مسألة تعرف الشاهد على متهم لم يجر عرضه في جمع من أشباهه.
(١) كثيراً ما يبني حكم الإدانة على استعراف الشاهد على المتهم من خلال المواجهه التي يجريها وكيل النيابة بين المتهم والشاهد. ولكي تؤتي هذه المواجهه ثمارها يجب أن يتم عرض المتهم علي الشاهد مع جمع من اشباهه حتي يمكن الحكم علي الشاهد أن كان صادقا ام كان من الكاذبين.
وكذلك الآمر في جرائم القتل عندما تكتشف جثة المجني عليه بعد فترة زمنيه طويلة فتتغير معالم وملامح الجثة أو تتشوة نتيجه حرق أو خلافة فيتعرف شاهد رغم ذلك علي الجثة ويقول أنها تخص فلأن في حين يعجز شاهد مثله عن تحديدها.
و لقد واجهه محكمة النقض تلك الحالتين فقالت أن القانون لم يرسم للتعرف صورة خاصة يبطل بها إذا لم يتم عليها، وان من حق محكمة الموضوع أن تأخذ بتعرف الشاهد على المتهم ولو لم يجر عرضه في جمع من أشباهه ، ما دامت قد اطمأنت إليه إذ العبرة هي باطمئنان المحكمة إلى صدق الشاهد نفسه.
وقالت في حكم آخر أن من حق محكمة الموضوع الأخذ بتعرف الشاهد على جثة المجنى عليه ولو نازع المتهم في ان شاهد آخر لم يتعرف على الجثه إذ القانون لم يرسم شكل خاص لهذا التعرف وعللت لذلك بأن الجدل الموضوعي في تقدير الدليل لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض. ونستعرض هذين الحكمين بإيجاز مع التعليق عليها.
(٢) فمن ناحية أولي قضت بأنه إذا كان الحكم المطعون فيه بعد أن أورد دفاع الطاعن في شأن بطلان عملية العرض رد عليه باطمئنان المحكمة إلى أقوال الشاهد الرابع وتعرفه عليه، وهو أمر تملكه محكمة الموضوع وحدها وكان الثابت من مطالعة محاضر جلسات المحاكمة أن المدافع عن الطاعن لم يطلب إلى المحكمة إجراء معاينة لمكان الحادث بل اقتصر في مرافعته على التشكيك في أدلة الثبوت في الدعوى، كما أنه لم يطلب من المحكمة إجراء تجربة للتحقق من رؤية الشهود له وسائر المتهمين وقت مقارفتهم للحادث، فإنه لا يحق له من بعد أن يثير هذين الأمرين لأول مرة أمام محكمة النقض.
(الطعن رقم 3391 لسنة 79 جلسة 2010/02/08 س 61 ص 111 ق 15)
وهذا الحكم محل نظر فيما قرره بشأن عملية استعراف الشاهد علي المتهم من أنه لا يلزم لصحه الاستعراف ان يجري عرض المتهم علي الشاهد بين اشخاص أخرين بل يكفي أن يعرض المتهم بمفرده بحجه أن القانون لم يرسم للاستعراف إجراءات خاصة. ووجه الخطأ في الحكم أن القانون لم ينظم اصلا استعراف الشاهد علي المتهم حتى يقال ان القانون لم يرسم صوره خاصه به. وإذا كان القانون لم ينظم الاستعراف ومن ثم لم يحدد اجراءاته الا ان هذا لا يطلق يد المحقق في اتخاذه دون مراعاه طبيعته والهدف منه وهو التاكد من أن الشاهد راي المتهم حال ارتكاب الجريمة وانه ليس بكاذب أو مأجور وهو ما يقتض اختبار أمانه الشاهد بوضع المتهم بين نظراء له ثم يطلب من الشاهد الاشاره عليه من بين النظراء والا فقد الاستعراف معناه وهدفه.
فالاستعراف كما هو اجراء إثبات فإنه في ذات الوقت يعد وسيله دفاع وإذا كان وظيفته الاولي تمنح المحقق رخصه في ترتيب إجراءاته فإن وظيفته الاخري كوسيله دفاع تلزم المحقق بإتباع الإجراءات التي تحقق مبتغي الاستعراف وهي التيقن أن الشاهد راي المتهم حال ضلوعه في الجريمه أي وجب تنفيذه من الوجهه التي تصلح كوسيلة دفاع وهو ما لا يتاتي الا من خلال عرض المتهم علي الشاهد وسط حفنه من النظراء.والا كان هو والعدم سواء.
وإذا كان لمحكمة الموضوع ان تأخذ بأقوال الشاهد متي اطمانت الي صدقه في روايته أمام المحقق أو امامها فهذا شأنها ولا مصادرها عليها في ذلك اما ان تأخذ بهذه الشهادة لأن الشاهد تعرف علي المتهم من خلال عمليه الاستعراف التي أجريت دون اشباه ونظراء فهذا عين الفساد في الاستدلال ولا يجمل بمحكمة النقض وهي قامه كبري أن تساير محاكم الموضوع في تقريره.
(٣) وفي حكم اخر أن منازعه الطاعن في تعرف ابن عم المجنى عليها على جثتها دون أن ينازع في تعرف شقيقه المجنى عليها على الجثة وفى تعرفها الكفاية على فرض استبعاد الشاهد الآخر ذلك أن القانون لم يحدد لهذا التعرف صورة خاصة يبطل إذا لم يتم عليها لأن لمحكمة الموضوع أن تأخذ بتعرف الشاهد على الجثة ما دامت قد اطمأنت إليه إذ العبرة هى باطمئنان المحكمة إلى صدق الشاهد نفسه مادام واقع الحال يسانده فلا على المحكمة إن هى اعتمدت على الدليل المستند من تعرف الشاهدين على الجثه ما دام تقديم قوة الدليل من سلطتها وحدها وأن القول بتغير معالم الجثة أو أنها لغير المجنى عليها لا يعدو أن يكون جدلا موضوعيا في تقدير إدلة الدعوى مما لا تجوز أثارته أمام محكمة النقض .
(الطعن رقم 7618 لسنة 62 جلسة 1994/04/05 س 45 ص 473 ق 75)
و هذا القضاء محل نظر لأنه إذا كان القانون لم يرسم إجراءات معينه للتعرف على جثه المجني عليه إلا أن ذلك لا يعني إطلاق يد محكمة الموضوع في هذا التعرف مادام أن المتهم نازع في دليل التعرف من أقوال شاهد آخر وساند منازعته بتغيير معالم الجثه إذ أضحت المسأله عندئذ فنيه بحته لا تستطيع المحكمة شق طريقها نحوها إلا بالاستعانة بأهل الخبرة من خلال الطرق الفنية الحديثة سواء طلب المتهم ذلك أم سكت لأن تحقيق ادله الدعوي واجب علي المحكمة بغض النظر عن مسلك الخصوم ولا مجال للقول بأن تقدير أقوال الشهود برمته يخضع للسلطه التقديرية للمحكمة لأن المسأله لا تتعلق بتقدير أقوال شاهد بل بحسم مسالة فنية بحته لأ تملك المحكمة أن تحل نفسها محل الخبير فيها.