دعاوى الحيازة في القانون المصري – بحث قانوني
دعاوى الحيازة
خصصنا هذا البحث للحديث عن دعاوى الحيازة وهي من أكثر الدعاوى حساسية وخطورة لما فيها من مشكلات، ولا يخفى على الكافة مدى ما تثيره منازعات الحيازة في المجتمع المصري الأن من مشكلات ، لذا فقد آليت على نفسي إعداد هذا البحث المتواضع والتعليق عليه بأحدث أحكام محكمة النقض ، ورغم ما بذلت من جهد في هذا البحث فأعترف مقدما بعجزي وتقصيري وأرجو من القارئ الكريم أن يغفر لي ما في هذا البحث من تقصير وما قد يكون قد شابهه من عيوب فالكمال لله وحده وفوق كل ذي علم عليم.
* وبداية نود أن نشير إلى أن الدعاوى العينية العقارية تنقسم إلى طائفتين :
الأولى: دعاوى الحق ، وهي الدعاوى التي تحمي الحق العيني الأصلي على العقار سواء كان حق الملكية أو غيره من الحقوق العينية الأصلية كحق الارتفاق أو الانتفاع. والغالب أن تكون الدعوى ” دعوى حق ” وهي التي يتمسك فيها المدعي بحق معين . ولكن القانون ينظم الى جانب ” دعاوى الحق ” طائفة أخرى من الدعاوى هي ” دعاوى الحيازة ” ، وهي الدعاوى التي تحمي حيازة هذه الحقوق العينية. فالمدعي لا يتمسك فيها بحق معين، وانما يتمسك بحماية الأمر الواقع متمثلاً في الحيازة . والمشرع يضفي حمايته على حيازة هذه الحقوق العينية في ذاتها بصرف النظر عن كون الحائز صاحب حق أو غير صاحب حق . فرافعها يدعي حيازة العقار مطالباً بحمايتها في مواجهة الشخص الذي يعتدى عليها أو ينازعه فيها .
وسوف ينقسم بحثنا إلى مطلب أول يتناول دراسة الحماية القانونية للحيازة ومطلب ثان يعرض شروط دعوى الحيازة و مطلب ثالث نعرج فيه على تطبيق قاعدة عدم جواز الجمع بين دعاوى الحيازة ودعاوى الحق ثم مطلب رابع نوضح فيه طبيعة دعوى الحيازة والحكم فيها وأخيراً مطلب خامس يحتوي على الكتب الدورية الصادرة من النائب العام ونماذج لصيغ الدعاوى الخاصة بمنازعات الحيازة .
المطلب الأول : الحماية القانونية للحيازة
أولاً: علة الحماية القانونية للحيازة :
تعرف الحيازة بأنها وضع مادي ينجم عن أن شخصاً يسيطر سيطرة فعليه على شئ ، سواء كان هذا الشخص هو صاحب الحق أو لم يكن، ولكنه في الحالتين يعد حائزاً . وعندما يلجأ الحائز إلى رفع الدعوى فانه لا يدعي بالحق ذاته بل يدعي أنه صاحب مركز قانوني واقعي، وهو الحيازة. ويجمع الفقه على أن العلة في حماية الحيازة بدعاوى خاصة ترجع إلى اعتبارين أساسيين:
1- حماية المصلحة الخاصة للحائز :
لاشك في أن حماية الحيازة لذاتها من شأنه تحقيق مصلحة فردية خاصة للحائز. لأن الحيازة تخوله ميزات عديدة، والاعتداء عليها يحرمه من الانتفاع بهذه المزايا. وهذا ما دعى المشرع إلى تنظيم الحماية القانونية للحيازة. فمن ناحية تؤدي حماية الحيازة – في الواقع – إلى حماية الحق العيني ذاته بطريق غير مباشر. إذ الغالب أن يكون الحائز صاحب الحق ، مادام أن القانون يعتبر الحيازة قرينة على الحق حتى إثبات العكس ( م 964 مدني ) وهذا يعني أن الحائز يتمتع بمركز ممتاز في دعوى الحق، إذ لا يقع عليه عبء اثبات الحق ، وهو عبء شاق غالباً. ولذا يحرص صاحب الحق على حيازته حتى يقف موقفاً مريحاً في أي نزاع حول الحق. ومن ناحية أخرى فإن إلتجاء صاحب الحق إلى دعوى الحيازة تمنح له حيازة سريعة. فلا يطلب منه إلا إثبات حيازته، وبذلك يتفادى رفع دعوى الحق التي تتميز بإجراءات طويلة ومعقدة . وأخيراً فإن الحيازة تمثل أهمية كبرى بالنسبة للحائز الذي لا يستند إلى حق، لأنها تعتبر في ذاتها وسيلة لاكتساب الحق. فالمشرع – استجابة لحاجة الاستقرار – يجعل الحيازة متى استوفت شروطاً معينة سبباً لاكتساب الحق ( م 968 ، 969 مدني ) .
2- حماية المصلحة العامة للمجتمع :
أما الاعتبار الثاني فهو أنه في حماية الحائز حماية للأمن والنظام العام لأن الاعتداء على مراكز واقعية معرف بها قانوناً تعكير للأمن والنظام. والحيازة حالة واقعية يحميها القانون. فعلى من يدعي حقاً ضد الحائز، ولو كان فعلاً صاحب الحق، أن يلجأ الى القضاء ويطالب بحقه بدلاً من اقتضائه بنفسه . فلا يجوز اغتصاب الحقوق بالقوة ولو كان من يغتصبها هو في حقيقة الأمر صاحبها ، وإلا سادت الفوضى في المجتمع .
ولذا فإن المشرع يضفي حمايته على الحيازة ، فتختص السلطة الادارية ، وخاصة أجهزة الأمن بوقف اي عدوان حال على الحيازة. هذا فضلاً عن تنظيم حماية القضاء للحيازة حماية موضوعية عن طريق الالتجاء إلى أي من دعاوى الحيازة الثلاث . وحماية وقتية عن طريق النيابة العامة .
