دراسة حول الكمبيالة ووصفها القانوني طبقا للقانون المصري – بحث متميز
الكمبيالة هي محرر مكتوب وفقاً لأوضاع شكلية معينة، تتضمن أمرًا من شخص، يسمى “الساحب”، لشخص آخر، يسمى “المسحوب عليه”، بأن يدفع مبلغًا معينًا من النقود، بمجرد الاطلاع، أو في تاريخ معين، أو قابل للتعيين، لشخص ثالث، يسمي المستفيد، أو “الحامل” .
وبما أن الكمبيالة، هي أقدم أنواع الأوراق التجارية وأهمها، فلقد اتخذها المشرّع، في العديد من الدول، نموذجاً لسائر الأوراق التجارية الأخرى.
أولاً: الشروط الشكلية والموضوعية
1 الشروط الشكلية للكمبيالة
يشترط لوجود الورقة التجارية، أيّاً كان نوعها، أن تكون مكتوبة في مُحرر، يتضمن توقيع الساحب عليه. فلا توجد الكمبيالة، قانوناً، ما لم تكن ثابتة في محرر، أي صك مكتوب. ولذلك، فإنه لا يجوز إثبات وجود الكمبيالة بأي طريقة أخرى غير الكتابة، أيّاً كانت قوّتها (كالإقرار مثلاً).
ولا يكفي لنشأة الكمبيالة نشأة “صحيحة”، ثبوتها في محرر، بل يجب أن يشتمل هذا المحرر على بيانات أساسية لتكوينه. وتخلُّف أي من البيانات الشكلية التالية، يترتب عليه عدم القيمة القانونية للورقة، ككمبيالة (أي بطلانها، قانوناً).
أ. تاريخ التحرير
يجب أن يتضمن صك الكمبيالة تاريخ إنشائها. ويفيد تحديد تاريخ الإنشاء في عدة أمور؛ إذ على أساسه، يمكن معرفة أهلية الساحب، وقت إنشاء الكمبيالة؛ إضافة إلى أنه قد يفيد في تحديد ميعاد الاستحقاق، في حالة تحديد هذا الأخير، بعد فترة معينة من تاريخ إنشاء الكمبيالة.
ب. مبلغ الكمبيالة
إن موضوع الحق، الثابت في أي ورقة تجارية، هو مبلغ من النقود. لذلك، وجب أن يكون هذا المبلغ مبيناً في الكمبيالة، ومحددًا على وجه الدقة. واشتراط ذكر المبلغ بطريقة واضحة، لا لبس فيها، يتفق مع “مبدأ الكفاية الذاتية للورقة التجاريةً”، أي كونها تكفي بذاتها، بمجرد الاطلاع عليها، لتحديد أشخاصها ومضمونها، والمبلغ المعين بها.
يجب ملاحظة ارتباط المبلغ المدون في الكمبيالة، بفعل الأمر “ادفعوا”، ويسمى “شرط الأمر”. فإذا خلا الصك من شرط الأمر، خرج من عداد الأوراق التجارية. والأمر بالدفع، يجب أن يكون قاطعًا في معناه، أي ليس غامضاً أو معلقًا على شرط، كأن يأتي بصيغة: “ادفعوا إلي محمد مبلغًا ……. بعد استلام البضاعة منه”.
ج. اسم المسحوب عليه
المسحوب عليه، هو الشخص الذي يُصدر إليه الأمر من الساحب، بدفع قيمة الكمبيالة، في الميعاد المحدد بأمر المستفيد.
وإنشاء الكمبيالة، يفترض وجود علاقة قانونية سابقة، بين الساحب والمسحوب عليه، أصبح نتيجتها دائناً للمسحوب عليه.
وبناء على ذلك، يصدر الساحب أمرًا للمسحوب عليه، بالوفاء بمبلغ الكمبيالة، في حدود هذه العلاقة القانونية السابقة. وتُعرف هذه العلاقة، التي تمثل أساس التزام المسحوب عليه، قبل الساحب، بـ “مقابل الوفاء”.
