قراءة حول الطلاق للعيوب في الفقة الإسلامي
اتفق فقهاء المذاهب الأربعة على جواز التفريق بين الزوجين للعيوب.
إلا أن الحنفية خصوا التفريق هذا بعيوب الزوج دون عيوب الزوجة، وجعلوا التفريق به حقاً للزوجة وحدها، لامتلاكه الطلاق دونها.
أما المالكية والشافعية والحنبلية، فقد ذهبوا إلى جواز التفريق لعيب الرجل والمرأة على سواء، وأن التفريق للعيب حق لهما على سواء.
إلا أن الفقهاء جميعاً اتفقوا على تضييق دائرة التفريق للعيب، وعدم التوسع فيه، ثم اختلفوا في العيوب المثبتة للتفريق على أقوال:
فذهب الشيخان من الحنفية -أبو حنيفة وأبو يوسف- إلى التفريق بالجَبِّ، والعُنَّة، والخِصاء فقط، وزاد محمد بن الحسن على ذلك: الجنون
وذهب الجمهور إلى التفريق بعيوب اتفقوا في بعضها، واختلفوا في بعضها الآخر على أقوال، وقسموها إلى ثلاثة أنواع:
قسم منها خاص بالرجال، وقسم خاص بالنساء، وقسم مشترك بين النساء والرجال.
فعند المالكية يفرق بالعيوب التالية
عيوب الرجال وهي: الجب، والخصاء، والعنة، والاعتراض.
وعيوب النساء هي: الرَّتق، والقَرَن، والعَفَل، والإفضاء، والبَخَر.
والعيوب المشتركة هي: الجنون، والجُذام، والبَرَص، والعَذِيطة، والخُنَاثة المشكلة.
وعند الشافعية يفرق بالعيوب التالية
عيوب الرجال هي: العنة، والجب.
وعيوب النساء هي: الرَّتق، والقَرَن.
والعيوب المشتركة هي: الجنون، والجذام والبرص.
وعند الحنبلية يفرق بالعيوب التالية
عيوب خاصة بالرجال هي: العنة، والجب.
وعيوب خاصة بالنساء هي: الفَتْق، والقَرَن، والعَفَل.
وعيوب مشتركة، هي: الجنون، والبرص، والجُذام.
إلا أن أبا بكر، وأبا حفص من الحنبلية زادا على العيوب المتقدمة استطلاق البطن، وسَلَس البول، وقال أبو الخطاب: ويتخرج على ذلك من به الناسور والباسور، والقروح السيَّالة في الفرج، لأنها تثير النفرة، وتعدي بنجاستها، وقال أبو حفص: الخصاء عيب، وفي البخر والخناثة وجهان.
وظاهر نصوص الفقهاء توحي بالحصر في هذه العيوب، فقد جاء في المغني: أنه لا يثبت الخيار لغير ما ذكرناه، وجاء في مغني المحتاج قوله: واقتصار المصنف على ما ذكر من العيوب يقتضي أنه لا خيار فيما عداها، قال في الروضة: وهو الصحيح الذي قطع به الجمهور، وجاء في بداية المجتهد قوله: واختلف أصحاب مالك في العلة التي من أجلها قصر الرد على هذه العيوب الأربعة، فقيل: لأن ذلك شرع غير معلل، وقيل: لأن ذلك مما يخفى، ومحمل سائر العيوب على أنها مما لا يخفى، وقيل: لأنها يخاف سرايتها إلى الأبناء.
إلا أننا إلى جانب هذه النصوص نجد نصوصاً لبعض الفقهاء تدل على عدم قصر الأئمة التفريق على العيوب المتقدمة، فيلحق بها ما يماثلها في الضرر.
