دراسة حول تقسيمات العقود في التقنين المدني المصري – بحث متميز
تقسيم العقود
تقسيمات مختلفة:
ذكر القانون المدني الفرنسي بعض تقسيمات للعقود في غير استقصاء . والتقسيم أقرب إلى عمل الفقيه منه إلى عمل المشرع . في حين لم يعرض له القانون المدني المصري ، لا القديم ولا الجديد ( [1] ) .
كذلك لم تعرض له التقنينات الحديثة كالتقنين الألماني والتقنين السويسري .
ويمكن تقسيم العقد عدة تقسيمات إذا نظر إليه من وجهات مختلفة . وهي ما يستعرضه العلامة السنهوري-رحمه الله تعالى فيما يلي
فالعقد من حيث التكوين إما
أن يكون عقداً رضائياً ( contrat consensuel )
أو عقداً شكلياً ( contrat solonnel )
أو عقداً عينياً ( contrat réel ) .
وهو من حيث الموضوع إما
أن يكون عقداً مسمي ( contrat nomme )
أو عقداً غير مسمي ( contrat innommé ) .
وإما أن يكون عقداً بسيطاً ( contrat simple ) أو عقداً مختلطاً ( contrat mixte ) .
وهو من حيث الأثر إما أن يكون
عقداً ملزماً للجانبين ( contrat synal lamgatique , bilatéral ) أو عقداً ملزماً لجانب واحد ( contrat unilatéral ) .
وإما أن يكون عقد معاوضة ( contrat a titre onéreux )
أو عقد تبرع ( contrat à titre gratuit ) .
وهو من حيث الطبيعة إما أن
يكون عقداً محدداً ( contrat commutative )
أو عقداً احتمالياً ( contrat aléatoire ) .
وإما أن يكون عقداً فورياً ( contrat instantané )
أو عقداً زمنياً ( contrat successif ) .
العقد الرضائي والعقد الشكلي والعقد العيني
العقد الرضائي:
هو ما يكفي في انعقاده تراضي المتعاقدين ، أي اقتران الإيجاب بالقبول . فالتراضي وحده هو الذي يكون العقد . وأكثر العقود في القانون الحديث رضائية ، كالبيع والإيجار . وقد تقدم أن القانون لم يبلغ هذه القاعدة طفرة ، بل تطور إليها تدرجاً .
ولا يمنع العقد من أن يكون رضائياً أن يشترط في إثباته شكل مخصوص . إذ يجب التمييز بين وجود العقد وطريقة إثباته . فما دام يكفي في وجود العقد رضاء المتعاقدين فالعقد رضائي ، حتى لو اشترط القانون لإثباته كتابة أو نحوها . والفائدة العملية من هذا التمييز أن الكتابة إذا كانت لازمة لإثبات ( ad probatinum ) فإن العقد غير المكتوب يجوز إثباته بالإقرار أو اليمين . أما إذا كانت الكتابة ركناً شكلياً في العقد ( ad solennitatem ) فإن العقد غير المكتوب يكون غير موجود حتى مع الإقرار أو اليمين .
العقد الشكلي:
هو ما لا يتم بمجرد تراضي المتعاقدين ، بل يجب لتمامه فوق ذلك إتباع شكل مخصوص يعينه القانون . وأكثر ما يكون هذا . الشكل ورقة رسمية يدون فيها العقد . ولم يبق في القانون الحديث إلا عدد قليل من العقود الشكلية ، الغرض من استبقاء شكليتها هو في الغالب تنبيه المتعاقدين إلى خطر ما يقدمون عليه من تعاقد ، كما في الهبة والرهن ( [2] ) .
وقد تقدمت الإشارة إلى أن العقود بدأت تكون شكلية في القديم ، وتطورت بعد ذلك إلى أن صار أكثرها رضائياً والقليل هو الشكلي . وتختلف الشكلية الحديثة عن الشكلية القديمة في إنها أكثر مرونة . وتختلف عنها أيضاً ، وبوجه خاص ، في إنها لا تكفي وحدها في تكوين العقد . فالشكلية الحديثة ، إذا كانت لازمة ، فهي ليست بكافية ، بل لا بد أن تقترن بإرادة المتعاقدين . فالإرادة هي التي يقع عليها الشكل . أما الشكلية القديمة فكانت وحدها هي التي تكون العقد ، لذلك كان لا يجوز الطعن فيها بالغلط أو التدليس أو الإكراه أو غير ذلك من الدفوع الموضوعية . فالشكلى إذن كان هو العقد لا الإرادة ( [3] ) . >
العقد العيني:
هو عقد لا يتم بمجرد التراضي ، بل يجب لتمام العقد فوق ذلك تسليم العين محل التعاقد . ولا يكاد يوجد في القانون المدني الجديد مثل للعقد العيني إلا هبة المنقول ، فهذه قد تكون عقداً شكلياً إذا تمت بورقة رسمية ، وقد تكون عقداً عينياً إذا تمت بالقبض ( م 488 من القانون المدني الجديد ) . ولكن ليس هناك ما يمنع من أن يتفق المتعاقدان على أن العقد لا يتم إلا إذا قام أحدهما بتنفيذ شطر من التزامه . ففي عقود التأمين يشترط أحياناً إلا يتم العقد إلا بعد أن يدفع المؤمن له القسط الأول ، والشرط صحيح في هذه الحالة ، ويكون العقد عينياً ولكن العينية هنا مصدرها الاتفاق لا القانون .
أما القانون المدني القديم فكان يسير على نهج القانون الفرنسي ، ويجعل إلى جانب هبة المنقول عقوداً عينية أخرى أربعة : القرض والعارية والوديعة ورهن الحيازة . وكلا القانونين ورث عينية هذه العقود الأربعة عن القانون الروماني دون مبرر . فقد كانت هذه العينية مفهومة في القانون الروماني حيث كانت العقود في الأصل شكلية . ثم استغنى عن الشكل بالتسليم في بعض العقود ، وهذه هي العقود العينية . ولم يسلم بأن التراضي وحده كاف لانعقاد العقد إلا في عدد محصور من العقود سمي بالعقود الرضائية . أما اليوم فقد أصبح التراضي ، كقاعدة عامة ، كافياً لانعقاد العقد ، فلم يعد هناك مقتضى لإحلال التسليم محل الشكل . وقد قللت بعض التقنينات الحديثة عدد هذه العقود العينية ، فاستبقى القانون الألماني منها القرض ورهن الحيازة ، ولم يستبق قانون الالتزامات السويسري إلا رهن الحيازة وحده .
2 – العقد المسمى والعقد غير المسمى
العقد المسمى:
هو ما خصصه القانون باسم معين وتولى تنظيمه لشيوعه بين الناس في تعاملهم . والعقود المسماة في القانون الجديد إما أن تقع على الملكية ، وهي البيع والمقايضة والهبة والشركة والقرض والصلح ، وإما أن تقع على المنفعة وهي الإيجار وعارية الاستعمال . وإما أن تقع على العمل وهي المقاولة والتزام المرافق العامة وعقد العمل والوكالة والوديعة والحراسة . ويضاف إلى ذلك عقود الغرر وهي المقامرة والرهان والمرتب مدى الحياة وعقد التأمين ، ثم عقود التأمينات الشخصية والعينية وهي الكفالة والرهن الرسمي ورهن الحيازة .
ويلاحظ أن العقد المسمى ، في غير النصوص التفصيلية التي تولت تنظيمه ، يخضع للقواعد العامة التي يخضع لها سائر العقود .
العقد غير المسمى:
هو ما لم يخصه القانون باسم معين ولم يتولى تنظيمه ، فيخضع في تكوينه وفي الآثار التي تترتب عليه للقواعد العامة التي تقررت لجميع العقود ، شأنه في ذلك شأن العقد المسمى . ولكنه لما كان أقل شيوعاً لم يفصل المشرع أحكامه اكتفاء بتطبيق القواعد العامة ( [4] ) .
