مقال يشرح الوضع القانوني للعملات الافتراضية او المشفرة
منذ سنوات عدة اجتاحت العالم حمى ما يسمى بـ«العملات المشفرة» أو «العملات الافتراضية»، فقد لاقت هذه العملات إقبالاً كبيراً وشهدت شهرة عالمية واسعة في الآونة الأخيرة بين الأفراد الراغبين في الاستثمار عن طريق شبكة الإنترنت؛ والباحثين عن المكسب السريع والسهل.
وعلى الرغم من المخاطر الكبيرة التي تصاحب هذه التعاملات، إلا أنها باتت محط أنظار واهتمام المستثمرين سواء على المستوى الفردي أو على مستوى المؤسسات؛ سواء المالية أو الاقتصادية بأنواعها؛ حيث عملت حكومات بعض الدول على تقنين الاستثمار في هذا النوع من العملات واستخدامها في عمليات البيع والشراء الإلكتروني، تبعتها عدة بنوك في هذا الطريق.
وفي المقابل رفضت معظم الحكومات، خاصة في بلادنا العربية، اعتماد هذا النوع من التعامل أو تنظيم منصات رسمية للتعامل بها، حتى إنه صدرت فتاوى بتحريم هذه التعاملات واعتبارها نوعاً من المقامرة.
وقد احتل هذا الموضوع مساحة كبيرة من المناقشات في فعاليات اقتصادية عدة، وحظي باهتمام الاقتصاديين وحبراء المال والأعمال في العالم، ومع ذلك ماتزال المخاوف تسيطر على المعنيين في كثير من بلادنا العربية تجاه هذه المعاملات.
وكان مجمع الفقه الإسلامي الدولي قد أدرج على جدول أعماله، في دورة انعقاده الـ24 التي عقدت مؤخراً في دبي، موضوع العقود الذكية والعملات المشفرة، ولكنه أرجأ اتخاذ قرار بشأنها لحين عمل دراسات وافية حولها من قبل العلماء والمختصين.
مصرف الإمارات العربية المتحدة المركزي بدوره أصدر بياناً أكد فيه أن دولة الإمارات ماتزال ترفض التعامل بالعملات المشفرة، ونفى نفياً قاطعاً ما جاء في مقال ذكر المصرف أنه نشر على أحد المواقع إلكترونية، يزعم أن محافظ مصرف الإمارات المركزي يدعم منصة لتداول العملات المشفرة، وأكد البيان أن المقال يحتوي على معلومات كاذبة.
وشدد المصرف على أن موقفه من العملة المشفرة الخاصة صريح وواضح، فلم يعتمد أي عملات افتراضية أو مشفرة وليس هناك أي مخططات لاستخدامها، ولم يصدر المصرف المركزي أي تراخيص في دولة الإمارات من هذا القبيل، ويؤكد أن «العملات المشفرة الخاصة تشكل مخاطر محتملة مرتبطة بتقلبات الأسعار وغسيل الأموال وتمويل الإرهاب».
الغموض والسرية التي تكتنف هذه التعاملات تؤكد ما ذهب إليه خبراء الاقتصاد والمال في العالم من أن التعامل بهذه العملات وإن بدت «نظيفة» في بعض الحالات، إلا أن هناك ارتباط بينها وبين العمليات غير المشروعة، وأن من أكبر مخاطر هذا النوع من العملات أنها تعد هدفاً رئيساً للأنشطة الإجرامية العالمية، وتمويل الصفقات المشبوهة، والالتفاف على العقوبات المفروضة على المنظمات الإرهابية حول العالم، واستخدامها في تمويل هذه المنظمات، فضلاً عن استخدامها كوسيلة لغسل الأموال.. وغير ذلك من الممارسات غير المشروعة التي يقوم بها محترفو الإجرام في العالم، نظراً لأنها تتم خارج نطاق الرقابة، كما أنها غير قابلة للتتبع من قبل الجهات الأمنية.
المشكلة إذاً لم تعد شرعية فقط، بل إن لها تأثيرات سلبية أخرى كبيرة وخطيرة على كل المستويات .. الاقتصادية والمالية والأمنية، فالأضرار التي تلحقها بالدول تجعلها أكبر من أن تكون مجرد قضية تمس مستثمرين أفراداً، ولكنها باتت تهدد أمن الدول وتزعزع استقرارها.
ومع هذا كله فإن استخدام وسائل الاتصال المتطورة لم يعد أمراً اختيارياً، إذ لابد من التعاطي مع كل أنواع التكنولوجيا الحديثة .. بخيرها وشرها، والعمل قدر المستطاع للاستفادة منها، واستخدامها كوسيلة للنهوض والتقدم، أما عن المشكلات التي تفرزها مثل مشكلة العملات الافتراضية التي نحن بصددها فإنها فقط بحاجة إما إلى منعها ووقف التعامل به نهائياً، وهذا يحتاج إلى جهود دولية تعاونية، وإما إلى وضع قوانين منظمة واستحداث أنظمة رقابية صارمة لتتبع عملياتها ومحاسبة الخارجين عليها، ولا نظن أن هذا أمراً صعباً على ذوي الخبرة في هذا المجال!!