دراسة حول الحماية التي اوجبها المشرع للمرأة في قانون العمل والوظيفة العامة
مقدمة:
حق المرأة في العمل يقره الإسلام. فالآيات القرآنية التي تجعل العمل جزءاً من العبادة لا تفرق في الخطاب بين الرجل والمرأة. والأحاديث النبوية التي تحض على العمل لم تفرق حسب الجنس. كما لا توجد نصوص قطعية الثبوت والدلالة في القرآن أو السنة النبوية تحدد مجالات عمل المرأة أو تحظر عليها أعمالاً أو مهناً أو وظائف معينة. ومن ثم لا وجود للتمييز في مجال العمل على أساس الجنس من المنظور الإسلامي، وما قد يوجد في هذا الخصوص لا يعدو أن يكون اجتهاداً للفقهاء انقسم حوله الرأي فيما بينهم.
حق المرأة في العمل في النصوص الوطنية:
الدساتير المصرية تؤكد المساواة بين المواطنين دون تفرقة بحسب الجنس، ولذلك لا تميز بين الرجل والمرأة في حق العمل. وكان دستور 1971 يقرر حق العمل للمواطنين جميعاً على أساس المساواة بينهم، لا فرق في ذلك بين الرجل والمرأة. بل إن الدستور كان يلزم الدولة بأن تتخذ التدابير التي يكون من شأنها مساعدة المرأة على الانخراط في مجالات العمل المختلفة، والتوفيق بين واجباتها نحو الأسرة وعملها في المجتمع. وتوجد نصوص في قوانين العمل تيسر عمل المرأة وتقدم لها الوسائل التي تساعدها على التوفيق بين واجباتها نحو الأسرة وممارسة نشاطها المهني أو الوظيفي. أما صور التمييز التي نرصدها ضد المرأة في مجالات العمل أو الوظيفة العامة، فلا سند لها من القانون، بل هي ممارسات واقعية تفسرها ثقافة مجتمعية تتبنى التمييز ضد المرأة في مجالات العمل كما في غيره من مجالات الحياة الأخرى.
حق المرأة في العمل في المواثيق الدولية والإقليمية:
المواثيق الدولية تقرر حق المرأة في العمل على أساس المساواة الكاملة مع الرجل. من ذلك المادة 23 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ، والمادة السادسة من العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وكذلك المادة العاشرة من العهد ذاته. أما المادة 11 من اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة (السيداو) فتلزم الدول الأطراف باتخاذ جميع التدابير المناسبة للقضاء على التمييز ضد المرأة في ميدان العمل لكي تكفل لها، على أساس المساواة بين الرجل والمرأة نفس الحقوق. كما تقرر تدابير لمنع التمييز ضد المرأة بسبب الزواج أو الأمومة ضماناً لحقها الفعلي في العمل. وطبقاً للنظام القانوني المصري، فإن اتفاقية السيداو تعد جزءاً من النظام القانوني المصري، ولها قوة القانون الواجب الاحترام والتنفيذ من كافة سلطات الدولة التشريعية والتنفيذية والقضائية ومن الأفراد في القطاع الخاص.
وتركز اتفاقيات منظمة العمل الدولية على حقوق المرأة العاملة ومساواتها بالرجل في الأجور لدى تساوى قيمة العمل وفي الفرص والمعاملة للعمال من الجنسين الذين لديهم أعباء عائلية.
وأصدرت منظمة العمل العربية منذ تأسيسها عام 1965 اتفاقيات وتوصيات بشأن الحد الأدنى من الحقوق التي يتعين على الدول العربية توفيرها للعمال. وكانت أول اتفاقية بشأن المرأة العاملة هي الاتفاقية رقم 5 لسنة 1976 التي نصت على مساواة المرأة والرجل في كل تشريعات العمل في كافة القطاعات، ومساواة المرأة والرجل في كافة شروط وظروف العمل والأجور، وحقوق المرأة العاملة أثناء الحمل والوضع وتربية الأطفال.
