاستعمال أو التعاطي بجريمة جنائية تستدعي النظر شرعا.
ألا تقترن جريمة الاستعمال أو التعاطي بحادث مروري نتج عنه وفيات ورتب في ذمته حقوقا خاصة.
ألا يكون قد صدر من المتهم – عند ضبطه – أي مقاومة شديدة تحدث ضررا لسلطة القبض أو غيرهم.
مما سلف يبين لنا مما أورده المشرع السعودي في نظام مكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية بشأن عقوبة من أصيب بآفة التعاطي ميله إلى الأخذ بالنظريات القانونية المختلفة التي ترى أن سياسة مكافحة الجرائم الخاصة بالمواد المخدرة لا تقف فقط عن حد السياسة العقابية.
إنما هناك من الوسائل الأخرى التي تؤدي إلى النتائج المرجوة والتي استعرضنا العديد منها طبقا لنظام مكافحة المخدرات والتي تأخذ بتخفيف العقوبة لحالات معينة حتى وصل إلى حد عدم إقامة الدعوى وحفظ التحقيق حرصا منه وحماية للمجتمع، فالحماية لا تتقرر بالعقاب فقط، فهناك من يردعه العقاب وهناك من يكفيه الزجر فلابد من الحرص أشد الحرص عند التعامل مع مختلف فئات المجتمع كل بما هو أهل له.
بل إن المشرع قد انتهج الوسائل البديلة للعقوبات آملا أن تؤدي إلى علاج موضوع تعاطي المخدرات والحد منه وحفاظا على شباب المجتمع ممن ابتلوا بهذا الداء، فنجد أنه قد أجاز أن يتم استبدال العقوبات الواردة بنص المادة (41) باللجوء إلى إجراءات علاجية.
فنجد أنه قد نص في المادة (43) منه على أن يتم ايداع المتعاطي إحدى دور العلاج من المصحات المتخصصة في علاج الادمان بديلا عن ايقاع العقوبة المقررة.
وكذا الامر في المادة (50) نجد أنه اجاز أيضا بدلا من الحكم على المتعاطي ممن يثبت إدمانه أن يتم إلزامه بمراجعة عيادة نفسية متخصصة في علاج الادمان.
وكل ذلك طبعا مشروط بأوضاع معينة نص عليها القانون للتأكد من أن الامر يأخذ مجراه الصحيح نحو العلاج وأنه ليس مجرد مهرب يستخدمه المتعاطي للفرار من تطبيق العقوبات عليه.
مما سلف يتضح لنا انتهاج المشرع نهجا نظر فيه إلى المتعاطي على أنه مريض وليس بمجرم، وبالتالي هو يحتاج إلى علاج واعادة تأهيل لكي يمكن دمجه مرة أخرى في المجتمع كشخص فاعل بدلا من القضاء على ما تبقى منه، وهو هنا يتبع في ذلك ما نادت به الاتفاقيات والمعاهدات الدولية الحديثة.
وقف تنفيذ عقوبة متعاطي المواد المخدرة أو المؤثرات العقلية
نصل إلى آخر ما قرره المشرع بشأن تطبيق العقوبة على متعاطي المواد المخدرة وهو وقف تنفيذ العقوبة.
فقد قرر المشرع السعودي ولاعتبارات يراها أنه يمكن وقف تنفيذ العقوبة على من يحكم عليه في جريمة تعاطي المواد المخدرة.
فبالنظر إلى نص الفقرة الثانية من المادة (60) يتضح لنا أن المشرع اجاز للمحكمة أن تصدر حكمها مشمولا بوقف تنفيذ العقوبة على من يضبط بجرم تعاطي المواد المخدرة.
وبالرغم من عدم النص صراحة على ذلك بالنسبة لجرم تعاطي المواد المخدرة إلا أنه يفهم من سياق نص الفقرة الثانية للمادة (60) والتي توضح أنه ” إذا ما عاد المحكوم عليه لارتكاب جريمة من الجرائم المعاقب عليها بهذا النظام ” وعليه فإن وقف التنفيذ بالتالي يطبق على هذا الجرم.
