مقال حول الاستيقاف كأحد مبررات القبض والتفتيش في القانون المصري
مما لا شك فيه أن من أهم المشكلات العملية والقانونية في الإجراءات الجنائية الاستيقاف كمبرر للقبض والتفتيش، وسنعرض لشرح مبسط له في ضوء أحكام محكمة النقض المصرية.
الاستيقاف وحالة التلبس:
إن الاستيقاف هو إجراء يقوم به رجل السلطة العامة في سبيل التحري عن الجرائم وكشف مرتكبيها ويسوغه اشتباه تبرره الظروف وهو أمر مباح لرجل السلطة العامة إذا ما وضع الشخص نفسه طواعية منه واختيارا في موضع الريب والظن، على نحو ينبئ عن ضرورة تستلزم تدخل المستوقف للتحرى وللكشف عن حقيقته عملاً بحكم المادة 24 من قانون الإجراءات الجنائية، وإذا أدي التخلي إلى استيقاف الشخص لسؤاله عن اسمه ووجهته وإلى ظهور حالة تلبس بجريمة، إدركها مأمور الضبط القضائي إدراكا يقينيا بأحد حواسه فإن حالة التلبس تُعدُّ قائمة وصحيحة قانونا.
ومن هنا يأتي دورالدفاع بأن يبين للمحكمة مدى اعتبار الفعل الذي أتاه المتهم فعلا مألوفا أو شاذ، ومتى اعتبر الفعل مألوفا أي متى أقنع الدفاع المحكمة باعتبار الفعل أو السلوك الصادر عن المتهم المستوقف مألوفا انتفت مبررات الاستيقاف وبطل، ويبطل لذلك أي إجراء لا حق له ومرتبط ونعني القبض.
صور عملية للاستيقاف من قضاء النقض:
أولا: استيقاف وحالة التلبس بالجريمة
( إذا كان الثابت من الحكم أن المتهم، الشخص المستوقف ، أسرع بوضع ما يشبه عليه من الصفيح فى فمه بمجرد رؤيته لمخبر، رجل السلطة العامة، محاولا مضغها بأسنانه وحاول ابتلاعها فانه يكون قد وضع نفسه بإرادته واختياره موضع الريب والشبهات، مما يبرر لرجال السلطة العامة استيقافه للكشف عن حقيقة أمره، وإذ كانت حالة التلبس لرجال بالجريمة قد تحققت أثر هذا الاستيقاف بانبعاث رائحة الأفيون من فم المتهم وشم المخبر والضابط هذه الرائحة ورؤيتها له وهو يحاول ابتلاع الشيء الذي فى فمه الذي تبعث منه رائحة الأفيون، فإن ما يثيره المتهم فى شان بطلان القبض لا يكون على أساس صحيح).
[ 20/4/1956 أحكام النقض 10س 96ق ص437 ]
( إذا كان الواضح مما أثبته الحكم أن رجلي البوليس ، رجال السلطة العامة ، إذ كانا يسيران في دورية ليليه اشتبها في الطاعن اشتباها تبرره الظروف فاستوقفاه فلم يذعن بل حاول الهرب فلما تبعه أحدهما وقف وعندئذ ظهرت حالة التلبس بادية إذ كان يحمل في يده سلاحا ناريا بشكل ظاهر ، فان الحكم إذ دانه فى جريمة حمل السلاح بدون رخصه تأسيسا على قيام حالة التلبس لا يكون مخطئا).
[ 9/6/1952 أحكام النقض 3 س 397 ق ص 1062].
ثانيا- الاستيقاف فى الدوريات والكمائن الشرطية:
إن مجرد وجود الكمين أو الدورية الشرطية لا يعني حق استيقاف أي شخص، بل يتحتم أن يضع الشخص المستوقف نفسه بفعله أو بسلوكه موضع الريب والظنون وهو ما يثبته مأمور الضبط بمحضره- متى توافر مبرره- عن أحد حالات التلبس بالجريمة، وبذا يحق لرجل السلطة العامة أن يقتاد الشخص المستوقف لمأمور الضبط القضائي لاستجلاء أمره ، كما أن لمأمور الضبط القضائي أن يقبض على الشخص ويفتشه متى أدرك بشخصه وبأي حاسة من حواسه أحد حالات التلبس بالجريمة.
