مدي مشروعية إستيقاف المتهم حال قيادته سيارة أجرة وإجراء تحليل مخدرات له.
(١) هذا التساؤول ما هو الا عبارة عن قصة معادة تحكيها لنا أحكام النقض التي تترنح حول مفهوم الاستيقاف ما بين التوسعة علي رجال السلطة العامة من أجل حفظ الأمن والأمان والتضييق عليهم من أجل صيانة الحقوق والحريات.
ولقد اختلفت أجابت النقض علي التساؤول المثار ففي حكم صدر لها عام ٢٠١٧ رأت أن استيقاف الضابط للسيارة الاجرة التي كان يقودها المتهم للتاكد من تنفيذ احكام قانون المرور ثم ظهور علامات تفيد وقوع المتهم تحت تاثير المخدر ثم قيام الضابط بضبطه وتفتيشه من خلال فحصه فنيا بأخذ عينه من بوله يتسم بالمشروعية!!!
غير أن محكمة النقض ترنحت في تبرير الضبط والتفتيش إذ اقامته تارة علي الاستيقاف وتارة علي التلبس وتارة علي رضا المتهم.
وقالت في في ذلك انه”لما كان الحكم قد عرض للدفع ببطلان القبض واطرحه استناداً إلى أن الجريمة فى حالة تلبس ، وأن ما قام به الضابط قبل ذلك كان مجرد استيقاف بعد أن وضع الطاعن نفسه موضع الريب والشبهات بما ظهرت عليه من علامات تفيد وقوعه تحت تأثير مخدر بمجرد استيقاف الضابط للسيارة التي كان يقودها حال قيامه بحملة مرورية وهو إجراء مشروع يبيحه القانون ، وما انتهى إليه الحكم فيما تقدم صحيح فى القانون ؛
ذلك أنه لما كان من المقرر أن القيود الواردة على حق رجال الضبط القضائي فى إجراء القبض والتفتيش بالنسبة إلى السيارات إنما تنصرف إلى السيارات الخاصة بالطرق العامة فتحول دون تفتيشها أو القبض على ركابها إلا فى الأحوال الاستثنائية التي رسمها القانون طالما هي فى حيازة أصحـابــها ، أما السيـارات المعدة للإيجار – والتي لا ينازع الطاعن فى أنه كان يستقلها – فإن من حق مأموري الضبط القضائي إيقافها أثناء سيرها فى الطرق العامة للتحقق من عدم مخالفة أحكام قانون المرور ،
وكان من المقرر كذلك أن الاستيقاف هو إجراء يقوم به رجل السلطة العامة فى سبيل التحري عن الجرائم وكشف مرتكبيها ويسوغه اشتباه تبرره الظروف وهو أمر مباح لرجل السلطة العامة إذا ما وضع الشخص نفسه طواعية منه واختياراً فى موضع الريب والظن على نحو ينبئ عن ضرورة تستلزم تدخل المستوقف للتحري والكشف عن حقيقته عملاً بحكم المادة 24 من قانون الإجراءات الجنائية ، وكان الفصل فى قيام المبرر للاستيقاف أو تخلفه من الأمور التي يستقل بها قاضي الموضوع بغير معقب ما دام لاستنتاجه ما يسوغه،
وكانت المادة 66 من قانون المرور رقم 66 لسنة 1973 المعدلة بالقانون رقم 121 لسنة 2008 قد جرى نصها على أنه ” يحظر قيادة أية مركبة على من كان واقعاً تحت تأثير خمراً أو مخدر ولمأمور الضبط القضائي عند التلبس بمخالفة الفقرة الأولى من هذه المادة فى إحدى الحالات المنصوص عليها فى المادة 30 من قانون الإجراءات الجنائية أن يأمر بفحص حالة قائد المركبة بالوسائل الفنية التي يحددها وزير الداخلية بالاتفاق مع وزير الصحة دون إخلال باتخاذ ما يراه من إجراءات وفقاً للقانون ” ،
وكان تقدير توافر حالة التلبس أو عدم توافرها من الأمور الموضوعية البحتة التي توكل بداءة لرجل الضبط القضائي على أن يكون تقديره خاضعاً لرقابة سلطة التحقيق تحت إشراف محكمة الموضوع – وفق الوقائع المعروضة عليها – بغير معقب ما دامت النتيجة التي انتهت إليها تتفق منطقياً مع المقدمات والوقائع التي أثبتتها فى حكمها ، وكان الحكم المطعون فيه قد خلص فى منطق سليم واستدلال سائغ وبما يتفق وحكم القانون إلى مشروعية ما قام به رجل الضبط القضائي من إيقاف السيارة التي يستقلها الطاعن الذي وضع نفسه إثر ذلك موضع الريب على نحو يبرر استيقافه ،
وذلك لما بدى عليه من علامات تدل على أنه تحت تأثير مخدر ، ووافق على إجراء التحليل وقدم عينة من بوله طواعية للفحص فعرضها على الشاهدة الثانية التي أجرت تحليلها الذي أسفر عن إيجابيتها لمخدري الحشيش والترامادول وهو ما يبيح له القبض على المتهم ، ومن ثم فإن النعي على الحكم فى هذا الصدد يكون فى غير محله
(الطعن رقم 33128 لسنة 86 جلسة 2017/06/08)
(٢) وهذا الحكم ينطوي علي تجهيل وتناقض يستعص علي الرفع اذ خلطت فيه محكمة النقض ما بين الاستيقاف والتلبس من جهه والرضا بالتفتيش من جهه اخري.ولايبين من حكم النقض أن تسويغه لاجراءات التفتيش واخذ عينة البول من المتهم كان بناء علي حاله التلبس ام بناء علي الرضا إذ اجمل الحكم محل التعليق في هذا الشأن. وبغض النظر عن الخلاف الدائر حول احقية رجال السلطة العامة في استيقاف السيارات الاجرة والخاصة في الطرق العامه دون ان يصدر من قائدها ما يريب. فإن المتفق عليه أن ظهور علامات الارتباك على المتهم والريب والشبهات في تعاطي المخدر وان كانت تجيز الاستيقاف فانها لا توفر التلبس مادام أن رجل الضبط القضائي لم يشاهد المخدر باي حاسه من حواسه.