لكن هذا الوقف مشروط طبعا بألا يرتكب المحكوم عليه جريمة أخرى معاقب عليها في هذا النظام خلال ثلاث سنوات من تاريخ وقف تنفيذ الحكم الأول، وإلا فإن في هذه الحالة يلغى الوقف مع الامر بالتنفيذ دون الإخلال بالعقوبة المقررة للجريمة الجديدة.
بل إن المشرع في الفقرة الثالثة من المادة (60) قد قرر ميزة أخرى إضافية في حالة وقف التنفيذ للمحكوم عليه، وهي أنه إذا ما انقضت السنوات الثلاث دون عودته إلى ارتكاب أي فعل أخر من الافعال المعاقب عليها بهذا النظام فإن الحكم الموقوف يعد كأن لم يكن.
بعد أن استعرضنا ما قرره المشرع بشأن جريمة تعاطي المواد المخدرة أو المؤثرة على العقل من ناحيتي الجريمة التامة والشروع فيها، واستعرضنا أيضا مختلف جوانب السياسة العقابية التي وضعها المشرع وأخذه بكل النظريات الحديثة في التعامل مع الموضوع.
تثور أمامنا مسألة شائكة ومهمة تتعلق بالتستر على من يرتكب فعل تعاطي المواد المخدرة أو المؤثرات العقلية، ما هو موقف المشرع والقانون من المتستر.
التستر على متعاطي المواد المخدرة أو المؤثرات العقلية
عندما نطالع نصوص المواد الواردة بنظام مكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية نستطيع أن نستشف أن المشرع السعودي قد فرق بين فئتين من المتسترين الأولى هي من الغير بالنسبة للمتعاطي، أما الثانية فهي أهليته فما المقصود بذلك.
إذا ما طالعنا نص المادة (58) من النظام سنجد أنها تتحدث عن العقوبة المقررة لكل من شارك في ارتكاب أي من الأفعال المنصوص عليها في الفقرات 1 – 2 – 3 – 4 – 5 من المادة الثالثة من نظام مكافحة المخدرات سواء كانت هذه المشاركة بالاتفاق أم بالتحريض أم المساعدة، أي أنه المشارك هنا يعاقب بالعقوبة ذاتها المقررة للفاعل الأصلي للجريمة.
ومن المعلوم أن المادة الثالثة في فقرتها الثانية كانت قد أدرجت من ضمن الاعمال التي تعد جرمية فعل تعاطي المواد المخدرة، وعليه فإن نص المادة (58) بالتالي يسري على كل من شارك في هذا الفعل ألا وهو فعل التعاطي.
وحيث أن من ضمن الأفعال المجرمة والمعاقب عليها في المادة (58) فعل المشارك بالمساعدة، والذي يمكن أن يندرج تحته فعل المتستر على المتعاطي، بالتالي فإن من ساعد متعاطيا على إتيان هذا الفعل فإن جزاؤه يكون نفس العقوبة المقررة للمتعاطي.
في نفس الوقت نجد أن الفقرة الثانية من المادة (46) من النظام قد ورد بها بصريح النص أنه لا تسري العقوبة المقررة بالفقرة الأولى من ذات المادة على زوج من أعد مكانا لتعاطي المخدرات أو المؤثرات العقلية، ولا على أصوله أو فروعه أو إخوته، ولا على من يقيم في المكان المذكور، إلا إذا شاركوا في الجريمة.
بناء عليه فإنه باستخدام (القياس) هنا يمكن أن نقول أنه إذا ما تستر شخص من أهلية المتعاطي عليه فإنه يكون بمنأى من تطبيق العقوبة عليه وهذا بالتأكيد للاعتبارات والعلاقات الأسرية التي تؤدي إلى صعوبة كبيرة بشأن هذا الامر.
وهكذا نكون قد استعرضنا جريمة تعاطي المواد المخدرة أو المؤثرة على العقل في القانون السعودي، ومختلف توجهات المشرع للعمل على الحد من هذه المشكلة المتفاقمة لتأثيرها البالغ على مجتمعاتنا من كافة النواحي الاجتماعية والاقتصادية والأمنية، محاولين وضع العلاجات الناجعة سواء من الناحية القانونية أو المجتمعية، فلابد أن ننظر إلى المتعاطي على أنه مريض يحتاج إلى تضافر الجهود لإنقاذه من التردي في هاوية الادمان ليعود فردا سليما صحيحا في مجتمعه .