من قضاء محكمة النقض:
إذا مر مأمور الضبط القضائي ليلا بدائرة القسم للبحث عن المشتبه فيهم لكثره حوادث السرقة فأبصر بشخص يسير في الطريق وهو يتلفت للخلف على صورة تبعث على الريبة في أمره ثم حاول أن يتوارى عن نظر الضابط، حق لهذا الأخير أن يستوقفه ليتحرى عن شخصيته ووسائل تعيشه لأن ظروف الأحوال تبرر اتخاذ هذا الإجراء، فإذا تخلي الشخص المذكور بإرادته عملي أثر ذلك عن بعض المخدر الذي يحمله في جيبه بإلقائه على الأرض فان هذا التخلي لا يعد نتيجة لإجراء غير مشروع من جانب الضابط ولا يقبل من المتهم التفضل من تبعه إحراز المخدر من الورقة التي ألقاها المتهم على الأرض وعدم ظهور المخدر منها مادام التخلي عنها باختياره ).
[ 7/5/1955 طعن رقم 649 سنه 25 ق ]
وغني عن البيان أن هؤلاء الموطنون من مأموري الضبط القضائي سواء العام أو الخاص، المهم هو توافر صفة الضبطية القضائية، فغاية هذا النوع من الاستيقاف هو التثبيت من قيام المخاطبين بالقانون بالالتزام بأحكامه، دونما حاجة إلى توافر ريبة أو ظنون ولذا فلرجل التزامه بالقانون من عدمه، ولذا فمن حق رجال الأمن إيقاف السيارات للتأكد من سلامة أوراقها ومن حيازة سائقها لرخصة قيادة نافذة، ومن حق رجال الأمن إيقاف من يجعل سلاحا للتحقق من شخصيته ومن رخصه السلاح الذي يجعله، ومن حق رجال الأمن مطالبه الشخص بتقديم بطاقته الشخصية أو أي إثبات للشخصية، وكذا ما يدل على تمام أداء الخدمة العسكرية أو الموقف التجنيدي بصفة عامة.
ثالثا- الارتباك الناتج عن مشاهدة المتهم لمأمور الضبط القضائي كمبرر للاستيقاف:
ارتباك المتهم لدي رؤيته لمأمور الضبط القضائي ثم تخليه عما في حيازته وإنكاره صلته به يخول لرجل السلطة العامة الذي يقع بصره عليه أن يستوقف المتهم ويلقط ما تخلي عنه فالارتباك فى ذاته ليس فعلا أو سلوكا؛ لذا لا يجوز استيقاف شخص لمجرد قلقه وتوتره من رؤية مأمور الضبط القضائي أو أحد رجال السلطة العامة فان اقتران الارتباك، بسلوك أخر قد يجعل منه مبررا للاستيقاف ، فالارتباك الذي يعقبه فرار الشخص مبرر للاستيقاف ، والارتباك الذي يعقبه تخلي يبرر الاستيقاف..
من قضاء محكمة النقض:
( الاستيقاف إجراء لا يمكن اتخاذه دون توافر شروطه ، وهو أن يضع الشخص نفسه طواعية واختيارا في موضع الشبهة أو الريبة بما يستلزم تدخل السلطة للكشف عن حقيقة أمره، أما وأن المتهم ارتبك لدي رؤيته لمأمور الضبط وظهرت عليه علامات القلق والخوف فان ذلك لا يبرر استيقافه لانعدام المظاهر الدالة على ضرورة التدخل).
[ 20/4/1975 أحكام النقض 11 س 51 ق ص 96 ]
( ارتباك المتهم لدي رؤيته لمأمور الضبط القضائي ثم تخليه عما في حيازته وإنكاره صلته به يخول لرجل السلطة العامة الذي يقع بصره عليه أن يستوقف المتهم ويلقط ما تخلي عنه ويقدمه لمأمور الضبط القضائي).
[ 7/12/1985 أحكام النقض 36 س 81 ق ص 992 ]
الدكتورة / رشا فاروق أيوب
مدرس القانون الجنائي بكلية الحقوق جامعة بنها