وتتفاوت التقنينات فيما تسميه من العقود وتفصل أحكامه . وقد كان القانون المدني القديم لا ينظم عقد التزام المراق العامة ولا المقامرة والرهان ولا عقد التأمين ، ويقتضب اقتضابا مخلا تنظيم عقود المقاولة والعمل والحراسة . فعالج القانون الجديد هذه الأمور . ولا زالت هناك عقود غير مسماة صالحة لأن تنظيم فتصبح عقوداً مسماة كعقد النشر وعقد التوريد وعقد الأشغال العامة وعقد النزول في الفندق .
ومن الأمثلة على العقود غير المسماة أن يتفق شخص مع آخر على أن يثبت له ميراثاً يستحقه وأن ينفق على هذا العمل في نظير جزء من هذا الميراث يأخذه إذا وفق في إثبات الإرث ( contrat de révélation de suecession ) ،
وأن يتفق شخص مع آخر على أن يبيع الأول شيئاً مملوكاً للثاني وأن يعجل له مبلغاً معيناً وما زاد من الثمن على هذا المبلغ يحتفظ به لنفسه . والعقد بين مدير المسرح والممثلين ، وبينه وبين النظارة ، واتفاق إدارة إحدى المستشفيات مع مدرسة طبية على أن يضع المستشفى تحت تصرف المدرسة بعضاً من الأسرة تستخدم للتعليم الطبي ، واتفاق التاجر مع صاحب مصرف على أن يقدم له معلومات عن الحالة المالية لتاجر آخر ، والعقد بين المصور أو الرسام مع الشخص الذي يصوره أو يرسمه ، كل هذه عقود غير مسماة ( [5] ) .
3- العقد البسيط والعقد المختلط
العقد البسيط:
هو ما اقتصر على عقد واحد ولم يكن مزيجاً من عقود متعددة . وقد يكون العقد البسيط عقداً مسمى كالبيع والإيجار ، كما يكون عقدا غير مسمى كالعقد الذي توضع بمقتضاه أسرة تحت تصرف مدرسة طبية .
العقد المختلط:
هو ما كان مزيجا من عقود متعددة اختلطت جميعاً فأصبحت عقداً واحدا . مثل ذلك العقد بين صاحب الفندق والنازل في ( contrat d’hôtellerie ) ، فهو مزيج من عقد إيجار بالنسبة إلى المسكن ، وبيع بالنسبة إلى المأكل ، وعمل بالنسبة إلى الخدمة ، ووديعة بالنسبة إلى الأمتعة .
وليس هناك من أهمية كبيرة في امتزاج عدة عقود في عقد مختلط . فإن هذا العقد إنما تطبق عليه أحكام العقود المختلفة التي يشتمل عليها . على أن قد يكون من المفيد في بعض الأحيان أن يؤخذ العقد المختلط كوحدة قائمة بذاتها ، وذلك إذا تنافرت الأحكام التي تطبق على كل عقد من العقود التي يتكون منها . ففي هذه الحالة يجب تغليب أحد هذه العقود باعتباره العنصر الأساسي ، كما في عقد التليفون ، وهو يدور بين عقد العمل والإيجار ، فغلب القضاء المصري فيه عنصر عقد العمل ورفض دعوى استرداد الحيازة التي رفعها مشترك قطعت عنه المواصلة التليفونية ( [6] ) ، وكما في العقد الموصوف بأنه إيجار ابتداء وبيع انتهاء ) ، وهو يدور بين البيع والإيجار، فحسم القانون الجديد ( م 430 ) النزاع في شأنه وجعله بيعاً
4 – العقد الملزم للجانبين والعقد الملزم لجانب واحد
العقد الملزم للجانبين:
هو العقد الذي ينشيء التزامات متقابلة في ذمة كل من المتعاقدين ، كالبيع يلتزم البائع فيه بنقل ملكية المبيع في مقابل أن يلتزم المشتري بدفع الثمن . والظاهرة الجوهرية في العقد الملزم للجانبين هو هذا التقابل القائم ما بين التزامات أحد الطرفين والتزامات الطرف الآخر .
العقد الملزم لجانب واحد:
هو العقد الذي لا ينشيء التزامات إلا في جانب أحد المتعاقدين فيكون مدينا غير دائن ، ويكون المتعاقد الآخر دائناً غير مدين . مثل ذلك الوديعة غير المأجورة يلتزم بمقتضاها المودع عنده نحو المودع أن يتسلم الشيء المودع وأن يتولى حفظه وأن يرده عيناً ، دون أن يلتزم المودع بشيء نحو المودع عنده .
والعقد الملزم لجانب واحد ( contrat unilatéral ) هو كسائر العقود لا يتم إلا بتوافق إرادتين . وهذا بخلاف العمل القانونين الصادر من جانب واحد ( acte juridique unilatéral ) فإنه يتم بإرادة واحدة ويكون التعبير بلفظ ” جانب واحد ” ( unilatéral ) إذا اقترن بالعقد يعتبر فيه اثر العقد لا تكوينه ، وإذا اقترن بالعمل القانونين يلحظ فيه تكوين العمل القانوني لا أثره .
أهمية هذا التقسيم:
ولهذا التقسيم أهمية كبيرة ترجع إلى أن العقد الملزم للجانبين ينشيء التزامات متقابلة ، وهذا التقابل ( interdépendance ) يؤدى إلى نتائج هامة لا نراها في العقد الملزم لجانب واحد حيث لا وجود للتقابل . ونذكر من هذه النتائج ما يأتي :
( 1 ) في العقد الملزم للجانبين إذا لم يقم أحد المتعاقدين بتنفيذ ما في ذمته من التزام كان للمتعاقد الآخر أن يفسخ العقد . وهذا ما يسمي عادة بالشرط الفاسخ الضمني ( condition resolutoire tacite , lex commissoria ) ، إذ هو شرط مفهوم في كل عقد ملزم للجانبين ( أنظر المادة 157 من القانون المدني الجديد ) أما في العقد الملزم لجانب واحد كالوديعة فلا محل لهذا الفسخ ، لأن المقصود منه هو أن يتحلل الطرف الآخر من التزامه ولا التزام عليه حتى يطلب التحلل منه ، فبقى أن يطلب تنفيذ الالتزام الثابت في ذمة الطرف الأول ( [7] ) .
( 2 ) في العقد الملزم للجانبين إذا لم يقم أحد المتعاقدين بتنفيذ ما في ذمته من التزام كان للمتعاقد الآخر ، بدلا من أن يطلب فسخ العقد ، أن يمتنع عن تنفيذ التزامه . فإذا طولب بالتنفيذ دفع دفع بوقفه حتى يقوم الطرف الأول بتنفيذ التزامه هو ( أنظر المادة 161 من القانون المدني الجديد ) . وهذا ما يسمونه بالدفع بعدم تنفيذ العقد ( exception non adimpleti contractus ) . أما في العقد الملزم لجانب واحد فلا محل لهذا الدفع ، لأن المتعاقد الآخر لم يتعلق في ذمته التزام حتى يطلب وقف تنفيذه .
( 3 ) في العقد الملزم للجانبين يطبق المبدأ القاضي بأن تحمل التبعة ( risqué ) يكون على المتعاقد الذي استحال تنفيذ التزامه . ويتخلص هذا المبدأ في أنه إذا استحال على أحد المتعاقدين تنفيذ التزامه لسبب خارج عن إرادته فإن الالتزام ينقضي بسبب استحالة التنفيذ ، وينقضي مع الالتزام المقابل له ، فينفسخ العقد من تلقاء نفسه ( أنظر المادة 159 من القانون المدني الجديد ) . ويكون المتعاقد الذي استحال تنفيذ التزامه قد تحمل تبعة هذه الاستحالة . أما في العقد الملزم لجانب واحد فإن الذي يتحمل التبعة هو المتعاقد الآخر لا المتعاقد الذي استحال تنفيذه التزامه . ذلك لأن هذا المتعاقد ينقضي التزامه بسبب استحالة تنفيذه ، ولا يعوض المتعاقد الآخر عن ذلك شيئاً لأنه لم يتعلق في ذمته التزام مقابل يسقط بسقوط الالتزام الأول ، فيكون هو الذي تحمل التبعة .
