نطاق تطبيق نظرية تحول العقد وإنتقاصه وتصحيح العقد.
أولا : البطلان الجزئي ( إنتقاص وتصحيح العقد )
هناك حالات لا يقتصر سبب البطلان فيها على جزء من العقد دون إن يصيب كل العقد ، إي إن مخالفة القانون لا تشمل العقد بأكمله بل تنحصر في شق أو شرط منه ، هنا يلجأ المشرع إلى أحد أسلوبين : –
أولا : البطلان الجزئي أو إنتقاص العقد ، حيث يتم إستبعاد الجزء الباطل ، ويظل الباقي صحيح باعتباره عقد مستقل ويتحقق ذلك في الغرض الذي لا يكون العقد فيها باطلا بأكمله ، وإنما يكون باطلا أو قابلا للبطلان في جزء منه وصحيح في الجزء الآخر .
الثاني : تصحيح البطلان ، حيث يتم إبطال الحكم المخالف للقانون في العقد وتصحيحه بما يتفق مع الحكم الأمر الذي نص عليه المشرع.
(أ ) – البطلان الجزئي أو الانتقاص .
إذا كان العقد في شق منه باطلا أو قابلا للإبطال ، فهذا الشق وحده هو الذي يبطل إلا إذا تبين إن العقد ما كان ليتم بغير الشق الذي وقع باطلا ، أو قابلا للإبطال فيبطل العقد كله ..
يعتبر ذلك الحكم عن فكره البطلان الجزئي أو إنتقاص العقد فالبطلان هو جزءا على مخالفة القانون ، ومن ثم يتعين إكماله في إطار الهدف ، ويجب بالتالي إن يقتصر البطلان على الشق المخالف للقانون في التصرف القانوني ، فإذا تضمن التصرف أو العقد شقا أو شرط غير مشروع ، فإن ذلك الجزء هو الذي يبطل ويظل الباقي منه صحيح ويرتب آثاره .
والهدف من ذلك هو الرغبة في إنقاذ العقد وتفادي البطلان الكلي بقدر الإمكان ، فإبقاء العقد خير من إبطاله ويساهم ذلك في استقرار المعاملات واقتصاد الجهد والنفقات ولكن يشترط لأعمال تلك النظرية شرطان.
أولا : قابلية العقد أو التصرف للتجزئة:-
يشترط لإبطال العقد في شق منه مع بقائه قائم ثم قي باقي أجزائه . أن يكون المحل مما يقبل القسمة أو الانقسام بطبيعته ومعنى ذلك إذا كان محل العقد لا يقبل للانقسام بطبيعته فانه يترتب على بطلان جزء منه بطلان لعقد بأكمله .
يتضح مما سبق إن يشترط لإكمال نظرية البطلان الجزئي إن يكون الجزء المتبقي من العقد باطلا للوجود المستقل ، فيجب إن تتوافر آخر فيه العناصر القانونية الأساسية اللازمة لوجوده ويجب إلا يترتب على إستبعاد الجزء الباطل حدوث تغيير في تكيف العقد ، فإذا حدث مثل هذا التغيير نكون بصدد تحول العقد..
ثانيا : عدم تعارض الإنقاص مع إرادة المتعاقدين:-
يقوم البطلان الجزئي على أساس تفسير إرادة المتعاقدين بمعنى عدم وجود مانع لديها مع الإبقاء على الجزء الصحيح في العقد ،إن انتقاص العقد مشروط بألا يتعارض مع قصد الطرفين ، حتى لا يتعارض مع مبدأ حرية التعاقد ، فإذا تبين إن أحد المتعاقدين لم يكن ليرضي إبرام العقد بغير الشق المعيب امتد البطلان إلى العقد بأكمله ..
ويتحقق ذلك في الحالات التي يكون الشق الباطل هو الباعث الدافع إلى التعاقد ولا يشترط إن يكون الشق الباطل دافعا لكل من المتعاقدين ، بل يكفي إن يتضح إن أيا من العاقدين ما كان ليقبل بغير الشق المصيب ، فإذا تبين إن الجزء أو الشرط الباطل هو الباعث الدافع لأحد المتعاقدين فإن العقد يبطل بكامله بشرط إن يكون في إمكان المتعاقد الآخر إدراك ذلك وذلك إكمالا لمبدأ الثقة المشروعة كأساس لمقتضيات استقرار التعامل .