من ذلك ما قاله ابن تيمية في الاختيارات العلمية: وترد المرأة بكل عيب ينفر عن كمال الاستمتاع، وما قاله ابن قيم الجوزية في زاد المعاد: وأما الاقتصار على عيبين أو ستة، أو سبعة أو ثمانية دون ما هو أولى منها أو مساو لها فلا وجه له، فالعمى والخرس والطرش، وكونها مقطوعة اليدين والرجلين أو أحدهما، أو كون الرجل كذلك من أعظم المنفرات، وقوله: والقياس أن كل عيب ينفر الزوج الآخر منه، ولا يحصل به مقصود النكاح من الرحمة والمودة يوجب الخيار، وما قاله الكاساني: وقال محمد: خلُّوه من كل عيب لا يمكنها المقام معه إلا بضرر، كالجنون، والجذام، والبرص شرط للزوم النكاح، حتى يفسخ به النكاح، حيث جاءت هذه العيوب بصيغة التمثيل
هذا إلى جانب أن نصوص الفقهاء عامة كانت تعلل التفريق للعيب بالضرر الفاحش وبالعدوى، وعدم القدرة على الوطء، وهو ظاهر في جواز القياس عليها.
وإذا علمنا أن نصوص الفقهاء المتقدمين أنفسهم كانت متضاربة في هذه العيوب، زيادة ونقصانا، رجح عندنا أن ما سوى هذه العيوب في الضرر جاز قياسه عليها، لأنها حكم معلل، بل إن بعض الفقهاء صرح بذلك.
قال ابن رشد: واختلف أصحاب مالك في العلة التي من أجلها قصر الرد على هذه العيوب الأربعة، فقيل: لأن ذلك شرع غير معلل، وقيل: لأن ذلك مما يخفى، ومحمل سائر العيوب على أنها مما لا تخفى، وقيل: لأنها يخاف سرايتها إلى الأبناء وعلى هذا التعليل يرد بالسواد والقرع، وعلى الأول يرد بكل عيب إذا علم أنه مما يخفى على الزوج
وقال الشربيني الخطيب: … لأن هذه الأمور لا تفوت مقصود النكاح
قال الإمام الشافعي معللا للفسخ بالبرص والجذام في الأم: وأما الجذام والبرص فإنه يعدي الزوج ويعدي الولد
وقال ابن قدامة في المغني: إنما اختص الفسخ بهذه العيوب لأنها تمنع الاستمتلاع المقصود بالنكاح، فإن الجذام والبرص يثيران نفرة في النفس، ويخشى ضرره، والجب والرتق يتعذر معه الوطء، والفتق يمنع لذة الوطء وفائدته
شروط التفريق للعيب لدى الفقهاء:
اختلف الفقهاء في الشروط المثبتة للتفريق للعيب على مذهبين، وفق ما يلي:
ذهب الجمهور إلى أن التفريق بالعيب يشترط فيه ما يلي :
أ – عدم الرضا بالعيب:
وذلك قبل الدخول أو بعده، في العقد أو بعده، صراحةً أو دلالةً، فإن رضي السليم من الزوجين بعيب الآخر، كأن يقول: رضيت بعيب الآخر، أو يطأها، أو تمكنه من الوطء، فإنه لا خيار لهؤلاء في الفسخ بعد ذلك.
هذا مذهب الحنبلية، والشافعية يوافقونهم فيه إلا في مسألة العنين، فإن زوجته إذا رضيت بعنته بعد الدخول فلا خيار لها عندهم خلافاً للحنبلية.
ومذهب المالكية يوافق مذهب الحنبلية أيضاً إلا في مسألة المعترِض، وهو العنين عند الحنفية والشافعية والحنبلية إذا مكنته من التلذذ بها بعد علمها باعتراضه، فإنه لا يسقط بذلك حقها في التفريق عند المالكية، لاحتمال أنها كانت ترجو برأه بذلك.
