دعوى التعويض لصالح أحد الورثة.
ثار جدال واسع وتناقضت أحكام محكمة النقض المصرية – المرجع التاريخي لمحكمة التمييز القطرية – حول مدى حجية الحكم الصادر في دعوى التعويض لصالح أحد الورثة، فذهبت أحكام إلى عدم حيازة هذا الحكم للحجية في مواجهة الورثة الذين لم يُمثلوا بالحكم الصادر ويكون لمن لم يختصم من الورثة في دعوى التعويض أن يقيم دعوى ثانية للمطالبة بحقه في التعويض الموروث في مواجهة المسئول عن جبر الضرر.
بينما اعتنقت أحكام أخرى بالمحكمة ذاتها رأياً مغايراً مفاده عدم جواز إعادة طرح دعوى التعويض الموروث حتى ولو لم يمثل أحد الورثة بالدعوى الأولى لحيازة ذلك القضاء الحجية في مواجهة الورثة جميعاً سواء من تم اختصامهم أو من لم يُمثلوا بها، ولا يكون لهم سوى إقتضاء حقهم من الوارث الذي أقام الدعوى الأولى لكونه ممثلاً لهم في دعوى التعويض الموروث.
ولما أشتد ذلك الجدال، وكان لزاماً توحيد الرأي بشأن هذه المسألة لما لها من أهمية بالغة من الناحية العملية، فقد ارتأت دائرة نظر الطعن رقم 80 لسنة 84 قضائية إحالته إلى الهيئة العامة للمواد المدنية بمحكمة النقض لتوحيد الرأي وتغليب أحد الرأين على الأخر والعمل به، وقد انتهت الهيئة العامة إلى عدة مبادئ بشأن التعويض الموروث، وهي:
1- ثبوت الأحقية في التعويض عن الفعل الضار ولو كان سابقاً للوفاة أو الأصابة بلحظة مادامت الوفاة أو الإصابة كانت نتيجة لهذا الفعل، أي أن الفعل الضار كافٍ لوحده لإستحقاق التعويض.
2- انتقال الحق في التعويض إلى الورثة – مادام قد ثبت هذا الحق للمورث قبل وفاته – كل بحسب نصيبة الشرعي في الميراث إذ أن التعويض في هذه الحالة يدخل في تركة المورث.
3- إقامة دعوى التعويض من أحد الورثة يجعله ممثلاً للورثة جميعاً حتى ولو لم يتم اختصامهم أو تمثيلهم بالدعوى.
4- الحكم الصادر في دعوى التعويض لصالح أحد الورثة يحوز الحجية بالنسبة لبقية الورثة في تحديد مقدار التعويض، فلا يجوز لأيا منهم طلب إعادة تقديره.
5- يمتنع على الوارث الذي لم يمثل في دعوى التعويض التي صدر فيها الحكم والمقامة من غيره من الورثة معاودة مطالبة المسئول عن جبر الضرر بدعوى ثانية، لإنتقال حقه في التعويض قبل من قضي لصالحه به في الدعوى الأولى.
6- للوارث الذي لم يمثل ولم يختصم في الحكم الصادر بدعوى التعويض أن يرجع على من أقام الدعوى وصدر الحكم لصالحه بمقدار ما يستحقه من التعويض المقضي به حسب نصيبه الشرعي.
– وبذلك وحدت الهيئة العامة بمحكمة النقض الرأي حول حيازة الحكم الصادر في دعوى التعويض لأحد الورثة الحجية في مواجهة بقية الورثة، فلا يجوز لمن لم يختصم من الورثة في دعوى التعويض الصادر فيها الحكم إعادة إقامة دعوى ثانية في مواجهة المسئول عن جبر الضرر، وإنما يكون له الرجوع على الوارث الذي استصدر حكماً بالتعويض مطالباً بنصيبه الشرعي من مبلغ التعويض المحكوم به، لكون الأخير ممثلاً للورثة جميعاً بدعوى التعويض الموروث.
