قانون الطوارئ المصري وقراءة قانونية نابغة
مقدمة
مصر تعيش أزهى عصور الديمقراطية !
جملة أصبحت مقرراً يوميا على ابناء الشعب المصري ، ترددها وسائل الإعلام ليل نهار ، وتصك أذاننا وكأنها النشيد الوطني لمصر .
وهي جملة ليست غريبة أو جديدة على آذان أي شعب يرزح تحت نيران الحكم المتسلط والطوارئ ، سواء في بلداننا العربية أو في أي بقعة من العالم يتنفس شعوبها في ظل هواء محمل بالتهديد بالاعتقال أو المحاكمات الجائرة أو تكميم الافواه !
ولا يعدو تكرار كلمات مثل هذه سوى محاولة فاشلة لتجميل وجه نظام حكم لم يحكم يوم واحد دون حالة الطوارئ ، بحيث أصبحت حالة الطوارئ ، وهي حالة استثنائية في حياة الشعوب ، هي الأصل ، والحياة العادية هي الاستثناء .
ويستمر مسلسل خلط الاوراق ، وتكرار الاكاذيب حين يكرر البعض ممن استمرئ نشر الاكاذيب ، بإدعاء أن حالة الطوارئ المفروض على الشعب المصري لا تزيد عن أحدى وعشرون عاما ً- وكأنها أيام أو شهورا- بدأت منذ اغتيال الرئيس السابق أنو السادات ، في حين أن حالة الطوارئ الحالية بلغت خمسة وثلاثون عاما ،بدأت منذ الخامس من يونيو 1967 وحتى اليوم – وغدا – ولم ترفع سوى بضعة شهور لم تزيد عن ثمانية عشر شهرا – من مايو 1980 حتى اكتوبر 1981 .
ما يصدق مع هذه الحالة مقولة أن حالة الطوارئ رفعت بشكل مؤقت في تلك الفترة ليعود بعدها الناس لمصر الى حياتهم العادية .
الحياة تحت حصار الطوارئ .
إهداء إليهم ..
من تتسرب أيام عمرهم خلف جدران السجون والمعتقلات ظلماً ..
وأغلبهم كذلك نهدي هذه الدراسة المتواضعة
قرار رئيس الجمهورية العربية المتحدة
بالقانون رقم 162 لسنة 1958
بشأن حالة الطوارئ ( 1 )
باسم الأمة
رئيس الجمهورية
بعد الإطلاع على الدستور المؤقت :
وعلى المرسوم التشريعي رقم 150 الصادر في الإقليم السوري بتاريخ 22 / 6 / 1949 المتضمن تنظيم الإدارة العرفية.
وعلى القانون رقم 533 لسنة 1954 في شأن الأحكام العرفية الصادر في الإقليم المصري والقوانين المعدلة له ؛
قرر القانون الآتــي :
مادة 1 ـ يعمل بالقانون المرافق في شأن حالة الطوارئ.
مادة 2ـ يلغى المرسوم التشريعي رقم 150 الصادر في 22 / 6 / 1949 والقانون رقم 533 لسنة 1954 المشار إليهما وكذلك كل نص يخالف أحكام هذا القانون.
مادة 3 ـ ينشر هذا القانون في الجريدة الرسمية , ويعمل به في إقليمي الجمهورية من تاريخ نشره.
صدر برئاسة الجمهورية في 13 ربيع الأول سنة 1378 ( 27 سبتمبر سنة 1958 )
قانون بشأن حالة الطوارئ
مادة 1 ـ يجوز إعلان حالة الطوارئ كلما تعرض الأمن أو النظام العام في أراضي الجمهورية أو في منطقة منها للخطر سواء كان ذلك بسبب وقوع حرب أو قيام حالة تهدد بوقوعها أو حدوث إضطرابات في الداخل أو كوارث عامة أو إنتشار وباء.
