عقوبة تقليد أوراق العملة وتزويرها.
تقليد عملة ورقية – يكفي للعقاب على تقليد أوراق العملة أن تكون هناك مشابهة بين الصحيح وغير الصحيح ولا يشترط أن يكون التقليد متقناً بحيث ينخدع به حتى المدقق، بل يكفي أن يكون بين الورقة المزورة والورقة الصحيحة من التشابه ما تكون مقبولة في التداول وأن يكون على نحو من شأنه أن يخدع الناس – علة ذلك.
المحكمة:-
وحيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجرائم تقليد عملات ورقية – وشروعه في تقليد أخرى – وحيازتها وأدوات تقليدها وترويجها قد شابه القصور في التسبيب والإخلال بحق الدفاع وفساد الاستدلال،
ذلك بأن عول على ما ورد بالتقرير الفني من احتمال انخداع البعض بالأوراق المضبوطة، معرضاً عنه دفاعه بأن تقليدها غير متقن بدلالة ما عدده التقرير من اختلافات بينها وبين الأوراق النقدية الصحيحة، تفصح عن عدم صلاحيتها للتداول،
ولم تجب المحكمة طلبه إجراء تجريه إثباتاً لذلك، واكتفى الحكم في بيان أقوال شهود الإثبات بالإحالة إلى أقوال أولهم، كما رد بما لا يصلح رداً على دفعه ببطلان القبض عليه وتفتيشه لحصولهما قبل صدور الإذن بهما، معرضاً عن الصور الرسمية للبرقيات المقدمة منه للمحكمة، والمرسلة من والده لأولى الشأن،
يقرر فيها في تاريخ سابق على الضبط بحصوله قبل الإذن والتلاحق الزمني في الإجراءات والحصول على الإذن من مسكن رئيس النيابة في توقيت غير مألوف، كل ذلك يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه قد بين واقعة الدعوى، بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجرائم التي دان الطاعن بها، وأورد على ثبوتها في حقه أدلة مستمدة من أقوال شهود الإثبات وتقرير إدارة أبحاث التزييف والتزوير بالطب الشرعي، وهي أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه عليها.
لما كان ذلك، وكانت القاعدة القانونية المقررة في جرائم التقليد تقضي بأن العبرة بأوجه الشبه لا بأوجه الخلاف، وكان من المقرر أنه يكفي للعقاب على تقليد أوراق العملة، أن تكون هناك مشابهة بين الصحيح وغير الصحيح، ولا يشترط أن يكون التقليد متقناً بحيث ينخدع به حتى المدقق، بل يكفي أن يكون بين الورقة المزورة والورقة الصحيحة من التشابه، ما تكون به مقبولة في التداول،
وان يكون على نحو من شأنه أن يخدع الناس، وإذ كان الحكم قد أثبت نقلاً عن التقرير الفني وجود أوجه تشابه بين الأوراق المضبوطة ونظيرتها الصحيحة تتمثل في تشابه الأبعاد القياسية وأسلوب الترقيم والرسوم الرئيسية بالوجه والظهر فضلاً عن التشابه في ألوان الوجه والظهر، وهي أوراق مزيفة تزييفاً كلياً،
وجاء مستوى تقليدها متوسطاً ومن الممكن أن ينخدع بها الأشخاص العاديين ويقبلونها في التداول على أنها عملات مالية صحيحة، ومادامت المحكمة قد قدرت أن من شأن ذلك التقليد أن يخدع الناس، فلا تثريب عليها إن هي التفتت عن دفاع الطاعن بأن التقليد غير متقن لأوجه الخلاف بين الأوراق المضبوطة والأوراق الصحيحة، لأن من المقرر أن المحكمة لا تلتزم في الأصل بالرد على دفاع قانوني ظاهر البطلان،
فضلاً عن أنها غير ملزمة بأن تتبع المتهم في مناحي دفاعه المختلفة، والرد على كل شبهة يثيرها على استقلال، إذ الرد مستفاد دلالة من أدلة الثبوت السائغة التي أوردها الحكم، ولما كان البين من محضر جلسة المحاكمة أن الطاعن أو المدافع عنه لم يطلب أيهما إجراء التجربة المشار لها بوجه الطعن، فليس للطاعن من بعد النعي على المحكمة قعودها عن إجراء تحقيق لم يطلبه منها، ولم تر هي من جانبها لزوماً لإجرائه.
لما كان ذلك، وكان لا يعيب الحكم أن يحيل في بيان أقوال شاهد إلى ما أورده من أقوال شاهد آخر، مادامت أقوالهما متفقة مع ما استند إليه الحكم منها، وهو ما لا يماري فيه الطاعن، فإن النعي على الحكم في هذا يكون غير سديد. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن الدفع بصدور الإذن بالتفتيش بعد الضبط إنما هو دفاع موضوعي، فإنه يكفي للرد عليه اطمئنان المحكمة إلى وقوع الضبط بناء على الإذن أخذاً بالأدلة التي أوردتها،
ولما كانت المحكمة قد اطمأنت إلى أقوال الضباط شهود الإثبات وصحة تصويرهم للواقعة وأن الضبط كان بناء على إذن النيابة العامة بالتفتيش، استنادا إلى أقوالهم، وكان الطاعن لا ينازع في أن ما حصله الحكم منها له مأخذه الصحيح في الأوراق. وكانت المحكمة قد أطرحت تصوير الطاعن بحصول الضبط قبل الإذن، فإن ما يثيره في هذا الصدد ينحل إلى جدل موضوعي في تقدير الدليل،
وهو ما تستقل به محكمة الموضوع ولا تجوز مجادلتها فيه أو مصادرة عقيدتها في شأنه أمام محكمة النقض، لأن لمحكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى، حسبما يؤدي إلى اقتناعها، وان تعرض عما يخالفها من صور أخرى، ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطلق ولها أصلها في الأوراق، وأن لها في سبيل ذلك وزن أقوال الشهود وتقديرها التقدير الذي تطمئن إليه بغير معقب،
ولما كان من المقرر أنه متى أخذت المحكمة بأقوال شاهد فإن ذلك يفيد إطراحها لجميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها، دون أن تكون ملزمة ببيان علة اطمئنانها إلى أقواله، فإنه لا محل لما يثيره الطاعن في هذا الصدد، وكذلك لا ينال من سلامة الحكم إطراحه صور البرقيات التي يتساند إليها الطاعن للتدليل على حصول الضبط قبل الإذن،
ذلك بأن الأدلة في المواد الجنائية إقناعية، فاللمحكمة أن تلتفت عن دليل النفي ولو حملته أوراق رسمية، مادام يصح في العقل أن يكون غير ملتئم مع الحقيقة التي اطمأنت إليها من باقي الأدلة القائمة في الدعوى، ومن ثم فبحسب المحكمة أن أقامت الأدلة على مقارفة الطاعن الجرائم التي دين بها، بما يحمل قضاءها، وهو ما يفيد أنها لم تأخذ بدفاعه. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.
(الدائرة الجنائية – الطعن رقم 18625 لسنة 75ق – جلسة 2/3/2008)