( 4 ) في العقد الملزم للجانبين يعتبر التزام أحد المتعاقدين سبباً ( cause ) لالتزام المتعاقد الآخر وفقاً للنظرية التقليدية في السبب ، وذلك للتقابل القائم ما بين الالتزامين . أما في العقد الملزم لجانب واحد فلا يوجد التزام مقابل يمكن اعتباره سبباً .
العقد الملزم للجانبين غير التام contrat synallagmatique imparfait:
وكان القانون الروماني يعرف نوعا من العقود هو وسط بين العقد الملزم للجانبين والعقد الملزم لجانب واحد ، وكان يسميه بالعقد الملزم للجانبين غير التام . وهو عقد ملزم في الأصل لجانب واحد ، ولكن الجانب الآخر يلتزم بعد نشوء العقد بسبب غير العقد ، وذلك كالوديعة إذا التزم المودع بتعويض ما أصاب المودع عنده من الضرر بسبب الشيء المودع أو برد المصروفات الضرورية التي أنفقت في حفظ الشيء من الهلاك .
والصحيح أن العقد الملزم للجانبين غير التام إنما هو عقد ملزم لجانب واحد . وما عسى أن ينشأ من التزام بعد ذلك في جانب الدائن لم ينشأ من العقد ، بل هو التزام مصدره سبب آخر : العمل غير المشروع في حالة التعويض عن الضرر ، والإثراء بلا سبب في حالة رد المصروفات الضرورية . ولقد كان هذا التقسيم مفهوماً في القانون الروماني لأن العقود الملزمة للجانبين ودها هي التي كانت تعتبر في هذا القانون عقوداً يجب توافر حسن النية في تنفيذها ( de bonne foi ) ، أما العقود الملزمة لجانب واحد فكانت تعتبر عقوداً حرفية التنفيذ ( de droit street ) . فكان من المفيد أن توصف العقود الملزمة لجانب واحد بأنها عقود ملزمة للجانبين ولو على نحو غير تام حتى يتيسر اشتراط حسن النية في التنفيذ . ولكن هذه الفكرة الرومانية لم تعد قائمة في القانون الحديث ، وأصبحت كل العقود – سواء كانت ملزمة للجانبين أو ملزمة لجانب واحد – يجب أن يتوافر في تنفيذها حسن النية . فلم تعد هناك فائدة في أن تتسم العقود الملزمة لجانب واحد بسمة العقود الملزمة للجانبين .
5 – عقد المعاوضة وعقد التبرع
عقد المعاوضة:
هو العقد الذي يأخذ فيه كل من المتعاقدين مقابلا لما اعطاه . فالبيع عقد معاوضة بالنسبة إلى البائع لأنه يأخذ الثمن في مقابل إعطاء المبيع ، وبالنسبة إلى المشتري لأنه يأخذ المبيع في مقابل إعطاء الثمن . والقرض بفائدة عقد معاوضة بالنسبة إلى المقرض ، لأنه يأخذ الفوائد في مقابل إعطاء الشيء لأجل ، وبالنسبة إلى المقترض لأنه يأخذ الشيء لأجل في مقابل إعطاء الفوائد . وعقد الكفالة معاوضة بالنسبة إلى الدائن المكفول ، لأنه أخذ كفالة في مقابل إعطاء الدين ، وهو بالنسبة إلى الكفيل يكون تبرعاً إذا لم يأخذ أجراً على كفالته إذ يكون قد أعطى دون أن يأخذ . ومن ذلك يتضح أن العقد الواحد قد يكون معاوضة بالنسبة إلى أحد المتعاقدين وتبرعا ” بالنسبة إلى المتعاقد الآخر ، ذلك لأن المعاوضة لا يشترط فيها أن يكون المعاوض قد أعطى المقابل للمتعاقد الآخر ، كما أن التبرع لا يشترط فيه أن يكون المتبرع قد تبرع للمتعاقد الآخر .
عقد التبرع:
هو العقد الذي لا يأخذ فيه المتعاقد مقابلا لما أعطاه ، ولا يعطي المتعاقد الآخر مقابلا لما أخذه . فالعارية عقد تبرع بالنسبة إلى المعير لأنه لا يأخذ شيئاً من المستعير في مقابل الشيء المعار ، وبالنسبة إلى المستعير لأنه لا يعطي شيئاً للمعير في مقابل الانتفاع بالشيء المعار . وكذلك الهبة دون عوض والقرض والوديعة والوكالة ، إذا كانت هذه العقود الثلاثة دون مقابل ، كلها عقود تبرع على النحو الذي قدمناه . ومن ذلك يتبين أن العقود الملزمة للجانبين بعضها معاوضة كالإيجار ، وبعضها تبرع كالعارية . كذلك العقود الملزمة لجانب واحد بعضها تبرع كالهبة دون عوض ، وبعضها معاوضة كالكفالة إذا أخذ الكفيل أجراً من المدين .
ومن المفيد أن نميز في عقود التبرع بين عقود التفضل والهبات . فعقود التفضل ( actes de bienfaisance ) يولي المتبرع فيها المتبرع له فائدة دون أن يخرج عن ملكية ماله . فالعارية عقد تفضل لأن المعير يتبرع بمنفعة العين دون أن يخرج عن ملكيتها . والوديعة عقد تفضل لأن المودع عنده يتبرع بعمله لا بماله . أما الهبات ( actes de libéralité ) فيخرج فيها المتبرع عن ملكية ماله ، كعقد الهبة يخرج فيها الواهب عن ملكية الموهوب . ويتبين من ذلك أن الهبات اشد خطورة من عقود التفضل ، ولذلك تحوط المشرع فاشترط في الهبة شكلا خاصاً .
أهمية هذا التقسيم:
والتمييز بين عقد التبرع – تفضلا كان أو هبة – وعقد المعاوضة له نتائج هامة ، نذكر منها ما يأتي :
( 1 ) تكون مسئولية المتبرع أخف عادة من مسئولية المعاوض ، فمسئولية المودع عنده أيسر من مسئولية المستأجر . كما أن مسئولية المتبرع له اشد عادة من مسئولية المعاوض ، فمسئولية المستعير اشد من مسئولية المستأجر . فهذه العقود الثلاثة – الوديعة والإيجار والعارية – تتفاوت فيها مسئولية المتعاقدين قوة وضعفاً ، وتتدرج من الضعف إلى القوة طبقاً لماذاا كان المتعاقد يتبرع كالمودع عنده ، أو يعاوض كالمستأجر ، أو يتلقى التبرع كالمستعير .
( 2 ) الغلط في الشخص يؤثر في عقود التبرع . وهو لا يؤثر في عقود المعاوضة إلا إذا كان شخص المتعاقد محل اعتبار ، كما في الشركة والمزارعة . : ( 3 ) يجوز الطعن في عقود التبرع بالدعوى البوليصية دون حاجة إلى إثبات سوء نية من تلقى التبرع . فإذا وهب المدين المعسر آخر شيئاً من ماله ، جاز للدائن الطعن في هذا التصرف ولو لم يثبت سوء نية الموهوب له . أما في عقود المعاوضة كالبيع ، فلا بد من إثبات سوء النية .
6 – العقد المحدد والعقد الاحتمالي
العقد المحدد:
هو العقد الذي يستطيع فيه كل من المتعاقدين أن يحدد وقت تمام العقد القدر الذي أخذ والقدر الذي أعطى ، حتى لو كان القدران غير متعادلين . فبيع شيء معين بثمن معين عقد محدد ، سواء كان الثمن يعادل قيمة المبيع أو لا يعادله ما دامت قيمة المبيع ومقدار الثمن يمكن تحديدهما وقت البيع .