قال الدردير في الشرح الكبير: الخيار لأحد الزوجين بسبب وجود عيب من العيوب الآتي بيانها، إن لم يسبق العلم، أو لم يرض بعيب المعيب صريحاً أو التزاماً حيث اطلع، إلا امرأة المعترِض إذا علمت قبل العقد أو بعده باعتراضه ومكنته من التلذذ بها، فلها الخيار، حيث كانت ترجو برأه فيهما ولم يحصل
وهل يعد الرضا بالعيب قبل النكاح مسقطاً للخيار، كما لو أخبرها بعنته فرضيت بذلك صراحةً أو دلالةً؟
الجمهور على أن ذلك مسقط للخيار، وقال الشافعي في الجديد كذلك، إلا في العنين، فإنه قال: يؤجل، لأنه قد يكون عنيناً في نكاح دون نكاح، ثم إن عجزه عن وطء امرأة ليس دليلاً على عجزه عن وطء غيرها
ب – سلامة طالب الفسخ من العيوب في الجملة:
المبدأ العام لدى الجمهور: أنه لا يشترط لطلب التفريق بالعيب سلامة طالب التفريق من العيوب، خلافاً للحنفية، كما تقدم، إلا أنهم اختلفوا في ذلك في بعض الصور، على ما يلي:
فذهب المالكية -فيما فصله اللخمي من مذهبهم- إلى أن طالب التفريق للعيب إذا كان فيه عيب مماثل للآخر، فإن للزوج التفريق دون المرأة لأنه بذل الصداق لسالمة، دونها هي، قال اللخمي: وإن اطلع كل واحد من الزوجين على عيب في صاحبه، فإن كانا من جنس واحد كجذام، أو برص، أو جنون صريح لم يذهب، فإن له القيام دونها، لأنه بذل صداقاً لسالمة، فوجدها ممن يكون صداقها أقل من ذلك.
فإذا كان عيبه من جنس آخر، كان لكل واحد من الزوجين طلب التفريق مطلقاً، وفي قول آخر للمالكية: له التفريق مطلقاً، سواء أكان عيبه من جنس عيبه، أم لا، أم لم يكن معيباً، وهو الأظهر عندهم
وذهب الشافعية في الأصح، إلى أن للمعيب أن يطلب فسخ النكاح لعيب الآخر، سواء أكان عيبه من جنس عيبه أم لا، وقيل: إن وجد به مثل عيبه من الجذام والبرص، قدراً وفحشاً مثلاً، فلا خيار له لتساويهما.
وذهب الحنبلية إلى أن طالب الفسخ، إذا كان معيباً بعيب من غير جنس عيب الآخر، كالأبرص يجد المرأة مجنونةً، فلكل واحد منهما الخيار لوجود سببه، إلا أن يجد المجبوب المرأة رتقاء، فلا ينبغي ثبوت الخيار لهما، لأن عيبه ليس هو المانع لصاحبه من الاستمتاع.
فإن كان عيبه من جنس عيب صاحبه، ففيه وجهان:
أحدهما: لا خيار لهما، لأنهما متساويان، ولا مزية لأحدهما على صاحبه، فأشبها الصحيحين.
والثاني: له الخيار لوجود سببه
ج – وهل يشترط أن يكون العيب قديماً؟
جمهور الفقهاء متفقون على أن العيب القديم السابق على العقد، والمرافق له، والحادث بعده، سواء في إثبات الخيار، لأنه عقد على منفعة، وحدوث العيب بها يثبت الخيار كما في الإجارة، إلا أن بينهم نوع اختلاف في بعض ذلك على ما يلي:
فالمالكية يصرحون بأن العيب القديم السابق على العقد أو المقارن له هو المثبت للخيار، أما العيب الطارئ على العقد، فإن كان في الزوجة لم يكن للزوج خيار مطلقاً، وهو مصيبة حلت به، وبإمكانه التخلص منها بالطلاق، وأما العيب الحادث في الزوج بعد العقد، فإن كان فاحشاً كثير الضرر فإنها تخيَّر فيه، لأنه لا تمكن معه العشرة، وإن كان يسيراً لم تخير.