مادة 2 ـ يكون إعلان حالة الطوارئ وإنتهاؤها بقرار من رئيس الجمهورية ويجب أن يتضمن قرار إعلان حالة الطوارئ ما يأتــي:
أولاً : بيان الحالة التي أُعلنت بسببها.
ثانياً : تحديد المنطقة التي تشملها.
ثالثاً : تاريخ بدء سريانها.
مادة 3 ـ لرئيس الجمهورية متى أُعلنت حالة الطوارئ أن يتخذ بأمر كتابي أو شفوي التدابير الآتيــة :
1 ـ وضع قيود على حرية الأشخاص في الإجتماع والإنتقال والإقامة والمرور في أماكن أو أوقات معينة والقبض على المشتبه فيهم أو الخطرين على الأمن والنظام العام وإعتقالهم والترخيص في تفتيش الأشخاص والأماكن دون التقيد بأحكام قانون الغجراءات الجنائية وكذلك تكليف أي شخص بتأدية أي عمل من الأعمال.
2 ـ الأمر بمراقبة الرسائل أيا كان نوعها ومراقبة الصحف والنشرات والمطبوعات والمحررات والرسوم وكافة وسائل التعبير والدعاية والإعلان قبل نشرها وضبطها ومصادرتها وإغلاق أماكن طباعتها.
3 ـ تحديد مواعيد فتح المحال العامة وإغلاقها , وكذلك الأمر بإغلاق هذه المحال كلها أو بعضها.
4 ـ الإستيلاء على أي منقول أو عقار والأمر بفرض الحراسة على الشركات والمؤسسات وكذلك تأجيل أداء الديون والإلتزامات المستحقة والتي تستحق على ما تستولى عليه أو على ما تفرض عليه الحراسة.
5 ـ سحب التراخيص بالأسلحة أو الذخائر أو المواد القابلة للإنفجار أو المفرقعات على إختلاف أنواعها والأمر بتسليمها وضبطها وإغلاق مخازن الأسلحة.
6 ـ إخلاء بعض المناطق أو عزلها وتنظيم وسائل النقل وحصر المواصلات وتحديدها بين المناطق المختلفة ويجوز بقرار من رئيس الجمهورية توسيع دائرة الحقوق المبينة في المادة السابقة على أن يعرض هذا القرار على مجلس الأمة في أول إجتماع له.
مادة 3 مكرر ( 1 ) : يكون للشخص المعتقل وفقاً للمادة السابقة أن يتظلم من أمر الإعتقال إذا إنقضت ستة أشهر من تاريخ صدوره دون أن يفرج عنه.
ويكون التظلم بطلب يقدم بدون رسوم إلى محكمة أمن دولة عليا تشكل وفقاً لأحكام هذا القانونم وتفصل المحكمة في التظلم على وجه السرعة.
ولا يكون قرار المحكمة بالإفراج نافذاً إلا بعد التصديق عليه من رئيس الجمهورية. مادة 3 مكرر ( أ ) ( 2 ) : يجوز لمن فرضت الحراسة على أمواله طبقاً للمادة ولكل ذي شأن أن يتظلم من أمر فرض الحراسة أو يتظلم من إجراءات تنفيذه.
ويكون التظلم بطلب يرفع بغير رسوم إلى محكمة أمن دولة عليا تشكل وفقاً لأحكام هذا القانون ويجب أن تختصم فيه الجهة الإدارية التي تتولى تنفيذ الأمر الصادر بفرض الحراسة , كما يجب أن يختصم فيه من فرضت الحراسة على أمواله إذا كان الطلب قد رفع من غيره.
وتفصل المحكمة في التظلم بتأييد الأمر أو إجراء تعديله.
