سند إنقضاء الدعوى الجنائية بمضي المدة وسقوط العقوبة.
ان الدفع بانقضاء الدعوى الجنائية بمضي المدة والدفع بسقوط العقوبة هما دفعان من اهم الدفوع التي يتم ابداؤها في الدعاوى الجنائية ، إلا أنهما يختلفان عن بعضهما فلكل واحد منهما شروط ومجال انطباقه .
وهو الامر الذي يؤدي إلى أنه يجب التفرقة بينهما لبيان متى يتم ابداء كل دفع منهما أمام المحكمة .
أولا / الدفع بانقضاء الدعوى الجنائية :-
يحكم الدفع بالانقضاء بمضي المدة المادة ۱۵ من قانون الإجراءات الجنائية والتي تنص في فقرتها الأولى على ( تنقضي الدعوى الجنائية في مواد الجنايات بمضي عشر سنين من يوم وقوع الجريمة ، وفي مواد الجنح بمضي ثلاث سنين ، وفي مواد المخالفات بمضي سنة ، ما لم ينص القانون على خلاف ذلك ) .
والعلة من تقرير هذا التقادم هو مضي أو فوات مدة من الوقت طويلة نسبيا على ارتكاب الجريمة دون اتخاذ أي إجراء من إجراءاتها ، أي أن الجريمة طواها النسيان إضافة إلى اعتبارات الاستقرار .
والدفع بالانقضاء لا يرد إلا على الدعوى الجنائية التي لم يصدر فيها حكم نهائي بات ، وبالتالي فإن أثره يكون عدم جواز مباشرة الدعوى الجنائية ، بمعنى آخر يمكن القول أنه من تاريخ أخر إجراء صحيح في الدعوى الجنائية شريطة عدم صدور حكم نهائي بات .
ويبدأ احتساب مدة التقادم في انقضاء الدعوى الجنائية من اليوم التالي لاكتمال الجريمة ، أما في حالة الجريمة المستمرة التي يظل ارتكابها متجددا إلى حين وقف حالة الاستمرار سواء بضبط الجاني أو باستنفاذه نشاطه المجرم أو وقفه إياه بإرادته يبدأ احتساب مدة التقادم في اللحظة التي تقف فيها حالة الاستمرار .
ويلاحظ أن التقادم المؤدي لانقضاء الدعوى الجنائية يرد عليه الانقطاع فقط لا الوقف ، فطبقا لنص المادة ۱٦ من قانون الإجراءات الجنائية التي تنص على ( لا يوقف سريان المدة التي تسقط بها الدعوى الجنائية لأي سبب كان ) .
فانقطاع مدة التقادم يعني أن سببا ما قد طرأ وأدى إلى زوال المدة السابقة وبالتالي يتعين البدء في احتساب مدة جديدة للقول بالتقادم المؤدي إلى انقضاء الدعوى الجنائية لا تضاف إليها المدة السابقة .
فالتقادم المؤدي لانقضاء الدعوى الجنائية لا يرد عليه الوقف بل الانقطاع فقط ، حيث أن الوقف تضاف إليه المدة السابقة إذا طرأ سبب ما أدى إلى وقف مدة التقادم ، خلافا للانقطاع الذي يجب معه بدء مدة جديدة .
والانقطاع يخضع لنص المادة ۱۷ من قانون الإجراءات الجنائية التي تنص على ( تنقطع المدة بإجراءات التحقيق أو الاتهام أو المحاكمة وكذلك بالامر الجنائي أو بإجراءات الاستدلال إذا اتخذت في مواجهة المتهم أو إذا اخطر بها بوجه رسمي وتسري المدة من جديد إبتداء من يوم الانقطاع ، وإذا تعددت الإجراءات التي تقطع المدة فإن سريان المدة يبدأ من تاريخ آخر إجراء ) .
وطبقا للنص السالف يتضح لنا أن الأسباب التي حددها القانون لقطع التقادم في الدعوى الجنائية هي خمس الثلاثة الأولى منها إجراءات الاتهام وإجراءات التحقيق وإجراءات المحاكمة ولا يشترط أن تتم في مواجهة المتهم أو أن يخطر بها على وجه رسمي .
وهي تكون منتجة لأثرها في قطع التقادم حتى ولو جرت في غيبة المتهم أو وجهت إلى غير المتهم الحقيقي .
أما السببان الآخران فهما إجراءات الاستدلال والامر الجنائي إلا أنهما يجب أن يتما في مواجهة المتهم أو أن يخطر بهما على وجه رسمي .