والعيوب الفاحشة عند المالكية هي: الجذام البيِّن المحقَّق ولو كان يسيراً، والبرص الفاحش دون اليسير، والعذيطة، فقد استظهر بعض المالكية أنها عيب فاحش يثبت به الخيار، والاعتراض، والخصاء، وكبر الذكر المانع من الوطء، هذا إذا حدثت قبل الوطء، فإذا حدثت بعد الوطء ولو مرةً واحدةً فلا خيار، إلا أن يكون ذلك بسبب من الزوج كأن جب نفسه، فإن كان كذلك خُيرت الزوجة
وذهب الشافعية إلى أن العيب القديم يخيَّر به مطلقاً، أما العيب الحادث بعد العقد، فإن كان حادثاً بالزوج، كالجب، فإنها تخيَّر به إن كان قبل الدخول جزماً، وبعد الدخول على الأصح، وذلك لحصول الضرر به كما في العيب المقارن للعقد، ولا خلاص لها إلا بالفسخ، فتعين طريقاً لذلك، ويستوي هنا أن تجبه هي أو غيرها.
إلا أن الشافعية استثنوا من ذلك العنين، فقالوا: إن وصل إلى زوجته مرةً ثم تعنن، لم يكن لها خيار.
وإن كان حادثاً بالزوجة بعد العقد، ففي القول القديم: أنه لا يخير الزوج لتمكنه من الخلاص منها بالطلاق، بخلافها.
وفي القول الجديد: أنه يخير كالزوجة، لتضرره بالعيب الطارئ كتضرره بالعيب القديم، ولا معنى لإمكان تخلصه منها بالطلاق دونها، لأنه سيغرم نصف الصداق لها قبل الدخول، دون الفسخ بالعيب
وذهب الخرقي من الحنبلية إلى تأكيد ما تقدم من المبدأ على إطلاقه، إلا أن أبا بكر وابن حامد من الحنبلية قالا: إن العقد يفسخ بالعيب السابق على العقد، والمرافق له، دون العيب الطارئ عليه، لأن العقد أصبح لازماً، فلا ينفسخ، فأشبه العيب الطارئ على المبيع، واستثنى الحنبلية -على رواية الخرقي- العنَّة، فإن العنين إن وصل إلى زوجته مرةً ثم تعنن، لم يكن لها خيار
د – التأجيل في العيوب التي يرجى البرء منها
اتفق المالكية والشافعية والحنبلية على تأجيل العنين سنةً كالحنفية، واختلفوا في باقي العيوب على ما يلي:
فذهب الشافعية والحنبلية إلى عدم التأجيل فيها.
وذهب المالكية إلى التأجيل فيما يرجى البرء منه، فقالوا بالتأجيل في الجنون، والجذام، والبرص، والرَّتق، والقَرَن، والعَفَل، والبَخَر، فإذا كان البرء منها مرجواً يؤجله القاضي بحسب ما يراه مناسباً، شهراً أو شهرين، ولم يحدوا لذلك حداً، فإذا لم يكن البرء من ذلك مرجواً، كالجب، فرَّق القاضي عليه بدون تأجيل، لعدم فائدته.
هـ – أن يطلب أحد الزوجين التفريق ويثبت عيب الآخر، لأن التفريق هنا حقه، فإذا لم يطلبه لم يكن للقاضي التفريق عليه جبراً، وفي العنين يجب طلب الزوجة التفريق قبل ضرب المدة وبعدها.