ولا يكون قرار المحكمة بإلغاء أمر فرض الحراسة نافذاً إلا بعد التصديق عليه من رئيس الجمهورية. ويجوز لمن رفض تظلمه أن يتقدم بتظلم جديد كلما إنقضت ستة أشهر من تاريخ الرفض. مادة 4 ـ تتولى قوات الأمن أو القوات المسلحة تنفيذ الأوامر الصادرة من رئيس الجمهورية أو من يقوم مقامه. وإذا تولت القوات المسلحة هذا التنفيذ يكون لضباطها ولضباط الصف إبتداء من الرتبة التي يعينها وزير الحربية سلطة تنظيم المحاضر للمخالفات التي تقع لتلك الأوامر.
وعلى كل موظف أو مستخدم عام أن يعاونهم في دائرة وظيفته أو عمله على القيام بذلك ويعمل بالمحاضر امنظمة في إستثبات مخالفات هذا القانون إلى أن يثبت عكسها.
مادة 5 ـ مع عدم الإخلال بأي عقوبة أشد تنص عليها القوانين المعمول أو من يقوم مقامه من رئيس الجمهورية بها يعاقب كل من خالف الأوامر الصادرة بالعقوبات المنصوص عليها في تلك الأوامر على ألا تزيد هذه العقوبة على الأشغال الشاقة المؤقتة ولا على غرامة قدرها أربعة ىلاف جنيه أو أربعون ألف ليرة وإذا لم تمت تلك الأوامر قد بينت العقوبة مع مخالفة أحكامها فيعاقب على مخالفتها بالحبس مدة لا تزيد على ستة أشهر وبغرامة لا تجاوز خمسين جنيهاً أو خمسمائة ليرة أو بإحدى هاتين العقوبتين.
مادة 6 ـ يجوز القبض في الحال على المخالفين للأوامر التي تصدر طبقاً لأحكام هذا القانون والجرائم المحددة في هذه الأوامر.
ويجوز للمقبوض عليهم في غير الجرائم المضرة بأمن الدولة الداخلي أو الخارجي والجرائم الأخرى التي يصدر بتعيينها أمر من رئيس الجدمهورية أو من يقوم مقامه أن يتظلم من أمر حبسه للمحكمة المختصة. وللمحكمة أثناء نظر الدعوى أن تصدر قراراً بالإفراج المؤقت عن المتهم أيا كانت الجريمة التي يحاكم من أجلها ويكون قرار المحكمة في جرائم أمن الدولة الداخلي والخارجي أو الجرائم التي يصدر بتعيينها امر من رئيس الجمهورية خاضعاً لتصديق رئيس الجمهورية أو من يفوضه بذلك.
مادة 7 ـ تفصل محاكم أمن الدولة الجزئية ( الدائية ) والعليا في الجرائم التي تقع بالمخالفة لأحكام الأوامر التي يصدرها رئيس الجمهورية أو من يقوم مقامه.
وتشكل كل دائرة من دوائر أمن الدولة الجزئية بالمحكمة الإبتدائية من أحد قضاة المخكمة وتختص بالفعل في الجرائم التي يعاقب عليها بالحبس والغرامة أو بإحدى هاتين العقوبتين.
وتشكل دائرة أمن الدولة العليا بمحكمة الإستئناف من ثلاثة مستشارين وتختص بالفصل في الجرائم التي يعاقب عليها بعقوبة الجناية وبالجدرائم التي يعينها رئيس الجمهورية أو من يقوم مقامه أيا كانت العقوبة المقررة لها. ويقوم بمباشرة الدعوى أمام محاكم أمن الدولة عضو من أعضاء النيابة العامة.
ويجوز إستثناء لرئيس الجمهورية أن يأمر بتشكيل دائرة أمن الدولة الجزئية من قاض وإثنين من ضباط القوات المسلحة من رتبة نقيب أو ما يعادلها على الأقل وبتشكيل دائرة أمن الدولة العليا من ثلاثة مستشارين ومن ضابطين من الضباط القادة.
