دراسة لإشكالية تنازع الإختصاص بين المحاكم الإقتصادية والجنائية عند إرتباط الجنح وتعددها.
(1) الاصل أن أن القضاء الجنائي العادي هو صاحب الولاية العامة في نظر كافة الجرائم حتي ما اناط المشرع نظره لبعض المحاكم الخاصة مادام أن القانون الخاص بهذه المحاكم قد خلا من نص علي انفراد المحاكم الخاصة بنظر الجرائم الداخلة في اختصاصه
(الطعن رقم 61 لسنة 28 جلسة 1958/12/22 س 9 ع 3 ص 1101 ق 267 ؛الطعن رقم 28875 لسنة 3 جلسة 2013/03/25 س 64 ص 417 ق 56؛الطعن رقم 32611 لسنة 86 جلسة 2017/09/16)
ومن أمثال المحاكم الخاصة المحاكم الاقتصادية المشكلة بمقتضى القانون رقم ١٢٠ لسنة ٢٠٠٨ المعدل بمقتض القانون ١٤٦لسنه ٢٠١٩.إذ نصت المادة الرابعة منه علي أن مع عدم الإخلال بالاختصاصات المقررة للمحاكم الاقتصادية المنصوص عليها في أي قانون آخر، تختص المحاكم الاقتصادية بدوائرها الابتدائية والاستئنافية، دون غيرها، نوعياً ومكانياً بنظر الدعاوى الجنائية الناشئة عن الجرائم المنصوص عليها في القوانين الآتية:
1. قانون العقوبات في شأن جرائم المسكوكات والزيوف المزورة.
2. قانون الإشراف والرقابة على التأمين في مصر .
3. قانون شركات المساهمة وشركات التوصية بالأسهم والشركات ذات المسئولية المحدودة وشركات الشخص الواحد.
4. قانون سوق رأس المال.
5. قانون تنظيم نشاطي التأجير التمويلي والتخصيم.
6. قانون الإيداع والقيد المركزي للأوراق المالية.
7. قانون التمويل العقاري.
8. قانون حماية حقوق الملكية الفكرية .
9. قانون البنك المركزي والجهاز المصرفي والنقد.
10. قانون الشركات العاملة في مجال تلقى الأموال لاستثمارها.
11. قانون تنظيم إعادة الهيكلة والصلح الواقي والإفلاس.
12. قانون حماية الاقتصاد القومي من الآثار الناجمة عن الممارسات الضارة في التجارة الدولية.
13. قانون حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية.
14. قانون حماية المستهلك.
15. قانون تنظيم الاتصالات.
16. قانون تنظيم التوقيع الإلكتروني وإنشاء هيئة تنمية صناعة تكنولوجيا المعلومات.
17. قانون مكافحة غسل الأموال.
18. قانون تنظيم الضمانات المنقولة.
19. قانون تنظيم نشاط التمويل متناهي الصغر.
20. قانون الاستثمار .
21. قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات.
(2) ويحدث كثيرا في العمل أن تري النيابة العامة اشتمال الواقعة محل التحقيق علي عده جرائم بعضها يدخل في ولاية القضاء العادي وبعضها يدخل في اختصاص المحاكم الاقتصادية.
وهذه الجرائم قد تكون ناتجه عن فعل واحد بما يحقق التعدد المعنوي بين الجرائم أو تكون ناتجه من افعال متعددة ولكن يجمعها وحده الغرض والمخطط الإجرامي الواحد بما يحقق الارتباط الذي لا يقبل التجزئة.
وطبقا لنص المادة ٣٢عقوبات فإن القاض سوف يحكم فحسب بعقوبة الجريمة الاشد.ولهذا كان منطقيا في أحوال التعدد المعنوي بين الجرائم أو الارتباط الذي لايقبل التجزئة احالة جميع هذه الجرائم بأمر احاله وأحد الي محكمة واحدة. وهذه المحكمة طبقا لنص المادة ٢١٤من قانون الإجراءات الجنائية هي أما المحكمة الاعلي درجة واما المحكمة المختصة بنظر الجريمة الأشد علي حسب الاحوال.