حماية الحيازة وقتياً بقرار من النيابة العامة
تنص المادة 44 مكرر مرافعات على أنه ” يجب على النيابة العامة متى عرضت عليها منازعة من منازعات الحيازة، مدنية كانت أو جنائية، أن تصدر فيها قراراً وقتياً مسبباً واجب التنفيذ فوراً بعد سماع أقوال أطراف النزاع وإجراء التحقيقات اللازمة، ويصدر القرار المشار إليه من عضو نيابة بدرجة رئيس نيابة على الأقل . وعلى النيابة العامة اعلان هذا القرار لذوي الشأن خلال ثلاثة أيام من تاريخ صدوره . وفي جميع الأحوال يكون التظلم من هذا القرار لكل ذي شأن أمام القاضي المختص بالأمور المستعجلة ، بدعوى ترفع بالاجراءات المعتادة في ميعاد خمسة عشر يوماً من يوم اعلانه بالقرار، ويحكم القاضي في التظلم بحكم وقتي بتأييد القرار أو بتعديله أو بإلغائه وله بناء على طلب المتظلم أن يوقف تنفيذ القرار المتظلم منه إلى أن يفصل في التظلم ”
ومؤدي هذ النص، ونتيجة للتزايد المتتابع في منازعات الحيازة ، أنه في حالة ما إذا قام النزاع على الحيازة بين الخصوم وعرض على النيابة العامة، فإنه يتعين عليها أن تصدر فيه قراراً وقتياً مسبباً . وسلطة النيابة هنا لا تمس بأصل الحق وتهدف فقط إلى فض اشكال سريع في منازعة حيازة بإجراءات بسيطة ميسرة .
ويتعين علينا الآن أن نتعرض لنطاق هذه الصورة للحماية الوقتية وشروطها، فالتظلم من القرار الصادر وأخيراً لطبيعة هذه الحماية .
نطاق الحماية الوقتية للحيازة وشروطها :
التنظيم الجديد للحماية الوقتية للحيازة جعل اختصاص النيابة العامة في منازعات الحيازة شاملاً. وذلك يظهر من نص المادة 44 مكرر بأنه يجب على النيابة العامة متى عرضت عليها منازعة من منازعات الحيازة مدنية كانت أو جنائية ، أن تصدر فيها قراراً وقتياً .
ومن ناحية أخرى ، فإن الفقة يرى أن عمومية النص تجعله يمتد لحماية حيازة المنقول ولا يقتصر على حماية حيازة العقار ، كما هو الحال في الدعاوى القضائية للحيازة أمام محكمة الموضوع. وهكذا تلتزم النيابة بإصدار قرار في أي نزاع على الحيازة، سواء شكل هذا النزاع جريمة أم كان مدنياً صرفاً، وسواء كانت الحيازة على عقار أم كانت على منقول. وعلى ذلك يتعين على النيابة أن تصدر قرارها في النزاع ، ولها الحق في إتخاذ القرار الذي تراه ملائما . فقد تأمر بحفظ الأوراق إذا لم يكن هناك ما يستأهل إتخاذ إجراء ما، أو بابقاء الحال على ما هو عليه إذا كان واضع اليد الفعلي عند الشكوى هو الحائز الجدير بالحماية، أو بتمكين الطرف الآخر من الحيازة.
ويشترط لصحة قرار النيابة ومنح الحماية الوقتية توافر أربعة شروط :
أولاً : أن تكون المنازعة التي يصدر فيها القرار من منازعات الحيازة .
ثانياً : سماع أقوال أطراف النزاع وضبط وتحقيق الواقعة .
ثالثاً : أن يصدر القرار من رئيس نيابة على الأقل .
رابعاً : أن يكون قرار النيابة مسبباً تسبيباً كافياً .
________________
– الشرط الأول : أن تكون المنازعة التي يصدر فيها القرار من منازعات الحيازة :
والحيازة الجديرة بالحماية هنا هي مجرد الحيازة المادية الفعلية أي السيطرة المادية على الشئ قبل وقوع النزاع، متى كانت تلك السيطرة ظاهرة ، هادئه، مستمرة، لكن لا يلزم الاستمرار مدة سنة . وهذه الحيازة تكون جديرة بالحماية التي تبرر تدخل النيابة العامة بالاجراء الوقتي الملائم لهذه الحماية على نحو يمنع تعكير السكينة العامة والاخلال بالأمن .
– الشرط الثاني : ضرورة سماع أقوال أطراف النزاع وضبط وتحقيق الواقعة :
ويجوز للنيابة ان تقوم بذلك بنفسها بواسطة أحد أعضائها أياً كانت درجته كما يجوز لها أن تندب له كله أو بعضه أحد لرجال الضبطية القضائية او التكليف به أو بإجراء منه أحد رجال الشرطة . كما يجوز لها أن تكتفي في ذلك بما يرد في محضر جمع الاستدلالات . ولا يعني شرط سماع الأطراف امتناع النيابة عن إصدار قرارها إذا امتنع أحدهم عن الادلاء بأقواله أو تغيب ، وإنما يعني حرصها على اعمال مبدأ المواجهة واخطار الأطراف بالمنازعة واتاحة الفرصة لهم للادلاء بأقوالهم .
– الشرط الثالث : أن يصدر القرار من رئيس نيابة على الأقل :
فإن كانت النيابة الجزئية المختصة ليس بها عضو نيابة بدرجة رئيس نيابة أرسلت الأوراق إلى النيابة الكلية لتصدر فيها القرار الذي تراه من رئيس النيابة . ولكن ليس ثمت ما يمنع أن تصدر القرار من عضو بدرجة أعلى . وإذا صدر القرار من عضو النيابة تقل درجته عن رئيس نيابة وقع القرار باطلاً بطلاناً متعلقاً بالنظام العام ، ولا يصححه اعتماد من يجوز له اصدار القرار .
– الشرط الرابع : أن يكون قرار النيابة مسبباً تسبيباً كافياً :
بمعنى أنه يتعين على النيابة العامة أن تبين الاسانيد التي ركنت اليها في إصدار القرار . والجوهري أن يكون التسبيب كافياً ينصب على مقطع النزاع من جهه وأن يتضمن من جهة أخرى ما يطمئن المطلع عليه الى أن مصدر القرار لم يصدره إلا بعد الاطلاع على الاوراق والالمام بما تضمنته من طلبات ودفوع ودفاع وانه استخلص ما انتهى اليه من واقع الاوراق والادلة المقدمة فيها .