حكم الهيئة العامة لمحكمة النقض المصرية
بعد الاطلاع على الأوراق ، وسماع التقرير الذى تلاه السيد القاضي المقرر/ عبد المقصود أحمد عطية ” نائب رئيس المحكمة ” والمرافعة ، وبعد المداولة :
حيث إن الوقائع – على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأرواق – تتحصل في أن المطعون ضده عن نفسه وبصفته ، أقام الدعوى رقم 5997 لسنة 2007 مدني كلي جنوب القاهرة ، على الشركة الطاعنة وآخرين ، بطلب الحكم بإلزامهم بأن يؤدوا إليه تعويضاً عما أصابه من أضرار ؛
وقال بياناً لذلك : إنه بتاريخ 18/5/2006 تسبب قائد إحدى السيارات في وفاة ابنه ، ومن ثم أقام الدعوى ، حكمت المحكمة بعدم قبول الدعوى لرفعها على غير ذي صفة ؛ لعدم تقديم المطعون ضده عن نفسه وبصفته بشهادة بيانات السيارة أداة الحادث ، استأنف الأخير هذا الحكم بالاستئناف رقم 18550 لسنة 125 ق القاهرة ، وقدم شهادة بيانات تلك السيارة ، تفيد أنها برقم …. ملاكي القاهرة ، وأنه مؤمن من مخاطرها لدى الشركة الطاعنة ، والتي دفعت بعدم جواز نظر طلب التعويض الموروث لسابقة الفصل فيه بالحكم الصادر في الدعوى رقم 12 لسنة 2008 مدني كلي الفيوم واستئنافه رقم 32 لسنة 47 ق بنى سويف ” مأمورية الفيوم ” ، وبتاريخ 12/11/2003 قضت المحكمة بإلغاء الحكم المستأنف وبرفض الدفع ، وبإلزام الشركة الطاعنة بأن تؤدي إلى المطعون ضده عن نفسه وبصفته مبلغ ستين ألف جنيه تعويضاً عن الأضرار المادية والأدبية والموروثة ، طعنت الشركة الطاعنة في هذا الحكم بطريق النقض ، فيما قضى به من تعويض موروث ،
وأودعت النيابة مذكرة ، أبدت فيها الرأي بنقض الحكم المطعون فيه جزئيّاً ، وإذ عُرض الطعن على الدائرة المدنية المختصة – في غرفة مشورة – حددت جلسة لنظره ، وفيها التزمت النيابة رأيها ، وبجلسة 4 من مايو سنة 2015 رأت الدائرة إحالة الطعن إلى الهيئة العامة للمواد المدنية والتجارية ومواد الأحوال الشخصية للفصل فيه ، عملاً بالفقرة الثانية من المادة الرابعة من قانون السلطة القضائية الصادر بالقرار بقانون رقم 46 لسنة 1972 المعدل ، إذ ذهبت الأحكام إلى أن الحكم السابق صدوره لأحد الورثة في التعويض المورث يحوز الحجية بالنسبة لباقي الورثة في تحديد مقدار هذا التعويض ، فلا يجوز لهم المطالبة بإعادة تقديره مرة أخرى ،
ويمتنع على الوارث الذى لم يكن ممثلاً في الخصومة التي صدر فيها هذا الحكم معاودة مطالبة المسئول عن جبر الضرر بهذا التعويض بدعوى لاحقة لانتقال حقه فيه قبل من قضى لصالحه به في الدعوى الأولى ، حسب نصيبه الشرعي في الميراث ، باعتبار أن المقضي له ممثلٌ للورثة في تلك الخصومة ، بينما ذهبت بعض الأحكام الأخرى ، إلى أن الحكم بالتعويض الموروث لوارث في دعوى سابقة لا يمنع من لم يكن خصماً من الورثة فيه من المطالبة بدعوى لاحقة بتقدير تعويض يزيد عما حكم به لغيره من الورثة ، فإنه يتعين درءاً لتباين المواقف في الخصومة الواحدة ، وتوحيداً للمبادئ ، العدول عن أحد المبدأين السابقين ، وإذ حددت الهيئة جلسة لنظر الطعن ، أودعت النيابة مذكرة تكميلية التزمت فيها رأيها.
وحيث إن التعويض الموروث هو حق لمن وقع عليه الفعل الضار من الغير ، إذ إن هذا الفعل لابد أن يسبق الموت ولو بلحظة مهما قصرت ، كما يسبق كل سبب نتيجته ، إذ في هذه اللحظة يكون المجنى عليه ما زال أهلاً لكسب الحقوق، ومن بينها حقه في التعويض عن الضرر المادي الذى لحقه ، وحسبما يتطور هذا الضرر ويتفاقم ومتى ثبت له هذا الحق قبل وفاته فإن ورثته يتلقونه عنه في تركته ، كل بحسب نصيبه الشرعي في الميراث ، ويحق لهم بالتالي مطالبة المسئول بجبر الضرر المادي الذى سببه لمورثهم ، لا من الجروح التي أحدثها الفعل الضار به فحسب وإنما أيضاً من الموت الذى أدت إليه هذه الجروح ، باعتباره من مضاعفاتها ،
ومن ثم فإنه إذ ما تقرر الحق في التعويض ، وقُدِّر بحكم حائز لقوة الأمر المقضي به ، فلا تجوز إعادة النظر في تقديره مرة أخرى ، ويمتنع على الوارث الذى لم يكن ممثلاً في الخصومة التي صدر فيها هذا الحكم ، معاودة مطالبة المسئول عن جبر الضرر بهذا التعويض بدعوى لاحقة لانتقال حقه فيه قبل من قضى لصالحه به في الدعوى الأولى حسب نصيبه الشرعي في الميراث ، باعتبار أن المقضي له بالتعويض كان ممثلاً للورثة تلك الخصومة ، وأن الحكم الصادر فيها لصالحه قد فصل في مسألة أساسية مشتركة ونهائية لا تتغير وتناقش فيها الطرفان في تلك الدعوى ، بما يمنع من إعادة النظر في تلك المسألة بدعوى لاحقة ،
لما كان ذلك ؛ فإن الهيئة تنتهى إلى الأخذ بهذا النظر بالأغلبية المنصوص عليها في الفقرة الثانية من المادة الرابعة من قانون السلطة القضائية ، والعدول عن الأحكام التي ارتأت غير ذلك ، والفصل في الطعن على هذا الأساس .