قال في المغني: ولا يفسخ حتى تختار الفسخ، وتطلبه، لأنه لحقها، فلا تجبر على استيفائه كالفسخ بالإعسار
وقال في مغني المحتاج: فإذا تمت تلك السنة المضروبة للزوج، ولم يطأ على ما يأتي، ولم تعتزله فيها، رفعته ثانياً إليه، أي القاضي، فلا يفسخ بلا رفع، إذ مدار الباب على الدعوى والإقرار والإنكار واليمين، فيحتاج إلى نظر القاضي واجتهاده
وذهب الحنفية إلى أن للتفريق بالعيب نوعين من الشروط، الأول عام في العيوب كلها، والثاني خاص بعيوب معينة، وذلك على الوجه الآتي:
فالشروط العامة عند الحنفية، هي:
آ – أن تكون الزوجة جاهلةً بالعيب قبل العقد، ولم ترض به بعده، صراحةً أو دلالةً، وعلى هذا فلو كانت الزوجة عالمةً بالعيب قبل العقد لم يكن لها طلب التفريق به لرضاها به حكماً، وكذلك إذا علمت بالعيب بعد العقد فرضيت به صراحةً، كأن قالت: رضيت بعيبه هذا، أو دلالةً بأن مكنته من الوطء، لم يكن لها طلب التفريق، قال السمرقندي في التحفة: وإذا خيَّرها الحاكم فوجد فيها ما يدل على الإعراض، يبطل خيارها كما في خيار المخيرة، ولو علمت المرأة بالعنة عند العقد ورضيت بالعقد، فإنه لا خيار لها، كمن اشترى عبداً وهو عالم بعيبه
وكذلك الحكم إذا خيرها القاضي فاختارت المقام مع زوجها، فإنه يبطل حقها في التفريق، وليس لها خصومة أبداً في هذا النكاح، ولا في غيره على الأصح، لرضاها بالعيب
ب – أن تطلب الزوجة إلى القاضي التفريق، لأن التفريق حقها، وليس للقاضي طلاقها دون طلب منها، وطلبها هذا شرط في العنين قبل ضرب المدة وبعدها
ج – أن تكون المرأة خاليةً من أي عيب يمنع الوطء، كالرتق والقرن، فإن كانت معيبةً بعيب من ذلك لم يكن لها طلب التفريق لعيب الرجل، لأن المنع من الوطء ليس من جهته فقط، والامتناع قائم من جهتها على فرض سلامة الزوج منه، فكذلك مع عيبه.
أما الشروط الخاصة بالعنَّة فهي:
أ – العجز عن الإيلاج في القبل، وعلى هذا فلا يخرج عن العنة بالإيلاج في الدبر، لأن الإدخال في الدبر وإن كان أشد منه في القبل، لكنه قد يكون ممنوعل عن اإدخال في الفرج لسحر.
ب – العجز عن جماع زوجته نفسها، فإذا قدر على وطء غيرها وعجز عن وطئها هي لم يخرج عن العنة في حقها، لأن العنة مرض نفسي غالباً، وهو قد يختلف من امرأة إلى أخرى.
ج – العجز عن إيلاج الحشفة كلها، فإذا أولج نصفها فقط لم يخرج بذلك عن العنة، فإذا أولجها كلها وعجز عن إيلاج ما بعدها لم يكن عنينا، فإذا كان مقطوع الحشفة لم يخرج عن العنة إلا بإدخال باقي الذكر كله، إلا أن صاحب البحر قال: وينبغي الاكتفاء بقدرها من مقطوعها
د – أن لا يكون قد وصل إليها مرةً في هذا النكاح قبل العنة، فإن وصل إليها مرة ثم تعنن فلا خيار لها مطلقا، لأن حقها في رفع الأمر إلى القضاء ينقضي بالمرة الواحدة.
فإن كان وصل إليها في نكاح سابق عليه، كمن وطئها ثم طلقها بائناً، ثم عاد إليها بعقد جديد، فأصيب بالعنة قبل الوصول إليها فيه، فالأصح: أنه يسقط حقها أيضاً بذلك، وفي قول ثان: لا يسقط.
