توضيح الأجل الفاسخ في القانون المدني المصري
ما هو الأجل الفاسخ:
إذا ترتب على حلول الأجل انقضاء الالتزام – لا نفاذه – فالأجل يكون فاسخاً .
فأن الالتزام يكون لأجل إذا كان نفاذه أو انقضاؤه مترتباً على أمر مستقبل محقق الوقوع ( م 271 / 1 مدني ) . وأن نفاذ الالتزام إذا كان هو المترتب على الأجل ، فالأجل يكون واقفاً . اما إذا ترتب على حلول الأجل انقضاء الالتزام – لا نفاذه – فالأجل يكون فاسخاً .
ولما كان الأجل بنوعيه ليس له أثر رجعي ، وكانت كلمة ” الفسخ ” في عبارة ” الأجل الفاسخ ” قد تشعر بأن للأجل الفاسخ أثراً رجعياً كما في الشرط الفاسخ ، فقد تجنب الفرنسيون هذه الكلمة وأطلقوا على الأجل الفاسخ عبارة “الأجل المنهي” أما التقنين المدني المصري فقد استبقى عبارة “الأجل الفاسخ “. أنظر المادة 274 / 2 مدني ([1])
هل يوجد أجل فاسخ في القانون المدني المصري؟
قد تصور التقنين المدني المصري وجود الأجل الفاسخ ، فهذا ما لا ريب فيه . فقد وردت الإشارة إليه في موضعين : ففي الفقرة الأولى من المادة 271 مدني ورد أن الالتزام يكون لأجل ” إذا كان نفاذه أو انقضاؤه مترتباً على أمر مستقبل محقق الوقوع ” ، وإذا ترتب انقضاء الالتزام على حلول الأجل فهذا الأجل يكون فاسخاً . ثم ذكر التقنين صراحة عبارة ” الأجل الفاسخ ” في الفقرة الثانية من المادة 274 ، إذ قال أنه ” يترتب على انقضاء الأجل الفاسخ زوال الالتزام ” ([2]) .
وإذا استعرضنا الأمثلة التي تورد عادة على إنها أمثلة للأجل الفاسخ نجدها واردة في العقود الزمنية . فالمؤجر الذي يتعهد بتمكين المستأجر من الانتفاع بالعين المؤجرة مدة الإيجار ، والعامل الذي يلتزم نحو رب العمل أن يعمل مدة معينة ، ومن يتعهد بتوريد الأغذية لمدرسة أو لمستشفى مدة معينة ، ومن يتعهد بدفع إيراد لآخر مدى حياته ، وصاحب حق الانتفاع الذي ينتفع بالعين ما دام حيا أو لمدة معينة ، كل هذه أمثلة لحقوق وردت في عقود زمنية . وقد قدمنا أن العقد الزمني لا يمكن أن يقال عنه إنه مقترن بأجل فاسخ ، لأن الأجل عنصر جوهري فيه ([3]) .
على إننا نرى أنه إذا كان صحيحاً أن العقد الزمني لا يجوز أن يقال عنه أنه مقترن بأجل فاسخ للأسباب التي قدمناها ، فغير صحيح أن الأجل الفاسخ لا يوجد ضرورة إلا في عقد زمني . فهناك عقود تقترن بآجال فاسخة ولا تكون عقوداً زمنية ، وفي هذه العقود ليس الزمن عنصراً جوهرياً بل عنصراً عارضاً ، ومن ثم أجلاً فاسخاً بالمعنى الصحيح . هذه العقود ليست كثيرة في العمل ، كما هو الشأن في العقود الزمنية ، ولكنها موجودة إلى حد يبرر استبقاء الأجل الفاسخ إلى جانب الأجل الواقف ، كما فعل التقنين المدني المصري .