العقد الاحتمالي:
هو العقد الذي لا يستطيع فيه كل من المتعاقدين أن يحدد وقت تمام العقد القدر الذي أخذ أو القدر الذي أعطى ، ولا يتحدد ذلك إلا في المستقبل تبعاً لحدوث أمر غير محقق الحصول أو غير معروف وقت حصوله . فالبيع بثمن هو إيراد مرتب مدى الحياة عقد احتمالي ، لأن البائع وإن كان يعرف وقت البيع القدر الذي أعطي لا يستطيع أن يعرف في ذلك الوقت القدر الذي أخذه ، إذ الثمن لا يتحدد إلا بموته والموت أمر لا يعرف وقت حصوله . والمشتري أيضاً كالبائع يباشر عقداً احتمالياً ، فهو يعرف القدر الذي أخذه ، ولكنه لا يعرف القدر الذي أعطي وهو الثمن الذي لا يمكن تحديده وقت البيع لما سبق بيانه . ومن العقود الاحتمالية الشائعة عقود التأمين وعقود الرهان والمقامرة ( [8] ) .
هذا وقد يظن لأول وهلة أن تقسيم العقد إلى محدد واحتمالي لا يكون إلا في عقود المعاوضة ، وليس في عقود التبرع إلا عقود محددة . ولكن الصحيح أن عقد التبرع قد يكون احتمالياً إذا كان الموهوب له لا يستطيع أن يحدد وقت تمام العقد القدر الذي يأخذ ، كما إذا وهب شخص لآخر إيراداً مرتباً طول حياته .
أهمية هذا التقسيم : والتمييز بين العقد المحدد والعقد الاحتمالي له أهمية كبيرة من الناحية الاقتصادية . أما من الناحية القانونية فأهميته محدودة . ومن أهم نتائجه أمران :
( 1 ) أساس العقود الاحتمالية هو ذلك الاحتمال ( aléa ) في المكسب أو الخسارة . فلو أتضح أن هذا الاحتمال غير موجود في الواقع ، وإن حسبه المتعاقدان موجوداً ، فالعقد باطل ، كما إذا باع شخص منزلا بإيراد يعطي لشخص ثالث طول حياته ، فإذا بهذا الشخص قد مات قبل وقوع البيع .
( 2 ) لا يؤثر الغبن عادة في العقود الاحتمالية ، لأن الأساس الذي بنيت عليه هذه العقود هو كما تقدم غبن احتمالي يتحمله أحد المتعاقدين ( [9] ) .
7 – العقد الفوري والعقد الزمني ( [10] )
العقد الفوري:
هو العقد الذي لا يكون الزمن عنصراً جوهرياً فيه ، فيكون تنفيذه فورياً ولو تراخي التنفيذ إلى أجل أو إلى آجال متتابعة .
فبيع شيء يسلم في الحال بثمن يدفع في الحال عقد فوري ، لأن عنصر الزمن هنا معدوم ، إذ أن كلا من المبيع والثمن يسلم في الحال ، فهو عقد فوري التنفيذ .
وقد يكون البيع بثمن مؤجل ويبقي مع ذلك فورياً . ذلك لأن الزمن إذا كان قد تدخل هنا فهو عنصر عرضي لا دخل له في تحديد الثمن ( [11] ) . فالبيع بثمن مؤجل عندما يحين وقت تنفيذه ، يكون فوري التنفيذ . وليس الأجل إلا موعداً يتحدد به وقت التنفيذ ، ولا يتحدد به مقدار الثمن .
وقد يكون البيع بثمن مقسط ويبقى مع ذلك فورياً . إذ الثمن الذي يدفع أقساطاً ليس إلا ثمناً مؤجلا إلى آجال متعددة . وليست هذه الآجال إلا عناصر عرضية في العقد لا يتحدد بها مقدار الثمن . ويكون العقد في هذه الحالة فوري التنفيذ ، جزءاً جزءاً ، عندما يحين وقت التنفيذ لكل جزء منه .
وقد يكون الأجل الذي يضرب للتنفيذ إجبارياً ، لا اختيارياً كما في الأمثلة المتقدمة ، ويبقي مع ذلك عنصراً عرضياً لا يتحدد به المحل المعقود عليه ، فيكون العقد في هذه الحالة فوري التنفيذ . مثل ذلك النجار يتفق مع العميل على أن يصنع له دولاباً . فصنع الدولاب لا بد أن يستغرق زمناً ، ولكن هذا الزمن – وهو أجل إجباري – لا يتحدد به محل العقد . والأجل الإجباري هنا كالأجل الاختياري هناك ، كلاهما عنصر عرضي لا يقاس به المعقود عليه . ويكون عقد الاستصناع في المثل الذي قدمناه فوري التنفيذ عند ما يحين وقت تنفيذه ، أي بعد أن يتم صنع الدولاب .
ويتبين مما تقدم أن العقد الفوري يتحدد محله مستقلا عن الزمن ، وأن الزمن إذا تدخل فيه فإنما يتدخل عنصراً عرضياً لا عنصراً جوهرياً ، لتحديد وقت التنفيذ لا لتحديد المحل المعقود عليه . ذلك أن محل العقد الفوري – أرضا كان أو بناء أو عرضواً أو نقداً أو غير ذلك – إنما يمتد في المكان لا في الزمان ، أي أن له جرماً إذا هو قيس فإنما يقاس يجيز مكاني لا بمقياس زماني ، أو هو – كما يقول الدكتور عبد الحي حجازي في رسالته المعروفة – حقيقة مكانية لا حقيقة زمانية . وإنما سمي بالعقد الفوري ، ولم يسم بالعقد المكاني ، لأن الظاهرة الجوهرية فيه ليست هي في إثبات المكان له ، بل في نفي الزمان عنه .
العقد الزمني:
هو العقد الذي يكون الزمن عنصراً جوهرياً فيه ، بحيث يكون هو المقياس الذي يقدر به محل العقد . ذلك أن هناك أشياء لا يمكن تصورها إلا مقترنة بالزمن . فالمنفعة لا يمكن تقديرها إلا بمدة معينة . والعمل إذا نظر إليه في نتيجته ، أي إلى الشيء الذي ينتجه العمل ، كان حقيقية مكانية ، ولكن إذا نظر إليه في ذاته فلا يمكن تصوره إلا حقيقة زمانية ، مقترناً بمدة معينة .
ومن ثم فعقد الإيجار عقد زمني لأنه يقع على المنفعة ، والزمن عنصر جوهري فيه لأنه هو الذي يحدد مقدار المنفعة المعقود عليها . وعقد العمل لمدة معينة ، عقد زمني ، لأن الخدمات التي يؤديها العامل لا تقاس إلا بالزمن ، فالزمن عنصر جوهري فيه إذ هو الذي يحدد مقدار المحل المعقود عليه
وهناك من الأشياء ما يتحدد في المكان فيكون حقيقة مكانية ، ولكن المتعاقدين يتفقان على تكرار أدائه مدة من الزمن لسد حاجة تتكرر . فهو في ذاته يقاس بالمكان ، ولكن المتعاقدين اتفقا على أن يقاس بالزمان . مثل ذلك عقد التوريد ، يلتزم به أحد المتعاقدين أن يورد للمتعاقد الآخر شيئاً معيناً يتكرر مدة من الزمن .
فمحل العقد هنا – وهو الشيء المعين الذي اتفق على توريده – يقاس في ذاته بالمكان ، ولكن المتعاقدين اتفقا على أن يتكرر مرات مدة من الزمن ، فجعلاه يقاس ، كالمنفعة والعمل ، بالزمان لا بالمكان . فالمعقود عليه في كل من عقد الإيجار وعقد التوريد هو الزمن ، أو هو شيء يقاس بالزمن . ولكن المعقود عليه في عقد الإيجار يقاس بالزمن طبيعة ، أما المعقود عليه في عقد التوريد فيقاس بالزمن اتفاقاً .
