دراسة قانونية في المعايير المحاسبية الاسلامية
رسالة دكتوراه فى المحاسبة (2015) – جامعة المنصورة (مصر)
تواجه مهنة المحاسبة العديد من التحديات التي استلزمت إعادة النظر في إطارها الفكري في ظل تطور بيئة الأعمال مع انتشار ظاهرة العولمة وما ترتب عليها من حرية انتقال الأموال وابتكار أساليب تمويلية تحمل في طياتها العديد من المخاطر، إلى جانب حدوث الانهيارات في كبرى الشركات مثل «إنرون» و»وورلدكوم» للاتصالات، وهذه التحديات ليست جديدة على مهنة المحاسبة.
إعداد وتقديم: د. كوثر الأبجي
الطالب : محمد السعيد علي سبع
إلا أن ذلك يشير إلى وجود حاجة في المحاسبة إلى الحركية والاستمرار والتكامل لمواكبة التقدم السريع في كل مجالات الحياة المعاصرة، ومن ذلك ما حدث من مراجعة وتطوير المعايير المحاسبية الدولية للبورصات عام 2000 وتوقيع مذكرة التفاهم المعروفة باتفاقية نورواك، والتي تتضمن إصدار معايير محاسبية للتقرير المالي متوافقة وعالية الجودة يمكن استخدامها على المستوى المحلي والدولي، وهو ما يعرف بمشروع التقارب بين المجلسين، ثم تبعه بعد ذلك مشروعات التقارب بين معايير المحاسبة المحلية ببعض الدول والمعايير الدولية في دول مثل الصين والهند واليابان.. وغيرها، بالإضافة إلى بعض الدول التي أعلنت عن تبنيها لاستخدام المعايير المحاسبية الدولية ومن بينها مصر.
وإضافة إلى ما سبق فقد اتفق مجلس معايير المحاسبة الدولية ومجلس معايير المحاسبة الأمريكي على مشروع إعداد إطار فكري مشترك للمحاسبة المالية عام 2005 للمساهمة في توفير معايير أقل تعقيداً وأكثر فهماً.
معايير محاسبية إسلامية
وقد اهتمت الجهات المهنية المعنية بوضع معايير محاسبية من منظور إسلامي، وهي هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية، وذلك في عام 2015، باستضافة ورشة عمل فنية بالشراكة مع «مجلس معايير المحاسبة الدولية» لمناقشة التحديات المحاسبية في الصناعة المالية الإسلامية، ومن بينها المشكلات التي تواجه المؤسسات المالية الإسلامية في تطبيق معيار الأدوات المالية (IFRS 9) الصادر عن مجلس معايير المحاسبة الدولية، مما يعد دليلاً على توجه الجهات المهنية الغربية نحو دراسة وفهم وجهة النظر الإسلامية فيما يتعلق بمهنة المحاسبة، وكيفية تلافي الانتقادات ومواجهة التحديات القائمة.
وهذا ما يجب أن يقابل بمردود علمي من الكتابات المحاسبية العربية، وهو ما دفع الباحث إلى إعداد هذا البحث مساهمة في بيان وجهة النظر الإسلامية عند إعداد الإطار الفكري بغرض السعي إلى تحسين جودة التقارير المالية، وتتمثل الجهات المهتمة بالمحاسبة من منظور إسلامي في الآتي:
– هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية بالبحرين (أيوفي).
– مجلس معايير المحاسبة الماليزي.
– الهيئة السعودية للمحاسبين القانونيين.
وتعد المعايير المحاسبية الصادرة عن هذه الجهات ذات مرجعية مهنية ودينية، لذلك فإن التعاون بين تلك الجهات ومجلس معايير المحاسبة الدولية يشكل أهمية كبيرة للأسباب الآتية:
1- سعي الجهات الغربية إلى دراسة وفهم معايير المحاسبة من منظور إسلامي.
2- انتشار أدوات التمويل الإسلامي في العديد من الأسواق الغربية.
3- زيادة حجم الاستثمارات والمؤسسات المالية الإسلامية ورؤوس الأموال الإسلامية.
4- تبني المنهج الإسلامي في تقاسم المخاطر، مع إدراك أن عكس ذلك هو ما أدى إلى حدوث الأزمة المالية العالمية.
5- إعلان العديد من الدول الإسلامية تطبيق معايير المحاسبة الدولية مثل مصر والأردن والكويت والسعودية.
6- ارتفاع إجمالي ودائع البنوك الإسلامية، ومحافظ استثماراتها.
7- وجود تزايد وتنوع في أدوات الاستثمار الإسلامية مثل المضاربة والمشاركة والمرابحة .. وغيرها.
إطار فكري للمحاسبة من منظور إسلامي
وبذلك فإن الهدف الأساس للبحث هو إعداد إطار فكري للمحاسبة من منظور إسلامي يحسن جودة التقارير المالية.