ولقد اضطربت احكام النقض بشأن تلك المسألة بشأن جرائم”الجنح” فذهبت بعض الأحكام الي عقد الاختصاص لمحاكم الجنح الاقتصادية علي اما علي اعتبار أنها بتشكيلها من دائرة ابتدائية اعلي درجه من محكمة الجنح العادية التي تشكل من قاض جزئي فرد.
واما لأن اختصاصها الاستئثاري بنظر جريمة يدخل في اختصاصها يجر اليها الجرائم الاخري المرتبطة التي لا تخضع أصلا لولايتها. وذهبت أحكام أخري للنقض الي عقد الاختصاص للمحكمة التي تختص بنظر الجنحه ذات الوصف الأشد سواء كانت محكمة جنح عادية أو اقتصادية.
(3) فأما بالنسبة للاتجاة الذي طبقت فيه محكمة النقض معيار المحكمة الاعلي درجة وأن الإختصاص الاستئثاري للمحاكم الخاصة بجريمة معينه يجر اليها الجرائم الاخري المرتبطة التي لا تخضع أصلا لولايتها .
قالت فيه محكمة النقض أن اشتمال التحقيق أكثر من جريمة واحدة من اختصاص محاكم من درجات مختلفة يوجب إحالتها جميعاً للمحكمة الأعلى درجة وأن محاكم الجنح الاقتصادية محاكم ابتدائية أعلى درجة من محكمة الجنح الجزئية وبالتالى فإن اشتمال الاتهام المسند إلى المتهم جريمتين خاضعتين لاختصاص المحكمة الاقتصادية مقتضاه اختصاصها بنظر الجريمة الأخرى أياً كانت القوانين التي تحكمها طبقا للمادة ٢١٤اجراءات
(الطعن رقم 351 لسنة 82 جلسة 2014/07/13 س 65 )
وفي ذات هذا الاتجاة القضائي ذهبت محكمة النقض الي أنه مادام أن القانون خص المحاكم الاقتصادية وحدها دون غيرها بنظر جرائم بعينها كجنحة طرح مصنف مقلد للتداول دون ترخيص فإن اختصاصها ينبسط علي الجرائم الأخرى المرتبطة بها التي لا تدخل فى اختصاصها كجريمة ادارة محل دون ترخيص وذلك طبقا للفقرة الأخيرة من المادة 214 من قانون الإجراءات الجنائية التي قررت”
وفي أحوال الارتباط التي يجب فيها رفع الدعوى عن جميع الجرائم أمام محكمة واحدة إذا كانت بعض الجرائم من اختصاص المحاكم العادية وبعضها من اختصاص محاكم خاصة يكون رفع الدعوى بجميع الجرائم أمام المحاكم العادية ما لم ينص القانون على غير ذلك”
ومادام أن قانون المحاكم الاقتصادية قد جعل الإختصاص بنظر جنحة طرح مصنف مقلد للتداول ” بلايستيشن ” موضوع التهمة الأولى للمحاكم الاقتصادية دون غيرها فأن ذلك ينسحب أثره إلى الجرائم الأخرى المرتبطة بها التي لا تدخل فى اختصاصها
(الطعن رقم 12307 لسنة 4 جلسة 2014/04/27 س 65 ص 310 ق 35)
(4)واما بالنسبة للاتجاة القضائي الذي يعتد في عقد الإختصاص القضائي للمحكمة المختصة بنظر الجريمة الأشد سواء كانت محكمة جنح عادية أو اقتصادية فقد ذهبت فيه محكمة النقض الي عقد الاختصاص لمحاكم الجنح الاقتصادية بشأن جريمتي الاعتداء علي حرمة الحياة الخاصة (الداخلة في اختصاص المحاكم العادية) واستخدام اجهزة الاتصال في ازعاج الغير علي أساس أن الاخيرة عقوبتها اشد وتدخل في ولاية المحاكم الاقتصادية