ومنذ صدور نظام جنيف الموحد، أصبح جائزاً أن يكون المسحوب عليه هو الساحب نفسه.
وتفيد هذه الإجازة الشركات الكبرى، صاحبة الفروع المتعددة، في مختلف أنحاء العالم؛ إذ يُمكنُ هذا النظام الفروع من سحب كمبيالات بعضها على بعض، أو على الإدارة العامة، والعكس صحيح. ويجوز أيضاً أن يتعدد المسحوب عليهم؛ إذ إنه يمكن سحب كمبيالة على عدة أشخاص. وليس الهدف من ذلك، أن يتخيّر المستفيد بينهم؛ ولكن إلزامهم بالدفع.
د. اسم المستفيد
المستفيد، هو الشخص الذي حُررت من أجله الكمبيالة. وهو يمثل الشخص الدائن في هذا المحرر. ويجب إيضاح اسمه بكل دقة؛ حتى لا يقع خطأ أو لبس في تحديد شخصيته، عند الوفاء له بقيمة الكمبيالة، في ميعاد الاستحقاق.
ويجوز تحرير الكمبيالة لإذن عدة أشخاص؛ إلاَّ إنه غالباً ما يكون سحب الكمبيالة، لإذن مستفيد واحد.
ويجوز أيضاً، أن تحرر الكمبيالة لإذن الساحب نفسه، فيكون هو الساحب والمستفيد، في الوقت نفسه.
ويلجأ الساحب إلى تحرير كمبيالات لإذن نفسه، إذا أراد الاطمئنان إلى قبول المسحوب عليه للصك، قبل أن يطرحه للتداول. وقد يرغب أيضاً من وراء تحرير الكمبيالة لإذنه، في خصمها لدى أحد المصارف، من دون الانتظار حتى ميعاد الاستحقاق، المتفق عليه مع المسحوب عليه.
هـ. توقيع الساحب
الساحب هو منشئ الكمبيالة، وهو أول الملتزمين بها. فهو الذي أنشأ التزاماً عليه، قبل المستفيد بدفع مبلغ محدد، إذا لم يقم المسحوب عليه، بقبول صك الكمبيالة، أو بالوفاء به في الميعاد المحدد؛ لذا، فإن توقيع الساحب، من أهم البيانات الإلزامية، التي يجب أن تحتويها الكمبيالة. وجرى العُرف على أن يضع المحرر توقيعه، عادة، أسفل الكمبيالة؛ وهو يُعَدّ قرينة، على التزام الساحب بكل ما تضمنه الصك.
والتوقيع، يكون كتابة، وهو الغالب؛ كما يجوز أن يكون بختم الساحب الخاص، أو ببصمة إصبعه.
و. تاريخ الاستحقاق
يُعَدّ ميعاد الاستحقاق من البيانات الأساسية، في الورقة التجارية عمومًا؛ إذ يحدد على أساسه استحقاق المستفيد لحقه في الورقة.
كما أنه ابتداء من تاريخ الاستحقاق، يبدأ سريان مواعيد الرجوع على موقعي الكمبيالة، وإقامة الدعوى عليهم. وتتعدد الوسائل التي يحدد بها تاريخ الاستحقاق:
(1) الاستحقاق في تاريخ معين، وهو الشكل الأكثر شيوعاً، لتحديد ميعاد الاستحقاق، مثل “ادفعوا في يوم السادس من أكتوبر”.
(2) الاستحقاق بعد مدة معينة من تاريخ الكمبيالة: قد تستحق الكمبيالة بعد مدة معينة من تاريخ تحريرها، كأن يذكر في الصك “ادفعوا بعد شهر من تاريخه”.
(3) الاستحقاق لدى الاطلاع : تكون الكمبيالة مستحقة لدى الاطلاع، عندما يذكر فيها “ادفعوا لدى الاطلاع” أو “لدى الطلب” أو “عند التقديم”؛ وتكون بذلك واجبة الدفع، بمجرد تقديمها من جانب المستفيد إلى المسحوب عليه.