التظلم من قرار النيابة
لا يخضع قرار النيابة العامة للتبعية التدرجية التي تحكم قرارات أعضاء النيابة . وبالتالي لا يجوز التظلم من القرار الى جهة رئاسية بالنسبة الى من أصدره كالمحام العام أو المحامي العام الأول أو مساعد النائب العام او النائب العام حسب الأحوال . ولكن هذا لا يعني عدم جواز التظلم من قرار النيابة العامة في الحيازة ، بل هو جائز لكن أمام قاضي الأمور المستعجلة على سبل الانفراد.
وهكذا فإن القاضي المختص بنظر التظلم من قرار النيابة في الحيازة، هو القاضي المختص بالأمور المستعجلة وفقاً للقواعد العامة . وهو قاضي الأمور المستعجلة داخل المدينة التي بها مقر المحكمة الابتدائية أو القاضي الجزئي خارج هذه المدينة وهو اختصاص انفرادي قاصر عليه لا يشاركه فيه غيره فلا ينظره قاضي التنفيذ أو المحكمة الادارية .
ويرفع التظلم بالاجراءات المعتادة لرفع الدعاوى المنصوص عيها في المادة 63 مرافعات . ويخضع في نظره للاجراءات التي تخضع لها الدعاوى المستعجلة .
وقد حدد المشرع الميعاد الذي يتعين رفع التظلم في خلاله بخمسة عشر يوماً من تاريخ اعلان القرار الى المتظلم حيث أنه على النيابلة خلال ثلاثة أيام من اصدار قرارها باعلانه الى ذوي الشأن ، وهو ميعاد تنظيمي لا يترتب على مخالفته اي بطلان . ويتم الاعلان وفقاً للقواعد العامة فيس قانون المرافعات . فإذا لم يتم الاعلان او تم على نحو غير صحيح فيظل له حق التظلم . الا أن ذلك لا يمنع التظلم من القرار بمجرد صدوره وقبل اعلانه .
ومجرد تقديم التظلم الى قاضي الأمور المستعجلة لا يرتب اي اثر بالنسبة لتنفيذه. ولكن يجوز للمتظلم أ، يطلب من القاضي المستعجل وقف تنفيذ قرار النيابة العامة لحين الفصل في التظلم من قرارها . ويكون ذلك بصفة أصلية بتضمين طلبه صحيفة التظلم أو في صورة طلب عارض يبديه اثناء نظر الطلب .
ويفصل القاضي المستعجل في التظلم او بقبوله والغاء القرار محل التظلم أو تعديله وفقاً لما يراه محققاً لحماية الحائز ، كما يجوز له رفض التظلم وتأييد قرار النيابة العامة .
ثانياً : الحيازة التي يحميها القانون :
ان القانون لا يحمي بدعاوى الحيازة أية حالة واقعية، بل يشترط توافر شروط معينة تؤكد أن هذا المركز الواقعي جدير بالحماية . ومن ناحية أخرى فالقول بضرورة حماية الحائز ، لا يعني أن صاحب الحق يفقد حقه ان لم يكن حائزاً . فقد أجاز له المشرع رفع دعوى المطالبة بالحق .
ويمكن تحديد مجال حماية الحيازة في ضوء الاعتبارات الآتية :
1- حماية حيازة الحقوق العينية الأصلية :
دعاوى الحيازة لاتحمي إلا الحقوق العينية ، إذ أن الحقوق الشخصية لا تقبل السيطرة المادية وهي ركن أساسي من أركان الحيازة ، ومن ثم فدعاوى الحيازة لا تحمي فقط حيازة حق الملكية ، عندما تكون السيطرة الفعلية كاملة على الشئ ، بل تحمي أيضاً أي حق عيني يرد على العقار ، عندما تكون السيطرة محدودة على الشئ ، وفي هذه الحالة تكون حيازة لحق عيني آخر عليه كحق الانتفاع وحق الاستعمال وحق السكنى وحق الارتفاق ، وإذا كان هذا هو الأصل ، فان المشرع قد خرج عليه وأجاز حماية حق مستأجر العقار بدعاوى الحيازة. وذلك لتعلق حقه الشخصي بعين معينة بالذات ، ونظراً لرغبة المشرع في تزويد المستأجر بحماية قوية .
2- حماية حيازة العقار دون المنقول :
دعاوى الحيازة لا تحمي حيازة المنقول، إذ أن المنقول ليس كالعقار مستقر ثابت يتيسر معه تمييز الحيازة عن الحق ( الملكية ) في شأنه . فيد الحائز للمنقول تختلط بيد المالك ، وبالتالي تختلط الحيازة في المنقول بالملكية . فدعوى الملكية تحمي حيازة المنقول وملكيته معاً. فالحيازة في المنقول إذا اقترنت بحسن النية هي سند الحائز .
ودعاوى الحيازة تحمي حيازة العقار أيا كانت طبيعة هذا العقار ، ويستوي في ذلك أن يكون عقاراً بطبيعته أو عقاراً بالتخصيص . على أنه يشترط أن يكون العقار محل الحيازة من العقارات التي يمكن أن تكون محلا للتملك أو محلا لأي حق عيني آخر . ويترتب على ذلك أن دعوى الحيازة لا تقبل إذا تعلقت بعقارات معتبرة من الأملاك العامة ( الدومين العام ) أما حيازة العقار المملوك لشخص عام ملكية خاصة فتحمى بداهة بجميع دعاوى الحيازة ، شأنها في ذلك شأن أي عقار مملوك للأفراد .
وفضلاً عن هذا يتطلب القانون لحماية الحيازة أن تكون هذه الحيازة قانونية ، وليس معنى ذلك أن تستند إلى حق ، فالقانون يحمي الحيازة في ذاتها بصرف النظر عما إذا كانت تستند أو لا تستند إلى حق. وإنما معنى ذلك ضرورة توافر عناصر وشروط الحيازة.