(الطعن رقم 7843 لسنة 87 جلسة 2019/01/20)
وفي ذات الاتجاة قضت محكمة النقض بعقد الإختصاص لمحاكم الجنح العادية بنظر جرائم استيراد اجهزه إتصالات(الداخله في ولايه المحكمه الأقتصاديه)والتهريب الجمركي علي أساس أن جريمة التهريب ذات الوصف الأشد تدخل في اختصاص محكمة الجنح العادية
(الطعن رقم 8390 لسنة 80 جلسة2011/03/24)
(5)والرأي عندي أن سبب المشكلة وتضارب احكام النقض هو التفسير الخاطئ لنص المادة ٢١٤من قانون الإجراءات الجنائية فلقد جري نص تلك المادة علي أن:
“إذا شمل التحقيق أكثر من جريمة واحدة من اختصاص محاكم من درجة واحدة وكانت مرتبطة تحال جميعها بأمر إحالة واحد إلى المحكمة المختصة مكاناً بإحداها فإذا كانت الجرائم من اختصاص محاكم من درجات مختلفة تحال إلى المحكمة الأعلى درجة، وفي أحوال الارتباط التي يجب فيها رفع الدعوى عن جميع الجرائم أمام محكمة واحدة، إذا كانت بعض الجرائم من اختصاص المحاكم العادية وبعضها من اختصاص محاكم خاصة، يكون رفع الدعوى بجميع الجرائم أمام المحاكم العادية ما لم ينص القانون على غير ذلك”
وذلك يعني من بدلالة مفهوم المخالفة عدم تطبيق عبارة مالم ينص علي غير ذلك إلا إذا نص قانون المحاكم الاقتصادية علي احالة الجرائم المرتبطة إلي المحكمة الاقتصادية أما اذا نص فحسب علي اختصاص استئثاري للمحكمة الاقتصادية بجريمة معينه فإن ذلك لا يستتبع احاله الجرائم الاخري المرتبطة التي لا تخضع أصلا لولايتها اليها إذ يعني ذلك استبعاد تلك الفقرة الأخيرة من المادة ٢١٤ والالتجاء الي الفقرة السابقة من ذات المادة التي تنظم الإحالة عند الارتباط وهي الإحالة للمحكمة التي تختص بنظر الجنحة الأشد.
وأيضا فإن قول النقض بأن محكمة الجنح الاقتصادية اعلي درجه من محكمة الجنح العادية نظر لتشكليها من ثلاث قضاة من المحكمة الابتدائية فهذا لم يقصده المشرع في المادة ٢١٤ إجراءات إذ قصد التفرقه بين محاكم الجنايات والجنح بمعني أنه عند ارتباط الجنحة بجناية احيلت الجنحة مع الجناية الي محكمة الجنايات باعتبارها الاعلي درجة فمناط علوي درجات التقاض ليس بتشكيل القضاة أو الاسم الذي يطلق علي المحكمة وإنما بنوع الجريمة المعروضة عليها ومادام أن الجريمة جنحة فإن اي محكمة تنظرها تكون متساوية في درجه التقاض إلا ما استثني بنص خاص كنظر محكمة الجنايات لبعض جنح النشر.
ولهذا نعتقد أن أفضل المعايير هو معيار الجريمة الأشد وأن ما جاء بقانون المحاكم الاقتصادية من اختصاص استئثاري ببعض الجرائم لا ينصرف إلى الحالة التي تتعدد فيها الجرائم والمحكومة بالفقره قبل الاخيرة من المادة ٢١٤ والتي تجعل الإختصاص للمحاكم العادية أو الاقتصادية بالجرائم المرتبطة بحسب ما إذا كانت تختص بالجريمة الأشد من عدمة لاسيما وأن المحاكم الاقتصادية جزء من القضاء الجنائي العادي المتخصص وليس الخاص.