وقد اعتمد البحث على المنهج الاستنباطي من خلال كتب التراث والمراجع والدوريات والمؤتمرات والرسائل العلمية، وتناولت الدراسة تحقيق هدفها من خلال ثلاثة فصول كالآتي:
الفصل الأول: يتناول الأطر الفكرية المحاسبية المعاصرة من خلال أربعة مباحث.
المبحث الأول: يستعرض الإطار الفكري المحاسبي الأمريكي.
المبحث الثاني: يتناول الإطار الفكري المحاسبي الدولي.
المبحث الثالث: يناقش الإطار الفكري المحاسبي المشترك بين مجلس معايير المحاسبة الأمريكي ومجلس معايير المحاسبة الدولية.
الفصل الثاني: يتعلق بالمحاسبة من منظور إسلامي (المفهوم والأهداف والخصائص)؛ ويتكون من أربعة مباحث كالآتي:
المبحث الأول: يتناول تاريخ المحاسبة في الإسلام.
المبحث الثاني: يناقش مفهوم المحاسبة من منظور إسلامي.
المبحث الثالث: يقدم أهداف المحاسبة من منظور إسلامي.
أما المبحث الرابع: يستعرض خصائص المحاسبة من منظزر إسلامي.
الفصل الثالث: يقدم الإطار الفكري للمحاسبة من منظور إسلامي. ويتكون من مبحثين، كما يلي:
المبحث الأول: يستعرض مبررات وأهمية إعداد إطار فكري للمحاسبة من منظور إسلامي.
المبحث الثاني: يتناول الإطار الفكري المقترح للمحاسبة من منظور إسلامي.
نتائج الدراسة
وقد خلصت الدراسة إلى عدد من النتائج كالآتي:
1- تعتمد جودة التقارير المحاسبية على وجود إطار فكري متماسك.
2- يعد تبني مبدأ التكلفة التاريخية وفرض ثبات القوة الشرائية للنقد سبب عدم ملاءمة الأطر الفكرية المحاسبية المعاصرة للتطور في بيئة الأعمال.
3- يعد الإطار الفكري للمحاسبة حجر الأساس في إعداد تقارير مالية عالية الجودة.
4- سبق كُتاب المسلمين الأوائل (أمثال القلقشندي والماوردي والغزالي والخوارزمي) للمحاسبة فكراً وتطبيقاً قبل 700 عام على الأقل من «باتشيليو» الذي يعد أول من قدم المحاسبة بلغة العصر.
5- تحتاج أدوات الاستثمار الإسلامية، مثل المضاربة والمشاركة والمرابحة، التي تستخدمها المؤسسات المالية الإسلامية، إلى إطار فكري من منظور إسلامي، حيث تنفرد بسمات خاصة لا يشاركها فيه أدوات الاستثمار التقليدي، لذلك فهي تحتاج إلى معايير محاسبية تنظم طرق المعالجة، وهو ما يؤدي إلى ضرورة وضع إطار فكري لهذه المعايير تعد في ضوئه.
6- يوجد سعي من قبل الجهات الغربية مثل مجلس معايير المحاسبة الدولية والاتحاد الدولي للمحاسبين لتحقيق التقارب بين معايير المحاسبة الدولية ومعايير المحاسبة من منظور إسلامي الصادرة عن هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية بالبحرين.
7- يتميز الإطار الفكري المحاسبي الإسلامي بأهداف لا تتوفر في الأطر المحاسبية المعاصرة؛ منها ضرورة توفير معلومات عن درجة التزام الوحدة بقواعد الشريعة الإسلامية وتوثيق هذا الالتزام، وتوفير معلومات عن فصل الكسب غير المشروع – إن حدث – ومشكلة فصله عن باقي المال، وبيان أوجه صرفه.
8- الفكر المحاسبي الإسلامي سبق إلى الاعتراف بالشخصية المعنوية للوحدة المحاسبية.
9- ملاءمة نظريتي الملكية المشتركة والشخصية المعنوية لتفسير مفهوم الوحدة المحاسبية في الفكر الإسلامي، فلكل منهما المبررات التي تؤيده.
10- يحسب للفكر المحاسبي الإسلامي السبق في معرفة فرض الدورية أو الحولية عند حساب الزكاة.
11- سبق للفكر المحاسبي الإسلامي تبني مفهوم التكلفة الاستبدالية الجارية عند تقويم الأصول غير النقدية نهاية السنة.
12- يتميز الإطار الفكري الإسلامي عن الوضعي بقاعدة «من اختلط ماله الحلال والحرام معاً فله إخراج الحرام ويحل الباقي له»، وقاعدة « أن الخسارة تحسب على رأس المال».
13- يساعد تقسيم الفكر المحاسبي الإسلامي للنماء إلى ربح وغلة وفائدة في إعداد قائمة الدخل بشكل أفضل، فيظهر نتيجة كل نشاط على حدة، وهو ما يرفع من جودة التقارير المالية وإضفاء صورة صادقة عن كل نشاط من أنشطة المنشأة.
