قصر حق الأجداد فى رؤية أحفادهم على حالة عدم وجود الأبوين.
حيث إن الوقائع – على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – تتحصل فى أن المدعى عليه الخامس كان قد أقام الدعوى رقم 1201 لسنة 2006 ” محكمة الأسرة – رمل الإسكندرية ” بطلب تمكينه من رؤية ابنته الصغيرة – المشمولة بحضانة والدتها – المدعى عليها السادسة، مرة كل أسبوع،
فتدخلت المدعية فى هذه الدعوى تدخلاً انضماميًا، باعتبارها الجدة لأم الصغيرة، بطلب الحكم بتمكينها من رؤيتها . حكمت المحكمة بجلسة 18/4/2010 برفض تدخل المدعية، التي لم ترتض هذا الحكم وطعنت عليه بالاستئناف رقم 3828 لسنة 66 ” ق – الإسكندرية “، وبجلسة 18/1/2011 دفعت المدعية بعدم دستورية عجز نص الفقرة الثانية من المادة (20) من القانون رقم 100 لسنة 1985 بتعديل بعض أحكام قوانين الأحوال الشخصية، فيما تضمنه من قصر رؤية الأجداد للأحفاد فى حالة عدم وجود الأبوين فقط، وذلك لمخالفته نص المادتين (2، 9) من دستور عام 1971 .
وحيث إن الفقرة الثانية من المادة رقم (20) من المرسوم بقانون رقم 25 لسنة 1929 الخاص ببعض أحكام الأحوال الشخصية المستبدلة بالقانون رقم 100 لسنة 1985 بتعديل بعض أحكام قوانين الأحوال الشخصية تنص على أنه :
” ولكل من الأبوين الحق فى رؤية الصغير أو الصغيرة وللأجداد مثل ذلك عند عدم وجود الأبوين “.
وحيث إن المدعية تنعى على النص المطعون فيه مخالفة المادتين (2، 9) من دستور سنة 1971، المقابلتين للمادتين (2، 10) من دستور سنة 2012، لإخلاله بوحدة الأسرة، وعدم توكيد قيمها العليا، وصون أفرادها حتى يبقى بنيانها قائمًا على الدين والأخلاق،
فضلاً عن عدم توفيره المناخ المناسب بما يهدد وحدة الأسرة التي حرص الدستور على صونها، خاصة وأن رؤية الأحفاد لأجدادهم حق لهم لتمكينهم من التواصل والارتباط بهم، وبذلك فإن النص المطعون فيه يمثل هدمًا لكيان الأسرة التي حرصت الشريعة الإسلامية على حمايتها، مما يخالف مقاصد الشريعة ويترتب عليه مخالفة أحكام الدستور .
وحيث إن الرقابة القضائية على دستورية القوانين، من حيث مطابقتها للقواعد الموضوعية التي تضمنها الدستور، إنما تخضع لأحكام الدستور القائم دون غيره، إذ أن هذه الرقابة إنما تستهدف أصلاً – وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة – صون الدستور القائم وحمايته من الخروج على أحكامه،
باعتبار أن نصوص هذا الدستور تمثل دائمًا القواعد والأصول التي يقوم عليها نظام الحكم، ولها مقام الصدارة بين قواعد النظام العام التي يتعين التزامها ومراعاتها وإهدار ما يخالفها من التشريعات، باعتبارها أسمى القواعد الآمرة . وبالبناء على ما تقدم، فإن هذه المحكمة تباشر رقابتها على النص المطعون فيه من خلال أحكام الدستور الحالى الصادر فى 25/12/2012 .
وحيث إن قضاء هذه المحكمة مطرد على أن ما نص عليه دستور عام 1971 فى مادته الثانية – بعد تعديلها سنة 1980 – المقابلة للمادة (2) من دستور سنة 2012، من أن مبادئ الشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع، إنما يتمخض عن قيد يجب على السلطة التشريعية أن تتحراه وتنزل عليه فى تشريعاتها الصادرة بعد هذا التعديل،
فلا يجوز لنص تشريعى أن يناقض الأحكام الشرعية القطعية فى ثبوتها ودلالتها، باعتبار أن هذه الأحكام هى التى لا يجوز الاجتهاد فيها إذ تمثل من الشريعة الإسلامية مبادئها الكلية وأصولها الثابتة التي لا تحتمل تأويلاً أو تبديلاً . ومن غير المتصور تبعًا لذلك أن يتغير مفهومها تبعًا لتغير الزمان والمكان، إذ هى عصية على التعديل ولا يجوز الخروج عليها أو الالتواء بها عن معناها .