هـ – أن يؤجله القاضي سنةً بعد الرفع إليه، فإن القاضي إذا رفعته إليه طالبةً فراقه لعنته أجله القاضي سنةً وجوباً من تاريخ الخصومة، فإذا مضت السنة دون أن يطأها، وعادت إلى طلبها التفريق أجابها القاضي وفرق بينهما.
وعلى هذا فلا تفريق بلا رفع للقاضي، فلا يكون التفريق بالرفع إلى محكَّم أو غيره، ولا تفريق قبل مرور السنة أيضاً، كما لا تفريق ما لم تَعُد إلى طلب الفرقة بعد مضي السنة بدون وطء
وأما الشروط الخاصة بالجَبِّ فهي:
قطع الذكر، فإذا قطع الذكر والخصيتان ثبت التفريق من باب أولى، فإذا لم يقطع الذكر ولكنه كان قصيراً كالزر، فهو كالمجبوب في الحكم، لعدم إمكان إدخال مثله في الفرج، فإن كان صغيراً يمكن إدخاله في الفرج فليس بمجبوب ولا تفريق، وإن لم يدخل إلى آخر الفرج.
فإن كان مقطوع الحشفة فقط وله ما يدخله في الفرج بعدها، لم يكن مجبوباً، ولا تفريق.
وأما الشروط الخاصة بالخصاء:
فهي الشروط الخاصة بالعنة، لاستوائهما في الحكم عند الحنفية، هذا إذا نزعت خصيتاه أو رضتا أو سلتا وعجز عن الانتشار، فإذا لم يعجز عن الانتشار فليس خصياً في الحكم، ولا تفريق.
طرق إثبات العيب:
إذا أقر المعيب المدعى عليه بعيبه المدعى به ثبت عيبه بإقراره، وقضي عليه بموجبه.
فإذا أنكر العيب وادعى السلامة منه، فإن كان العيب مما يعرف بالجس من فوق الإزار، كالجب، أمر القاضي من يجسه من الرجال من فوق الإزار، وأخذ بقوله إن كان عدلاً، لأنه إخبار.
فإن لم يعرف العيب بالجس أمره بالنظر إليه، وهو مباح هنا للضرورة.
وإن كان العيب في المرأة كالقرن والرتق، أمر القاضي امرأةً تنظر إليها، وثبت بقولها ما دامت عدلةً.
فإن كان لا يعرف بالجس كالعنة، فإن قالت الزوجة: إنها بكر، أريت النساء، فإن قالت امرأة ثقة -والمرأتان أوثق-: إنها بكر، فالقول قولها، ويؤجل سنةً، لأن ظاهر الحال شاهد لها، وكذلك الحكم عند انتهاء السنة، وإن قالت المرأة الثقة: إنها ثيب، حُلِّف الزوج، فإن حلف صدق بيمينه، ولا خيار لها، وإن نكل قضي عليه بالعنة، وخيرت المرأة بعد التأجيل.
وإن قالت الزوجة: إنها ثيِّب، حلف الزوج، فإن حلف صدق ولا خيار لها، وإن نكل قضي عليه بالعنة، وأجلت أو خيرت.
فإن قالت الزوجة: إنها بكر فوجدت ثيباً، فادعت أنه أزال بكارتها بأصبع أو غيره، صدق الزوج بيمينه، لأنها تدعي غير الأصل.
هذا ما نص عليه الحنفية والحنبلية مثل الحنفية، إلا في العنين، فإن لهم في قبول قول المرأة الواحدة فيه إذا كانت بكراً أو ثيباً روايتين:
الأولى: أن القول قول الزوج مع يمينه كالحنفية، لأن ظاهر الحال شاهد له، والثانية: أنه يخلى معها ويقال: أخرج ماءك على شيء، فإن أخرجه فالقول قوله، لأن العنين يضعف عن الإنزال، فإن أنزل تبين صدقه.
وعن أحمد رواية ثالثة: أن القول قول المرأة مع يمينها، حكاها القاضي في المجرد.