هذه هي الإجراءات الخمس القاطعة للتقادم وما عدا ذلك فلا يؤدي إلى انقطاعه.
وبناء على ذلك إذا ما انقضت مدة التقادم دون حدوث أي انقطاع تكون الدعوى الجنائية قد انقضت بمضي المدة ، فإذا ما كانت الدعوى الجنائية ما زالت بحوزة النيابة العامة وجب عليها أن تصدر قرارها بحفظ الدعوى ، أما إذا كانت الدعوى قد أحيلت إلى المحكمة فيكون لزاما عليها أن تصدر حكمها بانقضاء الدعوى الجنائية بمضي المدة .
وهو حكم يعادل الحكم بالبراءة للمتهم ، والمحكمة بهذا القضاء هي لم تتعرض لموضوع الدعوى على الاطلاق أي لم يتم تفنيد وقائعها وادلتها .
والدفع بانقضاء الدعوى الجنائية بمضي المدة هو دفع من النظام العام ، أي يجب على المحكمة أن تقضي به من تلقاء نفسها ، وبناء على هذا الدفع لا يكون هناك سبيل لمحاكمة المتهم عن ذات موضوع الدعوى من جديد حتى لو كان ذلك بوصف آخر .
ثانيا / الدفع بسقوط العقوبة :-
نظمت المادة ۵۲۸ من قانون الإجراءات الجنائية الأحكام الخاصة بسقوط العقوبة فنصت على ( تسقط العقوبة المحكوم بها في جناية بمضي عشرين سنة ميلادية ، إلا عقوبة الاعدام فإنها تسقط بمضي ثلاثين سنة . وتسقط العقوبة المحكوم بها في جنحة بمضي خمس سنين . وتسقط العقوبة المحكوم بها في مخالفة بمضي سنتين ) .
من نص المادة السالفة يبين لنا أن التقادم في هذه الحالة يتطلب صدور حكم نهائي بات في الدعوى الجنائية ، أي أنه حكم لا يقبل الطعن عليه بأي طريق من طرق الطعن وذلك إما لفوات المواعيد المحددة للطعن على الحكم ، أو لاستنفاذ طرق الطعن المقررة قانونا .
ويبدأ احتساب مدة التقادم المسقطة للعقوبة في الأحكام الجنائية من وقت صيرورة الحكم نهائيا باتا ، إلا أنه استثناءا من ذلك الأصل فإنه في حالة صدور حكم غيابي من محكمة الجنايات في جناية فإن حساب مدة التقادم يبدأ من يوم صدور الحكم ، والأثر المترتب على الدفع بالتقادم المسقط للعقوبة هو عدم جواز تنفيذ العقوبة .
ويتلاحظ من نص المادة السالفة أيضا أن مدة التقادم المقررة فيها أطول من المدة المقررة لانقضاء الدعوى الجنائية بمضي المدة ، والعلة في ذلك أن وجود حكم نهائي بات إنما هو دليل على ارتكاب الجاني لجريمته ومسئوليته عنها ، على عكس الامر في حالة انقضاء الدعوى الجنائية حيث أن المحكمة لم تتعرض لموضوع الدعوى من الأساس كما ذكرنا سابقا .
والتقادم المسقط للعقوبة يرد عليه الوقف والانقطاع وذلك على عكس التقادم في انقضاء الدعوى الجنائية الذي يرد عليه الانقطاع فقط .
فمدة التقادم تنقطع إذا ما ألقي القبض على المحكوم عليه بعقوبة مقيدة للحرية وكذا تنقطع بكل إجراء من إجراءات التنفيذ التي تتخذ في مواجهة المحكوم عليه أو تتصل بعلمه ، بل إن مدة التقادم تنقطع إذا ما ارتكب المحكوم عليه خلال فترة التقادم جريمة أخرى من نوع الجريمة التي حكم عليه بسببها أو مماثلة لها .
كما أن مدة التقادم يرد عليها الوقف في حال وجد أي مانع يحول دون مباشرة تنفيذ الحكم سواء كان هذا المانع قانوني أو مادي ، كما أن التقادم يوقف لسبب مهم ألا وهو كون المحكوم عليه متواجد خارج البلاد ، حيث يعد ذلك مانعا يوقف سريان مدة التقادم .
هكذا نكون قد أوردنا أهم الاختلافات بين هذين الدفعين المهمين في مجال القانون الجنائي الدفع بانقضاء الدعوى الجنائية بمضي المدة والدفع بسقوط العقوبة .