ونصت المادة الثانية من الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب لسنة 1981، وقد صدقت عليه مصر، على تمتع كل شخص بالحقوق والحريات المعترف بها والمكفولة في هذا الميثاق دون أي تمييز خاصة إذا كان قائماً على العنصر أو العرق أو اللون أو الجنس… أو أي وضع آخر. ومن هذه الحقوق ما نصت عليه المادة 13 – 2 بخصوص حق المواطنين في تولى الوظائف العامة في بلادهم، وما نصت عليه المادة 15 من كفالة حق العمل في ظل ظروف متكافئة ومرضية مقابل أجر متكافئ مع عمل متكافئ. وأنشأ البروتوكول الخاص بالميثاق الأفريقي لسنة 1997 المحكمة الأفريقية لحقوق الإنسان ، ومن اختصاصاتها الاستثنائية النظر في القضايا التي تسمح المحكمة للأفراد والمنظمات غير الحكومية برفعها أمامها. وفي هذه الحالة يكون للمحكمة أن تنظر القضية أو تحيلها إلى اللجنة (م 6 من البرتوكول). ويجوز للأفراد أو للمنظمات غير الحكومية – بعد استنفاذ وسائل الانتصاف الوطنية دون الحصول على الحق – اللجوء إلى هذه المحكمة.
أولاً: أحكام تشغيل النساء في قانون العمل:
وردت هذه الأحكام في الفصل الثاني من الكتاب الأول من قانون العمل رقم 12 لسنة 2003 ، وهي تمثل حماية للمرأة، وأهمها الأحكام التالية:
أ- المساواة بين الرجل والمرأة في أحكام التشغيل: وضعت المادة 88 من قانون العمل المبدأ العام في حقوق المرأة في مجال العمل، وهو مبدأ المساواة، فنصت على ما يلي:
” تسري على النساء العاملات جميع الأحكام المنظمة لتشغيل العمال دون تمييز بينهم متى تماثلت أوضاع عملهم”.
ب- الأعمال التي يحظر تشغيل النساء فيها:
الأصل أن تعمل المرأة في جميع الأعمال دون تمييز. لكن القانون يأخذ بمبدأ التمييز الإيجابي لصالح المرأة، فيحظر تشغيل النساء في الأعمال الضارة بهن صحياً أو أخلاقياً، وكذلك بعض الأعمال الأخرى التي لا يجوز تشغيل النساء فيها مطلقاً. (م 90 من قانون العمل).
وقد صدر قرار وزير القوى العاملة رقم 155 لسنة 2003 بشأن تحديد الأعمال التي لا يجوز تشغيل النساء فيها، وتشمل ثلاثين عملاً معظمها من الأعمال الشاقة أو الضارة بصحة المرأة، أو التي تضر بالمرأة من الناحية الأخلاقية (انظر المادة الأولى من القرار الوزاري).
وقد يرى البعض أن حظر تشغيل المرأة في هذه الأعمال يحد من فرصها في العمل، ويسهم في زيادة نسبة البطالة لدى النساء. لكن الحقيقة أن التمييز في خصوص هذه الأعمال لا يمكن اعتباره تمييزاً “ضد” المرأة، وإنما هو تمييز “من أجل” حماية المرأة. وقد نصت المادة 10 من إعلان القضاء على التمييز ضد المرأة لسنة 1967 على أنه “لا تعتبر تدابير تمييزية تلك التدابير التي تتخذ لحماية المرأة، في بعض أنواع الأعمال، لأسباب تتعلق بصميم تكوينها البدني”.
ج – حظر تشغيل النساء ليلاً:
مقتضى المساواة الكاملة أن تتساوى المرأة مع الرجل في العمل ليلاً أو نهاراً. لكن مراعاة لظروف المرأة، يقرر القانون عدم جواز تشغيل النساء ليلاً إلا على سبيل الاستثناء، ويصدر الوزير المختص قراراً بتحديد الأحوال والأعمال والمناسبات التي لا يجوز فيها تشغيل النساء في الفترة ما بين الساعة السابعة مساء والسابعة صباحاً (م 89 من قانون العمل).
وقد أصدر وزير القوى العاملة القرار رقم 183 لسنة 2003 بشأن تنظيم تشغيل النساء ليلاً، وأحكامه:
1- يحظر تشغيل النساء ليلاً في أية منشأة صناعية أو أحد فروعها ما بين الساعة السابعة مساء والسابعة صباحاً (م1).
2- يجوز في الأحوال الاستثنائية تشغيل النساء في هذه الفترة (م 4).