ومن ثم ينقسم العقد الزمني إلى عقد ذي تنفيذ مستمر ( contrat a exécution continue ) كعقد الإيجار وعقد العمل لمدة معينة ، وعقد ذي تنفيذ دوري ( contrat a exécution périodique ) كعقد التوريد وعقد الإيراد المؤبد أو الإيراد مدى الحياة .
أهمية هذا التقسيم:
ترجع خصائص العقد الزمني إلى فكرة جوهرية هي أن المعقود عليه في هو الزمن . والزمن إذا مضي لا يعود . فإذا نفذ العقد الزمني حيناً من الزمن ، وأريد لسبب أو لآخر الرجوع في العقد استحال ذلك ، فإن الفترة من الزمن الذي نفذ فيها العقد قد انقضت ، وما نفذ من العقد أصبح تنفيذه نهائياً لا يمكن الرجوع فيه . أما العقد الفوري فلا يقوم على الزمن ، وإذا نفذ في جزء منه جاز الرجوع فيما تم تنفيذه . ويترتب على هذا الفرق الجوهري فيما بين العقد الزمني والعقد الفوري نتائج هامة ، نذكر منها ما يأتي :
( 1 ) الفسخ في العقد الفوري ينسحب أثره على الماضي ، لأنه يجوز الرجوع فيه . أما الفسخ في العقد الزمني فلا ينسحب أثره على الماضي لأن ما نفذ منه لا يمكن إعادته .
( 2 ) إذا وقف تنفذ العقد الفوري ، فإن هذا الوقف لا يؤثر في التزامات المتعاقدين من حيث الحكم بل تبقى هذه الالتزامات كاملة كما كانت قبل الوقف . أما العقد الزمني فوقف تنفيذه يترتب عليه النقص في كمه وزوال جزء منه ، إذ تمحي آثاره في خلال المدة التي وقف تنفيذه فيها . لأن هذه المدة لا يمكن تعويضها بعد أن فاتت بل قد يترتب على وقف العقد الفوري انتهاؤه إذا كانت مدة الوقف تزيد على المدة المحددة للعقد أو تساويها .
( 3 ) العقد الزمني تتقابل فيه الالتزامات تقابلا تاما ًن لا في الوجود فحسب بل أيضاً في التنفيذ ، فما تم منها في جانب يتم ما يقابله في الجانب الآخر . ففي عقد الإيجار الأجرة تقابل الانتفاع ، فإذا انتفع المستأجر مدة معينة التزم بدفع الأجرة بقدر المدة التي انتفع فيها . أما في العقد الفوري فإن التقابل إذا كان تاماً في الوجود فهو غير تام في التنفيذ . ففي عقد البيع بثمن مقسط إذا تقابل المبيع والثمن من حيث الوجود ، فليس من الضروري أن يتقابلا من حيث التنفيذ ، ويجوز أن يدفع المشتري أقساطاً من الثمن لا يأخذ ما يقابلها من المبيع ، ويلجأ إلى فسخ البيع فيسترد ما دفعه من الثمن .
( 4 ) الإعذار شرط لاستحقاق التعويض في العقد الفوري في أكثر الأحوال . أما في العقد الزمني فالاعذار ليس بضروري إذا تاخر الملتزم عن تنفيذ التزامه الزمني ، لأن ما تأخر فيه لا يمكن تداركه لفوات الزمن ، فلا فائدة ترتجي من الإعذار .
( 5 ) العقد الزمني لا يمكن إلا أن يكون ممتداً مع الزمن ، وبقدر ما يمتد يكون تغير الظروف محتملا ، ومن ثم كانت العقود الزمنية هي المجال الطبيعي لنظرية الظروف الطارئة . أما العقود الفورية فلا يمكن أن تنطبق عليها هذه النظرية إلا إذا كان تنفيذها مؤجلا ( [12] ) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( [1] ) وقد جاء في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في هذا الصدد ما يأتي : ” وقد تعمد المشروع ؟؟؟ تقسيمات ؟؟ التي توجد في أكثر التقنينات اللاتينية النزعة ، لأن ؟؟؟؟؟ ولذلك رؤى من الاحوط أن تهمل في النصوص التشريعية ” . ( مجموعة الأعمال التحضيرية ج 2 ص 11 في الهامش ) .
( [2] ) وقد يكون العقد رضائياً في أصله فيتفق المتعاقدان علىاني كون شكليا ، أي أن الشكلية تكون واجبة باتفاق المتعاقدين لا يحكم القانون . مثل ذلك أن يتفق المتعاقدان نبمقتضى عقد ابتدائي ، أن يكون التعاقد النهائي بالكتابة ، أو بمقتضى شرط في عقد الإيجار أن التنبيه بالاخلاء يكون بالكتابة . فتكون الكتابة في مثل هذه الحالات ركنا شكليا لا يتم العمل القانوني إلا باستيفائه . وقد يقصد المتعاقدان من اشتراط الكتابة أن تكون للاثبات لا لتكوين العمل القانونين . وإذا قام شك في تفسير قدص المتعاقدين هل الكتابة ركن شكلي أو هي الطريق للاثبات ، فالقضاء في مصر وفرنسا يتلمس من ظروف الواقع قرينة على ترجيح أحد الفرضين ، فإذا لم توجد قرينة مرجحة كان المفروض أن المتعاقدين اشترطا الكتابة للاثبات لا للانعقاد لأن الأصل في العقود أن تكون رضائية . أنظر في هذا المعنى محكمة الاستئناف الوطنية في 21 فبراير سنة 1941 المجموعة الرسمية 15 رقم 105 – محكمة الاستئناف المختلطة في 18 مايو سنة 1933 م 45 ص 291 – ولكن القضاء المصري لم يستقر على هذا المبدأ وسيتبين ذلك فيما يلي – أنظر أيضاً في هذا المعنى محكمة النقض الفرنسية في 26 يونية سنة 1901 سيريه 1904 – 1 – 283 – وحكم آخر في 14 مايو سنة 1912 داللوز 1913 – 1 – 281 مع تعليق فاليرى Valery .
