مناظرة قوية بين القانون الدولي الإنساني و قانون حقوق الإنسان
إن القانون الدولي الإنساني فرع من فروع القانون الدولي العام تهدف قواعده العرفية والمكتوبة إلى الحد من استخدام العنف في وقت النزاعات المسلحة عن طريق حماية الأفراد غير المشتركين في العمليات الحربية أو الذين توقفوا عن المشاركة فيها، والجرحى والأسرى والمدنيين، وكذلك عن طريق جعل العنف في المعارك العسكرية مقتصرا على تلك الأعمال الضرورية لتحقيق الهدف العسكري و حماية الأموال التي ليس لها علاقة مباشرة بالعمليات العسكرية
والملاحظ أنه من حيث الشكل يخضع هذا الفرع للقواعد التي تحكم بقية فروع القانون الدولي العام فيما يتعلق بإعداد النص القانوني وصياغته ومناقشته وتوقيعه والمصادقة علية ، إلا أن هذا القول لا يمنع من أن هناك بعض القواعد الخاصة التي تتضمنها بعض المواثيق الدولية المتعلقة بالقانون الدولي الإنساني قد خرجت عن الأصل العام في اتفاقية فينا لقانون المعاهدات لعام1969 ، فعلى سبيل المثال تضمن البروتوكولين الإضافيين لعام 1977 الملحقين باتفاقيات جنيف لعام 1949 بعض القواعد الخاصة لا يقابلها مثيل في قانون فينا للمعاهدات، منها أن يدخل البروتوكولين حيز النفاذ بعد مرور ستة شهور من تاريخ إيداع صكين للتصديق على الأقل، ويرجع المهتمون هذا الأمر إلى أهمية قواعد هذين البروتوكولين، وضرورة تطبيقيهما بأسرع ما يمكن .
و يعرف القانون الدولي لحقوق الإنسان :
بأنه “فرع من فروع القانون الدولي العام تهدف قواعده العرفية والمكتوبة إلى حماية الحقوق
الأساسية للأفراد والجماعات من انتهاكات من قبل الحكومات الوطنية، ويساهم في تطوير وتعزيز هذه الحقوق والحريات ” .
و يخضع هذا القانون أيضا من حيث الشكل للقواعد التي تحكم بصفة عامة مجمل فروع القانون الدولي، وأنه يهدف من خلال قواعده العرفية والمكتوبة إلى حماية حقوق الإنسان في كل الأوقات، وإن كانت قواعده المكتوبة تبرز بشكل أساسي على المستوى الدولي بما يسمى بالشرعية الدولية لحقوق الإنسان التي تتألف من مواثيق رئيسية له، أهمها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948، والعهدين الدوليين للحقوق المدنية والسياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية لعام 1966، إلى جانب عدد ليس قليل من الاتفاقيات الدولية والإقليمية الأخرى لحقوق الإنسان .
أوجه الاختلاف بين القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان :
أ. من حيث تباين مفهوميهما :
أن القانون الدولي الإنساني يقوم على التخفيف من معاناة الإنسان أثناء النزاعات المسلحة، إذ يجمع مفهومه بين فكرتين مختلفتين في طبيعتهما، فالأولى قانونية والثانية أخلاقية.
أما القانون الدولي لحقوق الإنسان فهو تعبير عن التزامات قانونية دولية باحترام حقوق وحرية الأفراد والشعوب وتمكينها من العيش في رفاهية.
ب. الاختلاف من حيث نطاق التطبيق :
فالقانون الدولي الإنساني ينطبق من حيث الزمان عند بداية النزاعات المسلحة، أما من حيث النطاق المادي فانه ينطبق على كل حالة تأخذ وصف النزاع المسلح كان دوليا أو غير دوليا، أما من حيث النطاق الشخصي فإنه يمنح حماية لفئتين وهما ضحايا النزاعات المسلحة من جرحى وموتى وأسرى، والمدنيين.
بينما ينطبق القانون الدولي لحقوق الإنسان في زمن السلم أساسا، أي على الأوضاع الطبيعية للدول ويوقف العمل ببعض أحكامه في الظروف الاستثنائية للدول، وذلك بمقتضى المادة الرابعة من العهد الدولي لحقوق المدنية والسياسية، هذه المادة التي لم تحدد ضمن فقراتها “حالة الحرب” كحالة استثنائية .
وعليه يبقى السؤال مطروح هل يعتبر دخول الدولة في حالة نزاع مسلح دولي أو داخلي من قبيل الحالات الاستثنائية (الطوارئ العامة) التي تجيز للدولة التحلل من التزاماتها الدولية الحامية لحقوق الإنسان؟
ج. الاختلاف من حيث بعض الحقوق المحمية :
الحق في الحياة:
هناك اختلاف بارز للوهلة الأولى بين القانونين فيما يتعلق بالحق في الحياة، ففي القانون الدولي لحقوق الإنسان يعتبر الحق في الحياة حقا غير قابلا للانتقاص ويحتل مكان الصدارة في منظومة حقوق الإنسان، ولكن هذا القول لا يمنع بأن هذا الحق ليس مطلقا حيث أنه يخضع للحق في استخدام القوة القاتلة في الإعدامات القانونية أو في حالة الدفاع عن النفس
أما القانون الدولي الإنساني يعترف بحق المقاتلين في إطلاق النار وإيقاع القتل بين المقاتلين الآخرين لدى رؤيتهم ودون إنذار مسبق .