3- لا يسري هذا القرار على العاملات اللاتي يشغلن وظائف إشرافية إدارية أو فنية (م 5).
4- يشترط لإمكان الترخيص بتشغيل النساء ليلاً في الأحوال الاستثنائية المنصوص عليها أن يوفر صاحب العمل كافة ضمانات الحماية والرعاية والانتقال والأمن للنساء العاملات، ويصدر هذا الترخيص عن مديرية القوى العاملة والهجرة المختصة بعد التحقق من توافر كافة الضمانات والشروط المقررة (م 3).
د – الإعلان عن نظام تشغيل النساء:
تنص المادة 95 من قانون العمل الجديد على أنه “يجب على صاحب العمل في حالة تشغيله خمس عاملات فأكثر أن يعلق في أمكنة العمل أو تجمع العمال نسخة من نظام تشغيل النساء”. وكان قانون العمل السابق لسنة 1981 يكتفي بعاملة واحدة فأكثر. والهدف من هذا الإلزام هو إعلام المرأة العاملة بالقواعد المنظمة لعملها في المنشأة، وتوعيتها بحقوقها المقررة كي تتمسك بها وتطالب بتطبيقها عند المخالفة.
ويشمل نظام تشغيل النساء الذي يجب تعليق نسخة منه:
1- النصوص الواردة في قانون العمل واللوائح والقرارات الوزارية ذات الصلة.
2- نصوص الاتفاقيات الدولية الخاصة بحق المرأة في العمل التي صدقت عليها مصر ونشرت في الجريدة الرسمية، فمن المعلوم أن هذه النصوص يكون لها في مصر قوة القانون الواجب التطبيق باعتبارها جزءاً لا يتجزأ من النظام القانوني للدولة.
هـ – عدم سريان أحكام تشغيل النساء على العاملات في الزراعة:
تنص المادة 97 من قانون العمل الجديد على استثناء العاملات في الزراعة البحتة من تطبيق أحكام الفصل الخاص بتشغيل النساء. ويعني هذا الاستثناء أن العاملات في قطاع الزراعة البحتة ( أي زراعة الأرض وجني المحصول) يحرمن من التمتع بالحقوق والضمانات الواردة في الفصل الخاص بتشغيل النساء في قانون العمل.
ثانياً: حماية المرأة في قوانين العاملين المدنيين في الدولة:
تشمل هذه القوانين بصفة أساسية قانون العاملين المدنيين في الدولة رقم 47 لسنة 1978، والقوانين المكملة له. ويعتبر هذا القانون هو الشريعة العامة للقواعد المنظمة للعمل الحكومي، وينطبق على من تنظم شؤونهم الوظيفية قوانين خاصة في حالة خلوها من حكم لمسألة محددة، مثل رجال القضاء وأساتذة الجامعات …. الخ.
وكانت هذه القوانين تقرر القواعد الخاصة بالأم العاملة في القطاع الحكومي قبل نقلها إلى قانون الطفل. ولا تزال قوانين العاملين المدنيين بالدولة تقرر بعض الحقوق التي تحمي المرأة العاملة في القطاع الحكومي للحفاظ على وحدة الأسرة وتماسكها. من ذلك.
أ- حق الزوج أو الزوجة في إجازة بدون مرتب لمصاحبة الزوج أو الزوجة إذا رخص لأحدهما في السفر للخارج للعمل أو الدراسة لمدة ستة أشهر على الأقل. ويسري هذا الحكم سواء كان الزوج المسافر يعمل في الحكومة أو القطاع العام أو قطاع الأعمال العام أو القطاع الخاص. ويتعين على السلطة الإدارية أن تستجيب لطلب الإجازة في جميع الأحوال.
ب- كانت المادة 89 من قانون تنظيم الجامعات تخول رئيس الجامعة سلطة منح أو رفض إجازة مرافقة الزوج لأعضاء هيئة التدريس. لكن المحكمة الدستورية العليا بحكمها في القضية رقم 33 لسنة 15 قضائية دستورية بتاريخ 2 ديسمبر 1995 قضت بعدم دستورية هذا النص لإخلاله بمبدأ وحدة الأسرة، وتمييزه بين أعضاء هيئة التدريس بالجامعات وغيرهم من العاملين المدنيين بالدولة الذين يوجب القانون منحهم الإجازة.