(4) الاستحقاق بعد مدة معينة من الاطلاع : قد تكون الكمبيالة مستحقة الوفاء، بعد مدة معينة من تقديمها إلى المسحوب عليه، من جانب المستفيد. مثال ذلك أن يذكر في الصك “ادفعوا بعد (3 أشهر) من الاطلاع”.
(5) الاستحقاق في يوم مشهور : يجوز أن تكون الكمبيالة مستحقة الدفع في يوم معروف، كيوم عيد أو يوم سوق . مثل أن يقال “ادفعوا في يوم عيد الأضحى”، أو “في يوم رأس السنة الهجرية”، أو “في يوم السوق أو المعرض المشهور”.
ز. مكان الوفــاء
يجب أن تشتمل الكمبيالة على مكان الاستحقاق، الذي يمثل المحل، الذي يجب أن يجري فيه الدفع.
ولأن الكمبيالة، ورقة قابلة للتداول، بوسائل التظهير والمناولة، فإنه لا يُعرف من سيكون حامل الكمبيالة الأخير، الذي سيتقدم لاستيفاء قيمتها. لذا، فإن تحديد محل الوفاء، سيمكن حامل الكمبيالة الأخير من الاهتداء إليه.
على أنه يلاحظ، أن خلوّ الصك من هذا البيان، لا يؤدي إلى بطلانه، كورقة تجارية، ما دام موضحاً فيه موطن المسحوب عليه، إذ يُفترض في هذه الحالة، أن المكان المبين إلى جانب اسم المسحوب عليه، هو موطن المسحوب عليه، ومكان وفاء الكمبيالة أيضًا.
2-الشروط الموضوعيـــة
يُعَدّ إصدار الكمبيالة تصرفًا قانونيًا، من جانب واحد، يتحقق بإرادة واحدة، وهي إرادة الساحب.
ولكن، لكي يكون هذا الالتزام صحيحًا، فإنه يجب استيفاء
– شروط موضوعية، إلى جانب الشروط الشكلية، لإبرام أي تصرف قانوني، وهي الرضاء (الإرادة)، والمحل، والسبب، والأهلية.
أ. الرضاء
ويقصد بالرضاء اتجاه إرادة الساحب، إلى قبول التزام عليه، بتوقيع الكمبيالة.
ولصحة التزام الساحب، يجب أن يكون رضاؤه موجوداً، وسليماً، وخالياً من أي عيب من عيوب الإرادة، كالغلط، والإكراه، والتدليس؛ وإلاَّ كان التزامه باطلاً.
ب. المحل والسبب
محل أي عقد، هو إنشاء التزام، أو نقله، أو تعديله، أو إنهاؤه.
ومحل الالتزام، الذي يجب أن يثبت في الكمبيالة، ينحصر في دفع مبلغ معين من النقود. فإذا كان محل الالتزام في الصك شيئاً آخر، غير دفع مبلغ نقدي (كتسليم عقار)، فقدَ صفته، ككمبيالة، وخرج من نطاق الأوراق التجارية.
كذلك، يجب أن يكون سبب التزام الساحب موجودًا ومشروعًا. ويشترط لمشروعية السبب ألاَّ يكون مخالفًا للقواعد والآداب العامة (كأن يجري سحب كمبيالة، وفاءً لصفقة مخدرات).
ج. الأهليــــة
يشترط لصحة أي تصرف قانوني، أن يتحقق في مَن أبرمه الأهلية اللازمة لذلك. وتُعَدّالكمبيالة عملاً تجاريًا مطلقًا. لذلك، يشترط في من يوقِّعها، أن يكون أهلاً لتولي الأعمال التجارية، أي أن لا يكون مصابًا بأي عارض من عوارض فقدان الأهلية؛ وأن يكون قد بلغ السن، التي يجب أن يبلغها من يلتزم بالكمبيالة (وتختلف هذه السن من تشريع إلى آخر).