نذكر الأمثلة التي تحضرنا لهذه العقود :
( 1 ) إذا فتح مصرف لعمليه اعتماداً بمبلغ معين لمدة سنة مثلا ، فمبلغ الاعتماد هنا ، وهو محل العقد ، لا يقاس بالزمن أي بالسنة التي فتح فيها الاعتماد ، إذ هو لا يتغير بتغير هذا الزمن فلا يزيد إذا زاد ولا ينقص إذا نقص . وفي رأينا أن العقد هنا ليس عقداً زمنياً إذ الزمن ليس عنصراً جوهرياً فيه ، ومع ذلك يقترن التزام المصرف بفتح الاعتماد بأجل فاسخ هو مدة السنة ، فإذا انقضت هذه المدة انقضى التزام المصرف بفتح الاعتماد ([4]) .
ويخلص مما قدمناه أن المصرف يكون ملتزماً بوضع المبلغ تحت تصرف العميل ، وهذا الالتزام مقترن بأجل فاسخ هو سنة من وقت فتح الاعتماد . وليس الأجل هنا محلا معقوداً عليه ، بل عنصراً عارضاً ، يمكن تصور العقد بدون هز ويكون المصرف في هذه الحالة ملزماً بوضع المبلغ تحت تصرف العميل فوراً ، ويأخذه العميل في الحال فيكون قرضاً بسيطاً ، وإنما سمى القرض هنا بفتح الاعتماد لإضافة الأجل الفاسخ السالف الذكر .
( 2 ) إذا فتح مصرف لمقاول حساباً جارياً عن مقاولة معينة وحدد لإقفال الحساب ستة أشهر مثلا ، ففي هذه الحالة قد تعهد المصرف بالخصم والإضافة في الحساب الجاري عن المبالغ التي تضم وتخصم لحساب المقاولة المذكورة ، وقرن التزامه بأجل فاسخ هو مدة الستة الأشهر . وليست هذه المدة عنصراً جوهرياً في الالتزام ، بل العنصر الجوهري هو المقاولة المعينة التي فتح من أجلها الحساب الجاري . فيكون العقد هنا عقداً غير زمني ، ومع ذلك يكون قد اقترن بأجل فاسخ ([5]) .
( 3 ) إذا تعهد طبيب بعلاج أفراد أسرة لمدة سنة على أن يأخذ الأجر عن كل مرة يعالج فيها مريضاً ، فإن التزامه بالعلاج قد اقترن بأجل فاسخ ، هو مدة السنة ، ولكن هذه المدة ليست عنصراً جوهرياً في العقد ما دام الطبيب يتقاضى أجره لا بحساب المدة بل بحساب مرات العلاج . فالزمن هنا ليس مقياساً للمعقود عليه ، وهو مع ذلك أجل فاسخ ([6]) .
(4) إذا تعهدت شركة بصيانة سيارة أو مصعد أو نحو ذلك من الآلات التي تحتاج إلى الصيانة لمدة سنة مثلا، على أن تتقاضى أجرها عن كل عملية من عمليات الصيانة ، فإن الالتزام هنا يكون مقترناً بأجل فاسخ ليس عنصراً جوهرياً فيه ([7]) .
(5) إذا تعهدت شركة التأمين أن تؤمن لمدة معينة عدداً غير معين من الأخطار يمكن تعيينه شيئاً فشيئاً بإقرارات متتابعة من جهة المؤمن له، فقد اختلف في تكييف هذا العقد، ومن رأى بعض الفقهاء أن العقد ليس بالعقد الزمني، ومع ذلك فقد اقترن بأجل فاسخ([8])
ويمكن القول بوجه عام أنه يتفق – وإن كان ذلك لا يحدث كثيراً – أن يقترن العقد بأجل فاسخ لا يكون عنصراً جوهرياً فيه ، فلا يكون العقد في هذه الحالة عقداً زمنياً ، ويكون الأجل الذي اقترن به العقد أجلاً فاسخاً بالمعنى الصحيح . ونحن إذ نتكلم فيما يلي عن الأجل الفاسخ ينصرف قولنا إلى هذه العقود على وجه التخصيص . على أنه لا مانع من إطلاق تعبير ” الأجل الفاسخ ” على المدة في العقود الزمنية ، في شيء من التجوز ، فإن الأحكام لا تتغير سواء اُعتبر الأجل الفاسخ في العقود الزمنية أصلاً أو اُعتبر وصفاً …
—————————————————————————————————————————————————-
[1] وسار على هذا التعبير الأستاذ عبد الحي حجازي في رسالته في عقد المدة وفي كتابه في النظرية العامة للالتزام . أنظر أيضاً الأستاذ إسماعيل غانم في أحكام الالتزام فقرة 175 ص 248 .