ج – لا تميز قوانين العاملين بين الرجل والمرأة في سن الإحالة للتقاعد أو في الحق في مكافأة نهاية الخدمة أو المعاش أو أي استحقاقات مالية أخرى مترتبة على الاستقالة أو التقاعد.
د – كان قانون العاملين المدنيين في الدولة يقرر للمرأة العاملة وحدها إمكانية العمل نصف الوقت المقرر للعمل الرسمي مقابل نصف الأجر المستحق لها. لكن القانون 179 لسنة 2005 سوى بين الرجل والمرأة في هذا الحق.
وهذا الحق قصد منه تمكين المرأة العاملة من التوفيق بين واجباتها الأسرية والتزاماتها المهنية والوظيفية. لكن الظروف الاقتصادية قلما تمكن المرأة من الاستفادة من هذا الحق، لأنه يحرمها من نصف راتبها. ونأمل بعد تحسن الظروف الاقتصادية للمجتمع أن يتبنى المجلس القومي للمرأة الدعوة لمنح المرأة الحق في العمل نصف الوقت مقابل كامل الأجر، وحينئذ يمكن أن تنجز المرأة في نصف الوقت الذي تعمله قدر ما تنجزه خلال ساعات العمل الكاملة في الوقت الحاضر، لشعورها بتكريم المجتمع لها وحرصه على توفير الوقت الذي تخصصه لأسرتها، تقديراً لدورها الاجتماعي، الذي لا يقل أهمية عن مساهمتها الوظيفية .
هـ- لا يوجد نص في أي قانون من قوانين العاملين المدنيين في الدولة أو القوانين الخاصة ببعض طوائف العاملين يشترط أن يكون المتقدم للوظيفة العامة من الرجال([1]). ولا نعتقد في إمكان إدراج هذا الشرط في قانون يصدر في المستقبل، لمخالفته لمبدأ المساواة وهو من مبادئ الشريعة الإسلامية ومن المبادئ الدستورية العامة، فضلاً عن مخالفته للاتفاقية الدولية لمكافحة كافة أشكال التمييز ضد المرأة، والتي صدقت عليها مصر منذ سنة 1981.
وقد تولت المرأة المصرية في السنوات الأخيرة وظائف كانت حكراً على الرجال وحدهم، على الرغم من عدم حظر القانون تولي هذه الوظائف من جانب المرأة، مثل العمل بالقضاء العادي وفي وظائف العمد والمشايخ ووظيفة المأذون. وإذا كانت هناك بعض الوظائف لا تزال من الناحية الواقعية حكراً على الرجل دون المرأة، فلا يستند هذا الاستبعاد إلى نصوص قانونية تحظر، وإنما إلى ثقافة المجتمع والعادات والتقاليد أو اعتبارات الملاءمة السياسية أو الإدارية.
ونشير في هذا الخصوص إلى ضرورة الدفاع عن المكاسب التي تحققت للمرأة في مجال الوظيفة العامة في بعض الدول العربية التي تغيرت فيها الأنظمة الحاكمة، كي لا تعصف الأنظمة الجديدة بهذه المكاسب بزعم أنها من مخلفات الأنظمة الاستبدادية التي أطاحت بها الثورات العربية.
ثالثاً: حقوق الأم العاملة:
كانت حقوق الأم العاملة موزعة بين قوانين العاملين المدنيين في الدولة وقانون العمل. ونظراً لتعلق هذه الحقوق بالطفل قدر تعلقها بحماية الأم العاملة، رؤى جمع حقوق الأم العاملة في قانون الطفل في الفصل الثاني من الباب الخامس تحت عنوان “في رعاية الأم العاملة”. وأهم أحكام هذا الفصل ما يلي:
أ- الحق في إجازة الوضع:
هي موحدة لكل العاملات، نصت عليها المادة 70/1 من قانون الطفل: “للعاملة في الدولة والقطاع العام وقطاع الأعمال العام والقطاع الخاص، سواء كانت تعمل بصفة دائمة أو بطريقة التعاقد المؤقت، الحق في إجازة وضع مدتها ثلاثة أشهر بعد الوضع بأجر كامل، وفي جميع الأحوال لا تستحق العاملة هذه الإجازة لأكثر من ثلاث مرات طوال مدة خدمتها”.
