حماية المنشآت العامة في إطار القضاء العسكري.
(1) من الثوابت أن القضاء الجنائي العادي هو صاحب الولاية العامة في نظر كافة الجرائم حتي ما اناط المشرع نظره لبعض المحاكم الخاصة مادام أن القانون الخاص بهذه المحاكم قد خلا من نص علي انفراد المحاكم الخاصة بنظر الجرائم الداخلة في اختصاصه
(الطعن رقم 61 لسنة 28 جلسة 1958/12/22 س 9 ع 3 ص 1101 ق 267 ؛الطعن رقم 28875 لسنة 3 جلسة 2013/03/25 س 64 ص 417 ق 56؛الطعن رقم 32611 لسنة 86 جلسة 2017/09/16)
ومن أمثال المحاكم الخاصة المحاكم الاقتصادية ومحاكم الطفل والقضاء العسكري .هذا و كان قد صدر قانون حماية وتأمين المنشآت العامة والحيوية ٨ رقم ١٣٦لسنه ٢٠١٤ وأقر مجلس النواب تطبيقة حتي ٢٨اكتوبر ٢٠٢١ ونصت المادتين الأولى والثانية من هذا القانون أن المنشآت والممتلكات العامة التي تقوم القوات المسلحة بتأمينها وحمايتها تعد فى حكم المنشآت العسكرية التي تخضع لاختصاص القضاء العسكري ، ونصت المادة الخامسة منه على نشره فى الجريدة الرسمية والعمل به من اليوم التالي لتاريخ نشره.
ولم يصدر هذا القانون من فراغ إذ أن الاحداث التي مرت بمصر في يناير ٢٠١١ويونيو ويوليو ٢٠١٣من شغب وعنف كادت تعصف بالبلاد وكانت مؤسسات الدولة كلها في شبه انهيار فلا شرطه ولا قضاء ولولا تدخل القوات المسلحة قي تأمين البلاد واحاله القتله والمشاغبين وحمله السلاح الي القضاء العسكري لكانت انهارت البلاد إذ لأ شرطه كما ذكرت ولا قضاء.
وبغض النظر عن راينا السياس والواقع فإن رجل القانون لا يسعه بعد زوال الأحداث واستقرار الاوضاع نسبيا غير أن يقف موقف المتأمل من هذا القانون وكنا قد انتهينا في مقال لنا منشور في مجلة العدالة الجنائية ٢٠١٧ إلي عدم دستورية هذا القانون لانطوائة علي سلب اختصاص القضاء العادي في محاكمة المدنيين وحرمان المتهميين في هذه الجرائم من قاضيهم الطبيعي.
هذا وكان قد ثار خلاف حول تطبيق هذا القانون عندما أحالت محكمة جنايات بني سويف عدة قضايا تظاهر إلى القضاء العسكري بحجة أنه أصبح مختصاً بها وفق قانون حماية المنشآت، إلا أن المحكمة العسكرية رفضت التصدي للقضية باعتبار أن وقائع التظاهر لا يطبق عليها هذا القانون.
وامام هذا التنازع السلبي وتخلي جهتي القضاء العادي والعسكري عن نظر القضية احيلت إلي المحكمة الدستورية العليا لتعيين الجهه القضائية المختصه واعلنت المحكمة الدستورية حكمها في 14 أكتوبر 2018 باختصاص القضاء العادي وحده بهذا النوع من القضايا متفقه في ذلك مع حكم محكمة الجنايات العسكرية رافضه وجهه نظر محكمة جنايات بني سويف.
ولكن الغريب أن بعض غير المتخصصين ربط بين مقالنا في هذا الشأن وراينا الخاص بعدم دستورية هذا القانون وبين حكم الدستورية العليا في فض التنازع وتحديد المحكمة المختصه واعلن أن المحكمة الدستورية العليا قضت بعدم دستورية قانون حماية وتأمين المنشآت العامة والحيوية وببطلان كافه المحاكمات العسكرية التي تمت بناء عليه! وهو مالم يحدث لأن حكم الدستورية العليا صدر في منازعه تنازع اختصاص.
(٢) وايما كان الأمر فقد حددت المحكمة الدستورية العليا اختصاص القضاء العسكري بنظر الجرائم التي تقع بناء على هذا القانون فقالت«قالت المحكمة في حيثياتها إن الدستور اعتمد معياراً شخصياً وآخر مكانياً لاختصاص القضاء العسكري بمحاكمة المدنيين، عن الجرائم التي تقع بصفتهم كمدنيين على المنشآت العسكرية ومعسكرات القوات المسلحة وما يأخذ حكمها من منشآت،
حيث تضمنت الفقرة الثانية من المادة 204 الضوابط الحاكمة لاختصاص القضاء العسكري بمحاكمة المدنيين أمامه، بأن تمثل الجريمة المرتكبة اعتداءً مباشراً على المنشآت العسكرية أو معسكرات القوات المسلحة أو ما في حكمها.