ويعين رئيس الجمهورية أعضاء محاكم أمن الدولة بعد أخذ رأي وزير العدل بالنسبة إلى القضاة والمستشارين , ورأي وزير الحربية بالنسبة إلى الضباط.
مادة 8 : يجوز لرئيس الجمهورية في المناطق التي تخضع لنظام قضائي خاص أو بالنسبة لقضايا معينة أن يأمر بتشكيل دوائر أمن الدولة المنصوص عليها في المادة السابقة من الضباط وتطبق المحكمة في هذه الحالة الإجراءات التي ينص عليها رئيس الجمهورية في أمر تشكيلها.
وتشكل دائرة أمن الدولة العليا في هذه الحالة من ثلاثة من الضباط القادة ويقوم أحد الضباط أو أحد أعضاء النيابة بوظيفة النيابة العامة.
مادة 9 : يجوز لرئيس الجمهورية أو لمن يقوم مقامه أن يحيل إلى محاكم أمن الدولة الجرائم التي يعاقب عليها القانون العام.
مادة 10 : فيما عدا ماهو منصوص عليه من إجراءات وقواعد في المواد التالية أو في الأوامر التي يصدرها رئيس الجمهورية تطبق أحكام القوانين المعمول بها على تحقيق القضايا التي تختص بالفصل فيها محاكم أمن الدولة وإجراءات نظرها والحكم فيها وتنفيذ العقوبات المقضي بها.
ويكون للنيابة العامة عند التحقيق كافة السلطات المخولة لها ولقاضي التحقيق ولغرفة الإتهام ( قاضي الإحالة ) بمقاتضى هذه القوانين.
مادة 11 : لا تقبل الدعوى المدنية أمام محاكم أمن الدولة.
مادة 12 : لا يجوز الطعن بأي وجه من الوجوه في الأحكام الصادرة من محاكم أمن الدولة ولا تكون هذه الأحكام نهائية إلا بعد التصديق عليها من رئيس الجمهورية.
مادة 13 : يحدوز لرئيس الجمهورية حفظ الدعوى قبل تقديمها إلى المحكمة ، كما يجوز له الأمر بالإفراج المؤقت عن المتهمين المقبوض عليهم قبل إحالة الدعوى إلى محكمة أمن الدولة.
مادة 14 : يجوز لرئيس الجمهورية عند عرض الحكم عليه أن يخفف العقوبة المحكوم بها أو يبدل بها عقوبة أقل منها أو أن يلغي كل العقوبات أو بعضها أيا كان نوعها أصلية أو تكميلية أو تبعية أو أن يوقف تنفيذ العقوبات كلها أو بعضها , كما يجوز له إلغاء الحكم مع حفظ الدعوى أو مع الأمر بإعادة المحاكمة أمام دائرة أخرى ، وفي هذه الحالة الأخيرة يجب أن يكون القرار مسبباً.
فإذا صدر الحكم بعد إعادة المحاكمة قاضياً بالبراءة وجب التصديق عليه في جميع الأحوال وإذا كان الحكم بالإدانة جاز لرئيس الجمهورية تخفيف العقوبة أو وقف تنفيذها أو إلغاؤها وفق ما هو مبين في الفقرة الأولى أو إلغاء الحكم مع حفظ الدعوى.
مادة 15 : يجوز لرئيس الجمهورية بعد التصديق على الحكم بالإدانة أن يلغي الحكم مع حفظ الدعوى أو أن يخفف العقوبة أو أن يوقف تنفيذها وفق ما هو مبين في المادة السابقة , وذلك كله ما لم تكن الجريمة الصادرة فيها الحكم جناية قتل عمد أو إشتراك فيها.