أولاً : عناصر الحيازة :
سبق القول أن الحيازة حالة واقعية مادية تنشأ من سيطرة فعلية لشخص على شئ أو استعماله لحق عيني باعتباره مالكاً للشئ أو صاحب هذا الحق العيني . ويتبين من هذا التعريف أن الحيازة ، التي تنتج آثارها ويضفي عليها القانون حمايته تشتمل على عنصرين :
1- العنصر المادي :
ويتمثل في السيطرة المادية على الشئ محل الحيازة، وتتحقق هذه السيطرة بأن يحرز الحائز الشئ في يده احرازاً مادياً . ويتم ذلك عن طريق قيام الحائز بجميع الأعمال المادية التي يقوم بها عادة صاحب الحق على الشئ، طبقاً لما تسمح به طبيعته . فإذا كان الشئ أرضا زراعية ، فالسيطرة المادية عليها تتحقق بزراعتها أو اعدادها للزراعة . أما السيطرة المادية على أي حق عيني آخر خلاف الملكية ، فتكون عن طريق الأعمال التي يقتضيها استعماله . فإذا كان حق ارتفاق بالمرور ، كانت السيطرة المادية عليه بالمرور فعلاً في المكان المراد استعمال الحق فيه . ولا يشترط أن يقوم الحائز بهذه الأعمال بنفسه، فقد يكون ذلك عن طريق نائبه أو تابعيه كعماله أو أولاده، وقد يحوز بالوساطة عن طريق تأجير العقار .
2- العنصر المعنوي :
ويقصد به أن تتوافر لدى الحائز في قيامه بالأعمال المادية نية الظهور على الشئ محل الحيازة بمظهر صاحب الحق . أي يقوم بالأعمال المادية التي يتطلبها الشئ وفقاً لطبيعته باعتباره صاحب الحق عليه . فإذا لم يتوافر العنصر المعنوي ، فلا يعتبر الحائز حائزاً حيازة قانونية ، وإنما يعتبر حائزاً حيازة مادية أو عرضية ، وهي الحيازة التي يتوافر فيها العنصر المادي وحده دون العنصر المعنوي ، والحائز العرضي هو الذي يحوز لحساب غيره ، ويستند في حيازته إلى سند قانوني يلزمه برد الشئ إلى مالكه فيما بعد ، سواء كان هذا السند اتفاقيا كعقد ايجار أو رهن حيازي ، أو قضائيا كحكم الحراسة أو تشريعياً كالولاية .
ويقتضى توافر هذا العنصر أن تكون الأعمال التي يقوم بها الحائز أعمالاً متعدية على الشئ ، إذ لا تقوم الحيازة على الأعمال التي يقوم بها الشخص على أنها مجرد رخصة من المباحات أو يتحملها الغير على سبيل التسامح .
ومن العرض السابق يتضح أن القانون المصري يأخذ ، كقاعدة ، بالنظرية التقليدية للحيازة . فلا يحمي القانون الحيازة إلا إذا توافر كل من العنصر المادي والمعنوي ، ورغم ذلك فقد تأثر بالنظرية المادية للحيازة فقرر حماية الحيازة المادية أو العرضية استثناء في حالتين :
أ- حالة المستأجر : فقد أجاز له القانون رفع جميع دعاوى الحيازة إذا حصل له تعرض في حيازته ( م 575 مدني ) . وقد أراد به تقوية مركز المستأجر وحمايته . وان كان الراجح أنه لاتقبل دعوى الحيازة من المستأجر على المالك ، لأن العلاقة بينهما تستند إلى عقد الايجار وما يرتبه من حقوق والتزامات .
ب- حالة دعوى استرداد الحيازة : بمقتضى نص ( المادة 958/2 مدني ) للحائز بالنيابة عن غيره رفع دعوى الاسترداد ، وبناء على ذلك تعد دعوى استرداد الحيازة مستثناه من قاعدة الحيازة القانونية ، ويجوز أن تقبل من أي حائز مادي أو عرضي . وقيل في تبرير هذا الاستثناء ما يمثله الاعتداء الذي يبرر رفع هذه الدعوى من جسامة .
وبسبب صعوبة اثبات العنصر المعنوي خفف القانون على الحائز عبء الاثبات ، فأقام قرينة قانونية مؤداها أن الحائز المادي يعتبر حائزاً قانونيا حتى يثبت العكس ( م 963 مدني ) . وهكذا يكفي الحائز اثبات العنصر المادي في حيازته ، وهو أمر ميسور ، وعندئذ يعتبر الحائز المادي حائزاً قانونياً حتى يقوم الدليل على العكس .
ثانياً : شروط الحيازة ( أوصافها ) :
لا يكفي أن تكون الحيازة قانونية ، بل لابد فضلا عن ذلك أن يتوافر فيها شروط أو أوصاف معينة تجعلها جديرة بالحماية عن طريق دعاوى الحيازة . ويؤدي تخلف أي شرط من هذه الشروط إلى أن تصبح الحيازة معيبة :
1- الاستمرار مدة سنة : ويقصد بذلك أنه يجب أن تتوالى أعمال السيطرة المادية على الشئ في فترات منتظمة ومتقاربة ، كما يستعمل المالك ملكه عادة ، لمدة سنة . فالحيازة التي تستمر هذه المدة تكون أمراً واقعاً مستقرا جديرا بالحماية . ولذا يعيب الحيازة أن تكون متقطعة غير مستمرة على نحو يخالف الحق عليها حسب طبيعة الشئ . ومع ذلك لا تنقضي الحيازة إذا حال دون مباشرة السيطرة الفعلية على الحق مانع وقتي. ولكنها تنقضي إذا استمر هذا المانع سنة كاملة وكان ناشئا عن حيازة جديدة وقعت رغم إرادة الحائز أو دون علمه ( م 957 مدني ).
وللحائز إذا كان خلفا أن يضم إلى مدة حيازته مدة حيازة سلفه ( م 955 مدني ) . ويقع على المدعي عبء اثبات استمرار حيازته مدة سنة ويكفيه اثبات بدء حيازته للحق وأنه كان حائزا عند وقوع الاعتداء فيفترض حيازته في الفترة بين الواقعتين .