ولا ينطبق ذلك على الأحكام الظنية غير المقطوع بثبوتها أو دلالتها أو بهما معًا، فهذه الأحكام التي تنحصر فيها دائرة الاجتهاد، ولا تمتد إلى سواها، حيث تتغير بتغير الزمان والمكان لضمان مرونتها وحيويتها، ولمواجهة النوازل على اختلافها، وعلى أن يكون هذا الاجتهاد واقعًا فى إطار الأصول الكلية للشريعة الإسلامية بما لا يجاوزها، متوخيًا تحقيق المقاصد العامة للشريعة بما يقوم عليه من صون الدين والنفس والعقل والعرض والمال، ولئن جاز القول بأن الاجتهاد فى الأحكام الظنية حق لأهل الاجتهاد فأولى أن يكون هذا الحق ثابتًا لولى الأمر يستعين به فى كل مسألة بخصوصها وبما يناسبها .
وأية قاعدة قانونية تصدر فى هذا الإطار لا تحمل فى ذاتها ما يعصمها من العدول عنها وإبدالها بقاعدة جديدة لا تصادم حكمًا شرعيًا قطعيًا، وتكون فى مضمونها أرفق بالعباد، وأحفل بشئونهم، وأكفل لمصالحهم .
لما كان ذلك، وكان حق رؤية الأبوين للصغير أو الصغيرة من ثوابت الشريعة الإسلامية ارتكانًا إلى صلة الرحم وبر الوالدين، إلا أنه حق أصيل لمصلحة الصغير، ولصالح أصوله على حد سواء، تلبية للفطرة الطبيعية التي فطر الله الناس عليها .
وحين يقرر المشرع حدود هذه المصالح معرفًا بأبعادها، فذلك لأن الشريعة الإسلامية فى مبادئها الكلية – القطعية فى ثبوتها ودلالتها – لا تقيم لحق الرؤية تخومًا لا ينبغى تجاوزها، ومن ثم تعين أن يتحدد نطاق مباشرته بما يكون أوفى بمصالح الصغير والأبوين والأجداد،
ومؤدى ذلك أنه يتعين ألا يكون تنظيم مباشرة هذا الحق محددًا بقواعد جامدة صارمة لا تأخذ فى اعتبارها تغير الزمان والمكان، بل ينبغى أن يتسم دومًا بقدر من المرونة التي تتسع لها الأحكام الفرعية المستجيبة دومًا للتطور، وهى مرونة ينافيها أن يتقيد المشرع بآراء بذاتها لا يحيد عنها، أو أن يتوقف اجتهاده عند لحظة زمنية معينة تكون المصالح المعتبرة شرعًا قد تجاوزتها .
وإذا كان للمشرع الاجتهاد فى الأحكام الظنية بمراعاة المصلحة الحقيقية التي يقوم برهانها من الأدلة الشرعية، وكان الثابت أنه ليس هناك نص قطعى الثبوت والدلالة فى شأن تنظيم حق الرؤية، فإن قيام المشرع بتنظيم هذا الحق لا يعدو أن يكون واقعًا فى دائرة الاجتهاد ويتعين أن يكون محققًا لأحد مقاصد الشريعة، تلبية لمتطلبات الظروف الاجتماعية التي تواكب إصدار النص المقرر .
وإذ كان ذلك، وكان النص المطعون عليه بقصره حق الأجداد فى رؤية أحفادهم على حالة عدم وجود الأبوين، قد أخلّ بما يتطلبه الحفاظ على صلة الرحم، والإبقاء على الروابط الأسرية وما يحمله هذا وذاك من قيم عليا تحقق للنفس البشرية تكاملها الذى تهدف إليه مقاصد الشريعة الغراء، فإنه يكون من هذه الوجهة مخالفًا لأحكام الشريعة الإسلامية ومن ثم للمادة الثانية من الدستور .
