قراءة في مدى الدفع ببطلان إجراءات الخصومة القضائية
إن القانون الإجرائي ينظم وسائل حماية حقوق الأفراد، ويفرض شكليات معينة تحقق الحماية القانونية لأصحاب هذه الحقوق. وإذا توافرت مفترضات العمل الإجرائي كان هذا العمل صحيحا وترتبت جميع الآثار القانونية. أما إذا لم تتوافر هذه المقتضيات فإن المشرع يرتب جزاءا إجرائيا هو البطلان.
ويعد البطلان من أهم مناطق قانون الإجراءات المدنية والإدارية دقة، لذا فإنه يعتبر من المشاكل الأساسية التي تثير اهتمام المشرع والفقه والقضاء. ويعرف البطلان بأنه وصف يلحق بالعمل القانوني، بسبب وجود عيب في هذا العمل يؤدي إلى عدم إنتاج الآثار التي تترتب على العمل لو كان صحيحا.
فالبطلان سواء لحق تصرفا قانونيا أو عملا إجرائيا إنما هو وصف أو تكييف قانوني لعمل يخالف نموذجه القانوني مخالفة تؤدي إلا عدم إنتاج الآثار التي يرتبها عليه القانون إذا كان كاملا.
فالمشرع يحدد عناصر العمل والشروط الواجب توافرها فيه لإنتاج الاثار التي تترتب على القيام به، فإذا لم تتوفر هذه العناصر، فإن العمل يعتبر باطلا. لذلك يعد البطلان جزاء خطير، الأمر الذي يقتضي عدم المبالغة فيه حتى لا يتجاوز الغاية من تقريره. فهو يهاجم العناصر التي تستند إليها الدعوى، ويمكن أن يؤدي إلى عدم صحتها، فهو لا يعني مجرد إهدار الإجراء المعيب، ولكنه قد يؤدي في أحوال كثيرة إلى انهيار الخصومة بأكملها، وضرورة إعادة إقامة الدعوى من جديد.
فقانون الإجراءات المدنية والإدارية الجزائري نظم الأشكال التي يتبعها الخصوم في مطالبتهم بحقوقهم، وذلك من أجل حماية مصالحهم للوصول إلا حل عادل وسريع للنزاع. فالمشرع بعد أن نظم الأشكال الواجب إتباعها في القيام بالأعمال الإجرائية، وقرر البطلان كجزء على عدم مراعاة تلك الأشكال يحاول حصر هذا الجزاء في أضيق نطاق.
فالمشكلة تثور بالنسبة لبطلان العمل الإجرائي لعيب شكلي، إذ لا جدال في أن البطلان كجزاء إجرائي يرتب آثار خطيرة بالنسبة إلى المتقاضيين، فهو قد يعرض الخصم الذي قام بمباشرة العمل إلى خطر فقدان حقوقه بصفة نهائية، إذا كان العمل الباطل لا يمكن مباشرته من جديد بسبب انقضاء المواعيد.
لذلك سنتعرض في هذه المقالة إلى التمسك ببطلان إجراءات الخصومة القضائية، وندرس فيه تحديد نطاق البطلان (أولا)، ومن يتمسك بالدفع بالبطلان (ثانيا)، ووقت التمسك به (ثالثا)، وآثار الحكم بالبطلان ووسائل الحد منها(رابعا).
أولا: تحديد نطاق البطلان:
يقصد بالدفوع الشكلية )الإجرائية( في قانون الإجراءات المرافعات تلك الأدوات أو الوسائل الإجرائية التي حددها المشرع، وجعلها وسيلة للمدعى عليه للتمسك بالجزاء الإجرائي المترتب على وقوع مخالفات إجرائية. فالدفع الإجرائي يوجه إلى صحة الأعمال الإجرائية المكونة للخصومة، بهدف إنهائها دون الفصل في الموضوع أو تأخير الفصل فيه. والدفع الشكلي هو واحد من الحقوق الإجرائية وهي وسائل قانونية يحددها المشرع، والأصل فيها أنها لا تتعلق بالنظام العام والاستثناء تعلقها به.
والدفوع الشكلية تخضع لنظام قانوني خاص بها نصت عليه المادة 50 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، هذا النظام هو أنه يجب إثارة الدفوع الشكلية في آن واحد قبل أي دفاع في الموضوع أو دفع بعدم القبول، وذلك تحث طائلة عدم القبول.