[2] وانظر أيضاً النصوص المقابلة في التقنينات المدنية العربية الأخرى آنفاً فقرة 46 في الهامش . أما التقنين المدني الفرنسي فلا يتكلم إلا عن الأجل الواقف ، والفقه الفرنسي فلا يتكلم إلا عن الأجل الواقف ، والفقه الفرنسي مضطرب في هذا الصدد . فمن الفقهاء من يعترف بالأجل الفاسخ وصفاً للعقد لا وصفاً للالتزام ( ديمولومب 25 فقرة 569 بودري وبارد 2 فقرة 937 ) ، ومنهم من لا يعتبر الأجل الفاسخ وصفاً للالتزام ، بل يعتبره سبباً من أسباب انقضاء الالتزام ( بلانيول وريبير وجابولد 7 فقرة 998 – بيدان ولاجارد 8 فقرة 707 ) .
[3] أنظر آنفاً فقرة 52 – وينفي الأستاذ عبد الحي حجازي ، في شيء من التردد ، عن الأجل الفاسخ ( أو الأجل المنهي حكما يدعوه ) أنه وصف للالتزام ( أنظر رسالته في عقد المدة ص 230 ، وكتابه في النظرية العامة في الالتزام 1 ص 171 – وبنوع خاص ص 176 – ص 177 ) . وينفي الأستاذ إسماعيل غانم صراحة عن الأجل الفاسخ أنه وصف للالتزام إذ يقول : ” والأجل الفاسخ ليس وصفاً بالمعنى الدقيق ، فهو لا يعدل من آثار الالتزام ، بل هو في حقيقته الطريق الطبيعي لإنهاء الالتزام الزمني ، فهو يحدد مدة بقاء ذلك الالتزام ” ( أحكام الالتزام فقرة 168 ) .
[4] أنظر عكس ذلك الأستاذ عبد الحي حجازي في عقد المدة ص 47 – ص 48 . وهو يسلم أن المدة في هذا العقد ليست وظيفتها أن تحدد كم المبلغ الموضوع تحت تصرف العميل ، فهو محدد في ذاته بدون فكرة الزمن ، لا يزيد كمه ولا ينقص حسب طول المدة أو قصرها . ولكنه يضيف ما يأتي : ” ومع ذلك فلزمن دور اصيل في هذا العقد ، إن العقد ينص علىالمدة التي يجب في خلالها أن يظل البنك ملتزماً بوضع مبلغ الاعتماد تحت تصرف المعتمد ، وبالتالي المدة التي يكون المعتمد في خلالها واثقاً من أن ثمة مبلغاً موضوعاً تحت تصرفه . إن وضع المبلغ تحت تصرف المعتمد طوال مدة العقد ، وإمكان هذا الأخير الاستفادة منه في كل لحظة في خلال مدة العقد لهو الذي يحقق الفائدة التي يرجوها المعتمد من هذا العقد ، وتلك فائدة تقاس بالزمن ، تزيد معه إذ تزيد ، وتنقص معه إذ ينقص . وهذا كاف لإدراج هذا العقد ضمن طائفة عقود المدة ” على أن المدة هنا ، وإن حققت فائدة للعميل ، إلا إنها فائدة عارضة ، وليست عنصراً جوهرياً في العقد لا يتصور العقد بدونها ، فهي أقرب إلى أن تكون كالمدة التي يشترطها الصانع في صنع الأثاث : مدة عارضة جبرية .
[5] قارن الأستاذ عبد الحي حجازي في عقد المدة ص 48 .
[6] قارن الأستاذ عبد الحي حجازي في عقد المدة ص 39 .
[7] قارن الأستاذ عبد الحي حجازي في عقد المدة ص 38 – ص 39 .
[8] انظر الأستاذ عبد الحي حجازي في عقد المدة ص 55 – ص 56 والمراجع التي أشار إليها .