2- الهدوء : ويقصد بذلك ألا تكون الحيازة قد اكتسبت بعمل من أعمال العنف أو الاكراه ، سواء كان الاكراه مادياً أو أدبيا . فإذا كانت الحيازة قد اكتسبت بالقوة وظلت كذلك فانها تكون معيبة غير جديرة بالحماية . أما إذا اكتسبت بالقوة ثم أصبحت هادئه فانها تعتبر حيازة صحيحة منذ صيرورتها هادئه ، وتحسب مدة السنة اللازمة لاستمرارها منذ هدوء الحيازة . والاكراه عيب نسبي بمعنى أنه لا يكون له أثر إلا قبل من وقع عليه الاكراه.
3- الظهور : ويقصد بذلك أن يباشر الحائز أعمال السيطرة المادية على مشهد من الناس . فالحيازة يجب أن تكون علنية وغير خفية حيث يستطيع أن يراها ويعلم بها كل من يحتج عليه بالحيازة . فمن يحوز حقه يجب أن يستعمله كما لو كان صاحب الحق ، وصاحب الحق لا يستعمله خفية . فإذا كانت أعمال الحيازة تتم خفية فانها تكون معيبة .
والخفاء ، كالاكراه ، عيب مؤقت ، فقد يزول وتصبح الحيازة علنية ، ولكن لا يعتد بها إلا من وقت ظهورها . وهو أيضاً عيب نسبي بمعنى أنه إذ كانت الحيازة خفية فلا يكون لها أثر قبل من أخفيت عنه .
4- الوضوح : ويقصد بذلك ألا يشوب الحيازة أي لبس أو غموض في الكشف عن نية الحائز ، بحيث يمكن أن يفهم من الأعمال المادية التي يقوم بها أنه يباشرها لحسابه وباعتباره صاحبا للحق .
وتكون الحيازة مشوبة باللبس أو الغموض إذا اشتبه في أمرها فيما يتعلق بعنصر القصد . فالأعمال المادية للحيازة ينبغي أن تشف عن نية الحائز بجلاء ، أما إذا كان من المحتمل تأويلها إلى تفسير آخر اعتبرت الحيازة غامضة ، وبالتالي تكون معيبة . ومثال ذلك حيازة الشريك على الشيوع للمال الشائع إذا كانت الظروف تجعل من الصعب الجزم بأنه يحوز لنفسه أو لحساب الشركاء جميعا . كما أن الغموض قد يثور أيضا في حالة حيازة أحد الورثة العقار من التركة ، فلا يفهم ما إذا كان هذا الوارث يحوز العقار باعتباره جزءاً من التركة أم يحوزه بصفته الشخصية باعتباره مالكاً له .
ويلاحظ أن عيب الغموض يتعلق بالعنصر المعنوي ، في حين أن عيب الخفاء ينصب في الواقع على العنصر المادي ، وعيب الغموض ، كالاكراه والخفاء ، عيب نسبي لا يكون له أثر إلا قبل من التبس عليه الأمر . وهذا العيب يزول أيضاً إذا تعمد الحائز القيام بأعمال لا تترك شكا أنه يحوز العين بنية التملك اي لحساب نفسه خاصة. ولكن لا يعتد بهذه الحيازة الا من وقت زوال هذا العيب .
وإذا اجتمعت هذه العناصر والشروط للحيازة ، كانت صحيحة وتجوز حمايتها بدعاوى الحيازة . والأصل في الحيازة أنها صحيحة خالية من هذه العيوب . ولذا لا يقع على عاتق الحائز عبء إثبات أن حيازته هادئه ظاهرة واضحة . وإنما يقع عبء اثبات العيب على من يدعي وجوده .
المطلب الثاني
شروط دعوى الحيازة
ينظم المشرع ثلاث دعاوي تحمي الحيازة وهي “دعوي منع التعرض ودعوي استرداد الحيازة ودعوي وقف الاعمال الجديدة “، وقد خص المشرع كل منها بقواعد متميزة . ويلاحظ ان هناك فروق بين الدعاوى الثلاث . ففي حين ان دعوي منع التعرض ودعوي وقف الاعمال الجديدة تحميان الحيازة القانونية والمستقرة ، فإن دعوي استرداد الحيازة تمنح لكل حائز ولو كان حائزا عرضيا ، ما دامت هذة الحيازة انتزعت منة في ظروف معينة ، سيأتي ذكرها ، ومن ناحية اخري فإن دعوي منع التعرض تتميز عن دعوي وقف الاعمال الجديدة في طبيعة الاعتداء الذي يقع علي الحيازة . وإزاء هذة الفروق نستعرض كل من الدعاوي الثلاث مع بيان هذة الفروق .
ونبدأ بدراسة دعوي منع التعرض باعتبارها اهم هذة الدعاوي لكونها دعوي الحيازة العادية.
أولاً : دعوي منع التعرض :
دعوي منع التعرض هي الدعوي التي يتمسك فيها المدعي بحيازتة القانونية التي يتعرض لها المدعي علية ، طالبا الحكم بمنع هذا التعرض وإزالة مظاهرة ( م 961 مدني ) .
– شروط دعوي منع التعرض :
من التعريف السابق يتبن لنا انة يشترط لقبول هذة الدعوي الشروط الاتية :
1- أن يكون المدعي حائزا حيازة قانونية :
يشترط في دعوي منع التعرض ان يتمسك المدعي بحيازة قانونية . فلا يحمي القانون الحائز العرضي عن طريق دعوي منع التعرض . ولايستثني من هذا ، كما ذكرنا ، سوي المستأجر الذي خولة القانون رفع جميع دعاوي الحيازة .
وحتي تكون الحيازة قانونية يلزم ان يتوافر فيها ، كما سبق ان اشرنا ، عنصري الحيازة المادي والمعنوي ، وكذلك كافة شروط أو أوصاف الحيازة وهي أن تستمر مدة سنة كاملة وأن تكون هادئة ظاهرة واضحة .
2- أن يقع تعرض للمدعي في حيازته ( المصلحة العملية ) :
يشترط لقبول دعوى منع التعرض أن يكون قد وقع اعتداء على الحيازة. وهو ما يعبر عنه بشرط المصلحة الواقعية أو العملية . والاعتداء هنا يتمثل في التعرض للحائز في حيازته . والتعرض هو كل عمل مادي أو قانوني يتضمن ، بطريق غير مباشر أو غير مباشر ، انكارا للحيازة .