وبتطبيق هذه المادة على قانون حماية المنشآت رقم 136 لسنة 2014 المعدل بالقانون 65 لسنة 2016، أوضحت المحكمة أنه تضمن حكمًا وقتيًا، عين بموجبه المشرع المنشآت المدنية التي تدخل في حكم المنشآت العسكرية ومعسكرات القوات المسلحة، بحيث تخضع الجرائم التي تقع عليها ومرتكبيها لولاية القضاء العسكري، طوال فترة سريان أحكام هذا القانون،
وهذه المنشآت هي: المنشآت العامة والحيوية بما في ذلك محطات وشبكات وأبراج الكهرباء وخطوط الغاز وحقول البترول وخطوط السكك الحديدية وشبكات الطرق والكباري وغيرها من المنشآت والمرافق والممتلكات العامة وما يدخل في حكمها.وبعد تأكيد المحكمة على أن إحالة المدنيين للقضاء العسكري في ظل هذا القانون يقتصر على أن تكون الجرائم مرتكبة طوال فترة سريان أحكامه،
وأن تكون قد ارتكبت ضد المنشآت المذكورة، ذكرت المحكمة أن اختصاص الفصل في تلك الجرائم ومحاكمة المدنيين الذين ارتكبوها ينعقد للقضاء العسكري إذا توافرت 3 شروط أولها: أن يمثل الفعل اعتداءً مباشراً على أي من تلك المنشآت أو المرافق أو الممتلكات العامة، وثانيها: أن يقع الاعتداء حال قيام القوات المسلحة بتأمين وحماية هذه المنشأة والمرافق والممتلكات العامة “تأميناً فعلياً وليس حكمياً، وثالثها: أن يكون الفعل الذي يقع على أي منها مؤثماً بهذا الوصف طبقاً لأحكام قانون العقوبات أو القوانين المنظمة لتلك المنشآت أو المرافق أو الممتلكات العامة، باعتبارها القواعد العامة الحاكمة للتجريم والعقاب في هذا الخصوص، والتي تتحدد على أساسها المسئولية الجنائية بالنسبة للمدنيين الذين يرتكبون أياً من هذه الأفعال
(حكم المحكمة الدستورية العليا في٢٠١٨/١١/٣القضيه رقم ٤١لسنه ٣٨ق تنازع اختصاص-الجريدة الرسمية العدد ٤٥مكررا في ٢٠١٨/١١/١٣)
(٣) ومن جانبها اعلنت محكمة النقض قبل صدور حكم الدستورية العليا بأشهر قليله أن شرط اختصاص القضاء العسكري بنظر الجرائم التي تقع علي المنشآت والممتلكات العامة طبقا للقانون رقم ١٣٦لسنة ٢٠١٤ان تتوافر الحماية والتأمين من جانب القوات المسلحة للمنشآت والممتلكات العامة وما يدخل فى حكمها وقت ارتكاب الجريمة وأن تخلف تلك الحماية أو عدم ثبوتها أو وقوع جريمة قبل سريان هذا القانون يعقد الاختصاص للقضاء العادي.
وقالت محكمة النقض في ذلم انه لما كانت المادتين الأولى والثانية من القرار بقانون رقم 136 لسنة 2014 بشأن تأمين وحماية المنشآت العامة والحيوية قد أوردت أن المنشآت والممتلكات العامة التي تقوم القوات المسلحة بتأمينها وحمايتها تعد فى حكم المنشآت العسكرية التي تخضع لاختصاص القضاء العسكري ،
ونصت المادة الخامسة منه على نشره فى الجريدة الرسمية والعمل به من اليوم التالي لتاريخ نشره ، وكان المستفاد من هذه النصوص أن المشرع جعل الاختصاص لجهة القضاء العسكري منوطاً بتوافر الحماية والتأمين من جانب القوات المسلحة للمنشآت والممتلكات العامة وما يدخل فى حكمها وقت ارتكاب الجريمة ،
وخلا القرار بقانون – سالف الذكر – كما خلا أي تشريع أخر ، من النص علي إفراد القضاء العسكري بالفصل وحده – دون ما سواه – فى جرائم التعدي علي المنشآت العامة المنصوص عليها فى المادة الأولى منه ، وكان الثابت من مدونات الحكم المطعون فيه أن الجرائم التي قارفها الطاعنون وجرت محاكمتهم عنها ، قد وقعت فى 16 من أغسطس سنة 2013 وأحيلوا لمحكمة الجنايات قبل العمل بأحكام القرار بقانون رقم 136 لسنة 2014 بشأن تأمين وحماية المنشآت العامة والحيوية والمعمول به اعتباراً من 28 أكتوبر سنة 2014 ، ومن ثم فإنه ينحسر عنها ولاية القضاء العسكري .