وحيث إن الحق فى تكوين الأسرة لا ينفصل بالضرورة عن الحق فى صونها، بما يكفل تنشئة أطفالها وتقويمهم وتحملهم مسئولياتهم .
وكان الدستور الحالى قد نص فى مادته العاشرة على أن الأسرة أساس المجتمع وأن قوامها الدين والأخلاق والوطنية، وأن الطابع الأصيل للأسرة المصرية وما ينطوى عليه من قيم وتقاليد، هو ما ينبغى الحفاظ عليه، وتوكيده فى العلائق داخل مجتمعها، وأن الأمومة والطفولة قاعدة لبنيان الأسرة ورعايتها وضرورة لتقدمها .
لما كان ذلك، وكان من المقرر أن كل قاعدة قانونية لا تحمل ما يعصمها من العدول عنها وإبدالها بقاعدة جديدة، تكفل فى مضمونها المصالح الحقيقية التي يتعين أن تشرع الأحكام لتحقيقها . وكان الأصل فى سلطة المشرع فى مجال تنظيم الحقوق أنها سلطة تقديرية يتمثل جوهرها فى المفاضلة التي يجريها بين البدائل المختلفة لاختيار ما يقرر أنه أنسب لمصلحة الجماعة وأكثرها ملاءمة للوفاء بمتطلباتها، محققًا لما يهدف إليه التنظيم الذى يشرع له .
فإذا كان النص المطعون عليه قد حاد عن تحقيق المصالح المشروعة للأسرة ثم للصغير فى علاقته بأسرته وخاصة أجداده، بما يحمله ذلك من أحاسيس ومشاعر متبادلة بينهم لا تختلف عن تلك القائمة بين الصغير وأبويه، متجاوزًا بذلك إلى الإسهام فى فصم عرى العلاقات الأسرية والتواصل بين أجيالها على أساس من القيم والتقاليد المتوارثة والأطر الثقافية الثابتة، ومتجاهلاً التطورات المتسارعة التي توالت على المجتمع والأسرة، وتعدد الأنزعة فى مجال رؤية الأبوين والأجداد للصغير، بما تحمله من لدد فى الخصومة،
وعنت من الحاضنة أو الحاضن فى تمكين الأجداد من رؤية أحفادهم، وما يرتبه ذلك كله من حرمانهم من عواطف أجدادهم الجياشة وتعلقهم بهم ورعايتهم لهم، وهو ما يؤدى إلى العديد من محن قد تعصف بالصغار .
وحيث إن النص الطعين انطوى أيضًا على تمييز بدون مبرر فى تنظيم حق رؤية الأحفاد بين الأجداد فى حالة وجود الأبوين، وبين الأجداد فى حالة عدم وجود الأبوين، رغم تماثل مراكزهم القانونية، ومساواتهم فى درجة القرابة، بما يناهض مبدأ المساواة المنصوص عليه فى الدستور، ذلك أنه من المقرر – فى قضاء هذه المحكمة – أنه إذا ما قام التماثل فى المراكز القانونية التي تنتظم بعض فئات المواطنين وتساويهم تبعًا لذلك فى العناصر التي تكونها،
استوجب ذلك وحدة القاعدة القانونية التي يجب تطبيقها فى حقهم، فإن خرج المشرع على ما تقدم سقط فى حمأة المخالفة الدستورية، وبذلك يكون النص المطعون فيه قد خالف نصوص المواد (2، 10، 33) من الدستور، بما يوجب القضاء بعدم دستوريته .
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بعدم دستورية نص الفقرة الثانية من المادة (20) من القانون رقم 25 لسنة 1929 الخاص ببعض أحكام الأحوال الشخصية المستبدلة بالقانون رقم 100 لسنة 1985 بتعديل بعض أحكام قوانين الأحوال الشخصية فيما تضمنه من قصر حق الأجداد فى رؤية أحفادهم على حالة عدم وجود الأبوين، وألزمت الحكومة المصروفات ومبلغ مائتى جنيه مقابل أتعاب المحاماة