والتعرض المادي هو كل فعل مادي يتضمن منازعة الحائز في حيازته أو انكارها . وقد يتم ذلك بطريق مباشر كما لو قام الغير بزراعة الأرض التي يحوزها المدعي أو المرور فيها ، أو بطريق غير مباشر كما لو قام الغير بأعمال تمنع الحائز من ممارسة الحيازة . ومثال ذلك أن يكون لعقار إرتفاق على عقار مجاور ، فيقوم حائز العقار الخادم بأعمال على عقاره تمنع جاره من مباشرة حق الارتفاق .
والتعرض القانوني هو كل إجراء قانوني ، سواء كان قضائيا أو غير قضائي ، يوجه إلى الحائز وينطوي على إدعاء يتعارض مع حيازة الحائز . ومثال ذلك أن يقوم شخص بتوجيه إنذار للمستأجر من الحائز بعدم دفع الأجرة للأخير ودفعها للمنذر ، أو توجيه إنذار إلى حائز العقار باخلائه. أو أن يتدخل شخص في خصومة بين طرفين مدعيا أن له حقا على الأرض محل النزاع في مواجهة أحد الخصوم . أو أن يرفع شخص دعوى حيازة على الحائز . أما إذا رفعت دعوى المطالبة بالحق فانها لا تعد تعرضا للحائز في حيازته ، لأن مدعي الملكية لا ينازع الحائز في حيازته . وإنما تتضمن مطالبته ، على العكس ، التسليم للمدعي عليه بالحيازة .
ويجب القول بأنه لا يشترط أن يكون التعرض قد الحق ضررا بالمدعي، فالعمل النافع قد يعتبر تعرضا إذا تضمن منازعة قصدية في حيازة المدعي، كقيام المتعرض باصلاح الأرض لزراعتها . كما أن العمل قد يكون ضارا ومع ذلك لا يعتبر تعرضا لأنه لا ينطوي على منازعة للمدعي في حيازته كجني الثمار ليلا على سبيل السرقة .
كما لايشترط أن يكون التعرض غير قائم على أساس حق ثابت للمتعرض . فحتى لو كان هذا الأخير يستند في تعرضه الى حق ثابت ، فإن ذلك قد يمثل تعرضاً للحائز يخوله رفع دعوى منع التعرض .
وعلى ذلك إذا صدر حكم قضائي في خصومة لم يكن الحائز طرفاً فيها، فإن تنفيذ هذا الحكم يعد تعرضاً في مواجهة الحائز . وأخيراً لا يشترط أن يكون المتعرض سئ النية لكي يعتبر عمله تعرضاً .
ومن ناحية أخرى فالعمل لا يعد تعرضاً إذا تم بطريق مشروع رضاء أو قضاء ، كما إذا وضع الغير أدواته في ارض الحائز بناء على رضاه وباذن منه ، أو إذا تمت أعمال التعرض تنفيذاً لحكم قضائي صادراً في مواجهة الحائز ، أو أعمالا لسند تنفيذي في مواجهته .
3- أن ترفع الدعوى خلال سنة من التعرض :
يشترط أن ترفع دعوى منع التعرض خلال سنة من وقوع التعرض ( م 961 مدني ) . وقيل تبريراً لذلك أن المدعي الذي لا يسارع في رفع دعوى منع التعرض ، يعتبر أ، التعرض الذي وقع على حيازته ليس خطيراً بحيث يخل بالأمن والنظام ، ومن ثم لا داعي لحماية هذه الحيازة .
وقد ثار الخلاف حول حساب هذه المدة في حالة تكرار أعمال التعرض . فذهب رأي الى أن كل عمل يعد تعرضاً ينشئ الحق في رفع الدعوى . فيكون للحائز أن يرفع الدعوى بناء على العمل الأخير إذا لم يكن قد مضى عليه سنة . ولكن الراجح على أن يبدأ حساب مدة السنة من أول عمل من أعمال التعرض . وذلك لأن دعوى منع التعرض تنشأ منذ أول تعد على الحيازة . فإذا لم تباشر هذه الدعوى خلال سنة من هذا التاريخ يسقط الحق في مباشرتها . ويجدر القول أنه إذا كانت أعمال التعرض اللاحقة صادرة من شخص اخر، فإنه تنشأ دعوى جديدة في مواجهة المتعرض الجديد منذ تاريخ تعرضه . فإذا تتابعت أعمال التعرض من ذات الشخص حتى وصلت الى حد سلب حيازته ، فإنه تنشأ له دعوى إسترداد الحيازة من تاريخ فقد الحيازة .
ثانياً : دعوى وقف الأعمال الجديدة :
دعوى وقف الأعمال الجديدة هي الدعوى التي يتمسك فيها المدعي بحيازته القانونية ، التي تهددها أعمال جيددة يقوم بها المدعي عليه لو تمت أن تمس حيازته، طالباً الحكم بوقف هذه الأعمال .
وهي دعوى الحيازة الوقائية التي تهدف الى الحيلولة دون تمام العمل ، أي قبل أن يصير العمل تعرضاً . ومثالها التقليدي أن يشرع شخص في حفر اساس في ارضه ليقيم حائطا ويكون من شأن هذه الحائط لو تم أت يحجب النور والهواء عن بناء الجار فيرفع الأخير دعوى بطلب وقف البناء ليحول دون تمامه حتى يتجنب التعرض له في حق المطل إذا تم البناء .
– شروط قبول دعوى وقف الأعمال الجديدة :
كما ذكرنا ، تتفق دعوى وقف الأعمال الجديدة مع دعوى منع التعرض في انه يشترط لقبولها أن تكون الحيازة قانونية مستكملة عنصريها المادي والمعنوي فضلاً عن توافر شروطها أو أوصافها بأن تكون ق استمرت لمدة سنة هادئه ظاهرة وواضحة ولكن يستثنى المستاجر الذي خوله القانون رفع جميع دعاوى الحيازة .