(الطعن رقم 15357 لسنة 86 جلسة 2018/03/19)
(٤) مع تقديرنا لحسن الباعث الذي دعا المشرع العادي الي تقرير هذا الاختصاص للقضاء العسكري والدور الحيوي للقوات المسلحة في حفظ الأمن والأمان للمجتمع وكيف كان لها الفضل واليد العليا علي حماية البلاد من السقوط في يناير ٢٠١١ويونيو ٢٠١٣ فإننا نعتقد أن هذا القانون يمثل خرقا لنص المادة 204 من الدستور التي حرصت علي عدم جواز محاكمه المدنيين أمام القضاء العسكري إلا في جرائم الاعتداء علي أملاك القوات المسلحة العامه من منشآت ووثائق وأسلحة وخلافه متى كانت تمثل اعتداء مباشرا عليها
ولا يمكن صرف عبارة “ما في حكمها ” الواردة في النص الدستوري إلا الي المناطق التي هي من جنس المنشآت العسكرية و معسكرات القوات المسلحة كلكمائن العسكرية الثابتة والمتحركة في الشوارع والميادين أما المنشآت العامة التي لا تدخل في ملكية القوات المسلحة ولا يعتدي عليها بصورة مباشرة فينحسر عنها اختصاص القضاء العسكري بمفهوم المخالفة للنص الدستوري
ومن ثم فإن ما جاء به القرار بقانون من عقد الاختصاص للقضاء العسكري بمحاكمة المدنيين عن اعتداءهم علي المنشآت العاملة التي تتولي القوات المسلحة حمايتها ينطوي على مخالفة دستورية ليس فحسب طبقا للمادة 204 وإنما أيضا لحرمان المدني من المحاكمه أمام قاضيه الطبيعي المنصوص عليه في المادة 97 من الدستور
ثم إن المعيار الذي اعتمده القانون رقم ١٣٦لسنة ٢٠١٤المعدل لعقد الاختصاص للقضاء العسكري والمتمثل في حماية القوات المسلحة للمنشآت العامه لا يبرر التمييز بين المتهمين لأن ضابط الإختصاص يجب أن يكون موضعيا مستمد من طبيعة المنشاه ذاتها وليس من حمايه الجيش لها من عدمه والا كان عقد الاختصاص بمحاكمة المدنيين أمام القضاء العسكري رهن مشيئة المشرع اذا كلما أراد إضافة اختصاص للقضاء العسكري أناط به حماية منشأة أو جهه
وهذا ما لم يقصده الدستور الذي حرص على حصر اختصاص القضاء العسكري في محاكمه المدنيين علي الجرائم التي تنال بطريقة مباشرة مصلحه عسكرية معتبرة. ولا يقدح أن يعتبر المشرع المنشاه العامة التي يحميها الجيش في حكم المنشآت العسكرية لانها حسبما مر بنا ليس من جنسها والعبرة بكنه المنشاه وليس بما يطلق عليها من ألفاظ لأن العبره بالمقاصد والمباني وليس بالافاظ والمعاني.
وهب أن المشرع راق له أن يتولي الجيش حماية كافه الممتلكات العامة في البلاد هنا سوف ينعقد الاختصاص للقضاء العسكري بمحاكمة المدنيين عند حصول اي اعتداء عليها وهي نتيجة شاذه وغير منطقيه.ثم أن اطلاق النص وربطه بمجرد الحماية يدخل فيه أنماط من الجرائم لم يقصدها المشرع كسرقة المنشأة أو حتي جريمة فعل فاضخ ارتكبت فيها وليت الأمر يقتصر علي الجرائم المدونه في قانون العقوبات بل كشفت المحكمة الدستورية العليا أن التجريم كذلك يمكن أن يرد في القوانيين المنظمة لتلك المنشآت العامة!
ولا يقدح ما جاء بالقانون من عبارة اعتداء مباشر فهي عبارة مرنه وفضفاضة تختلف فيها وجهات النظر وإذا كان الدستور قد استخدم تلك العبارة فإنه حصرها في أملاك القوات المسلحة ووثائقها واسلحتها أو ما هو في جنسها من مال وعتاد خاص بالقوات المسلحة. وتبدوا أهمية الموضوع فيما تقوم به القوات المسلحة في الوقت الراهن من دور هام في بناء اقتصاد الدولة المنهار وتدخلها في معظم الأنشطة التي كان يجب أن تظلع به الدولة والقطاع الخاص.
لذا فإننا نعتقد أن شبهة عدم الدستورية تلحق القانون سالف الذكر مهما اجتهدنا في انتحال المعاذيير وسلمنا بنبل الباعث علي اصداره ولعل من حسن الحظ أنه قانون مؤقت. ولكن بطبيعة الحال اذا ما أصيب أحد أفراد الجيش أو أتلفه معده عسكرية انعقد الاختصاص للقضاء العسكري لأن الجريمة هنا تكون واقعه علي أحد أفراد الجيش وممتلكات القوات المسلحة طبقا لنص المادة 204 من الدستور.