ويجب ملاحظة إمكانية سحب الكمبيالة، بالنيابة، من طريق وكيل الساحب الذي يوقّع الصك، ويضيف إلى توقيعه ما يفيد أنه يوقع نيابة عن موكله.
ثانياً: تداول الكمبيالـة
بدأ في أوروبا، منذ القرن السادس عشر، استعمال التظهير، كوسيلة لنقل الحق الوارد في الكمبيالة، من شخص إلى آخر. وعملية التداول هذه، تسمي بـ “حوالة الحق”. وعرف التظهير، منذ ذلك الوقت، عدة مراحل من التطوير؛ فتعددت أنواعه، لتشمل التظهير التام (الناقل للملكية)، والتظهير التوكيلي، والتظهير التأميني.
1 التظهير التـــام
التظهير التام، أو التظهير الناقل، ويُقصد به نقل الحق، الثابت في صك الكمبيالة، من المُظهِّر، بالكتابة على ظهرها، بما يفيد نقل ملكية ذلك الحق من المُظَهِّر إلى المُظَهَّر إليه.
ويشترط لصحة التظهير التام، استيفاء شروط موضوعية، تمثل الشروط نفسها، الواجب استيفاؤها في الكمبيالة، لصحة التزام المُظَهِّر، في مواجهة المظهر إليه. وهذه الشروط تمثل خلوّ إرادة المُظَهر من أي عيب من عيوب الإرادة؛ وأن يكون لهذا الالتزام محل وسبب مشروعان، كما يجب أن يكون التظهير من شخص كامل الأهلية.
وإضافة إلى الشروط الموضوعية، لا بدّ من شروط شكلية خاصة، لازمة لصحة التظهير، فيجب أن يكون تظهير الكمبيالة، كتابة، على الصك نفسه.
وعادة ما يؤشر بالتظهير على ظهر الكمبيالة، ومن هنا جاء اسم التظهير. ولكن هذا، لا يمنع من أن يكون التظهير على وجهها.
ولاستكمال الشروط الشكلية، فإن هناك بعض البيانات الإلزامية، الواجبة الاستكمال، لصحة عملية التظهير، أبرزها:
أ. تاريخ التظهيــر
تُعَدّ كتابة تاريخ التظهير، أي تاريخ تحويل الملكية إلى المظهَّر إليه، من البيانات، التي يجب أن تتضمنها الكمبيالة.
وتحديد تاريخ التظهير، يفيد في أحكام الأهلية والإفلاس. فلو كان المظهِّر محجوزاً عليه، أو مفلساً، فإنه قد يلجأ إلى تقديم تاريخ التظهير، ليكون سابقاً على صدور قرار الحجز أو شهر الإفلاس، بهدف الإفلات من بطلان التصرف (التظهير).
وينتقد الفقهاء وبعض رجال القانون، نظام جنيف الموحد، المنظم لقواعد الأوراق التجارية، لعدم نصه على إلزام وضع تاريخ التظهير على الكمبيالة.
ب. اسم المُظهَّر إليه
يشترط إيضاح اسم من ستنتقل إليه الكمبيالة، بالتظهير. ويكون اسم المظهر إليه مقترناً بشرط الأمر “ادفعوا لأمر….”.
وقد تتكرر عملية التظهير عدة مرَّات، وبذلك تحمل الكمبيالة عدة توقيعات بالتظهير إلى الغير، حتى تستقر في يد المظهَّر إليه الأخير (الحامل الأخير)، الذي يطالب المسحوب عليه بالدفع في ميعاد الاستحقاق، المنصوص عليه في الكمبيالة.
ج. توقيع المظهِّر
يشترط، كذلك، توقيع الكمبيالة من قِبل المظهِّر، وإلاَّ عُدَّ التظهير باطلاً. وقد يكون التوقيع في حالة التظهير، إمّا كتابة، وإمّا خَتْماً، أو من طريق بصمة الإصبع.