ولكنهما يختلفان فيما يتعلق بطبيعة او صورة الاعتداء الذي تواجهه كل منهما ، ومن حيث بعض التفاصيل الخاصة بميعاد رفع الدعوى وهو ما نعرض له الأن :
1- طبيعة الاعتداء الذي يبرر قبول دعوى وقف الأعمال الجديدة ( المصلحة العملية ) :
الاعتداء في دعوى منع التعرض يتمثل في تعرض وقع بالفعل للحائز في حيازته. أما في دعوى وقف الأعمال الجديدة فان الاعتداء يتخذ صورة مجرد الشروع في عمل لو تم لأصبح تعرضا للحائز في حيازته .
وفي عبارة أخرى ، إذا كانت دعوى منع التعرض تحمي الحيازة من تعرض وقع بالفعل، فان دعوى وقف الأعمال الجديدة تحمي الحيازة من تعرض محتمل أو مستقبل على وشك الوقوع. على أن تكون هناك من الأسباب المعقولة ما يدعو الى الاعتقاد بأن هذه الأعمال لو تمت لكانت تعرضا كاملا لحيازة المدعي .
ولما كانت دعوى وقف الأعمال الجديدة ترمي الى منع الاعتداء على الحيازة قبل وقوعه، فان العمل الذي يشكل هذا الاعتداء يجب أن يكون جديدا. سواء شرع فيه فعلا أو كان وشيكا البداية . ويعتبر العمل جديدا طالما لم ينقض عام على البدء فيه ، وهو ميعاد رفع الدعوى .
وبما أن المقصود من هذه الدعوى منع تمام العمل ، فيشترط ألا يكون هذا العمل قد تم وقت رفع الدعوى . لأنه لو تم إما أن يكون قد وقع تعرض للحيازة بمعنى الكلمة ، فلا يكون هناك مجال ، في هذه الحالة ، لرفع دعوى وقف الأعمال الجديدة، بل يجب رفع دعوى منع التعرض ، واما الا يكون قد وقع أي تعرض لها ، وفي هذه الحالة لا توجد مصلحة واقعية في دعوى الحيازة اطلاقا .
وينبني على ذلك نتيجة هامة وهي أن العمل الذي يبرر رفع هذه الدعوى يقع دائماً على عقار غير عقار المدعي ( الحائز )، لأنه لو وقع على عقار الحائز اعتبر تعرضاً يبرر رفع دعوى منع التعرض. لذلك تقع هذه الأعمال عادة على عقار المتعرض. أما إذا وقعت على عقار الغير، كان ذلك تعرضا لهذا الغير في حيازته، إلا إذا كان الغير راضيا بهذه الأعمال أو متواطئا مع المدعي عليه في شأنها. وفي هذه الحالة يكون هذا الغير شريكا للمدعي عليه، ويستوي عندئذ أن تكون هذه الأعمال قد تمت في عقار المدعي عليه أو في عقار الغير .
2- ميعاد رفع الدعوى :
يشترط القانون أن ترفع دعوى وقف الأعمال الجديدة في خلال سنة تحتسب من تاريخ البدء في العمل وليس من تاريخ تمامه . لأنه لو تم لأصبح تعرضا فعليا . فإذا لم يقم المدعي برفع هذه الدعوى في السنة التالية للبدء في العمل الجديد، فلا تقبل دعواه . لكن عدم قبول دعوى وقف الأعمال الجديدة لا يمنع الحائز من رفع دعوى منع التعرض إذا تمت هذه الأعمال وأصبحت تعرضا لحيازته . وعندئذ يكون له أن يرفع هذه الدعوى الأخيرة في خلال سنة من وقوع التعرض ، أي من وقت تمام الأعمال الجديدة .
ويلاحظ أيضاً أن الحق في رفع دعوى وقف الأعمال الجديدة قد يسقط حتى ولو لم يمضي على الشروع في العمل مدة سنة . وذلك في حالة ما إذا تم العمل قبل مضي السنة ( م 962/1 مدني ) ، لأنه بتمام العمل نصبح في مواجهة تعرض بالفعل، ومن ثم تكون وسيلة حماية الحيازة حينئذ هي رفع دعوى منع التعرض خلال سنة من تمام التعرض .
ثالثاً : دعوى إسترداد الحيازة :
دعوى استرداد الحيازة هي الدعوى التي يتمسك فيها المدعي بحيازته التي سلبت منه ، طالبا الحكم بالزام المدعى عليه بتسليم العقار إليه .
فقد شرعت هذه الدعوى لحماية الحائز من أعمال الغصب وليسترد حيازته ممن سلبها منه . فهي تقوم أساسا على رد الاعتداء غير المشروع . وقد يقال أنه لا فائده من تنظيم دعوى لاسترداد الحيازة ، مادام يستطيع الحائز أن يرفع دعوى منع تعرض لاسترداد هذه الحيازة ، إلا أن سلب الحيازة يعد أشد صور التعرض للحيازة وأكثرها خطرا على النظام والأمن العام. لذلك تقررت هذه الدعوى بشروط أكثر تيسيرا من شروط باقي دعاوى الحيازة ( م 958 و 959 و 960 مدني ) .
شروط قبول دعوى استرداد الحيازة
1- الحيازة التي تحميها دعوى الاسترداد :
ويبدو أثر التخفيف في طبيعة وشروط الحيازة التي تحميها هذه الدعوى :
أ- تكفي الحيازة العرضية أو المادية :
لم يشترط المشرع لقبول دعوى استرداد الحيازة أن يكون المدعي حائزا حيازة قانونية ، وإنما اكتفى بأن يكون حائزا حيازة مادية، فيجوز رفع الدعوى من الحائز القانوني والحائز العرضي أو المادي ( م 958/2 مدني ) .
وعلى ذلك يجوز لكل حائز عرضي، كالحارس أو المستعير أو من ينوب عن الحائز، أن يطلب استرداد الحيازة ، ويشترط بطبيعة الحال أن تكون هذه السيطرة المادية ظاهرة وهادئة وواضحة. إذ لا يمكن أن تحمي دعوى استرداد الحيازة، وقد شرعت لرد الاعتداء غير المشروع، الحائز الذي حصل على حيازته بالقوة أو بالاكراه . إلا إذا كانت الحيازة قد استقرت هادئة بعد اقترانها باكراه .
