صفة الموكل في القوانين الوضعية
الموكل في القوانين الوضعية هو أيضاً المدعي والمدعى عليه في الخصومة ويطلق عليه مصطلح الخصم. والخصم هو من يقدم باسمه طلباً الى القاضي للحصول على حماية قضائية او من يقدم في مواجهته هذا الطلب. ويشترط القانون العراقي في الخصم توافر الاهلية فقد نصت المادة من قانون المرافعات المدنية على انه ( يشترط ان يكون كل من طرفي الدعوى متمتعا بالاهلية اللازمة لاستعمال الحقوق التي تتعلق بها الدعوى والا وجب ان ينوب عنه من يقوم مقامه قانونا في استعمال هذه الحقوق). ان الأهلية المقصودة في هذا النص هي أهلية التقاضي التي يقصد بها صلاحية الخصم لمباشرة الدعوى او القيام بإجراءات التقاضي على وجه يعتد به قانونا(3) وهي لاتخرج عن أهلية الأداء التي هي صلاحية الشخص للقيام بالتصرفات على وجه يعتد به شرعاً.
يتضح مما تقدم ان الخصم يملك أهلية التقاضي اذا كان بالأصل يملك صلاحية استعمال الحق موضوع الخصومة بنفسه والذي يؤيد ذلك ان الفقه العراقي ذهب في أهلية التقاضي الى القول ان عديم الأهلية كالصبي غير المميز والمجنون والمعتوه والمحجور عليه لايصح ان يكون اهلا لمباشرة الدعوى بتاتا، وان ناقص الاهلية كالصبي المميز يجوز له على حد تعبير القانون ان يمارس الدعوى عن التصرفات التي له فيها نفع محض، اما دعاوى التصرفات والحقوق التي تدور بين النفع والضرر، فلا تسمع دعواه نهائيا، ويقوم ممثله كالوالي او الوصي او القيم بمباشرة الدعوى نيابة عنه. ان هذا الموقف القانوني والفقهي من أهلية التقاضي لم يعد مطلقا بعد صدور قانون رعاية القاصرين رقم 78 لسنة 1980 ، اذ بعد صدور قانون رعاية القاصرين أصبح استعمال الحقوق المالية مقتصرا على من كان كامل الأهلية، والشخص يكون كامل الأهلية ببلوغه سن الرشد، الذي يرجع في تحديده إلى القانون الوطني. وطبقا للقانون العراقي يكون الشخص بالغا سن الرشد بأتمامه سن الثامنة عشرة من العمر ويعد الصغير المأذون له بالتصرف بمنزلة الشخص الكامل الاهلية في حدود الاذن الممنوح له كما ويعد الصغير الذي اكمل السن الخامسة عشرة من العمر وتزوج بأذن المحكمة كامل الأهلية.
ان وجوب استعمال الحقوق المالية من قبل الشخص الكامل الاهلية يعني ان الخصم في الدعاوى المتعلقة بمثل هذه الحقوق يجب ان يكون كامل الاهلية، مما يستتبع القول ان الموكل في مثل هذه الدعاوى يجب ان يكون كامل الاهلية، فأن لم يكن الخصم كامل الاهلية فوجب ان ينوب عنه من يمثله قانونا. ويكون الشخص غير متمتع بالاهلية الكاملة عندما يعد قاصرا، ويقصد بالقاصر الصغير والجنين والمحجور الذي تقرر المحكمة انه ناقص الاهلية او فاقدها والغائب المفقود. ويترتب على عدم تمتع القاصر بالاهلية الكاملة انه لايكون طرفاً في عقد الوكالة بالخصومة لفقدانه صلاحية استعمال الحقوق المالية المتعلقة بها الدعوى لذا يكون الولي او الوصي والقيم عليه هو الموكل عنه بخصومته، الا ان هذا التوكيل لايعتد به الا اذا وافقت مديرية رعاية القاصرين عليه، ذلك ان الولي والوصي والقيم على القاصر لايجوز له مباشرة خصومة القاصر الا بموافقة مديرية رعاية القاصرين، فمن باب أولى أن يكون توكيلهم عمن هم تحت ولايتهم معلقا على موافقة مديرية رعاية القاصرين.