وجميع الدفوع الشكلية يجب التمسك بها في وقت واحد والهدف من ذلك هو سرعة الفصل في النزاع، وعدم إفساح الفرصة لطول الإجراءات، لأن الغاية من هذه الدفوع هو التمسك بعدم سلامة الإجراءات، لأننا لو تمسكنا في كل مرة بدفع يثار ثم يعقبه آخر فإن ذلك يؤدي إلا عرقلة سير الإجراءات.
والدفع بالبطلان باعتباره أحد الدفوع الشكلية يتصل بالفلسفة التي يجب على المشرع أن يعتنقها بالنسبة لبطلان العمل الإجرائي، هل يتوسع فيه وبالتالي يبطل كل عمل إجرائي يخالف الشكل القانوني. أم على العكس من ذلك يجب أن يأخذ بالبطلان في أضيق نطاق.
فالبطلان وأحكامه يرتبطان بالسياسة التشريعية، ويرتبطان بالأهداف التي يرمي المشرع إلى تحقيقها من وراء العمل الإجرائي. ولقد حاولت مختلف التشريعات إيجاد نقطة توازن بين تطبيق أوامر المشرع بتوجيه الإجراءات وعدم إهدار الحق الموضوعي نتيجة بطلان الإجراءات التي هي مقررة في الأصل لتوجيه صاحب هذا الحق إلى الحصول على حمايته.
فالبطلان كعلاج لا يصح أن يكون في ذات الوقت داء، وبالتالي لابد أن يؤخذ منه بقدر، فلا يتوسع المشرع فيه ولا يضيق فيه. ومن الأجدر أن نعرض كيفية مواجهة قانون الإجراءات المدنية الفرنسي لهذه المشكلة (البند الأول)، ثم ندرس الاتجاه الذي تبناه المشرع الجزائري( البند الثاني) .
البند الأول: القانون الفرنسي:
تولت قوانين الإجراءات المدنية القديمة تحديد حالات البطلان، واعتنقت مذهب البطلان بغير النص، وبالتالي لا يمكن للقاضي في ظل هذه التشريعات الحكم بالبطلان ما لم يوجد نص قانوني.أما التشريعات المعاصرة فقد أخذت مذهبا آخر بمقتضاه يترك الأمر للقاضي متى يحكم بالبطلان ومتى لا يحكم به، وحددت هذه التشريعات معيار معين يستعين به القاضي عند تحديده لصحة العمل الإجرائي.
1- معيار الشكل الجوهري:
أخذ المشرع الفرنسي بمعيار الشكل الجوهري في المادة 114 الفقرة 1 من قانون الإجراءات المدنية الفرنسي والتي نصت على أنه ” لا يجوز الحكم ببطلان الإجراء لعيب في الشكل إلا إذا نص القانون على ذلك صراحة، ما لم تكن المخالفة متعلقة بشكل جوهري أو متعلق بالنظام العام. “
ووفق هذا النص فإنه يحكم ببطلان العمل الإجرائي إذا خالف شكلا جوهريا حتى ولو لم يكن المشرع قد نص على البطلان، والشكل الجوهري هو الشكل اللازم لوجود العمل أو تمييزه عن غيره من الأعمال.
2- معيار الضرر:
وطبقا لهذا المعيار فإنه يجب حتى نحكم بالبطلان، أن يثبت أن المخالفة أضرت بمصالح الطرف الخصم المتمسك بالبطلان. وقد تبنى المشرع الفرنسي هذا المعيار في المادة 114 الفقرة 2 في قانون الإجراءات المدنية الفرنسية والتي نصت على أنه ” الحكم بالبطلان لا يمكن أن يكون إلا أن يثبت من يتمسك بالبطلان الضرر الذي أصابه بسبب المخالفة الشكلية حتى لو كان الشكل جوهريا أو متعلقا بالنظام العام.“
و المقصود بالضرر هو الضرر الإجرائي الذي يتمثل في فوات المصلحة التي قصد المشرع تحقيقها من الشكل الذي تمت مخالفته .
ويوجد معيار أخر هو معيار الغاية، وبمقتضى هذا المعيار لا يمكن الحكم ببطلان الإجراء رغم تخلف الشكل المطلوب ولو نص القانون صراحته على البطلان إذا تحققت الغاية المرجوة من الإجراءات
البند الثاني:البطلان في القانون الجزائري:
تنص المادة 60 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية على أنه: “لا يقرر بطلان الأعمال الإجرائية شكلا، إلا إذا نص القانون صراحة على ذلك، وعلى من يتمسك به أن يثبت الضرر الذي لحقه “
يتضح من هذا النص أن المعيار المعمول به في تحديد نطاق البطلان في القانون الجزائري هو معيار الضرر، والنص على البطلان صراحة يعني أن المحكمة تحكم بالبطلان لو تمسك به الخصم، ويكفي أن يثبت الخصم الذي يتمسك بالبطلان وجود ضرر من جراء العمل الإجرائي.