مادة 16 : يندب رئيس الجمهورية بقرار منه أحد مستشاري محكمة الإستئناف أو أحد المحامين العامين على أن يعاونه عدد كاف من القضاة والموظفين وتكون مهمته التثبت من صحة الإجراءات وفحص تظلمات ذوي الشأن وإبداء الراي , ويودع المستشار أو المحامي العام في كل جناية مذكرة مسببة برأيه ترفع إلى رئيس الجمهورية قبل التصديق على الحكم. وفي أحوال الإستعجال يجوز للمستشار أو المحامي العام الإقتصار على تسجيل رأيه كتابة على هامش الحكم. مادة 17 : لرئيس الجمهورية أن ينيب عنه من يقوم مقامه في إختصاصاته المنصوص عليها في هذا القانةن كلها أو بعضها وفي كل أراضي الجمهورية أو في منطقة أو مناطق معينة فيها.
مادة 18 : لا يترتب على تنفيذ هذا القانون الإخلال بما يكون لقائد القوات العسكرية في حالة الحرب من الحقوق في منطقة الأعمال العسكرية.
مادة 19 : عند إنتهاء حالة الطوارئ تظل محاكم أمن الدولة مختصة بنظر القضايا التي تكون محالة عليها وتتابع نظرها وفقاً للإجراءات المتبعة أمامها.
أما الجرائم التي يكون المتهمون فيها قد قدموا إلى المحاكم فتحال إلى المحاكم العادية المختصة وتتبع في شأنها الإجراءات المعمول بها أمامها.
مادة 20 : يسري حكم الفقرة الأولى من المادة السابقة على القضايا التي يقرر رئيس الجمهورية إعادة المحاكمة فيها طبقاً لأحكام هذا القانون.
ويبقى لرئيس الجمهورية كافة السلطات المقررة له بموجب القانون المذكور بالنسبة للأحكام التي تكون قد صدرت من محاكم أمن الدولة قبل إلغاء حالة الطوارئ ولم يتم التصديق عليها والأحكام التي تصدر من هذه المحاكم طبقاً لما تقرره هذه المادة السابقة.
المبحث الأول
قانون الطوارئ
نتاج حقبة إستعمارية
عرفت مصر بدايات نظام الأحكام العرفية بدءا منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر ، لكنه لم يطبق و يأخذ طابعه البغيض ولم يتبلور الى شكله الحالي إلا في عام 1914 بسبب إنضام تركيا – دولة الخلافة -الى ألمانيا في الحرب العاليمة الأولى ضد انجلترا ، مما دعى انجلترا الى فرض الاحكام العرفية على مصر بدءا من 2 فبراير عام 1914 ، ثم أعقبت هذا الاعلان بفرضها الحماية على مصر رسميا في 18 ديسمبر من نفس العام .
و تم استخدامه للزج بالاف من المصريين الى السجون أو نفيهم ، فضلا عن مصادرة أموال وممتلكات العديد من أبناء الشعب المصري أو اجبارهم على العمل بالسخرة في خدمة المجهود العسكري خلال تلك الفترة .
لتستمر حياة الشعب المصري تحت حصار الاحكام العرفية ما يزيد عن سبعة سنوات .
ثم قنن هذا القانون البغيض ونص عليه بدستور 1923 والقانون رقم 15 لسنة 1923 وقد جاء ت المادة 95 من دستور 1923 لتنص على أن ” ..
يعلن الملك الأحكام العرفية ويجب أن يعرض إعلان الاحكام العرفية فورا على البرلمان لتقرير استمرارها أو الغائها ن فاذا كان ذلك الاعلان في غير دور الانعقاد وجبت دعوة البرلمان للاجتماع على وجه السرعة “.
وعلى الرغم من أن الحرب العاليمة الاولى التي لم يكن لمصر صلة بها ، بل على العكس إكتوت بنارها ضمن العديد من البلدان المستعمرة ، كانت تلك الحرب سببا لفرض حالة الطوارئ “او الاحكام العرفية ” ، الا أن الامر تكرر بعد نشوب الحرب العالمية الثانية ، عام 1939 ، إلا أنها رفعت هذا المرة عقب انتهاء تلك الحرب عام 1945 .
