دعاوى الأوراق التجارية والإختصاص القضائي السعودى المنوط به نظرها
الطبيعة الذاتية للأوراق التجارية من حيث الاختصاص بنظرها
في عام 1428ه على ما أذكر، وفي إحدى الوقائع التي نُظرت أمام مكاتب الفصل في منازعات الأوراق التجارية، قبل إنشاء محاكم التنفيذ، والتي انتهت بقرار مصدق عليه من وزير التجارة ، وقد رفع الخصم التماساً إلى الديوان الملكي ملتمساً إحالة الموضوع إلى القضاء الشرعي ، قد وتم الاستفسار من وزارة التجارة أنذاك عن الموضوع ، وهل المحاكم العامة مختصة بنظرها ، فردّ وزير التجارة في خطابه بالآتي ” وأما بالنسبة لاستفسار معاليكم عن اختصاص المحاكم العامة بنظرها فإنه ينشأ عن دعوى الأوراق التجارية دعويان الأولى صرفية وتختص مكاتب الفصل في منازعات الأوراق التجارية بنظرها، ودعاوى موضوعية وتختص بنظرها الجهات القضائية المختصة ومنها المحكمة العامة ” أ.ه،
إن النظر في خطاب الوزير يلزم الإجابة على السؤال التالي: هل إذا فشل المدعي في دعواه أمام محكمة التنفيذ فهل يحق له التوجه إلى محكمة الموضوع؟! ربما لا توجد مشكلة إن قضي برفض دعواه استنادا إلى خلو الورقة التجارية سواء شيك أو كمبيالة أو سند لأمر من عناصرها الشكلية ومن ثم تحولها إلى سند عادي، وهذا لا يثير خلافا لأن حكم المحكمة في هذه الحالة هو حكم كاشف ،فهذا الحكم نزع عن الورقة صفتها التجارية وأقر لها صفتها العادية، ولكن إذا تعرضت المحكمة إلى سبب الورقة وحكمت بانعدام السبب أو عدم مشروعيته فهل يحق للمدعي التوجه إلى محكمة الموضوع استنادا إلى أن الالتزام الصرفي ينشأ عنه دعويين، كما جاء في قرار الوزير؟!
هناك قاعدة في مجال الدعاوى والأقضية هي أن لكل حق دعوى واحدة تحميه، ومفاد تلك القاعدة أن صاحب الحق يلجأ إلى حماية حقه مرة واحدة وبدعوى واحدة، فإذا قضي لخصمه فلا يجوز أن يلجأ مرة أخرى للقضاء للمطالبة بالحق .
ولكن في مجال الأوراق التجارية فإن الأمر يختلف ، ذلك أن الأوراق التجارية ينشأ عنها دعويين إحداهما دعوى صرفية والأخرى موضوعية وهذا لا خلاف عليه وهو أثر لقاعدة الاستقلال والتجريد ، وهناك خلط شائع في فهم هذه القاعدة فهي تعني ان الالتزام الصرفي مستقل عن الالتزام الموضوعي الذي سبقت نشأته نشأة الورقة التجارية.
وتبسيطا للأمر ففي الغالب أن الأوراق التجارية هي بطبيعة لتسوية علاقة سابقة ،فلو فرضنا أن نشأة الورقة التجارية كان وفاء لثمن بضاعة -مثلا- بين تاجرين بائع ومشتري، فتقوم عندئذ علاقة مزدوجة بين الدائن والمدين، فبالإضافة إلى العلاقة الأصلية وهو عقد البيع التي بموجبها نشأ الحق – حق البائع في الثمن وحق المشتري في البضاعة،، وتخضع تلك العلاقة للقواعد العامة وتختص في الفصل في أي نزاع ينشأ عنها المحكمة المختصة، – فإن هناك علاقة جديدة تنشأ بعد تحرير الورقة التجارية يترتب عليها التزام صرفي والذي عادة يخضع لقواعد الصرف ، وتختص فيه محمة التنفيذ،
وعودة إلى إجابة السؤال فقد يرى البعض- تفسيرا لذلك – أن الالتزام الموضوعي يختلف عن الالتزام الصرفي فكل واحد من الالتزامين تختص به جهته المختصة ومن ثم فيجوز لصاحب الحق أن يتوجه بدعواه إلى محكمة الموضوعية إن لم يحكم له في الدعوى الصرفية.
لكني أرى أن التزام الصرفي لا ينشئ التزاما جديدا وإنما لا يعد إلا أن قام طرفي الالتزام الأصلي بإفراغ التزامهما السابق في الورقة التجارية فيبقى الالتزام الأصلي على حالة وينتقل إلى السند التجاري فيندمج فيه ويصبح خاضعاً لأحكام قانون الصرف ، وهذا الاستثناء منبعه طبيعة الأوراق التجارية ، مما يتطلب حماية خاصة لحامل الورقة التجارية،
ويترتب على ذلك أنه لا يوجد مانع قانوني للدائن من الرجوع على المدين بأي من الطريقين سواء للدعوى الموضوعية وهو الطريق الاصلي أو الدعوى الصرفية وهو الطريق الاستثنائي، بحيث إذا اختار أيهما سقط حقه في الطريق الآخر.