وتجدر الإشارة الى ان القانون العراقي أجاز للمحكمة ان تعين للقاصر وصيا في الخصومة في حالة تعارض مصلحة الخصم القاصر مع مصلحة الولي او الوصي او القيم عليه، وان هذا الوصي سيكون هو المخول بالتوكيل عن القاصر في خصومته، وفي حالة عدم وجود من يقوم بأدارة شؤون القاصر فان مديرية رعاية القاصرين هي التي تتولى مباشرة أعمال القاصر بما فيها خصومته ، وبهذا الخصوص قضت محكمة تمييز العراق بأنه (لدى التدقيق والمداولة وجد ان الطعن التمييزي مقدم ضمن المدة القانونية قرر قبوله شكلا ولدى عطف النظر على الحكم المميز وجد انه غير صحيح ومخالف للقانون اذ يصح اختصام مديرية رعاية القاصرين إضافة لوظيفته في كل ما للقاصر وما عليه من حقوق في أي شأن من شؤون القاصر مع كل الأشخاص الطبيعية والمعنوية). ومن الجدير بالذكر ان المحجور عليه بسبب الإعسار او الإفلاس يعد بحكم القاصر في نطاق الأموال التي غلت يده عنها ضمانا لحقوق دائنيه، اما الأموال التي لم تغل يده عنها كالأموال التي لا يجوز حجزها وكذلك مسائل الأحوال الشخصية فأنه يبقى محتفظا بصلاحية استعمالها، مما يستتبع القول بحقه بالتوكيل في خصوماته الناشئة عن استعمال هذه الحقوق والأموال التي لم تغل يده عنها بسبب الإعسار او الإفلاس.
واذا كانت معظم الحقوق تشترط الاهلية الكاملة –اكمال سن الرشد– لممارستها فأن الحقوق الناجمة عن مسائل الاحوال الشخصية – كالحق في الزواج وحق الحضانة-تجوز ممارستها بالبلوغ الشرعي ويترتب على ذلك أن الشخص الذي بلغ البلوغ الشرعي وان لم يكمل سن الرشد فأنه يستطيع استعمال هذه الحقوق، ومن الممكن ان يكون خصما في الدعاوى المتعلقة بهذه الحقوق، مما يستتبع القول بجواز توكيله بالخصومة المتعلقة بمثل هذه الحقوق –الحقوق غير المالية–. ان من الصحيح القول ان أهلية التقاضي يتمتع بها الشخص الطبيعي والشخص المعنوي على حد سواء، ويعد ذلك نتيجة حتمية لاكتساب الشخص للشخصية القانونية، ولكون الشخص المعنوي شخصاً خيالياً مفترضاً، فقد أوجب القانون ان يتخذ له شخصا طبيعيا يعبر عن إرادته ويتولى شؤونه بوصفه ممثلا له، ومن الأمور المخول القيام بها حق التوكيل في خصومة الشخص المعنوي أمام القضاء بصفته ممثلا عنه لا بصفته الشخصية. أخيرا نلاحظ ان بعض قرارات القضاء العراقي تعد الصغير الذي أكمل الخامسة عشرة من العمر وتزوج بأذن المحكمة كامل الأهلية في المسائل المتعلقة بالأحوال الشخصية وقاصرا فيما عداها من الأحوال على الرغم من وضوح الفقرة اولا من المادة الثالثة من قانون رعاية القاصرين، فقد قضت محكمة استئناف بغداد/ الرصافة بصفتها التمييزية بأن (…المميز (أ) المتزوج في السادسة عشر من عمره فهو يعتبر بالغا فيما يتعلق بالأحوال الشخصية أما فيما يتعلق بالقضايا المالية والتجارية فأنه يعتبر مازال قاصرا …).