وحيث إن الشركة الطاعنة تنعى بسبب الطعن على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون ، وإذ رفض الدفع بعدم جواز نظر طلب التعويض الموروث لسابقة الفصل فيه بالحكم الصادر في الدعوى رقم 12 لسنة 2008 مدني كلي الفيوم واستئنافه رقم 32 لسنة 47 ق بنى سويف ” مأمورية الفيوم ” على سند من أن المطعون ضده عن نفسه وبصفته لم يكن خصماً في تلك الدعوى ، بالمخالفة لما استقر عليه قضاء محكمة النقض ، من أن الوارث الذى يطالب بالتعويض الموروث يمثل الورثة ويكون الحكم الصادر حجة عليهم جميعاً من اُختصم منهم في الدعوى أو من لم يختصم فيها ، بما يعيبه ، ويستوجب نقضه .
وحيث إن هذا النعي سديد ؛ ذلك بأن من المقرر – وعلى ما انتهت إليه الهيئة – أن الوارث الذى يطالب بحق من حقوق التركة قبل الغير ، ينتصب ممثلاً للورثة ، فيما يُقضى به لها ، وأن الدعوى التي يقيمها أحد الورثة بطلب نصيبه في التعويض الموروث ، تطرح على المحكمة حتماً طلب تقدير التعويض المستحق للتركة ، باعتباره مسألة أولية لازمة للفصل في هذا الطلب، ومن ثم فإنه إذا ما تقرر التعويض وقُدر بحكم حائز لقوة الأمر المقضي ، فإنه يحوز حجية بالنسبة لباقي الورثة ،
فلا تجوز إعادة النظر في تقدير مرة أخرى ، ويمتنع على الوارث الذى لم يكن ممثلاً في الخصومة التي صدر فيها هذا الحكم ، معاودة مطالبة المسئول عن جبر الضرر بهذا التعويض بدعوى لاحقة ، لانتقال حقه فيه قبل من قضى لصالحه في الدعوى الأولى حسب نصيبه الشرعي في الميراث ، وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر ، ورفض الدفع بعدم جواز نظر طلب المطعون ضده عن نفسه وبصفته بالتعويض المادي الموروث لسابقة الفصل فيه بالحكم الصادر في الدعوى رقم 12 لسنة 2008 مدنى كلى الفيوم واستئنافه رقم 32 لسنة 47 ق بنى سويف ” مأمورية الفيوم ” والتي أقامها وارث آخر بطلب التعويض الموروث ،
وبإلزام الطاعنة بأن تؤدى إليه تعويضاً ماديّاً وأدبيّاً ومورثاً على سند من أن المطعون ضده لم يكن مختصماً عن نفسه وبصفته في ذلك الحكم المحاجّ به ، فإنه يكون معيباً، بما يوجب نقضه جزئيّاً ، فيما قضى به من تعويض مادى موروث للمطعون ضده عن نفسه وبصفته .
وحيث إنه عن موضوع الاستئناف – بالنسبة لما نُقض من الحكم المطعون فيه – صالح للفصل فيه ، ولما تقدم ؛
لذلــــــك
نقضت الهيئة الحكم المطعون فيه نقضاً جزئيّاً فيما قضى به من تعويض موروث للمطعون ضده عن نفسه وبصفته ، وألزمت الأخير المصروفات ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة ، وحكمت في موضوع الاستئناف رقم 18550 لسنة 125 ق القاهرة ، بعدم جواز نظر طلب التعويض الموروث لسابقة الفصل فيه ، بالحكم الصادر في الدعوى رقم 12 لسنة 2008 مدنى كلي الفيوم واستئنافه رقم 32 لسنة 47 ق بنى سويف ” مأمورية الفيوم ” ، وألزمت المستأنف عن نفسه وبصفته بالمناسب من المصروفات وأمرت بالمقاصة في أتعاب المحاماة .
(“الطعن رقم 80 لسنة 84 ق جلسة 19/ 3 /2016 مكتب فني 64 هيئة عامة ق 1 ص 7”)