مفهوم نظام التنفيذ السعودي
لا يخفى أن الشريعة الإسلامية قد أمرت بأداء الحقوق إلى أصحابها، والأصل في أداء الأمانات والحقوق أن يكون اختياريًّا، ولكن إذا امتنع مَن وجب عليه أداءُ الأمانة مِن إنفاذ ما وجب عليه شرعًا، فإنه يلزَم بذلك جبرًا عن طريق السلطة في حال صدور حكم قضائي بذلك؛ لأن التنفيذ ثمرة القضاء، و”لا ينفع تكلـم بحق لا نفاذ له”؛ كما جاء في كتاب عمر بن الخطاب إلى قاضيه أبي موسى الأشعري رضي الله عنهما.
والمقصود بتنفيذ الأحكام في النظام القضائي: إجبار المحكوم عليه على القيام بما ألزم به عينيًّا، أو القيام به على نفقته, أو الحجز على أمواله العقارية والمنقولة ونزع ملكيتها وبيعها جبرًا عنه لاستيفاء حق الدائن من قيمتها.
ونظرًا لأهمية التنفيذ في العملية القضائية فقد أفرد لقضاء التنفيذ منظومة مستقلة تفصل ما يتعلق بتنفيذ الأحكام القضائية.
وقد صدر نظام التنفيذ السعودي في تاريخ 13 /8 /1433هـ مبينًا ما يتعلق بتنفيذ الأحكام القضائية، ويفصل في آليات التنفيذ، ويبين اختصاصات قضاة وإدارات التنفيذ.
وقد صدر النظام في ثمان وتسعين مادة، انتظمت في خمسة أبواب واثني عشر فصلاً.
وتحدثت في الحلقة الماضية عن الفصل الأول: اختصاصات قاضي التنفيذ.
ووقف الحديث عند المادة الثامنة المبينة لاختصاص التنفيذ، ونصها:
(1- تتولى دائرة التنفيذ – في كل محكمة عامة – التنفيذ وإجراءاته، ويجوز تأليف أكثر من دائرة عند الحاجة.
2- يتولى القاضي الفرد – في المحكمة العامة – التنفيذ وإجراءاته.
3- يكون تنفيذ الأحكام والأوامر والمحررات الأجنبية من قاض، أو أكثر، بحسب الحاجة.
وللمجلس الأعلى للقضاء – عند الحاجة – إحداث محاكم متخصصة للتنفيذ).
وواضح من المادة أن دوائر التنفيذ تشكل ضمن دوائر المحاكم العامة، ويجوز للمجلس الأعلى للقضاء – عند الحاجة – إحداث محاكم متخصصة للتنفيذ، كما هو منصوص عليه في نظام القضاء.
وأما المادة التاسعة فتحدد السندات التنفيذية التي يمكن التنفيذ الجبري بموجبها، ونصها: (لا يجوز التنفيذ الجبري إلا بسند تنفيذي لحق محدد المقدار حال الأداء، والسندات التنفيذية هي:
1- الأحكام، والقرارات، والأوامر الصادرة من المحاكم.
2- أحكام المحكمين المذيلة بأمر التنفيذ وفقًا لنظام التحكيم.
3- محاضر الصلح التي تصدرها الجهات المخولة بذلك، أو التي تصدق عليها المحاكم.
4- الأوراق التجارية.
5- العقود والمحررات الموثقة.
6- الأحكام، والأوامر القضائية، وأحكام المحكمين، والمحررات الموثقة الصادرة في بلد أجنبي.
7- الأوراق العادية التي يقر باستحقاق محتواها كليًّا، أو جزئيًّا.
8- العقود والأوراق الأخرى التي لها قوة سند التنفيذ بموجب نظام).
وتبين المادة العاشرة أنه لا يجوز تنفيذ الأحكام والقرارات والأوامر جبرًا، ما دام الاعتراض عليها جائزًا، إلا إذا كانت مشمولة بالنفاذ المعجل، أو كان النفاذ المعجل منصوصًا عليه في الأنظمة ذات العلاقة.
وفي المادة الرابعة عشرة:
(تقدم الأحكام، والأوامر القضائية، وأحكام المحكمين، والمحررات الموثقة الصادرة في بلد أجنبي، إلى قاضي التنفيذ المختص بتنفيذ الأحكام الأجنبية؛ ليتحقق من استيفاء السند شروط التنفيذ، ويضع عليه خاتم التنفيذ).
وفي الفصل الثالث بيان سلطة قاضي التنفيذ في طلب الإفصاح عن الأموال والتنفيذ عليها بما يقابل الدين المستحق، ونص المادة السادسة عشرة: (لقاضي التنفيذ أن يأمر بالإفصاح عن أموال المدين بمقدار ما يفي بالسند التنفيذي، ويصدر الأمر بالإفصاح والحجز بعد إبلاغ المدين بأمر التنفيذ، ومع ذلك إذا ظهر لقاضي التنفيذ أن المدين مماطل من واقع سجله الائتماني، أو من قرائن الحال، جاز له الأمر بالإفصاح عن أمواله وحجزها قبل إبلاغه بأمر التنفيذ).
وتضيف المادة السابعة عشرة: (على جميع الجهات المختصة، أو المشرفة على تسجيل الأموال، وعلى مدين المدين، ومحاسب المدين، وموظفيه الإفصاح عن أصول المدين، بِناءً على أمر قاضي التنفيذ خلال مدة لا تتجاوز عشرة أيام من تاريخ إبلاغ تلك الجهات).
وفي المادة الثامنة عشرة: (يجب على جهات تسجيل الأموال، أو الجهات المشرفة عليها أو على إدارتها – بحسب الأحوال – ما يأتي:
1- إنشاء إدارات مختصة للتعامل مع أوامر قضاء التنفيذ المختلفة.
2- إعداد قواعد بيانات بملكية الأموال، سواء كانت أصولاً عقارية، أو مالية، أو تجارية، أو فكرية، أو أي أصل آخر.
3- الالتزام بالمحافظة على سرية البيانات والمعلومات، التي اطلع عليها الموظفون بسبب عملهم، وألا يفشوها لأي سبب كان.
4- وضع آلية تقنية لضمان عدم الدخول على البيانات إلا بإذن.
5- مع مراعاة ما تقضي به الأنظمة، على هذه الإدارات إبلاغ أصحاب الأموال بما تم الإفصاح عنه من بيانات بعد مدة تحددها اللائحة).
ونلحظ في هذه المواد ما يتميز به قضاء التنفيذ من صلاحيات واسعة في الكشف عن أموال المدين والتنفيذ عليها.