ان الأخذ بهذه القرارات يستتبع القول ان الصغير الذي أكمل الخامسة عشرة من العمر وتزوج بأذن المحكمة يحق له التوكيل في دعاوى الاحوال الشخصية فقط، اما بقية الدعاوى فلا يجوز له لانه مازال قاصرا، وهذا غير صحيح لان نص الفقرة اولا من المادة الثالثة من قانون رعاية القاصرين حسم المسألة بنص واضح لاغموض فيه يقتضي الاجتهاد. وفي الوقت نفسه نجد ان القضاء العراقي اجاد في تطبيق المادة (97) من قانون العقوبات العراقي، اذ قضت محكمة تمييز العراق بأن ( … ان المدعو (ع.م.ص) يعتبر متمتعا بالاهلية وان الحكم عليه بالحبس لمدة ثلاثة سنوات بالدعوى الجزائية المرقمة (167/غم/2000) في 22/4/2000 وثلاثة سنوات اخرى بالدعوى الجزائية المرقمة (841/غ. م/2000) في 14/9/2000 لا يفقده أهليته وفقاً ما تقدره المادة (97) من قانون العقوبات التي تشترط صدور حكم بالسجن وعليه فأن تقديم الطعن الاستئنافي من قبل القيمة عليه لا يستند إلى سبب قانوني صحيح …).
ونرى ان هذا الموقف القضائي جدير بالتأييد لموافقته لحكم القانون، ذلك ان حرمان الشخص من ادارة امواله والتصرف فيها يعد من قبيل العقوبة، والعقوبات قيد على الحرية لذا لايجوز فرضها إلا بنص -لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص- وان القيد الوارد في المادة (97) من قانون العقوبات لايشمل حالة تجاوز مجموع الاحكام الجزائية الصادرة بالحبس عن خمس سنوات بل نطاق تطبيق هذا النص مقيد في حالة صدور حكم جزائي بالسجن أكثر من خمس سنوات. ويترتب على هذا ان الشخص الذي تصدر بحقه عدة أحكام جزائية مجموعها يقضي بحبسه أكثر من خمس سنوات على التوالي لايفقده حق إدارة أمواله والتصرف فيها مما يستتبع القول بأن حقه في توكيل غيره في خصومته لايفقده لعدم إمكانية تطبيق المادة (97) من قانون العقوبات العراقي على هذه الحالة وبقائه محتفظا بكامل أهليته. أما القانون الأردني والمصري، فالملاحظ أن قانون أصول المحاكمات المدنية الأردني وقانون المرافعات المدنية والتجارية المصري لم يتضمنا نصا مشابها لنص المادة (3) من قانون المرافعات المدنية العراقي، وقد برر الفقه موقف القانونين الأردني والمصري من عدم النص على شرط تمتع الخصوم بالأهلية بالقول أن القواعد العامة المنظمة للأهلية كافية للتأكيد على ضرورة توافر هذا الشرط لدى الخصوم. ويضيف الفقه انه استنادا إلى القواعد العامة فأن الخصم يكتسب أهلية التقاضي ببلوغه سن الرشد غير محجور عليه لعارض من عوارض الأهلية ويعد القاصر المأذون له بالتجارة متمتعا بأهلية التقاضي بخصوص الأعمال الداخلة ضمن نطاق الإذن، كما أن الشخص المعنوي يمتلك أهلية التقاضي، إلا انه يتعذر عليه من الناحية الفعلية أن يمارسها إلا بواسطة شخص طبيعي. واذا لم يتمتع الخصم باهلية التقاضي، فانه يمنع من التقاضي بنفسه، ويتم التقاضي عنه بواسطة من يمثله تمثيلا قانونيا صحيحا في الخصومة عن طريق الولي او الخصم او القيم اذا كان هنالك تعارض في المصالح بين ناقص الاهلية ومن يمثله قانونا، او عندما لايكون لناقص الاهلية من يمثله، فأنه يتعين تعيين ممثل ينوب عنه في خصومه لدى القضاء يسمى وصي الخصومة.