وقد كان المشروع التمهيدي يشتمل على نص في هذه المسألة يرجح أن تكون الكتابة للانعقاد لا للإثبات ، فكانت المادة 149 من هذا المشروع تنص على أنه ” إذا اتفق المتعاقدان على أن يستوفى العقد شرطا خاصا لم يشترطه القانون ، فالمفروض عند الشك إنهما لم يقصدا أن يلتزما إلا من الوقت الذي يستوفى فهي العقد الشكلي المتفق عليه ” . وقد جرى المشروع في ذلك على نهج كثير من التقنينات الحديثة ( القانون الألماني م 125 و م 154 فقرة 2 – قانون الالتزامات السويسري م 16 – القانون البولوني م 109 ) . وقد جاء في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في هذا الصدد ما يأتي : ” إذا اتفق المتعاقدان على وجوب استيفاء شكل معين ، سواء أكان ذلك بمقتضى عقد تمهيدي أم كان بمقتضى شرط معين في عقد أصلي – كما هو الشأن في اشتراط الكتابة في التنبيه بالاخلاص في عقود الإيجار – فيفرض أن نيتهما قد انصرفت إلى ترتيب البطلان على عدم مراعاة هذا الشكل . وهذه هي دلالة القرينة التي تقيمها المادة 149 من المشروع . على أن الأمر لا يعدو مجرد قرينة بسيطة ، يجوز إسقاط حكمها بإثبات العكس ( التقنين الألماني تعليقات ج 1 ص 136 ) . وقد ذهب القضاء المصري إلى أنه إذا أريد تعديل عقد تم بالكتابة تعديلا ينطوي على تكليف جديد ، فيشترط أن يتفق ذوو الشأن على ذلك كتابة عن بينة منهم ( استئناف مختلط 23 ابريل سنة 1935 م 47 ص 263 ) . أما فيما يتعلق بالشكل الذي يتفق عليه المتعاقدان فلم يستقر القضاء على رأي بشأن دلالة الاتفاق عند الشك ، فهل يستتبع إغفال الشكل في هذه الحالة بطلان العقد ، أم يعتبر الشكل مشروطاً لتهيئة طريق للإثبات فحسب ؟ قضت محكمة الاستئناف المختلطة أنه لا يجوز لسمسار أن يتمسك بحصول الاتفاق بين المتعاقدين ليتأدى من ذلك إلى المطالبة بالسمسرة المتفق عليها إذا كان البيع قد علق على شروط عدة وأرجأ المتعاقدان ارتباطهما النهائي إلى وقت التوقيع على عقد يحرره محاموهما ما دام أن التوقيع لم يحصل ( 14 يناير سنة 1930 م 42 ص 182 ) . وعلى هذا النحو اعتبرت المحكمة أن إغفال الشكل الذي اتفق عليه يستتبع البطلان دون أن ينص صراحة علىذ لك . على أن هذه المحكمة نفسها قد حكمت في قضية أخرى بان العقود الرضائية تتم بمجرد التراضي ما لم يكن المتعاقدان قد اتفقا على التعاقد بعقد رسمي مع النص صراحة على انصراف نيتهما إلى تعليق الارتباط على اتمام العقد من طريق التوقيع عليه أمام موثق العقود ( 18 مايو سنة 1933 م 45 ص 291 ) . ويلوح أن المحكمة قد جنحت في هذا الحكم الأخير لاشتراط الاتفاق صراحة على أن إغفال الشكل المتفق عليه يستتبع البطلان . ومن المحقق أن النص الذي اختاره المشروع في المادة 149 من شأنه أن يضع حداً لتردد القضاء في هذا الصدد ” . ولكن المادة 149 من المشروع التمهيدي عندما تليت في لجنة المراجعة اقترح حذفها لامكان الاستغناء عنها ، فوافقت اللجنة على ذلك . ومن ثم حذف هذا النص في المشروع النهائي ( أنظر في كل ذلك مجموعة الأعمال التحضيرية ج 2 ص 73 – ص 74 في الهامش ) . وقد كان من الخير إبقاء النص حتى يضع حداً لتردد القضاء على ما تقول المذكرة الإيضاحية . أما وقد حذف ، فلا مناص من الرجوع على القواعد العامة . ولما كان الأصل في العقد أن يكون رضائياً ، فالأولى عند الشك أن تكون الكتابة للإثبات لا للانعقاد . والراجح في القضاء المصري والفرنسي يؤيد هذا الرأي كما قدمنا .
( [3] ) ويلاحظ أن كل عقد شكلي يكون التوكيل في عمله شكلياً أيضاً ( م 700 من القانون المدني الجديد ) ، وكذلك الوعد بابرام عقد شكلي يكون شكليا ( م 101 فقرة 2 ) ، وإجازة العقود الشكلية تكون شكلية مثلها . ويستوفى اشلكل أيضاً فيما يدخل على العقد الشكلي من تعديل لا فيما يضاف إليه من شروط تكميلية أو تفصيلية لا تتعارض مع ما جاء فيه .
وقد كان المشروع التمهيدي يشتمل على نص يورد بعض هذه الأحكام ، فكانت المادة 148 من هذا المشروع تنص على ما يأتي :
” 1 – إذا فرض القانون شكلا معينا لعقد من العقود ، فلا يكون العقد صحيحاً إلا باستيفاء هذا الشكل ما لم يوجد نص يقضي بخلاف ذلك ” .
” 2 – إذا قرر القانون للعقد شكلا معينا ، فيجب استيفاء هذا الشكل أيضاً فيما يدخل على العقد من تعديل ، لا فيما يضاف إليه من شروط تكميلية أو تفصيلية لا تتعارض مع ما جاء فيه ” . وقد جاء في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في هذا الصدد ما يأتي : ” يقضي التقنين الألماني ( المادة 125 ) والتقنين السويسري ( المادتان 11 ، 12 من قانون الالتزامات ) والتقنين البرازيلي ( المادة 130 ) بان عدم استيفاء عقد من العقود للشكل الذي يفرضه القانون له يستتبع البطلان أصلاً ، ما لم ينص على خلاف ذلك . وقد اثر المشروع إتباع هذا المذهب مخالفا مذهب التقنين البولوني ( المادة 110 ) في هذا الشأن . فإذا تطلب القانون شكلا خاصا وأطلق الحكم بغير تعقيب ، فمن الطبيعي أن يكون استيفاء هذا الشكل شرطا لوجود العقد . أما إذا كان الشكل قد فرض لتهيئة طريق الإثبات فحسب ، فمن واجب القانون أن ينص صراحة على ذلك . وكل تعديل يدخل على عقد لا يتم إلا بالكتابة يعتبر باطلا إذا لم يستوف فيه هذا الشرط ، إلا أن يكون القانون قد قضى بغير ذلك . ويلاحظ أن معنى التعديل يتحقق في الشروط التي تتعارض مع مضمون العقد الأول ، لا في الشروط التفصيلية أو التكميلية التي لا تنطوي على مثل هذا التعارض ، فالاتفاق على ترميم منزل بيع بمقتضى عقد تم بالكتابة ليس إلا شرطاً تفصيليا لا ضرورة للكتابة فيه . ويختلف عن ذلك حكم ما يضاف إلى التعاقد الأول من شروط أو نصوص جديدة ( فيك ومورلا : تعليقات على تقنين الالتزامات السويسري ج 1 المادة 12 نبذة 4 و 5 ) . . . وقد ذهب القضاء المصري إلى أنه إذا أريد تعديل عقد تم بالكتابة تعديلا ينطوي على تكليف جديد . فيشترط أن يتفق ذوو الشأن على ذلك كتابة عن بينة منهم ( استئناف مختلط 23 ابريل سنة 1935 م 45 ص 263 ) . ” وعندما تليت المادة 148 من المشروع التمهيدي في لجنة المراجعة ، رأت اللجنة بعد المناقشة حذفها ، استناداً إلى أنه في الحالة التي يصرح فيها المشرع بالمهمة التي يريدها للشكل الذي قرره للعقد لا تقوم أية صعوبة ، وفي الحالة التي لا يصرح فيها بذلك يترك الأمر لتقدير القاضي دون الأخذ بقرينة أخرى . ( أنظر في كل ذلك مجموعة الأعمال التحضيرية ج 2 ص 72 – ص 74 في الهامش ) . وهنا أيضاً كان من الخير إبقاء النص حتى لا يضطرب القضاء في تفسير نية المشرع في مسألة جوهرية كهذه المسألة . وقد كان النص المحذوف يتضمن قرينة قانونية على أن الشكل الذي يفرضه القانون يكون عند الشك للانعقاد لا للإثبات . وما دام النص قد حذف ، وزالت بحذفه هذه القرينة القانونية ، لم يبق إلا الرجوع إلى القواعد العامة في التفسير . وعندنا أنه إذا غم الأمر ولم يتبين القاضي – بعد أن يستنفد وسائل التفسير – ما إذا كان المشرع أراد الشكل للانعقاد أو للإثبات ، فالأولى أن يكون الشكل للانعقاد لا للإثبات . ولا يجوز هنا أن يقال – كما قيل في الشكل الذي يتفق عليه المتعاقدان – أن الأصل في العقد أن يكون رضائياً . فإن هذا الأصل إنما يصدق بالنسبة إلى المتعاقدين لا بالنسبة إلى المشرع . ولا يصح أن نسلم في يسر بأن المتعاقدين أرادوا خلق شكل لا يوجد العقد بدونه إلا إذا نصوا صراحة على ذلك . أما المشرع فسلطانه كامل في أن يخلق الشكل الذي يريد ، ومتى فرض شكلا ، ولم يقم دليل على أنه مقرر للإثبات ، فالمفروض أنه مقرر لانعقاد العقد .
هذا وقد جاء في المذكرة الإيضاحية مثل على الشروط التفصيلية والتكميلية التي لا تتعارض مع مضمون العقد المكتوب فلا تشترط فيها الكتابة . أما الشروط التي تدخل في العقد المكتوب تعديلا فتشترط الكتابة فيها ، فمثلها أن يتفق البائع والمشتري بعد كتابة عقد البيع على إنقاص الثمن أو على زيادته .