2 التظهير التوكيلي
يقصد بالتظهير التوكيلي، ذلك التوكيل، الذي يسلِّم المالك، بمقتضاه، الكمبيالة إلى شخص آخر، مع توكيله بتحصيل قيمتها، بمجرد حلول ميعاد الاستحقاق، لحسابه (المُظهِّر). فيصبح المظهر صاحب الحق فيها؛ ومن ثَم، يستطيع، في حالة إفلاس الحامل (المُظهر إليه)، أن يسترد الصك، من دون أن تدخل قيمته في أصول التفليسة.
والتظهير التوكيلي، عادة ما يلجأ إليه حامل الكمبيالة؛ لأنه ليس لديه الوقت الكافي لتحصيل الكمبيالات، التي يحتفظ بها؛ أو لأن الكمبيالة مسحوبة على مكان آخر، بعيد عن مكان الحامل. وغالباً ما يكون المُظهر له في توكيل، مصارف أو مؤسسات مالية متخصصة، ذات فروع في دول العالم ومناطقه المختلفة.
وإضافة إلى الشروط المتعلقة بالتظهير التام، السابق ذكرها، فإن المظهر، لا بدّ أن يورد على الصك عبارة واضحة تفيد التوكيل، مثل عبارة للتوكيل، أو للتحصيل، أو “لقبض القيمة”. ويلاحظ أن بعض المصارف، تتسلّم كمبيالات من عملائها، مظهرة تظهيرًا توكيليًا، بغرض تحصيلها. وعلى الرغم من عدم تحصيل قيمة الورقة، نقدًا، فإن المصرف يضيف مبلغ الكمبيالة على حساب العميل.
ويُفسر ذلك بأنه لدى اتخاذ المصرف هذه الخطوة، فإن التظهير التوكيلي، يتحول، تلقائيًا، إلى تظهير تام.
3 التظهير التأميني
يقصد بتظهير الكمبيالة تظهيرًا تأمينيًا، أن يرهنها المظهر لدى المظهر إليه، ضمانًا لدَين المقرض (المظهر إليه)؛ فهو يرهن، بذلك، الحق الثابت له في الكمبيالة، لدى المظهر إليه، ضمانًا لدَين المقرض (المظهر إليه)، في ذمة المُظهِّر.
والتظهير التأميني نادر الحدوث، في الواقع العملي؛ وذلك لأن حامل الكمبيالة، في مقدوره أن يخصمها لدى المصرف، ليحصل على احتياجاته من النقود، بدلاً من رهنها.
وبالنسبة إلى صحة التظهير التأميني، فإن شروطه لا تختلف عن شروط التظهير التام، باستثناء ورود ما يفيد أن “التظهير قيمة للرهن”، أو “للضمان”، أو أي عبارة أخرى، تفيد المعنى نفسه.
ثالثاً: ضمانات الوفاء بقيمة الكمبيالة
توجد عدة ضمانات، وضعها المشرّع للوفاء بقيمة الكمبيالة، بهدف أن يطمئن حاملها إلى الحصول على حقه، وحتى تؤدي الكمبيالة وظيفتها في البيئة التجارية، كوسيلة وفاء وائتمان. وثمة نوعان رئيسيان، لضمان الوفاء بقيمة الكمبيالة:
1. القبـــــول
يمثل القبول تعهدًا كتابيًا، سابقًا لتاريخ استحقاق الكمبيالة، من المسحوب عليه ـ بالوفاء بقيمتها، فور استحقاقها. وتعهد المسحوب عليه، لا بدّ من أن يتمثل في توقيعه الكمبيالة؛ ما يعني، علاوة على التزامه الكمبيالة، اعترافه بوجود مقابل للوفاء لديه.
وقبول المسحوب عليه الكمبيالة، يجب أن يكون كتابة على الورقة نفسها. ولا يشترط ذكر عبارة معينة، فيجوز أن يؤشِّر المسحوب عليه على الصك، بعبارة “مقبول”، أو “معتمد للقبول”، أو أي لفظ آخر، يفيد المعني نفسه.