ويرى الفقه ان عدم بلوغ سن الرشد لا يحول دون التمتع باهلية التقاضي بالنسبة للدعاوى ذات الطابع الشخصي البحت مثل دعوى النسب او بطلان الزواج وغيرهما، ويبدو ان السبب في جواز التقاضي في مثل هذه الدعاوى ان الحقوق المتعلقة بها يجوز استعمالها من قبل من بلغ البلوغ الشرعي ولاتعتمد في استعمالها على بلوغ سن الرشد. ويمكن القول من خلال معرفة موقف القانون الاردني والمصري ان هنالك توافقاً بين هذين القانونين والقانون العراقي فيما يتعلق بأهلية التقاضي، فالشخص الذي يملك صلاحية استعمال الحقوق يحق له التقاضي في الدعاوى التي تتعلق بهذه الحقوق، ويحق له توكيل غيره في ممارسة إجراءات التقاضي وتمثله امام القضاء، والشخص الذي لايملك صلاحية استعمال الحقوق لا يمكن له التقاضي في الدعاوى التي تتعلق بها الا بواسطة من يمثله قانونا، وان من يمثله قانونا هو الذي يحق له توكيل من يباشر اجراءات التقاضي وتمثيله أمام القضاء. أما القانون الفرنسي فأنه لم يتطرق إلى شرط تمتع الخصم بأهلية التقاضي في قانون الاجراءات المدنية –شأنه شأن القانونين الأردني والمصري – الا ان هذا الشرط يعد ضروريا على حد تعبير الفقه الفرنسي حتى يتمكن الخصوم من المثول أمام القضاء، والا وجب ان ينوب عنهم من يمثلهم او يساعدهم قانونا، وان أحكام القانون المدني المنظمة للأهلية واجبة التطبيق على هذه الحالة.
وطبقا للقواعد العامة فأن الشخص يتمتع بأهلية التقاضي إذا كان متمتعا بالأهلية الكاملة ويكون الشخص كامل الأهلية في القانون الفرنسي إذا أكمل الثامنة عشرة من العمر، ففي هذه السن يحق للشخص استعمال الحقوق كلها ومنها حق التوكيل بخصومته، ويحق لمن بلغ السادسة عشرة من العمر وحصل على اذن له بالتجارة ممارسة التوكيل بالخصومة المتعلقة بالحقوق الداخلة ضمن نطاق الاذن. اما القاصر بسبب صغر السن، فان وليه او وصيه يتولى عملية تمثيله أمام القضاء، ولمجلس العائلة (الأسرة) ان يفرض عليه القيام بهذه المهمة اذا لم يبادر من تلقاء نفسه بعملية التمثيل. نستنتج من ذلك انه في خصومة الصغير، فان وليه أو وصيه يباشر التوكيل نيابة عنه بما له من حق مباشرة خصومته وتمثيله أمام القضاء. ويلاحظ ان القانون الفرنسي لايفرض الوصاية او القوامة على الشخص البالغ اذا كان يعاني من عجز في قواه العقلية او كان في حالة سفه او طيش او غفلة الا بعد وضعه تحت الرقابة لغرض مراقبة تصرفاته من قبل قاضي الوصايا والقوامة، فأذا تبين من نتيجة الرقابة ان هذا الشخص لايستطيع بشكل مطلق من التصرف في حقوقه فأنه يتم نصب وصي او قيم عليه بصورة دائمة ليتولى الوصي او القيم عليه مباشرة حقوقه، وفي هذه الحالة يأخذ هذا الشخص حكم الصغير، ومن الحقوق التي يمنع من استعمالها الحق في اقامة دعوى الطلاق التي يباشرها القيم عليه بتفويض من مجلس العائلة مع اذن من الطبيب المعالج.