( [4] ) وقد كان المشروع التمهيدي يشير إلى ذلك ، فينص في المادة 123 على ما يأتي : ” 1 –تسري على العقود ، المسماة منها وغير المسماة ، القواعد العامة التي يشتمل عليها هذا الفصل . 2 – أما القواعد التي ينفرد بها بعض العقود المدنية تقررها الأحكام الواردة في الفصول المعقودة لها ، وتقرر قوانين التجارة القواعد الخاصة بالعقود التجارية ” . وقد جاء في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في هذا الصدد ما يأتي : ” أخذ هذا النص عن المادة 9 من المشروع الفرنسي الإيطالي . وليس يقصد به إلى ترك يد الفقه والقضاء طليقة في تمييز أنواع أو أنماط مختلفة من العقود فحسب ، بل أريد به ، بوجه خاص ، تقرير المبدأ الأساسي الذي يقضي بان القواعد المتعلقة بالعقود بوجه عام تسري على العقود المسماة كالبيع والإجارة والشركة . وغني عن البيان أن بعض الأحكام الخاصة بهذه العقود قد ينطوي على استثناء من القواعد العامة . ولكن الأصل هو تطبيق القواعد العامة على العقود المسماة كالبيع والإجارة والشركة . وغني عن البيان أن بعض الأحكام الخاصة بهذه العقود قد ينطوي على استثناء من القواعد العامة . ولكن الأصل هو تطبيق القواعد العامة على العقود جميعاً ، دون تفريق بين العقود المسماة وغير المسماة ، ما لم يرد نص خاص بشان الاستثناء ” . وعندما تليت المادة 123 من المشروع التمهيدي في لجنة المراجعة اقترح حذفها لعدم الحاجة إليها ، فوافقت اللجنة على ذلك . ومن ثم اغفل المشروع النهائي هذا النص لأنه يقرر حكما ظاهراً لا حاجة فيه إلى نص . ( أنظر في كل ذلك مجموعة الأعمال التحضيرية ج 2 ص 2 ص 11 في الهامش ) .
ها وقد كان للعقود غير المسماة في القانون الروماني شأن آخر . فقد كان هذا القانون لا يعترف – فيما خلا العقود الشكلية – إلا بعقود محصورة العدد ، بعضها رضائي ، وبعضها عيني ، وأخرى اتفاقات يجعل لها قوة العقود . ومن هذه الاتفاقات عقود اعترف بها تدرجاً وبعد تطور طويل ، وهي العقود غير المسماة . وكانت عقوداً لا تتم إلا إذا قام أحد الطرفين تنفيذ ما اتفق عليه من الطرف الآخر . وتنقسم إلى أقسام أربعة : 1 – عقود يقوم فيها الطرف الأول بنقل حق عيني فيتولد في جانب الطرف الآخر التزام بنقل حق عيني كذلك ( do ut des ) ، مثل ذلك المقايضة . 2 – عقود يقوم فيها أحد الطرفين بنقل حق عيني فيلتزم الطرف الآخر بعمل شيء ( do ut fascias ) ، مثل ذلك الهبة بعوض . 3 – عقود يقوم فيها أحد الطرفين بعمل شيء فيلتزم الطرف الآخر بعمل شيء كذلك ( facio ut fascias ) ، مثل ذلك أن يسلم شخص حيازة شيء لآخر فيلتزم الآخر برد هذه الحيازة عند أول طلب ( convention de précaire ) . 4 – عقود يقوم فيها أحد الطرفين بعمل شيء فيلتزم الطرف الآخر بنقل حق عيني ( facio ut des ) ، مثل ذلك عقد المحاسبة ( aestimatum ) يسلم فيه التاجر بضاعة لآخر فيلتزم الآخر إذا باعها أن يدفع ثمنها المتفق عليه وإلا رد البضاعة إلى صاحبها ، وهو عقد يدور بين البيع والعمل والوكالة .
( [5] ) أنظر والتون 1 ص 98 – ص 100 . وقد قضت محكمة استئناف مصر الوطنية بأن العقد الذي يعطي به شخص لأحد مجالس المديريات قطعة أرض نظير تعهد مجلس المديرية بإقامة مدرسة عليها في مدة معينة يعتبر عقداً غير مسمى ( 30 مايو سنة 1939 المحاماة 20 رقم 85 ص 232 ) . وقضت محكمة النقض بأنه إذا كان العقد مشتملا على التزامات متبادلة ، إذ التزم أحد الطرفين أن يملك الآخر ( مجلس مديرية المنيا ) قطعة أرض بشرط أن يقيم عليها مؤسسة خيرية ، فإنه لا يكون عقد تبرع ، كما أنه ليس ببيع ولا مقايضة ، وإنما هو عقد غير مسمى ، فلا تجب له الرسمية ، ولا يجوز الرجوع فيه ، وذلك على الرغم مما هو وارد ف يعقد الاتفاق من ألفاظ التنازل والهبة والتبرع ، فإن كل هذه الألفاظ إنما سيقت لبيان الباعث الذي حدا بصاحب الأرض إلى تمليك المجلس إياها ، فهي لا تؤثر بحال على كيان العقد وحقيقته ( نقض مدني 11 ابريل سنة 1940 مجموعة عمر 3 رقم 49 ص 153 ) .
( [6] ) محكمة مصر الكلية الوطنية في 3 أكتوبر سنة 1927 المحاماة 8 رقم 260 ص 361 .
( [7] ) أصبح عقد القرض وعقد العارية وعقد رهن الحيازة ، في القانون المدني الجديد ، عقوداً ملزمة للجانبين بعد أن صارت عقوداً رضائية ، وكانت عينية في القانون القديم كما أسلفنا الذكر . فالتسليم لم يعد ركناً في هذه العقود ، بل هو التزام في ذمة المعير والمقرض والراهن . على أن هذه العقود ، حتى عندما كانت عينية في القانون القديم ، كانت في رأينا ملزمة للجانبين ( أنظر نظرية العقد للمؤلف ص 131 هامش رقم 1 ) ، إذ أن كلا من المعير والراهن كان – ولا يزال – ملتزماً بترك العين في يد المتعاقد الآخر إلى الوقت الذي ينتهي فيه العقد . وهذا الالتزام يقابله التزام المتعاقد الآخر بالمحافظة على العين . فإذا اخل هذا بالتزامه ، جاز للمتعاقد الأول فسخ العقد واسترداد العين . وفي عقد القرض يلتزم المقرض بعدم استرداد مثل ما اقرضه إلا عند نهاية العقد ، وهذا الالتزام يقابله التزام المقترض بدفع الفوائد المشترطة . فإذا اخل هذا بالتزامه جاز للمقرض فسخ القرض واسترداد ما اقرض . وهذا التحليل يفسر ما انعقد عليه الإجماع من أن قاعدة الفسخ تنطبق على هذه العقود . ثم لا نكون في حاجة إلى القول مع بعض الفقهاء بان قاعدة الفسخ تنطبق على العقود الملزمة لجانب واحد كما تنطبق على العقود الملزمة للجانبين ، ولا إلى مسايرة فقهاء آخرين في تسمية الفسخ في هذه العقود بالإسقاط ( déchéance ) ، بل نبقى الفسخ على طبيعته ، وتقصره على العقود الملزمة للجانبين ، ونجعله في الوقت ذاته ينطبق على العقود التي نحن بصددها . وسنعود إلى هذه المسألة عند الكلام في الفسخ .
ونرى أن هذا التحليل لا يزال ضرورياً حتى بعد أن أصبح التسليم في هذه العقود الثلاثة التزاماً لا ركناً . وذلك لأن كلا من المقرض والمعير والراهن إذا فسخ العقد في حالة إخلال المتعاقد الآخر بالتزامه ، فإنه لا يتحلل بذلك من الالتزام بالتسليم ، بل من الالتزام بترك الشيء إلى نهاية العقد .