14- يرتكز قياس وتوزيع العائد على قواعد تخص المعاملات الإسلامية مثل» الغنم بالغرم» و»الخراج بالضمان»، وهي قواعد تحقق العدالة بين الشركاء، ويترتب عليها عدم جواز التمييز بينهم مثل اشتراط ربح مقطوع لبعضهم دون الآخر، أو حق الأولوية عند استرداد أموالهم في التصفية …الخ.
15- يعد أنسب أساس لتحقق الإيراد في الفكر الإسلامي هو أساس الإنتاج، حيث يتحقق الإيراد ومنه الربح، ومن ثم يتولد الربح بمجرد الإنتاج، وتعد عملية البيع ضرورة لتحقق الربح لا لتولده، لذلك فالفكر المحاسبي الإسلامي يعترف بالربح الحكمي عند تقويم العروض لزكاة التجارة مع عدم توزيع هذه الأرباح الحكمية للمحافظة على رأس المال، ويترتب على ذلك إظهار المخزون بقيمته الحقيقية الجارية، ومن ثم يرفع ذلك من جودة التقارير المالية.
16- يرى الباحث عدم ملاءمة مبدأ التكلفة التاريخية من منظور إسلامي لأنه لا يحقق شرط استواء مقياس طرفي المقابلة ومبدأ «لا ربح إلا بعد سلامة رأس المال» بقوته الشرائية لا بعدد وحداته النقدية، وهو لا يحدث إلا على أساس التكلفة الاستبدالية الجارية.
17- يجب استبعاد الإيرادات والمصروفات غير المقبولة شرعاً لضمان سلامة الربح ورأس المال، وهو ما يزيد من مصداقية التقارير المالية نظراً لتطبيق الشريعة الإسلامية في تحقيق الكسب والإنفاق الحلال.
18- يتبنى الفكر المحاسبي الإسلامي مبدأ القيمة السوقية الجارية في تقييم الأصول المتداولة لأغراض إعداد وعاء زكاة عروض التجارة في نهاية الحول، وهو ما يؤدي إلى قياس قيمتها الحقيقية بإثبات ارتفاع أو انخفاض الأسعار مما يزيد من مصداقية التقارير المالية.
19- يَعتبر الفكر المحاسبي الإسلامي صِدق الإفصاح شهادة أمام الله تعالى، لذلك فهو أمر ذاتي يجعل هذا الإفصاح له طبيعة خاصة عنه في الفكر المحاسبي المعاصر، الذي يعد الإفصاح فيه مجرد وفاء لمتطلبات مهنية أو قانونية فقط.
20- عدم ملاءمة سياسة الحيطة والحذر المحاسبية لأنها ذات وجهين؛ تقضي بالاحتياط للخسائر عند توقعها بتكوين المخصصات، مما قد يؤدي إلى تكوين احتياطي سري، وعدم الاعتراف بالإيرادات المتوقعة وإثباتها وفقاً لأساس البيع دون الإنتاج – باستثناء المقاولات – مع التمسك بالتكلفة التاريخية رغم تغير الأسعار.
التوصيات
أولاً – ضرورة إنشاء هيئة للمحاسبة من منظور إسلامي تضم في عضويتها جميع المنظمات المحاسبية المهنية في جميع دول العالم الراغبة، وكذلك جميع المصارف والشركات الملتزمة بتطبيق أحكام الشريعة الإسلامية وأعضاء هيئة التدريس في جميع الجامعات المهتمين بدراسة المحاسبة والإدارة والتمويل والاقتصاد من منظور إسلامي، على أن تكون مدعومة من حكومات الدول الإسلامية مع عدم التأثير على استقلاليتها، والعمل على إنشاء وقف يتم من خلاله الإنفاق عليها مستقبلاً حتى تضمن بقاءها وحيادها.
ثانياً – أن يكون لهذه الهيئة موقع متميز على الشبكة الدولية للمعلومات يتضمن المعلومات الكافية عنها وعن جميع ما تصدره من إصدارات بشكل يسهل تحميله من قبل الباحثين والمهتمين للمساهمة في نشر هذا العلم.
ثالثاً – أن تقوم هذه الهيئة بدور حقيقي فعال في مشروع التقارب بين مجلس معايير المحاسبة المالية الأمريكي ومجلس معايير المحاسبة الدولية الذي يهدف إلى تطوير الإطار الفكري المحاسبي والمعايير المحاسبية، بحيث يتم ظهور وجهة النظر الإسلامية في هذا المجال.
رابعاً – ضرورة تشجيع الباحثين على إجراء أبحاث محاسبية من منظور إسلامي مع تمويلها ودعمها من الجامعات أو هيئة المحاسبة الموصى بإنشائها لإبراز ما تتميز به المحاسبة من منظور إسلامي من مفاهيم وأهداف وخصائص وإطار فكري.
خامساً – ضرورة أن تتضمن المقررات الدراسية بالكليات التي تدرس علم المحاسبة والاقتصاد والإدارة والتمويل مقررات تتناول هذه العلوم من منظور إسلامي.