وهذا النص قرر مكتسبات جديدة للمرأة العاملة لم يكن منصوصاً عليه في القوانين السابقة.
1- وحد القانون بين العاملات في جميع القطاعات وسوى بينهن في مدة الإجازة.
2- لم يشترط القانون مضي مدة معينة على التحاق العاملة بالخدمة حتى تتمتع بإجازة الوضع، كما شمل العاملة بطريق التعاقد المؤقت، أياً كان تاريخ التحاقها بالعمل.
3- وحد القانون عدد مرات استحقاق إجازة الوضع فجعلها ثلاث مرات طوال مدة الخدمة. وقبل ذلك كانت قوانين العاملين في الدولة تجعلها ثلاث مرات وقانون العمل يخفضها إلى مرتين فقط.
4- استحقاق الإجازة يكون بعد الوضع، وبذلك تفادى القانون إلزام العاملة بتقديم شهادة طبية بالتاريخ المرجح للولادة.
5- قرر القانون جعل إجازة الوضع بأجر كامل. وكان قانون العمل يقرر حصول العاملة على “تعويض” وليس أجراً كما يقرر قانون الطفل.
ب- حظر فصل العاملة أثناء إجازة الوضع:
نصت على ذلك المادة 92 من قانون العمل، وتلك ضمانة هامة للمرأة التي تستفيد من إجازة الوضع حتى لا تكون الإجازة المقررة لحمايتها سبباً في إنهاء خدمتها. ولا يجوز إنهاء خدمة العاملة أثناء إجازة الوضع ولو ثبت اشتغالها خلال الإجازة، فكل ما يترتب على العمل خلال إجازة الوضع من أثر يتمثل في حرمان العاملة من حقوقها المالية عن مدة الإجازة أو استرداد ما حصلت عليه، مع إخضاعها للمساءلة التأديبية. وقد قصد القانون من هذا الحكم الأخير حماية المرأة من نفسها وحثها على الاستفادة من إجازة الوضع في الراحة ورعاية وليدها.
ﺠ- تخفيض ساعات العمل للمرأة الحامل:
طبقاً للمادة 70/2 من قانون الطفل “تخفض ساعات العمل اليومية للمرأة الحامل ساعة على الأقل اعتباراً من الشهر السادس للحمل، ولا يجوز تشغليها ساعات عمل إضافية طوال مدة الحمل وحتى نهاية ستة أشهر من تاريخ الولادة”.
يترتب على هذا النص مزايا للعاملة الحامل:
1- التزام صاحب العمل بالتخفيض في ساعات العمل، ويحظر عليه تشغيل الحامل ساعات عمل إضافية خلال المدة المحددة في النص ولو برضائها.
2- التخفيض يكون اعتباراً من الشهر السادس للحمل. ونأمل أن يكمل المشرع هذه الميزة، فيجعل التخفيض منذ بداية الحمل بناء على شهادة طبية تثبت وجود الحمل. فالغالب أن تكون المرأة أكثر احتياجاً للراحة في بداية الحمل.
3- لا يترتب علي تخفيض ساعات العمل أي تخفيض في الأجر، فهذا تمييز إيجابي للمرأة العاملة الحامل.
د- حق العاملة المرضعة في فترة راحة إضافية:
نصت على هذا الحق المادة 71 من قانون الطفل “يكون للعاملة التي ترضع طفلها خلال السنتين التاليتين لتاريخ الوضع – فضلاً عن مدة الراحة المقررة – الحق في فترتين أخريين لهذا الغرض لا تقل كل منهما عن نصف ساعة، وللعاملة الحق في ضم هاتين الفترتين، وتحسب هاتان الفترتان من ساعات العمل، ولا يترتب على ذلك أي تخفيض في الأجر”.
يقرر هذا النص مزايا إضافية للأم العاملة المرضعة:
1- تشمل هذه المزايا العاملة المرضعة في كافة القطاعات الرسمية والخاصة دون تمييز.
2- يثبت هذا الحق للأم العاملة المرضعة طوال السنتين التاليتين لتاريخ الوضع، التزاماً بالنص القرآني ﴿والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة﴾.
3- الحق في الراحة الإضافية للأم العاملة المرضعة هو قدر زائد عن مدة الراحة المقررة للعاملات جميعاً.