وقد اعترض بعض الفقهاء على هذا الرأي ( أنظر الدكتور أحمد حشمت أبو ستيت ص 55 – ص 66 والدكتور عبد المعطي خيال هامش فقرة 52 ) . وتتحصل اعتراضاتهم فيما يأتي :
ا ) أن وصف الواجب السبي المفروض على المعير بترك المستعير ينتفع بالعين المعارة ، وعلى الراهن بترك المرتهن يستغل العين المرهونة ، بأنه التزام وصف غير صحيح ، إذ أن هذا الواجب مفروض على الكافة أيضاً .
وردنا على هذا الاعتراض هو أن الواجب السلبي المفروض على المعبر وعلى الراهن يختلف اختلافاً جوهرياً عن الواجب السلبي المفروض على الكافة . فإن الكافة لا تربطهم علاقة شخصية بالمستعير والمرتهن ، فواجبهم السلبي في احترام حقهما هو ذات واجبهم السلبي في احترام أي حق آخر . أما المعير والراهن فقد ربطتهما علاقة شخصية بالمستعير والمرتهن ، والتزاما نحوهما التزاماً شخصياً بعدم استرداد العين قبل نهاية العقد . والفرق واضح بين التزامهما الشخصي بعدم استرداد العين وواجبهما السلبي في احترام أي حق آخر لا تربطهما بصاحبه علاقة شخصية .
ب ) أن تسليم العين المعقود عليها يتضمن في الوقت ذاته الالتزام بعدم التعرض ، فإن هذا هو غاية التسليم . والتسليم وغايته شيء واحد ، فتجزئته إلى مجرد تسليم وإلى تعهد بعدم المطالبة أو عدم التعرض تجزئة لما لا يقبل التجزئة .
وردنا على هذا الاعتراض هو أن التمييز بين التسليم وعدم التعرض ( أو عدم المطالبة ) أمر مألوف ، نراه واضحاً في عقود هامة كالبيع والإيجار . ومن المعروف إلا فرق بين العارية والإيجار إلا في الأجرة ، وها نحن نرى المؤجر يلتزم بتسليم العين المؤجرة ويترك المستأجر ينتفع بها إلى نهاية الإيجار ( في القانون القديم ) . فلماذا لا يلتزم المعير بتسليم العين المعارة ويترك المستعير ينتفع بها إلى نهاية العارية !
ج ) إذا أمكن تصور الفسخ في هذه العقود ، ف لايمكن تصور الدفع بعدم التنفيذ وتحمل التبعة .
وردنا على هذا الاعتراض هو أن هذا إنما يرجع إلى أن الدفع بعدم التنفيذ وتحمل التبعة يفترضان أن التسليم لم يتم . أما هنا فالتسليم قد تم ، ولم يبق إلا التزام بترك العين إلى نهاية العقد ، يقابله التزام بالمحافظة عليها .
( [8] ) وقد قضت محكمة استئناف مصر بان العقد الاحتمالي هو الذي لا يستطيع فيه كل من المتعاقدين تحديد ما يحصل عليه من المنفعة وقت التعاقد . وهي لا تتحدد إلا فيما بعد تبعاً لوقوع أمر غير محقق كبيع الثمار قبل انعقادها والزرع قبل نباته بثمن جزاف . والبيع بسعر الوحدة ليس احتمالياً لأن كلا من البائع والمشتري يعلم وقت العقد ما أعطى كما يعلم ما أخذ ( 18 ابريل سنة 1948 المحاماة 31 رقم 135 ص 365 ) .
( [9] ) ومع ذلك أنظر المادة 214 من القانون اللبناني ، وقد جاء في الفقرة الأخيرة من هذه المادة أن العقود الاحتمالية ذاتها قد تكون قابلة للإبطال بسبب الغبن . ويمكن حمل ذلك على أن احتمال المكسب والخسارة في جانب أحد المتعاقدين بعيد عن أي تعادل مع هذا الاحتمال في جانب المتعاقد الآخر .
( [10] ) رجعنا في هذا الموضوع إلى رسالة قيمة للدكتور عبد الحي حجازي ، عنوانها ” نظرية عقد المدة – العقد المستمر والدوري التنفيذ ” . القاهرة سنة 1950 . وقد آثرنا أن نسمي ” العقد الزمني ” ما مسماه الدكتور عبد الحي حجازي ” عقد المدة ” . ولا يزال العقد الزمني في مستهل تطوره الفقهي . ومن الخير أن يترك للفقه حتى يستكمل تطوره ، فينتقل بعد ذلك إلى التقنين . وسنعود للإشارة إليه في أماكن أخرى متفرقة .
( [11] ) وإذا كان قد روعى في الثمن المؤجل أن تضاف إليه الفوائد عن المدة التي أجل فيها ، فإن الزمن في هذه الحالة لا يتدخل إلا في تحديد الفوائد ، وهي في العادة نسبة ضئيلة من الثمن . أما في الفوائد ذاتها ، فالزمن عنصر جوهري .
( [12] ) وهناك تقسيم للعقود ، من حيث طبيعتها ، إلى عقد ذاتي ( contrat subjectif ) واتفاق منظم ( convention institutionnelle ) . فالعقد الذاتي هو اتفاق بين شخصين لهما مصلحتان متعارضتان ، وتكون الرابطة بينهما رابطة ذاتية عرضية تقتصر عليهما ولا تجاوزهما إلى غيرهما . مثل ذلك عقد البيع ترى فيه تعارضاً بين مصلحة البائع ومصلحة المشتري . والرابطة بينهما ذاتية مقصورة عليهما ، وهي لا تلبث أن تزول في أهم مشتملاتها بانتقال ملكية المبيع إلى المشتري . أما الاتفاق المنظم فعلى النقيض من العقد الذاتي يوجد مركزاً قانونيناً منظماً ثابتاً ( statut, institution ) هو أقرب إلى القانون منه إلى العقد ، فيسري على الغير كما يسري على الطرفين . هذا إلى أن الطرفين في الاتفاق المنظم لا تناقض بين مصالحهما وليس فيهما دائن ومدين ، بل لهما غاية متحدة وغرض مشترك . مثل ذلك الشركة ، فإن الشركاء اتفقوا على أن يوجد بينهم هذا المركز المنظم الثابت لغرض مشترك هو الغرض الذي يسعون إليه من وراء اشتراكهم ، ولا تعارض فيما بين مصالح الشركاء يماثل التعارض بين مصلحة البائع ومصلحة المشتري في عقد البيع ، كما أن نظام الشركة لا يسري على الشركاء فحسب ، بل هو أيضاً يسري على الغير الذي يتعامل مع الشركة . ومثل ذلك أيضاً الاتفاق الجامع للعمل ( contrat collectif du travail ) وهو يرمي إلى تنظيم القواعد التي تسري على عقود العمل الفردية بين العامل ورب العمل ، فينظم بذلك حالة مستقرة ثابتة تسري على من اشترك في العقد وعلى من لم يشترك .
والواقع أن الفرق بين العقد الذاتي والاتفاق المنظم ليس على قدر كبير من الوضوح . فهناك من العقود الذاتية ما يوجد رابطة مستمرة غير وقتية كعقد الإيجار ، فإنه يخلق رابطة مستمرة بين المؤجر والمستاجر ، وهذه الرابطة قد يتعدى أثرها إلى غير المتعاقدين كالمشتري للعين المؤجرة . والوكالة وهي عقد ذاتي يتعدى أثرها هي أيضاً إلى الغير الذي يتعامل مع الوكيل . والشركاء في عقد الشركة ، التي هي اتفاق منظم ، لهم مصالح متعارضة ، إذ كل شريك يريد أن يعطي للشركة أقل حصة ممكنة ويفوز بأكبر ربح ممكن . ومن ثم تدرك السبب في أن تقسيم العقد إلى عقد ذاتي واتفاق منظم ، وهو قسيم ابتدعه الأستاذ ديجيه في افقه الإداري ، لم يسد في الفقه المدني .