ثم تأتي حرب فلسطين في مايو 1948 لتكون سببا فر فرض حالة الطوارئ للمرة الثالثة ، مستمرة عامين حتى ابريل 1950 .
وفي بداية عام 1952 وعقب حريق القاهرة ، تم فرض حالة الطوارئ ، لتمتد هذه المرة ، فترة ستة سنوات وحتى عام 1956 ، شهدت خلالها مصر قيام ثورة يوليو و العديد من المحاكمات العسكرية الجائرة مثل محاكمات كفر الدوار المعروفة بمحاكمة خميس والبقري .
ولم ينعم الشعب المصري في تلك الفترة بحياة بعيدة عن حصار الطوارئ سوى بضعة شهور ، حتى شنت الدول الاستعمارية ” انجلترا وفرنسا”و كلب الحراسة الجديد ” اسرائيل ” عدوانهم الثلاثي على مصر ليكون سببا في فرض حالة الطوارئ مجددا على مصر منذ نوفمبر 1956 وحتى مارس 1964 .
لتصبح الحرب وحتى تلك اللحظة هي السبب الأول والرئيسي لفرض حالة الطوارئ ، وهو ما تأكد بإعادة فرضها من جديد بعد نشوب حرب الخامس من يونيو 1967 ، وكأن حكام مصر شعروا بالملل من تكرار فرضها ثم رفعها ، فقرروا الابقاء عليها دون رفع ومنذ تلك الحرب المشؤمة وحتى اليوم ، عدا بعض الاشهر التي اصبحت كالاستثناء الذي يؤكد القاعدة قبيل اغتيال السادات بثمانية عشر شهرا بدأت منذ مايو 1980 وانتهت في اكتوبر 1981 ، ليصبح قانون الطوارئ وما يعنيه من سيطرة العسكر هو القاعدة ، بلغت مدتها 62 سنة من 88 عاما هي 1914 وحتى 2002 واذا نظرنا نظرة سريعة على أسباب فرض حالة الطوارئ ، سوف نرى أنه ضمن سبعة مرات فرضت حالة الطوارئ فيها على الشعب المصري ، كانت الحرب هي السبب المباشر في خمسة مرات منها ” الحرب الاولى ، الحرب الثانية ، حرب 1948 ، العدوان الثلاثي ، حرب يونيو ” أما المرتان الاخريان فقد كان كل منهما حدثا جللا ، احدهما هو حريق القاهرة ، والثاني هو اغتيال رئيس الجمهورية ، لكن وعلى الرغم من جسامة كل من الحدثين ،
فإن الحدث الاول وهو حريق القاهرة ، 1952 والذي اعقبه قيام ثورة يوليو وما تلاها من أحداث هامة مثل الصراع مع بقايا الاستعمار ومكافحة عملائه ثم المحاكمات العسكرية التي عقدتها الثورة لتبرهن عن قوتها ، ومحاولة اغتيال رئيس الجمهورية وغيرها لم تستمر حالة الطوارئ سوى نحو خمسة سنوات عادت بعدها حياة الشعب المصري الى طبيعتها ” او ماهو مفرتض ” بعيد عن الطوارئ ، حتى ولو كانت فترة بسيطة بسبب العدوان الثلاثي .