4- يجوز ضم الفترتين في راحة إضافية واحدة مدتها ساعة على الأقل.
5- تحسب الراحة الإضافية من ساعات العمل الرسمية، ولا يترتب على التمتع بها أي تخفيض في أجر العاملة المرضعة.
ﻫ- الحق في إجازة رعاية الطفل:
نصت المادة 72 من قانون الطفل على حق الأم العاملة في الدولة والقطاع العام وقطاع الأعمال العام وفي القطاع الخاص إذا كانت المنشأة تستخدم خمسين عاملاً فأكثر في الحصول على إجازة لرعاية طفلها، وفق الأحكام التالية.
1- عدد مرات الإجازة ثلاث مرات بالنسبة لكل العاملات، ومدة كل مرة منها سنتان، فيكون مجموع مدد إجازات رعاية الطفل ست سنوات طوال مدة خدمة العاملة.
2- لا يشترط تعدد الأطفال لتعدد مرات الحصول على إجازة رعاية الطفل، فيجوز للعاملة أن تحصل على المرات الثلاث للإجازة لرعاية طفل واحد قبل أن يتجاوز عمره الثامنة عشرة، لأنه بعد الثامنة عشرة لن يكون طفلاً.
3- فرق المشرع بين العاملة في القطاع الرسمي والعاملة في القطاع الخاص من حيث الحد الأدنى لعدد العاملين في المنشأة لإمكان تمتع العاملة بإجازات رعاية الطفل. ففي القطاع الرسمي لا يشترط حد أدنى لعدد العاملين، أما في القطاع الخاص فيلزم استخدم خمسين عاملاً على الأقل حتى تستحق العاملة إجازة رعاية الطفل. أما العاملات في منشآت خاصة تستخدم أقل من خمسين عاملاً، فليس لهن الحق في الحصول على هذه الإجازات، وهذا أمر منتقد.
4- فرق المشرع بين الأم العاملة في القطاع الرسمي والأم العاملة في القطاع الخاص من حيث الاستحقاقات المالية خلال إجازة رعاية الطفل. ففي القطاع الخاص تكون الإجازة بدون أجر . أما في القطاع الرسمي فللعاملة حق اختيار أحد أمرين:
الأول: تحمل جهة عملها اشتراكات التأمين المستحقة عليها وعلى العاملة.
الثاني: منح العاملة تعويضاً عن أجرها يساوي 25٪ من المرتب الذي كانت تستحقه في تاريخ بدء كل فترة من الإجازة.
5- يلزم التفكير في تعميم إجازة رعاية الطفل للرجل والمرأة تحقيقاً لمصلحة الطفل والأسرة، فقد يكون عمل المرأة بالنسبة للأسرة أجدى اقتصادياً من عمل الرجل. وقد يرى الزوجان مصلحتهما في أن يحصل الزوج على إجازة رعاية الطفل وتظل الزوجة في عملها، إذا كان دخلها من العمل أضعاف دخل زوجها، فيجب أن يساعدهما القانون على تحقيق تلك المصلحة المشروعة.
و- الحق في الاستفادة من خدمات دار الحضانة:
نصت على هذا الحق المادة 73 من قانون الطفل، ونظمه قرار وزير القوى العاملة رقم 121 لسنة 2003، على التفصيل التالي:
1- يلتزم صاحب العمل الذي يستخدم مائة عاملة فأكثر في مكان واحد بإنشاء دار حضانة، أو أن يعهد إلى دار حضانة موجودة فعلاً بإيواء أطفال العاملات.
2- إذا كانت المنشأة تستخدم أقل من مائة عاملة، فتلتزم بالاتفاق مع المنشآت المجاورة لها على توفير خدمات الحضانة لأطفال العاملات، إما بالاشتراك في إنشاء دار حضانة واحدة لهذه المنشآت، أو أن تعهد إلى دار حضانة قائمة برعاية أطفال العاملات لديها.
3- حدد القرار الوزاري شروط المكان الذي تقام فيه دار الحضانة ومواصفات الدار ذاتها من حيث الموقع والمبنى والسعة والمرافق والتجهيزات والاشتراطات الصحية.