الحقوق المتصلة بالمحاكمة والاعتقال:
يكمن الاختلاف بين القانونين هنا من حيث المعيار المعتاد، ففي القانون الدولي لحقوق الإنسان لا يحوز الحرمان من الحرية إلا بعد محاكمة عادلة كعقوبة على عمل إجرامي، أي يحظى الحق في المحاكمة العادلة بالحماية.
أما القانون الدولي الإنساني فإنه يحمي الحق في احتجاز المحاربين دون محاكمتهم باعتبارهم أسرى حرب، وكذلك يعطي دولة الاحتلال سلطة اعتقال المدنيين ومحاكمتهم عبر محكمة لابد أن تتوافر على شروط معينة من أهمها أن تكون هذه المحكمة عسكرية وغير سياسية ، وإن كان يستفاد من المادة الثالثة المشتركة بين اتفاقيات جنيف الأربعة والبروتوكول الإضافي الثاني حق محاكمة وعقاب من يشتركون في نزاع مسلح داخلي بشرط مراعاة المعايير الدنيا الضرورية من أجل محاكمة عادلة .
الحق في حرية التحرك:
يضمن القانون الدولي لحقوق الإنسان الحق في حرية التحرك، رهنا بالقيود المعتادة بالنسبة للأمن القومي والنظام العام، وإمكانية الانتقاص منها أثناء حالات الطوارئ،
أما القانون الدولي الإنساني فيحتوي حظر صريح يفيد منع تشريد المدنيين أثناء النزاعات المسلحة لغير أسباب الضرورة الحربية، كما أن هناك حظرا صريحا على بعض أشكال الإجلاء بالقوة المسلحة حيث يعتبر ذلك جريمة من جرائم الحرب وجريمة ضد الإنسانية .
د . الاختلاف من حيث المخاطب بأحكامها :
إذا كان المخاطب أساسا بأحكام القانون الدولي الإنساني هم العسكريون والسياسيون الذين لهم دور فعال في إدارة العمليات العسكرية والحربية أيا كان موقعهم أو انتمائهم للدول أو المنظمات الدولية أو متمردين داخل الدولة أو الثوار في الأقاليم المحتلة،
فإن المخاطب في الأصل بأحكام وقواعد القانون الدولي لحقوق الإنسان الدولة ممثلة في سلطاتها أو أجهزتها المعنية بإدارة شئون كل من هو داخل إقليم الدولة ، أي “سكان الإقليم” بالمفهوم الدستوري للمصطلح .
و. الاختلاف من حيث آليات مراقبة التنفيذ :
يتم مراقبة إعمال أحكام القانون الدولي الإنساني، عبر آليات دولية خاصة تملكها المنظمات والهيئات الحكومية الدولية وغير الحكومية قصد حماية الأشخاص المتضررين من العمليات العسكرية، وما قد ينجم عنها من احتلال حربي، وأهم هذه المنظمات هي اللجنة الدولية للصليب الأحمر فهي التي تأخذ على عاتقها أداء المهام ذات الصفة الإنسانية، وذلك بحكم التجربة الغنية التي اكتسبتها طوال فترة عملها، هذا إضافة إلى الدور الهام الذي لعبته – كمنظمة غير حكومية إنسانية محايدة تتمتع بمركز قانوني دولي جعل منها أشبه بالمنظمات الحكومية الدولية- بالتدخل بالنزاعات المسلحة من خلال وضع الإجراءات التي تساهم في تفعيل الحماية للمعنيين بها، ومن خلال دورها الميداني بإرسال وتوزيع مواد الإغاثة والطواقم التي تقوم بها .
وإلى جانب اللجنة الدولية للصليب الأحمر، هناك آليات خاصة أخرى تنفرد بمراقبة التطبيق كـ “الدولة الحامية” أو بالتحقيق بالانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي الإنساني هذه المهمة التي أوكلها واضعوا البروتوكول الإضافي الأول، وعبر المادة 90 منه “للجنة الدولية لتقصي الحقائق”، وكما ينظر الكثير من شراح القانون الدولي الإنساني بنوع من التفاؤل لدورا محتملا وكبير للمحكمة الجنائية الدولية الدائمة بعد دخول نظام روما حيز النفاذ في عام 2001، مما نستنتج منه أن طبيعة هذه الآليات تكون جزء منها وقائية، وفي الجزء الأخرى تكون ذا طبيعة قمعية .
أما قانون حقوق الإنسان فتتضمن آليات تنفيذه نظما إقليمية وتقوم هيئات إشرافية من قبيل لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان إما على ميثاق الأمم المتحدة أو على أحكام ترد في معاهدات محددة. وقد أنشأت لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان آلية ( المقررين الخاصين) لمراقبة أوضاع حقوق الإنسان . كما تنص ست معاهدات لحقوق الإنسان الرئيسية على إنشاء لجان مثل لجنة حقوق الإنسان لمراقبة تنفيذ تلك المعاهدات.