شهادة الشهود وطرق الطعن في شهادة الزور
الشهادة
إنّ الشهادة تعدّ من أهم طرق الإثبات، سواء في المسائل المدنية أم الجزائية، وهي عبارة عن تقرير الإنسان عمّا سمعه أو أدركه بإحدى حواسه من وقائع، وعلى من يؤدي الشهادة أن يتحلى بصفة الصدق، وأن يبتعد عن قول الزور مهما كانت الأثمان؛ لأن الشهادة التزام دينيّ وواجب أخلاقيّ، وحثّ القرآن الكريم على أدائها وعدم الامتناع عنها، قال تعالى: {وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ ۚ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ ۗ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ}[١]، وبناءً على ما تقدم، سيتم توضيح مفهوم الشهادة، وشروط الشاهد، وكيفية الطعن في شهادة الشهود، وكيفية آدائها.
مفهوم الشهادة
يُعرِّف فقهاء العرب الشهادة على أنّها: “إخبار الإنسان في مجلس القاضي بحق لشخص على آخر”، وبالتالي فالشهادة هي خبر يصدر عن الإنسان، والخبر قد يحتمل الصدق أو الكذب، لذلك فإن الشاهد عند امتثاله أمام الجهات القضائية فإنه يحلف يمينًا على أن قوله صحيح، وأن يدلي بشهادته بكل صدقٍ وأمانة ودون انحياز لأي طرف من أطراف الدعوى، وكذلك القاضي يأخذ من حيث الأصل أن الشاهد يعدّ صادقًا في شهادته دون أن يحابي أي طرف من الخصوم، لذلك تعدّ الشهادة من أهم طرق الإثبات بعد الأدلة الكتابية؛ لأن الكتابة دليل قاطع لا يمكن إثبات عكسه إلا بالتزوير في السندات الرسمية، وبالإنكار أو التزوير في السندات غير الرسمية، أما الشهادة فمن الممكن إغواء إنسان وإعطاؤه مبلغًا معيّنًا للإدلاء بشهادة كاذبة أمام المحكمة، كذلك إنّ طبيعة النفس الإنسانية معرّضة للنسيان، لذلك يعد الدليل الكتابي أقوى من الشهادة.[٢]
الشروط الواجب توفرها في الشاهد
يجب أن يكون موضوع الشهادة ذا أهميّة كبيرة في الدعوى، وبالإضافة إلى ذلك هنالك شروط وضوابط يجب أن تتوفّر في الشاهد لقبول شهادته وإلا تعرضت شهادته للطعن، كما سيتم بيانها في كيفية الطعن في شهادة الشهود، وتُجمَل هذه الشروط كالآتي:[٣]
1- التمييز: والذي يقصد به الإداراك، فيجب أن تصدر الشهادة من شخص تتوفّر لديه الإمكانيات العقلية التي تؤهله للشهادة؛ لأن الشهادة هي عبارة عن سلسلة من الإمكانيات العقلية الواجب صدورها من شخص مكلّف، فلا تقبل شهادة الصغير غير المميّز، ولا شهادة المجنون أو المعتوه أو المصاب بمرض عقلي نتيجة الشيخوخة.
2-حرية الإختيار: يجب أن تصدر الأقوال عن الشاهد بحرية، دون أي إكراه أو تهديد؛ لأن الشهادة التي تعتمدها المحكمة هي الشاهدة التي تصدر عن الشاهد بكامل اختياره دون أي ضغوطات.
3-حلف اليمين: يجب على الشاهد أن يحلف يمينًا قبل أداء شهادته بأن يقول الحق دون زيادة أو نقصان، وبالتالي فإن الشهادة غير المسبوقة بيمين تعدّ باطلة، ولا يجوز الاستناد إليها بأي حال من الأحوال؛ لأن حلف اليمين إجراء متعلق بالنظام العام ولا يجوز مخالفته.
4-عدم التعارض: يجب أن يكون الشاهد محايدًا، ولا يجوز له تحت أي ظرف أن تكون له مصلحة لأداء الشهادة، كأن يكون موعودًا بمبلغ ماليّ إذا أدّى شهادة منافية للحقيقة، فعندها تعدّ شهادته باطلة ولا يمكن قَبولها. كيفية الطعن في شهادة الشهود فيما يأتي حديث موجز عن
كيفية الطعن بشهادة الشهود
يعود أمر قبول الشهادة أثناء المحاكمة إلى قاضي الموضوع، فله سلطة تقديرية في ذلك، أما إذا تبين أن الشهادة التي أدلى بها الشاهد أمام الجهات القضائية أنها غير صحيحة، أو اختل شرط من الشروط الواجب توفّرها في الشاهد للأخذ بشهادته كدليل إثبات، بعد أن صدر حكم قطعي على المتهم أو المدعى عليه بجناية أو جنحة، حينها يتم ملاحقة شاهد الزور بسبب شهادته الكاذبة والحكم عليه بسبب ارتكابه جرم الشهادة الكاذبة، وقد تصل عقوبته إلى الأشغال الشاقة المؤقتة، وإذا كان لهذه الشهادة تأثير جوهري بالحكم بالإدانة يتم إعادة المحاكمة من جديد، عن طريق تقديم طلب إلى المحكمة التي أصدرت الحكم بالإدانة بإعادة المحاكمة لتوفّر حالة من التي يجب إعادة المحاكمة بها، وعلى المحكمة إن تبين لها صحة الطلب أن تعيد المحاكمة، وهكذا تبين كيفية الطعن في شهادة الشهود.[٤]
كيفية أداء الشهادة
بعد الحديث عن كيفية الطعن في شهادة الشهود لا بدّ من معرفة كيف يدلي الشاهد بشهادته أمام النيابة العامة أو المحكمة، حيث يقوم الخصم أو محامي الخصم بذكر أسماء الشهود في قائمة البينات التي تقدم للجهة القضائية المختصة، ويجب ذكر الإسم الرباعي للشاهد بالإضافة إلى مكان سكنه أو عمله، وأيضًا موضوع شهادته، وعلى الشاهد الحضور في اليوم والوقت المحدد للإدلاء بشهادته، وإن لم يأتي يتم إحضاره بالقوة من قبل الجهات القضائية بواسطة رجال الضابطة العدلية، ويحلف كل شاهد اليمين قبل الأداء بشهادته أمام الجهات القضائية، وبالنسبة للشهود الذي لا يتحدثون اللغة العربية يقوم المترجم القانوني المعتمد لدى المحكمة بترجمة أقواله بعد حلفه ليمين الشهادة، ويجب أن يتم سماع شهادة كل شاهد بمفرده دون وجود أي شاهد لم تسمع شهادته بعد.[٥]
ومعنى ذلك أنّه يجب على المحكمة أن تستمع إلى الشاهد وحده دون وجود أي شاهد آخر لم يتم الإستماع إلى شهادته بعد، لكن إذا أدلى شاهد معين بشهادته ثم جاء شاهد آخر لإدلاء شهادته من الممكن للشاهد الأول أن يبقى، وممكن للخصم أو محاميه استجواب الشاهد الذي قام بدعوته للشهادة، كذلك الأطراف الأخرى يمكن لهم مناقشة الشاهد، وعلى كاتب المحكمة أن يدون شهادة الشاهد حرفيًا كما أدلى بها دون أي زيادة أو نقصان، ويجب أن يوقع كل شاهد على أقواله، ومن الممكن للمحكمة أن تكتفي بشهادة شاهد واحد، إذا لم يعترض الخصم عليها، أو إذا تأيدت ببينة مادية تعتبرها المحكمة كافية لتأييد شهادته.[٥]