4- حدد القرار الوزاري اشتراكات شهرية تدفعها العاملة للانتفاع بخدمات دار الحضانة، وهي 5٪، 4٪ من أجر العاملة عن طفلين، مع تحمل صاحب العمل باقي النفقات. وإذا زاد عدد الأطفال عن اثنين تتحمل العاملة تكاليف الإيواء الفعلية عن العدد الزائد.
5- لم يفرق القانون في شأن التزامات صاحب العمل بتوفير دور الحضانة لأبناء العاملات بين القطاع الرسمي والقطاع الخاص، ولا مبرر لهذه التفرقة.
خاتمــــة
تقرر المادة 74 من قانون الطفل عقوبة الغرامة التي لا تقل عن مائة جنية ولا تزيد على خمسمائة جنيه لكل من يخالف الأحكام الخاصة برعاية الأم العاملة. وتتعدد الغرامة بتعدد العمال الذين وقعت في شأنهم المخالفة، وفي حالة العود تزداد العقوبة بمقدار المثل ولا يجوز وقف تنفيذها. كما يقرر قانون العمل عقوبات لكل من يخالف الأحكام الخاصة بتشغيل النساء الواردة في الفصل الثاني من الكتاب الأول من القانون.
لكن على الرغم من الحماية التي تقررها القوانين للمرأة العاملة لضمان حقوقها، إلا أن الواقع العملي يشير إلى أن المرأة المصرية لا تزال تعاني من صور التمييز ضدها في مواقع العمل، كما تعاني من حرمانها من ممارسة بعض الوظائف العامة التي هي حق للمواطنين جميعاً. لكن هذا التمييز والحرمان واقعي لا يسنده شرع أو قانون، بل على العكس يخالف كل الشرائع والقوانين والاتفاقيات الدولية التي تقرر حقوق المرأة والتي صدقت عليها مصر فصارت جزءاً من نظامها القانوني. ونشير إلى بعض مظاهر معاناة المرأة العاملة فيما يلي:
1- نقص الخدمات المساعدة للمرأة العاملة على تحمل مسؤولياتها الأسرية أثناء عملها، مثل دور حضانة الأطفال، ووسائل المواصلات المناسبة. ويعرضها ذلك للإرهاق البدني والنفسي ويضاعف من مشاكلها الأسرية.
2- عدم ترحيب أصحاب الأعمال بتشغيل النساء والفتيات بسبب ما تقرره القوانين للمرأة من حقوق لا يتمتع بها الرجال، وهو ما يزيد نسبة البطالة بين النساء.
3- تعرض النساء والفتيات في مواقع العمل للمضايقات والتحرش، مما قد يدفع المرأة للتضحية بعملها رغم حاجتها الماسة إليه.
4- وجود تيارات اجتماعية تعارض عمل المرأة، وتطالب بعودتها إلى المنزل ظناً منها أنها تحل مشكلة البطالة بين الشباب، وهو ما يؤثر في حرية المرأة في الاختيار ويمثل ضغطاً على إرادتها.
5- قبول المرأة لشروط عمل أدنى في سبيل الحصول على فرصة عمل في القطاع غير الرسمي، وهو ما يقيد من حريتها في اختيار نوع العمل الذي تريده وشروطه.
6- تدني المركز القانوني للمرأة الريفية العاملة من حيث حقوقها الممنوحة، فهي تعمل غالباً بأجر زهيد ودون التمتع بالإجازات المقررة أو شمولها بتأمينات العاملين.
7- سيادة ثقافات اجتماعية ومواقف رافضة لعمل المرأة في بعض القطاعات الرسمية، وهو ما يحد من حريتها في اختيار الوظيفة أو المهنة التي يؤهلها لها استعدادها الدراسي وقدراتها الذهنية. ويكون من نتيجة ذلك غلق أبواب بعض القطاعات أمام المرأة أو صرفها كلية عن الالتحاق بسوق العمل رغم حاجتها إلى ممارسة حقها في العمل.
([1]) كان قانون العمد والمشايخ يتضمن هذا الشرط بالنسبة للعمدة أو شيخ البلد، لكن المحكمة الدستورية العليا قضت بعدم دستورية هذا النص. كما لا يوجد في قوانين الهيئات القضائية أي نص يشترط الذكورة في أعضاء هذه الهيئات.
الدكتور فتوح الشاذلي
أستاذ بكلية الحقوق جامعة الإسكندرية 2012