مقال حول ادارة الدعاوى التجارية والمدنية في محاكم قطر الدولية
استحدث المشرع لأول مرّة في القواعد الإجرائية للمرافعات المدنية والتجارية لدى محكمة قطر الدولية نظام إدارة الدعوى، وذلك بهدف الإسراع في حل النزاعات المعروضة على المحكمة، والحد من مماطلات الخصوم، والتسويف في اجراءات التقاضي، واختصار جلسات الاستماع، وتلافي الجدل غير المبرر أمام المحكمة.
ويقوم رئيس قلم كتّاب المحكمة بدور مهم فيما يتعلق بإدارة الدعوى تحت رقابة وإشراف رئيس المحكمة، حيث يقتضي عليه ابتداءً وقبل قيد صحيفة افتتاح الدعوى بأن يتحقق من أن النزاع موضوع الدعوى من المسائل الأولية المتعلقة بالاختصاص الولائي للمحكمة، ومن ثم التأكد من وصول الدعوى إلى قاضي الموضوع مستوفية لجميع مستنداتها وبيناتها واجراءاتها، بعد التحقق من صحة الاعلانات وتمثيل الخصوم، بحيث لا يأتي اليوم المحدد لنظر الدعوى إلا وقد انتهى الطرفان من تبادل كافة المذكّرات الكتابية، وتكون الدعوى جاهزة وصالحة للفصل فيها من قبل قاضي الموضوع بعد جلسة مرافعة واحدة او جلسات مرافعة قليلة.
وقد ألزمت المادة 17 من القواعد الاجرائية للمحكمة المدّعى عند رفع دعواه بضرورة أن يرفق معها جميع المستندات والأدلة والبيّنات التي يعتمد عليها والمؤيدة لدعواه، بحيث لايسمح له بتقديم أي مستند جديد أثناء تداول الدعوى إذا ما كان ذلك المستند تحت يده وقت قيد صحيفة الدعوى، كما يتوجب على المدعي عليه عند الرد على صحيفة الدعوى أن يودع مذكرة دفاعه أو لائحته الجوابية مرفقا بها كافة المستندات والأدلة والبيّنات المؤيدة لدفاعه او جوابه على الدعوى والمفندة لبيّنات المدعي، ولا يجوز له أن يقدّم أي مستندات أو بيّنات أخرى أثناء تداول الدعوى إذا ما كان تلك المستندات تحت يده وقت قيد مذكرة دفاعه او لائحته الجوابية.
وتجيز القواعد الإجرائية المعمول بها في المحكمة لرئيس القلم رفض قيد دعوى المدعي في حال وجد نقص في بيّناته المذكورة في قائمة البيّنات بصحيفة الدعوى، باستثناء البيّنات المُدّعى بوجودها تحت يد الخصم أو الغير، بحسبان ان تلك البينات في مثل هذه الحالات لا يمكن الحصول عليها إلا بموجب قرار قضائي بناءً على طلب يقدم إلى المحكمة لهذه الغاية. ويمكن للمدعي قبل قيد صحيفة الدعوى من تقديم طلب إلى المحكمة للحصول على البيّنات المطلوبة قبل قيد صحيفة الدعوى.
وفي حال رفض رئيس القلم قيد الدعوى للأسباب المذكورة آنفاً، يجوز للمدعي التظلم من قرار رئيس القلم أمام الدائرة الابتدائية بالمحكمة.
ومن الجدير ذكره في هذا المقام، بأن محكمة قطر الدولية قد طوّرت وطبقت نظام إلكترونيا جديدا لإدارة الدعوى خاصا باجراءاتها. وقد أحدث هذا النظام منذ تطبيقه نقلة نوعية في خدمات المحكمة. ويعد النظام مثالا متميزا لتفعيل التكنولوجيا في العمل القضائي، نظرا لما يحققه ذلك من تطوير العملية القضائية من خلال المساعدة على سرعة إنجاز العمل، والتيسير على أطراف الدعوى، واختصار أمد التقاضي، بحيث يستطيع المدعي من تقديم صحيفة دعواه إلكترونياً وإرفاق المستندات الخاصة بها دون الحضور الشخصي للمحكمة. وبعد أن يتم التحقق من اختصاص المحكمة واستيفاء الدعوى لجميع المستندات والبيّنات، يتم قيد الدعوى في سجل خاص ضمن قاعدة البيانات واخطار المدعي بذلك إلكترونيا من قبل رئيس قلم كتّاب المحكمة. ويتضمن الإخطار عادة رقم الدعوى وتاريخها إذا كانت مستوفية الشروط. أما في حال عدم اكتمال مستندات أو بيّنات الدعوى، فيتم إخطار المدعي بوجوب استكمال النواقص أو بوجوب إجراء التصحيحات اللازمة. ويجري بعد ذلك الانتقال الى مرحلة التبليغات إلكترونيا إما بواسطة البريد الالكتروني وإما عبر توجيه رسالة الى المدعى عليه على هاتفه الجوّال تدعوه للدخول الى موقع المحكمة لتَبَلّغ الدعوى المقامة ضده.
ويتيح النظام ايضا خدمة تبادل المذكرات بين أطراف الدعوى دون الحضور الشخصي أمام المحكمة، بالاضافة إلى خدمة ارسال الرسائل النصية القصيرة لاخطار المتقاضين بمواعيد جلساتهم، أو بما تم من إجراءات في الدعوى. وفي الختام، نجد بأن المبادرة التي جاء بها المشرع القطري لاستحداث نظام إدارة الدعوى وتضمينه في القواعد الإجرائية القضائية المعمول بها في محكمة قطر يعد إنجازاً كبيراً يُحسب له، حيث تضمنت تلك المبادرة الاتيان بفكرة مستحدثة نسبياً على قانون المرافعات القطري وللعاملين في مجال التقاضي وأطراف النزاعات. وقد أثبت نظام إدارة الدعوى نجاعته في محكمة قطر الدولية حيث أدى إلى تسريع الإجراءات واختصار وقت التقاضي وإنجاز الخدمات التي تقدمها المحكمة وفق أفضل المعايير والممارسات العالمية، وهو ما يعزز من مكانة المؤسسات القضائية في الدولة من جهة ويساهم في زيادة التنافسية الدولية لمركز قطر للمال من جهة أخرى.