ب- لا يلزم استمرار الحيازة مدة سنة :
الأصل أن تستمر الحيازة مدة سنة حتى تكون جديرة بالحماية بدعاوى الحيازة . ومع ذلك فقد خرج المشرع بالنسبة لدعوى استرداد الحيازة على شرط استمرار الحيازة مدة سنة ، وأجاز رفع هذه الدعوى ولو لم تستمر مدة سنة قبل سلب الحيازة ، في حالتين :
الحالة الأولى : إذا فقد المدعي حيازته بالقوة . أي أنه إذا وقع سلب الحيازة بالقوة أو بالكراه ، جاز للحائز رفع دعوى لاسترداد حيازته ولو لم تكن قد استمرت سنة كاملة ( م 959/2 مدني ) . ويستوي أن يكون الاكراه ماديا أو معنويا ، أي أن يكون المعتدي قد استخدم القوة المادية أولجأ إلى الارهاب والتخويف . ويجيز القانون حماية الحائز في هذه الحالة، رغم عدم استمرار حيازته مدة سنة ، رغبة منه في رد القوة على أعقابها نظرا لما في استخدامها من خطورة على الأمن العام .
الحالة الثانية : إذا كانت حيازة المدعي أفضل من حيازة المعتدي. صورة هذه الحالة أن نكون أمام حيازتين ، احداهما حيازة المدعي والأخرى حيازة الذي سلب حيازة الأول ، والفرض أن حيازة أي منهما لم تستمر سنة كاملة. فأي الحيازتين أجدر بالحماية؟ يفاضل القانون في هذه الحالة بين الحيازتين ، ويحمي المدعي لو كانت حيازته أفضل من حيازة خصمه ( م959 مدني ) . ولم يترك القانون المفاضلة لتقدير القاضي ولم يحددها بأي الخصمين يحوز مدة أطول من غيره . وإنما قرر معايير أخرى للتفضيل :
المعيار الأول : الحيازة الأحق بالتفضيل هي التي تستند إلى سند قانوني . وهذا يعني أنه إذا قدم المدعي سندا قانونيا كعقد بيع أو عقد إيجار ، ولم يقدم خصمه سندا لحيازته كانت حيازته أفضل .
المعيار الثاني : وهو معيار احتياطي لا يلجأ اليه القاضي إلا إذا فشل المعيار الأول بسبب تعادل الحيازتان من حيث السند القانوني ، سواء أكان ذلك من حيث وجوده أو عدمه ، فتكون الحيازة الأسبق في التاريخ عن الأخرى هي الحيازة الأحق بالتفضيل .
2- أن يكون هناك سلب للحيازة ( المصلحة العملية ) :
يشترط لقبول دعوى استرداد الحيازة أن تكون الحيازة قد سلبت من الحائز بطريق غير مشروع . أي أن يؤدي الاعتداء إلى فقد الحيازة من المدعي وحرمانه الكامل من الانتفاع بها . وهكذا تتحدد طبيعة الاعتداء الذي يبرر قبول دعوى استرداد الحيازة ، فهو عمل من أعمال الغصب ينتج عنه سلب الحيازة بصفة كاملة ولا سند له من القانون .
فلا يكفي لنشأة دعوى استرداد الحيازة وقوع تعرض أيا كان لحيازة الحائز ، وإنما يجب أن يبلغ هذا التعرض درجة نزع يد الحائز . ففقد الحيازة هو وحده الذي يؤدي إلى نشأة الحق في دعوى لرد هذه الحيازة التي فقدت أما الاعتداء على الحيازة بصفة منقطعة ولفترات مؤقته فيعد تعرضا ، يبرر رفع دعوى منع التعرض لا دعوى استرداد الحيازة .
ويشترط لكي يؤدي فقد الحيازة إلى نشأة هذه الدعوى ، أن يكون هذا الفقد قد تم بطريق غير مشروع أو نتيجة لعمل لا سند له من القانون . ولذا لا تقبل دعوى استرداد الحيازة إذا انتقلت حيازة العقار إلى المدعي عليه برضاء الحائز أو عن طريق القضاء .
فالأصل أن الحيازة تزول إذا تخلى الحائز عن سيطرته الفعليه على الحق ( م 956 مدني ) .
أما نقل الحيازة عن طريق القضاء سواء كان تنفيذاً لحكم قضائي صادر في مواجهة الحائز او بناءا على سند تنفيذي أخر ، فيحول دون قبول دعوى استرداد الحيازة ، وذلك لأن انتقال الحيازة يستند في هذه الحالة الى حجية هذة السندات وقوتها التنفيذية . وعلى الحائز اذا أراد الاعتراض عليها أن يسلك الطريق الذي رسمه المشرع للطعن في الأحكام ، والمنازعة في التنفيذ القضائي .
وإذا توافر هذا الشرط ، فلا يلزم بعد هذا أن يكون سلب الحيازة مصحوباً بإيذاء أو تعد على شخص الحائز ، كما لا يلزم أن يكون مقترنا بالعنف أو بالاكراه . فتنشأ الدعوى ولو حدث سلب للحيازة بالحيلة والخديعة . كذلك يجوز رفع دعوى استرداد الحيازة ، ولو كان الاكراه صادراً من سلطة عامة ، كما لو تخلى الحائز عن عقاره بناءا على أمر من جهة إدارية مثل الشرطة . فالمهم هو أن يكون فقد الحيازة ضد إرادة الحائز .
3- ميعاد رفع دعوى استرداد الحيازة :
طبقا للقاعدة الخاصة بجميع دعاوى الحيازة ، يلزم أن ترفع دعوى الاسترداد خلال سنة من وقوع الاعتداء على الحيازة . وتبدأ مدة السنة من تاريخ فقد الحيازة تماماً. إلا أن المشرع أورد نصا خاصا بالنسبة لدعوى استرداد الحيازة نظراً لخطورة الاعتداء . فتنص المادة 958/1 مدني على أنه إذا كان فقد الحيازة خفية بدأ سريان السنة من وقت أن ينكشف ذلك . ومعنى هذا أن مدة السنة تبدأ من وقت علم الحائز بفقد الحيازة .