ثانيا: التمسك بالدفع بالبطلان:
تنص المادة 63 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية على أنه ” لا يجوز التمسك ببطلان الإعمال الإجرائية شكلا إلا لمن تقرر البطلان لصالحه. ”
واضح من النص أنه يجب التمييز بين البطلان الخاص والبطلان العام، فإذا كان البطلان خاصا، فإن لصاحب المصلحة وحده حق التمسك بالبطلان وهو من تقرر البطلان لصالحه. فإذا لم يتمسك به صاحب المصلحة، فلا يستطيع القاضي أن يحكم به من تلقاء نفسه أو النيابة العامة. وتحديد الشخص المقرر البطلان لمصلحته يرجع إلا إرادة المشرع، ولا يجوز للغير من شرع البطلان لمصلحته أن يتمسك به أيا كانت مصلحته في ذلك، ومهما كانت صفته أو صلته بالخصم الذي له الحق في التمسك بالبطلان، مادام لا يعتبر ممثلا له في الخصومة.
-لا يتمسك بالبطلان من تسبب فيه: لا يجوز التمسك ببطلان الأعمال الإجرائية من الخصم الذي تسبب فيه، ولو كان البطلان مقررا لصالحه. ويمكن اعتبار هذا المبدأ بمثابة إحدى وسائل الحد من البطلان، ذلك أن الإجراء يقع باطلا، ولكن لا تحكم المحكمة ببطلانه رغم إثارة أحد الخصوم لذلك، وعليه يعتبر هذا الإجراء وكأنه إجراء صحيح[.
فلا يمكن لمن كان سببا في بطلان الإجراء أن يتمسك بهذا البطلان ولو كانت القاعدة المخالفة مقررة لمصلحته، وذلك حتى لا يستفيد الخصم من خطأ ارتكبه أو مخالفة أسهم فيها.
ولم يتضمن المشرع الجزائري عبارة تدل على عدم التمسك بالبطلان من الخصم الذي تسبب فيه. فالمادة 63 السالفة الذكر تنص على أنه لا يمكن التمسك ببطلان العمل الإجرائي إلا لمن تقرر لصالحه. وذلك على عكس التشريعات الأخرى، وإن كان بمفهوم المخالفة نستشف ذلك.
ويشترط لتطبيق قاعدة ” لا يتمسك بالبطلان من تسبب فيه “ أن يكون الخصم قد تسبب في حدوث البطلان، أي أنه قد ساهم بفعله في حدوث البطلان بمعنى أن تقوم علاقة السببية بين فعل الخصم وبين العيب الذي شاب الإجراء. ومثال ذلك إذا تم تبليغ المدعى عليه وكان التبليغ باطلا لأن المدعي ذكر عنوانا خاطئا لموطن المدعى عليه، فهو قد ارتكب خطأ وهو ذكر العنوان الخاطئ.
وهذا الخطأ هو الذي أدى إلا بطلان الإجراء فلا يجوز للمدعي أن يتمسك ببطلان الاجراء لوجود خطأ في العنوان. ويستوى أن يكون من تسبب في البطلان هو الخصم نفسه أو شخص آخر يعمل باسمه. ولا يقصد بهذه القاعدة أن يكون قد صدر من الخصم غش أو خطأ بل تكفي مجرد الواقعة التي تؤكد نسبة البطلان إلى الخصم أو من يعمل باسمه، وأن يكون فعل الخصم هو السبب الوحيد أو الرئيسي لوجود العيب في الإجراء.
أما إذا كان البطلان عاما أي متعلقا بالنظام العام، فيجوز أن يتمسك به أي طرف من أطراف الخصومة، حتى ولو كان هو الخصم الذي تسبب فيه. وللمحكمة أن تحكم بالبطلان من تلقاء نفسها، ولو لم يتمسك أحد الخصوم به، فالبطلان هنا مقرر جزاءا لقاعدة شرعت لحماية مصلحة عامة، ومثال ذلك ما نصت عليه المادة 65 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية على أنه ” يثير القاضي تلقائيا انعدام الأهلية، ويجوز له أن يثير تلقائيا انعدام التفويض لممثل الشخص الطبيعي أو المعنوي “.