أما الحدث الثاني ، وهو اغتيال السادات ، فعلى الرغم من فترة الهدوء النسبي الذي أعقب حادتة المنصة ، وما توقعته العديد من القوى السياسية والاحزاب ببداية عهد جديد يعود فيه للشعب المصري حريته وحياته الطبيعية بعيدا عن حصار الطوارئ ، الا أن العهد الجديد ، لم تبدر منه بادرة أو إشارة على الرغبة في انهاء حالة الطوارئ بل على العكس ، شهدت مصر والشعب المصري ، موجه من القمع والتعذيب والمحاكمات الجائرة لم تشهد مثله وعلى مدار تاريخها سوى مرات معدودة . بحجة محاربة الارهاب ، والذي بدوره أعطى مبررا ” وحتى لو كان واهيا” في احكام القيود وتكبيل الحريات بشكل حاد ، ولم تعمد الحكومات المتعاقبة منذ بداية الثمانينيات الى محاولة البحث الجاد عن اسباب ظاهرة الارهاب ومعالجتها من الجذور ، بل عمدت وفقط الى استخدام الحل الامني المتمثل في القمع ، لاسكات أي أصوات معارضة ، وليصبح قانون الطوارئ سيفا مسلطا ليس فقط على رموز الارهاب بل على الجميع
المبحث الثاني
الحياة تحت الطوارئ
كانت الطوارئ سلاحا في يد الاستعمار الانجليزي للتنكيل بالشعب المصري ، والزج به في السجون والمعتقلات ، والتنكيل الصارخ ، لذلك كانت تلك التجربة والخبرة التاريخية السئية مثالا لما أعقب فترة الاحتلال في كيفية التعامل مع شعب يرفض القمع ، من استخدام قانون بغيض يصبح سيفا مسلطا على رقاب الجميع ، ليس لأيام أو شهور كما يحدث بأي مجتمع ديمقراطي أو حتى يتمتع بانفراج نسبي ، بل لسنوات طالت حتى اصبحت الحياة تحت حصار الطوارئ هي النمط الطبيعي والسائد ،وكمحاولة لجعل الناس ينسون هذا الواقع المرير ، راحت اجهزة الاعلام المعتدة والمؤيدة – والمستفيدة – من مناخ كهذا تتحدث ليل نهار عن مناخ الحرية الذي تعيشه مصر ، والذي لم تشهده من قبل ، ليصبح ما ينقصها ولتكتمل المهزلة ، أن يخرج أحدهم – وليس ذلك ببعيد- مؤكد أن الفضل في هذا المناخ الواسع من الحريات يعود بالاساس الى حالة الطوارئ التي منحت الناس الامان والحرية التي ضاعت عندما عاش شعب مصر بعيدا عن الطوارئ .
التسعينيات حقبة بغيضه وقاتمة
وخيرا من الكلمات المرسلة والتحليل الذي يؤكد على تراجع حريات المواطنين والقمع والفساد الذين يشكلون الوجه الاخر لفرض حالة الطوارئ ، فإن مراجعة احداث حقبة مثل التسعينيات ، وما شهدته من احداث تمثلت في العنف والعنف المضاد بين أجهزة الدولة والجماعات التي تستخدم العنف ، والهجوم الذي شنته الدولة على كل فئات وشرائح المجتمع ، بحيث لم تسلم شريحة أو طبقة اجتماعية من الهجوم الذي تعززة نار الطوارئ وحديدها هوكاف في حد ذاته لإعادة الذاكرة للمواطنين الذين يتعرضون بشكل يومي ومستمر لمحاولة غسيل المخ وتصوير الحياة تحت حصار الطوارئ وكأنها أمر طبيعي .
كما تثبت تلك الاحداث والهجمات أن الطوارئ لم توفر الامان على الاطلاق ، سوى لفئة محدودة من الشعب المصري ، ألا وهي الطبقة الحاكمة وتابعيها ، دونا عن الشعب المصري كافة الذي يدفع من حريته وأمنه ثمنا باهظا لحرية وأمن تلك الفئة .
الفلاحين
مثل صدور القانون رقم 96 لسنة 1992 ، الذي يجبر اكثر من مليون ومائتي ألف مزارع وفلاح يعولون أكثر من خمسة ملايين فرد ، على ترك أراضيهم ومنازلهم الى كبار الملاك ، من الاقطاعيين القدامى ، ضربة قاسمة لاهدار حقوق المصريين ، الذين ما أن بادروا لمقاومة هذا القانون حتى تصدى لهم قانون الطوارئ وجنودة ليحصد المئات من السجناء والمعتقلين وعشرات القتلى ، دون محاسبة أو عقاب ، ولا يمثل ما نشهده بين وقت وأخر من صدام بين الفلاحين الفقراء والملاك الكبار المدعومين من الطوارئ وحكومتها سوى جزء يسير مما يعبر عنه هذا القانون .