كما أن توافر مبررات الاستيقاف لا تجيز القبض علي المتهم وتفتيشه من خلال اخذ عينه من بوله. اما الرضاء بالتفتيش فيبيح هذا وذاك ولكن شرطه أن يكون صريحا وان يتم بعد علم المتهم والمامه بأن رجل الضبط القضائي لا يجوز له تفتيشه.وما اثبته الحكم محل التعليق من استيقاف ثم ظهور علامات الريب والشبهات في كون المتهم تحت تاثير المخدر ثم ضبطه واخذ عينة من بوله لا يستقيم معه ادعاء النقض بأن المتهم كان يعلم أن رجل الضبط لا احقية له في اتخاذ تلك الإجراءات ضده وانه رغم ذلك وافق عليها. ثم ان الحكم ابهم في تبيان ما اسماه علامات وقوع المتهم تحت تاثير المخدر وابهم أيضا في بيان كيفية موافقة المتهم علي الضبط والتفيش واخذ عينة من بوله. بما يعجز كل مطلع عن الوصول إلى حكم القانون الصحيح وهو ما لا يجمل بمحكمة النقض ان تقع فيه.
(٣) وهذا الذي قلنا به أخذت به محكمة النقض في حكم لها عام ٢٠١٨ قالت فيه أن تعرض مأمور الضبط القضائي للحرية الشخصية لقائد المركبة أو فحص حالته بالوسائل الفنية مقصور فى حالة التلبس بالجريمة ومن ثم فإن إلقائه القبض على الطاعن حال قيادته للمركبة وأخذ عينة منه دون أن يدرك بإحدى حواسه أن الأخير كان واقعاً تحت تأثير مخدر يُبطِل الدليل المستمد منهما ويوجب استبعاد شهادة من أجراهما ولو امتثل الطاعن لأخذ العينة.وقضت في هذا الشأن بأنه لما كان الحكم المطعون فيه بعد أن بين واقعة الدعوى وأدلة الثبوت التي استندت إليها سلطة الاتهام برر قضاؤه بالبراءة لأسباب حاصلها أن ضبط المتهم جاء على خلاف نص المادة 30 من قانون الإجراءات الجنائية .
لما كان ذلك ، وكانت المادة 66 من قانون المرور رقم 66 لسنة 1973 المعدل بالقانون رقم ۱۲۱ لسنة ۲۰۰۸ تنص على أن ” تحظر قيادة أية مركبة على من كان واقعاً تحت تأثير خمر أو مخدر ولمأموري الضبط القضائي عند التلبس بمخالفة الفقرة الأولى من هذه المادة فى إحدى الحالات المنصوص عليها فى المادة (۳۰) من قانون الإجراءات الجنائية أن يأمر بفحص حالة قائد المركبة بالوسائل الفنية التي يحددها وزير الداخلية بالاتفاق مع وزير الصحة ، دون إخلال باتخاذ ما يراه من إجراءات وفقا للقانون “
وإذ كان ذلك فإنه ليس لمأمور الضبط القضائي فى خصوص المادة 66 من قانون المرور آنفة البيان أن يتعرض للحرية الشخصية لقائد المركبة أو أن يأمر بفحص حالته بالوسائل الفنية إلا فى حالة التلبس بالجريمة باعتبار أن التلبس حالة تلازم الجريمة لا شخص مرتكبها ، وأنه يتعين أن يدرك مأمور الضبط القضائي بإحدى حواسه وقوع الجريمة بما لا يحتمل شكاً أو تأويلا ، و إذ لم يدرك مأمور الضبط القضائي بأي حاسة من حواسه أن الطاعن حال قيادته للمركبة كان واقعاً تحت تأثير مخدر فإنه لا يكون أمام جريمة متلبس بها وبالتالي فليس له من بعد أن يتعرض للطاعن بالقبض وأخذ العينة لوقوعهما فى غير حالة التلبس ، فإنه يبطل الدليل المستمد منهما ويتعين استبعاد شهادة من أجراهما ،
ولا ينال من ذلك ما جاء بشهادة الشاهد الأول أن الطاعن قد امتثل لأخذ العينة ، إذ إن الرضا المعتد به قانوناً يجب أن يكون صريحاً حراً حاصلاً منه قبل أخذ العينة وبعد إلمامه بظروف أخذ العينة وبعدم وجود مسوغ يخول من يطلبها سلطة إجرائه ، وإذ انتهى الحكم المطعون فيه إلى بطلان القبض والتفتيش والدليل المستمد منهما وقضى ببراءة المطعون ضده فإنه يكون قد أصاب صحيح القانون ، وتضحى ما تثيره النيابة العامة فى هذا الصدد غير سديد ، متعيناً رفضه موضوعاً
(الطعن رقم 44332 لسنة 85 جلسة 2018/03/07).