فمن الأجدر أن لا يتوسع في قاعدة لا يتمسك بالبطلان من تسبب فيه، وذلك من أجل المساهمة في سرعة الفصل في الدعاوى وحماية الحقوق. فهذه القاعدة مقصورة على حالة بطلان الإجراء الغير متعلق بالنظام العام، أما إذا كان بطلان الإجراء متعلقا بالنظام العام فإنه يجوز لأي من الخصوم التمسك به وذلك رعاية للمصلحة العامة.
ثالثا: وقت التمسك بالدفع بالبطلان:
على اعتبار أن الدفع بالبطلان دفعا شكليا، فإن هذا الدفع تسري عليه القواعد التي تحكم هذه الدفوع والتي جاء بها المشرع في المادة 50 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية. وهذه القواعد ترمي إلى الحد كثيرا من البطلان المقرر للمصالح الخاصة للخصوم.
فالدفوع الشكلية يجب التمسك بها قبل التعرض للموضوع، ذلك أنه من باب العدالة عدم ترك المدعي مهددا بهذا الدفع في جميع مراحل التقاضي، فحسب سير القضاء يفرض التخلص من العيوب الشكلية من البداية.
كما أن السماح للخصم بالتمسك بالعيب الشكلي في أي وقت فيه إهدار للوقت وإطالة للإجراءات، فالأمر يتعلق بتنظيم مرفق القضاء والحفاظ على حقوق الخصوم، كما أن سياسة المشرع في قانون الإجراءات المدنية والإدارية تهدف إلى الحد من البطلان.
فالمحكمة تقضي بعدم قبول الدفع بالبطلان إذا قدم دفوع في الموضوع أو دفوع بعدم القبول، فالتعرض للموضوع يسقط الحق في التمسك بالبطلان، وهذا الجزاء يتعلق بالنظام العام يجب على المحكمة أن تقضي به من تلقاء نفسها ولو لم يتمسك به الخصوم.
ولا يحق للخصوم التنازل عن هذا الجزاء، لأن هذه القاعدة مقررة لتنظيم وظيفة المحاكم، وهي اعتبارات تمس المصالح العامة.
والبطلان لعيب في الشكل يمكن إثارته خلال القيام به، ولا يعتد بهذا الدفع إذا قدم من تمسك به دفاعا في الموضوع لاحقا للعمل الإجرائي المشوب بالبطلان دون إثارته ” المادة 61 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية”.
فالبطلان لعيب في الشكل يثار أولا بمجرد حدوثه، فإذا أثير بعد إبداء دفاع في الموضوع أو بعد دفع بعدم القبول، فإنه لا يعتد به ويعتبر الإجراء صحيحا، فبمجرد التعرض للموضوع يحرم المدعي عليه من إمكانية إبداء الدفع بالبطلان الذي كان من حقه أن يتمسك به.
فبمجرد إبداء المدعى عليه أي طلب متعلق بالموضوع يعتبر تعرضا للموضوع، سواء كان طلبا عارضا في الخصومة أو طلب يتعلق بإجراء من إجراءات التحقيق. ولا يعتبر تعرضا للموضوع طلب تأجيل القضية لتقديم مستندات أو مذكرات، فيجب أن يكون الطلب حتى يعتبر تعرضا للموضوع دالا بوضوح على أن الخصم الذي تقدم به يناقش موضوع الدعوى.
وتحكم المحكمة في الدفع بالبطلان، وسائر الدفوع الشكلية الأخرى على استقلال، ما لم تأمر المحكمة بضمها إلى الموضوع. فالأصل أن تفصل المحكمة في الدفوع بالبطلان قبل النظر في موضوع الدعوى لأن هذا قد يغينها على النظر في الموضوع.
رابعا: آثار الحكم بالبطلان ووسائل الحد منها.
1- اثار الحكم بالبطلان:
إن البطلان لا يرتب أثاره إلا إذا حكم به، فلا يقع البطلان بقوة القانون ولو كان متعلقا بالنظام العام. وإنما يشترط أن يقرره القاضي، ويترتب على الحكم ببطلان الإجراء اعتباره كأن لم يكن فيسقط وتسقط معه كل الإجراءات اللاحقة له متى كان هو أساسها وترتبت هي عليه، كما يترتب على البطلان الإجراء زوال كافة الآثار القانونية المترتبة عليه[23].
فإذا قضى مثلا ببطلان عريضته افتتاح الدعوى استتبع ذلك بطلان جميع إجراءات الخصومة، بما في ذلك الحكم الصادر في الدعوى. ولكن هنا لا يمنع من تجديد الإجراء الذي حكم ببطلانه مصححا ما لم يكن الحق في إجرائه قد سقط لسبب من أسباب السقوط.