المهنيين ” محامون ، اطباء ، مهندسون وغيرهم ”
لم تكتفي الدولة بإصدار قانون اهدار الديمقراطية المعروف كذبا بقانون الضمانات الديمقراطية ” القانون 100 لسنة 1993 ، الذي ينزع عن المهنيين حقهم في انتخاب مجالسهم بحرية ويمنح سشلطة ادارة النقابات الى لجان ادارية ، بل عمدت الى تدعيم هذا القانون الجائر بفرض الحراسة على أغلب واهم النقابات المهنية ، ووضعها تحت سيطرة لجان تدين بالولاء لاجهزة الدولة ، كانت سببا في عزوف الكثير من المهنيين عن النشاط النقابي تكبيل حق النقابات في العمل باستقلالية .
السكان والمستأجرين
وتمثل تلك الشريحة أغلب فئات الشعب المصري ، سواء مستأجري المساكن أو المحلات التجارية ، ولكن تلك النسبة الضخمة لم تشفع لها لدي الدولة حين أصدرت ثانون العلاقة بين المالك والمستأجر ، وقانون المساكن ، ليأتي القانونين ليقصما ظهر كل من يدفع ايجار شهري ، سواء كان محلا للسكنى أو محلا لممارسة نشاط تجاري ، من خلال رفع القيمة الايجارية بنسبة باهظة أو تحديد عقود الايجار بمدد محددة بالنسبة للسكنى غير التجارية .
العمال
لم يسلم عمال مصر من اهدار حقوقهم على مدار العصور ، لكن ما تم بعقد التسعينات من اهدار لحقوقهم فاق كل حد ، سواء عبر قوانين بيع القطاع العام ، أو قانون العمل الموحد أو القانون 12 لسنة 1995 الذي يسلب من العمال الحق المتبقي لهم من اختيار جزء من ممثليهم بالنقابات العمالية ، عبر سلبه لكل حقوق النقابات المصنعية وتفصيله لبعض النقاط لتخدم بعض الموالين لاجهزة الدولة ، ممن يكن لهم أغلب عمال مصر العداء بسبب مواقفهم المناوئة لحقوق العمال .
الطلاب
لا يستطيع محايد أو شريف الحديث عن الطلاب دون أن يتذكر مذابح الانتخابات الطلابية التي تصل لحد شطب الالاف من الطلاب ، ليس لنهم ناشطين طلابيا أو لانهم أصحاب قناعات مختلفة ، بل يصل الامر الى شطب كل من هو غير معبر عن توجهات أجهزة الامن بين الطلاب ، حتى عام 1998شهد شطب ما يزيد عن ثلاثة الاف طالب وتدخلت الاجهزة الامنية لدعم التيار الممالئ لها وهم من يعرفون بجماعة حورس الجامعات وهيئات التدريس
في 30 مايو 1994 وافق مجلس الشعب ، على تعديل القانون 49 لسنة 1979 الخاص بتنظيم الجامعات ، ويقضي هذا التعديل بالغاء انتخابات عمداء الكليات وجعله تعيين عن طريق رؤساء الجامعات ، فضلا عن الغاء تمثيل نواب رؤساء الجامعات وعمداء الكليات في اجتماعات المجلس الاعلى للجامعات . ليصبح كل ما يتعلق بشئون الجامعات بيد رئيس الجامعة الذي يتم تعينه بدوره من قبل اجهزة الدولة ، ويصبح المنطق السائد هم المنطق البيروقراطي .