وإذا تبين من نتيجة المراقبة ان حالة الشخص لاتستدعي نصب وصي او قيم بصورة دائمة بل انه يستطيع استعمال حقوقه بعد تقديم المساعدة والتوجيه له، فيتم تعيين وصي او قيم عليه تكون مهمته تقديم المساعدة وابداء المشورة له، وفي هذه الحالة يكون الشخص محتفظا بأهليته ومنها أهلية التقاضي مالم يقرر قاضي الوصاية والقوامة تقييد نطاق هذه الأهلية، ومن الحقوق التي لايستطيع استعمالها بنفسه إلا بعد مساعدة ومشورة وصيه او القيم عليه، الحق باقامة دعوى الطلاق مع ملاحظة انه في دعوى الطلاق إذا كان الوصي او القيم عليه هو الزوج الآخر فأنه يتعين تسمية وصي أو قيم خاص بهذه الدعوى بدلا من الزوج الآخر. نفهم مما سبق ان القانون المدني الفرنسي لا يجيز للشخص المفروضة عليه الوصايا أو القوامة بصورة دائمة ان يوكل عنه إنما يتولى من يمثله التوكيل نيابة عنه، بينما يجيز القانون الفرنسي للشخص المعين له وصي أو قيم لمساعدته وتقديم المشورة له في استعمال حقوقه أن يوكل عنه في خصومته بعد مشورة أو مساعدة الوصي أو القيم عليه. وتجدر الإشارة الى ان القانون الفرنسي يعطي الحق لكل من الزوجين مباشرة الدعاوى المتعلقة بالأموال المشتركة بينهما، ذلك ان من المسلم به ان كلا من الزوجين يتمتع بأهلية التقاضي في هذه الأموال فيحق له ان يكون مدعيا او مدعى عليه في الدعاوى المتعلقة بهذه الأموال المشتركة .
اما الأموال غير المشتركة فلا يحق لاحد الزوجين التصرف في أموال الزوج الآخر، الا إذا كان الزوج الآخر مريضا او ضعيفاً عقليا او عاجزاً عقليا او ناقص الأهلية، اذ من المسلم به من القانون الفرنسي انه لا ينصب وصيا او قيما وانما يتولى الزوج الآخر إدارة الأموال، ذلك في الحدود المسموح بها في القانون والتي تمكن الزوج من حماية مصالح الزوج الآخر المريض او الضعيف او العاجز. نفهم مما سبق ان القانون الفرنسي يعطي للزوجين مجتمعين او منفردين حق التقاضي بشأن الأموال المشتركة بينهما مما يستتبع الحق بالتوكيل بالخصومة المتعلقة بهذه الاموال، اما الأموال غير المشتركة فلا يوجد مثل هذا الحق الا في حالة مرض الزوج الآخر أو عجزه عن إدارة أمواله. ويرى جانب من الفقه انه لا يشترط تمتع الخصم بالأهلية الكاملة فيما يتعلق بالطلبات المستعجلة التي تقدم الى القضاء المستعجل لان توافر الخطر في مثل هذه الطلبات وما يقتضيه من سرعة اللجوء الى قاضي الأمور المستعجلة، ووقتية القرار الذي يصدر عن القضاء المستعجل وعدم مساسه بأصل الحق يبرران ذلك ويبدو ان القضاء المصري يتجه بهذا المسار اذ قضت محكمة النقض المصرية بأنه (لا يشترط لقبول الدعوى المستعجلة ان تتوافر للخصوم الأهلية التامة للتقاضي لان الحكم المطلوب يكون حكما وقتيا لايمس الموضوع، ولان شرط الاستعجال يتنافى مع ما يحتاجه الحرص على صحة التمثيل القانوني من وقت).يترتب على الأخذ بهذا الرأي ان التوكيل في الطلبات المستعجلة يمكن ان يكون من ناقصي الأهلية مادام هذا الرأي لا يشترط تمتع الخصم بالأهلية الكاملة. بينما يرى جانب اخر من الفقه ان شرط تمتع الخصم بالأهلية الكاملة ضروري في الطلب المستعجل كما هو ضروري في الدعوى اذ لا يوجد ما يسوغ التفرقة بين الاهلية في الدعوى والأهلية في الطلب المستعجل.