واختار أبو بكر أن يزوج امرأة لها حظ من الجمال، وتعطى صداقها من بيت المال، ويُخلَّى معها، وتُسأل عنه، ويؤخذ بما تقول، فإن أخبرت أنه يطأ كذبت الأولى، والثانية بالخيار بين الإقامة والفسخ، وصداقها من بيت المال، وإن كذبته فرق بينهما، وصداق الثانية من ماله هو.
وقد رجح ابن قدامة الرواية الأولى، وضعَّف ما عداها، فقال: والصحيح أن القول قوله، كما لو ادعى الوطء في الإيلاء، ولما قدمناه
والشافعية في هذا مع الحنفية والحنبلية، إلا في العنين أيضاً، فإنهم يرون أنها إذا ادعت البكارة أريت النساء، ولم يقبل بأقل من أربع، فإن شهدن ببكارتها فالقول قولها للظاهر، وهل تحلف؟ وجهان، رجح في الشرح الصغير التحليف، وعليه أكثر علماء المذهب، ما لم يدع الزوج عودة البكارة إليها، فإن قال ذلك وطلب يمينها، حلفت رواية واحدة.
فإن قالت الزوجة: إنها ثيب وأنكرت الوطء، فالقول قوله بيمينه، لأن الظاهر له، فإن نكل حلفت الزوجة، وفي رواية مرجوحة أن اليمين لا يرد عليها
أما المالكية، فقد ذهبوا إلى الجس فيما يعرف بالجس، فإن كان لا يعرف بالجس، وكان مما لا يراه الرجال ولا النساء كالاعتراض، وبرص الفرج، فإن القول فيه قول المعيب بيمينه، وإن كان مما يراه الرجال، كالبرص في اليد أو الوجه في المرأة أو الرجل على سواء، لم يثبت إلا بشهادة رجلين، فإن كان في داخل جسم المرأة دون الفرج، كفى فيه امرأتان
ما يحصل به زوال العُنَّة:
تزول العنة الموجبة للفسخ عند جمهور الفقهاء بوطء الزوجة مرة واحدة بهذا الزواج، لأن حق الزوجة قضاء ينقضي به عندهم.
والوطء هنا يتحقق بإدخال الحشفة في القبل، فإن كان مقطوع الحشفة ففيه وجهان:
الأول: لا بد من تغييب باقي الذكر كله، ولا تزول العنة بما دون ذلك.
الثاني: يكتفى بتغييب مقدار الحشفة مما بقي من الذكر.
كما يشترط فيه أن يكون في القبل، فإن وطئها في الدبر لم تزل به العنة في الأصح، وسواء في ذلك أن يكون الوطء في حال الحيض أو النفاس أو الإحرام أو الصوم، أو غير ذلك، عند الجمهور.
ذكر القاضي من الحنبلية أن قياس المذهب أن لا يخرج عن العنة بالوطء في الحيض وما إليه، إلا أن الأول أقوى.
وذهب ابن عقيل إلى أن العنة تنتفي بالوطء في الدبر أيضا، لأنه أصعب من القبل.
وهل يعد وطؤه لغيرها مزيلا لعنته في حقها.
قال ابن عقيل من الحنبلية وتبعه أبو بكر فيه، وحكي عن عمر بن عبد العزيز والجمهور: أن ان وطأه لغيرها لا يزيل العنة في حقها.
وهل يعد وطؤه لها في نكاح مزيلا لعنته في حقها في نكاح آخر؟ كما إذا تزوجها ووطئها ثم طلقها بائنا ثم تزوجها ثانية، فادعت أنه عنين وثبت ذلك؟
الجمهور على عدم الاعتداد بالوطء الأول، وتجاب إلى طلبها، ويفرق بينهما، إلا أن مقتضى قول أبي بكر أن لا تجاب إلى طلبها هنا
نوع الفرقة الثابتة بالعيب، وطريق وقوعها:
ذهب الحنفية والمالكية إلى أن الفرقة للعيب طلاق بائن، وذهب الشافعية والحنبلية إلى أنها فسخ وليست طلاقاً.