فيترتب على الحكم بالبطلان اعتبار الإجراء كأن لم يكن وزوال أثاره، ويدعى أن الحكم ببطلان الإجراء لا يستتبع بطلان ما تقدم عليه من إجراءات، كما لا تبطل الإجراءات اللاحقة عليه إذا كان لها كيان مستقل ولم تكن معتمدة عليه.
فالعمل الإجرائي هو حلقة من حلقات التسلسل القانوني للخصومة وتتابع الأعمال الإجرائية المكونة للخصومة تتابعا زمنيا. بمعنى أن القيام بعمل إجرائي يفترض وجود عمل إجرائي مرتبط به إلى غاية انقضاء الخصومة القضائية.
يبدو منطقيا أن بطلان الإجراء يترتب عليه بطلان الأعمال اللاحقة المرتبطة به، لكن ليس كل الإجراءات اللاحقة للإجراء الباطل تكون باطلة كأثر لبطلان هذا الإجراء. فالإجراءات اللاحقة المستقلة عن الإجراء الباطل تظل صحيحة. أما الإجراءات اللاحقة المبنية على العمل الباطل، فهذه تبطل نتيجة لبطلان العمل السابق عليها. ويقصد بها تلك التي ترتبط ارتباطا قانونيا بالعمل، بحيث يعتبر الإجراء السابق الذي بطل شرطا لصحة العمل اللاحق عليه.أما الإجراءات السابقة على الإجراء الباطل، فلا تأثير لهذا البطلان عليها متى تمت صحيحة في ذاتها.
2-تصحيح الإجراء الباطل:
ذهبت كل الاتجاهات الحديثة في قانون الإجراءات المدنية والإدارية إلى الحد من أثار البطلان، فالمشرع الإجرائي يحاول بقدر المستطاع إلى تفادي البطلان. وتنص المادة 62 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية على أنه ” يجوز للقاضي أن يمنح أجلا للخصوم لتصحيح الإجراء المشوب بالبطلان، بشرط عدم بقاء أي ضرر قائم بعد التصحيح يسري أثر هذا التصحيح من تاريخ الإجراء المشوب بالبطلان. “
واضح من النص أن المشرع يعمل على تفادي البطلان وذلك ضمانا لاستمرار الخصومة، فالقاضي يمنع أجلا لتصحيح الإجراء، فإذا لم يكن الإجراء ميعاد مقرر في القانون حددت المحكمة ميعادا مناسبا لتصحيحه.
فالمشرع أجاز تصحيح الإجراء الباطل بتكملة الإجراء الباطل، فإذا كان الإجراء باطلا بسبب نقص أو عيب في الشكل أو في بيان من البيانات، فإذا أمكن تكملة الإجراء بحيث يتوفر الشكل الذي يتطلبه القانون زال البطلان وأصبح الإجراء المنسوب بالبطلان صحيحا.
ومن بين الوسائل الوقائية هي إمكانية التنازل عن البطلان لعيب شكلي، والتنازل هو تصرف إجرائي يتم من طرف الخصم بإرادته المنفردة، ويكون التنازل صحيحا إذا أعلن الخصم إرادته في النزول عن حقه في التمسك بالبطلان. أما التنازل الضمني فيكون بسلوك الخصم يدل على التنازل عن التمسك بالبطلان، كما لو ناقش الخصم موضوع الإجراء الموجه ضده دون التمسك ببطلان، أو الرد عليه بما يدل على أنه صحيح.
وتقضي المادة 68 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية على أنه ” لا يقضي ببطلان إجراء من الإجراءات القابلة للتصحيح، إذا زال سبب ذلك البطلان بإجراء لاحق أثناء سير الخصومة. ”
ولا يقتصر التصحيح بالتكملة على البطلان الخاص، بل أنه يمكن التصحيح ولو كان البطلان متعلقا بالنظام العام، مادام أن التكملة ترمي إلى تصحيح الإجراء، الأمر الذي يؤدي إلا توفير الوقت والإجراءات.
وتصحيح الإجراء لا ينتج أثره إلا من تاريخ حصوله، فليس للتصحيح بالتكملة أثر رجعي، وبعبارة أخرى فالإجراء يعتبر قد اتخذ في هذه الحالة من وقت التصحيح، ويسيري أثر هذا التصحيح من تاريخ الإجراء المشوب بالبطلان ” المادة 66 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية. “وقد أجاز القانون تصحيح الإجراء ولو بعد التمسك ببطلانه، طالما يتم في الميعاد المقرر قانونا أو الأجل الذي يمنحه القاضي.