ولأن القاعدة تنص على عدم وجود إلزام للمسحوب عليه بقبول الكمبيالة قبل ميعاد استحقاقها، (حتى مع توافر مقابل الوفاء لديه)، فإنه قد يمتنع عن قبولها. وفي هذه الحالة، يحق لحامل الورقة، المفاضلة بين الرجوع إلى الموقعين، أو الانتظار حتى حلول ميعاد الاستحقاق، وتجاهل الدفع؛ ذلك أن رفض قبول الكمبيالة، لا يعني، بالضرورة، رفض الدفع في ميعاد الاستحقاق.
وفي حالة اختيار حامل الصك الرجوع إلى الموقعين، قبل تاريخ الاستحقاق، فإن عليه إثبات امتناع المسحوب عليه، عن قبول الكمبيالة، بواسطة إجراء رسمي، يسمى “بروتستو عدم القبول”.
(وبروتستو) عدم القبول، هو ورقة رسمية من أوراق المحضرين، تثبت امتناع المسحوب عليه عن قبول الكمبيالة، قبل ميعاد استحقاقها، فتُمكن (بذلك الإثبات الرسمي) حامل الكمبيالة، من الرجوع الفوري، إلى الموقعين على الصك.
ولحامل الكمبيالة الأخير، إثبات عدم القبول، في أي وقت، يتخلل الفترة ما بين رفض القبول وميعاد استحقاق الصك.
2. تضامن الموقعيــن
مُنِحَ حامل الكمبيالة ضمانًا آخر، يتمثل في إعطائه حق الرجوع إلى جميع الموقعين علىالكمبيالة (ساحب الكمبيالة ومظهرها وقابلها)، مطالباً إيَّاهم بالوفاء بقيمة الصك.
هذا يعني أن كل من وقع الكمبيالة، ملتزم، بالتضامن، بالوفاء بقيمتها. ولإعمال هذا التضامن، يشترط على حاملها الأخير، أن يقدم ما يُثبت امتناع المسحوب عليه عن دفع قيمتها، في ميعاد استحقاقها؛ ويُثَبت ذلك، رسمياً، من طريق عمل (بروتستو) عدم الدفع.
(وبروتستو) عدم الدفع، هو ورقة من أوراق المحضرين، يُثبت فيها امتناع المسحوب عليه عن الوفاء بقيمة الكمبيالة، في ميعاد استحقاقها. وهذا الإجراء، يعطي الحق لحامل الصك، أن يرجع إلى الأشخاص الضامنين، في الكمبيالة؛ فهو بذلك يُعَدّ شرطًا للرجوع إلى الضامنين .
ويؤدي تحرير (بروتستو) عدم الدفع، إلى إلحاق ضرر بليغ بائتمان المسحوب عليه؛ وقد يكون توقفه عن الدفع مبرراً لشهر إفلاسه.
رابعاً: الوفاء بقيمة الكمبيالـة
إذا وفَى المسحوب عليه بقيمة الكمبيالة، يترتب على ذلك براءة ذمته؛ فضلاً عن براءة ذمة جميع موقعيها؛ وبذلك تنتهي حياة الورقة، إذ يمثل الوفاء من جانب المسحوب عليه، انقضاء الدَين الأصلي، الذي كان للساحب، في حدود المبلغ المدفوع.
أما إذا وَفَى المسحوب عليه، من دون أن يكون مدينًا عند الساحب (دون مقابل وفاء)، أو كان مدينًا بمبلغ أقلّ من قيمة الكمبيالة، كان له حق الرجوع إلى الساحب، ومطالبته بما دفعه، من دون وجود مقابل للوفاء.
ولإثبات الوفاء بقيمة الكمبيالة، يوقع الصك حامله، بما يفيد المخالصة. ثم يسلّم الكمبيالة للمسحوب عليه، بعد قبض قيمتها