كما ذهب الحنفية إلى أن الفرقة للعيب لا تقع بغير الرفع إلى القاضي، ثم القاضي يكلف الزوج بالطلاق، فإن طلَّق فبها، وإلا طلقها عليه، وروي عنهم: أن الفرقة تقع باختيار الزوجة نفسها بانتهاء المدة المضروبة في العنة بدون قضاء، وقد جعل صاحب البحر هذه الرواية ظاهر الرواية
وذهب المالكية إلى ما ذهب إليه الحنفية في روايتهم الثانية، إلا أنهم اشترطوا إذن القاضي لها بالتطليق إذا كان بقولها، وأن يحكم به القاضي بعد ذلك رفعاً للخلاف، والحكم هنا إنما هو للإشهاد والتوثيق، لا لوقوع الطلاق، لأنه وقع بقولها
وللشافعية قولان:
الأول: أنها تستقل بالفسخ بعد ثبوت حقها فيه لدى القاضي بيمينها أو إقراره.
والثاني: لا بد من فسخ القاضي رفعاً للخلاف
أما الحنبلية فإن الفسخ فقول واحد، هو أن الفسخ لا يتم إلا بحكم القاضي
وهل تكون الحرمة الواقعة بالتفريق للعيب مؤبدةً؟
ذهب الجمهور إلى أنها غير مؤبدة، ولهما العود إلى الزوجية ثانيةً بعقد جديد.
وذهب أبو بكر من الحنبلية إلى أن الحرمة الواقعة بالتفريق للعيب مؤبدة.
التعريف بالعيوب المثبتة للتفريق بالعيب لدى الفقهاء
البَرَص: هو بقع بيضاء على الجلد تزداد اتساعا مع الأيام، وربما نبت عليها شعر أبيض أيضا، وربما كانت بقعا سوداء.
العِذْيَطَة: وهي التغوُّط عند الجماع، والتبول مثله.
الجُذام: هو علة يحمرُّ منها العضو ثم يسود ثم يتقطع ويتناثر، ويتصور ذلك في كل عضو من أعضاء الجسم، إلا أنه في الوجه أكثر.
الخِصاء: هو عند الجمهور قطع الأنثيين، أو رضُّهما أو سلُّهما دون الذَّكر، وعند المالكية: قطع الذكر دون الأنتثيين.
الجَبُّ: هو عند الجمهور قطع الذكر والأنثيين، ومثله في الحكم قطع الذكر وحده، فإذا كان الذكر صغيرا كالزر فهو كالمجبوب في الحكم أيضا، وعند المالكية: هو قطع الذكر والأنثيين كالجمهور، ومثله قطع الأنثيين دون الذكر عند المالكية.
العُنَّة: هي عند الجمهور العجز عن الوطء مع سلامة العضو، وسمي بذلك لأن الذكر يعن يمنة ويسرة ولا يطأ في الفرج، وذهب المالكية: إلى أن العنة هي صغر الذَّكر بحيث لا يتأتى به الجماع.
الاعتراض: هو عند المالكية عدم انتشار الذكر، ويقابله عند الجمهور العنة.
القَرَن: هو شيء ناتئ في الفرج يسدُّه ويمنع الوطء، وربما كان ذلك من لحم أو عظم.
الرَّتَق: هو انسداد محل النكاح، بحيث لا يمكن معه الوطء، وربما كان ذلك لضيق في عظم الحوض، أو لكثرة اللحم فيه.
البَخَر: هو نتن الفرج.
العَفَل: رغوة في الفرج تحدث عند الجماع.
الإفضاء: هو اختلاط مسلك النكاح مع مسلك البول، أو اختلاط مسلك النكاح مع مسلك الغائط.
الجُنون: هو آفة تعتري العقل فتذهب به.