وتأثراً بالرأي الثاني فقد ذهب احد الباحثين إلى القول ان المبدأ القانوني المتعلق بأهلية التقاضي يطبق على الدعوى كما يطبق على الطلب المستعجل، اما التسليم بأن طبيعة الاستعجال تقتضي اتخاذ اجراءات سريعة لدرء الخطر الطارئ ومن ثم تتعارض مع المطالبة بأهلية التقاضي وعدم تأثير القرار المستعجل في موضوع النزاع ، فأن هذه المسوغات غير كافية، بل لابد من توافر أهلية التقاضي شرطاً لقبول الطلب المستعجل، والقول بخلاف ذلك يفتح الباب بمصراعيه للجوء الى القضاء المستعجل، فضلا عن اجراءات القضاء المستعجل الوقتية قد يكون لها اثر مهم وجوهري على اصل الحق لاسيما عندما يضع القرار المستعجل الخصوم في مراكز قد تغنيهم فيما بعد عن اللجوء الى القضاء العادي . يترتب على هذا الرأي ان الموكل يجب ان يتمتع بأهلية التقاضي الكاملة حتى في الطلبات المستعجلة المقدمة للقضاء . ان العبرة في توافر اهلية التقاضي في الموكل هو وقت انشاء الوكالة بالخصومة وبالوقت الذي يباشر فيه الوكيل خصومة موكله، اذ يجب ان تستمر اهلية التقاضي طوال بقاء الخصومة معروضة على القضاء فاذا لم يكن الموكل اهلا للتقاضي وقت اعطاء التوكيل فأنه طبقا للقواعد العامة لعقد الوكالة لايعتد بهذه الوكالة واما اذا فقد الموكل أهليته في أثناء مباشرة الوكيل لخصومة موكله فأن هذا الفقدان يعد سببا لانقطاع الخصومة وانتهاء الوكالة.
وأخيراً نتساءل هل يجوز للوكيل الاتفاقي –وكيل بالتصرف- ان يوكل وكيلا في خصومة موكله ؟
يرى جانب من الفقه المصري ان الوكيل الاتفاقي يجوز له ان يوكل وكيلا في خصومة موكله اذ منح حق التقاضي وحق توكيل الغير. ومع مايبدو من وجاهة هذا الرأي الا ان الاجابة تقتضي معرفة فيما اذا كان الوكيل الاتفاقي من وكلاء الخصومة ام لا . فأذا كان الوكيل الاتفاقي من وكلاء الخصومة، فانه يصح له ان يوكل وكيلا في خصومة موكله مالم يكن ممنوعا من ذلك. اما اذا لم يكن الوكيل الاتفاقي من وكلاء الخصومة فأنه لايحق له ان يوكل وكيلا في خصومة موكله وان منح حق التقاضي عن موكله وحق توكيل الغير، لان القانون حصر نطاق التقاضي بوكلاء الخصومة، بحيث منع القانون من توكيل غيرهم، فأذا كان هذا الوكيل الاتفاقي ممنوعاً عليه تمثيل موكله امام القضاء فمن باب اولى يمنع من توكيل غيره في خصومة موكله – فاقد الشيء لايعطيه – والذي يبدو ان القضاء العراقي مستقر على هذا الرأي ويمكن استنباطه من قرار محكمة استئناف منطقة نينوى بصفتها التمييزية اذ قضت بانه (ولدى عطف النظر على الحكم المميز وجد انه غير صحيح ومخالف للقانون حيث ان الدعوى أقيمت أساسا باسم المدعو (ع. خ. م) حسب وكالته عن المدعيات ولم تتحقق المحكمة من صفة المذكور وهل هو محامي ام لا حيث ان المادة (22/1) من قانون المحاماة لاتجيز التوكيل لاقامة الدعوى لغير المحامين …).