ويجب على القاضي إن يتحرى إرادة الأطراف ليتبين عما إذا كان سيتم إبرام العقد لو لم يوجد الشق الباطل ، والإرادة المقصودة هي الإرادة المحتملة لأنه في الغالب لا يدور بذهن المتعاقدين توقع البطلان ، فإذا تبين علم الأطراف ساعة إبرام العقد ببطلان شق أو شرط منه كان قرينه على ارتضاء البطلان الجزئي ..
ويقع عبء الإثبات : على من يتمسك ببطلان العقد بأكمله ، فإذا تبين للقاضي إن سبب البطلان قاصر على شرط أو شق منه فإن على القاضي إن يعمل إحكام البطلان الجزئي .
( ب ) تصحيح البطلان أو تصحيح العقد:-
يضع المشرع ، أحيانا ، بعض القواعد القانونية التي تتعلق بالنظام العام الحمائي ويرمي هذا النظام إلى توفير الحماية لبعض الفئات الضعيفة التي يقتضى مركزها الاقتصادي غير المتوازن مع الطرف الآخر وضع شروط وضمانات معينة تكفل حمايتها ، مثل العامل والمستأجر ، فإذا تم إبرام العقد بالمخالفة لتلك الضمانات والشروط تعرض للبطلان ، ولكن البطلان هنا يقتصر على الأجزاء المخالفة ، وتحل النصوص الآمرة محل الشروط الباطلة ، ومن ثم يتم تصحيح العقد واستبقائه ، ولا يجوز الإبطال الكلي للعقد لان ذلك يؤدي إلى تفويت المصلحة المقصودة .
فإذا تم إبرام عقد عمل باجر يقل عن الحد الأدنى الذي فرضه المشرع ، هنا يتم إبطال بند الاتفاق على تحديد الأجرة ، والبطلان هنا مطلق لتعلق الأمر بالنظام العام الحمائي ، ويظل عقد العمل صحيحا قائما بشرط تصحيح ذلك الشق بما يتفق مع إحكام القانون ، إي رفع الأجر إلى القدر الذي يتمشى وصحيح القانون وكذلك الحال إذا تضمن عقد إيجار الشقة شروطا أو تحديدا للأجرة بالمخالفة للنصوص الآمرة التي قررها المشرع في قانون إيجار الإمكان ، هنا يتم تصحيح العقد بما يتفق وصحيح القانون
وكذلك الحال عندما يضع المشرع حدا أقصى لأحد الالتزامات الناشئة عن العقد . ويوجب تخفيض الاتفاق المخالف إلى هذا الحد وإعادة ما دفع زائدا عليه ، كوضع حد أقصى لسعر الفائدة ، فإذا اتفق على فوائد تزيد عن هذا الحد وجب تخفيضها ورد ما دفع زائدا على هذا القدر ، وإذا اتفق على البقاء في الشيوع مدة تزيد على خمس سنوات أنقصت المدة إلى خمس سنوات . وإذا اتفق على إنشاء ملكية الأسرة لمدة تزيد على خمس عشر سنة أنقصت المدة إلى خمس عشر سنة ..
يتضح مما سبق إن تصحيح العقد يختلف عن الانتقاص أو البطلان الجزئي من عدة وجوه:-
1. يتم التصحيح في بعض حالات البطلان المطلق لشرط في العقد لمخالفته للنظام العام ، إما الأنقاض أو البطلان الجزئي فيتحقق غالبا في حالات القابلية للإبطال ( البطلان النسبي ) بالإضافة إلى بعض حالات البطلان المطلق .
2. يقتصر البطلان الجزئي على إستبعاد الشق الباطل مع بقاء الشق الآخر صحيحا ، إما تصحيح العقد فيتم عن طريق التعديل إي استبدال الشروط الباطلة بشروط صحيحة متفقة مع نصوص القانون وليس مجرد الإنقاص ، هذا بالإضافة إلى إعادة ما تم دفعه بالمخالفة للقاعدة الأمرة التي وضعها المشرع .
3. يشترط لإعمال البطلان الجزئي إلا يكون متعارضا مع قصد إي من المتعاقدين ، إما التصحيح فيقع بقوة القانون دون النظر إلى ما كانت ستتجه إليه إرادة المتعاقدين ، ويجب على القاضي إجراء التصحيح حتى لو تبين إن المتعاقد ما كان ليبرم العقد بغير الشق أو الشرط الذي وقع باطلا وتم تعديله ..
ثانيا : تحول العقد:-
المقصود بتحول العقد
إذا كان هناك تصرف باطل ، ويتضمن عناصر تصرف آخر صحيح ، هذا يتحول التصرف الباطل إلى هذا التصرف الصحيح ، إذا تبين إن إرادة المتعاقدين كانت تنصرف إلى إبرام هذا العقد ، وبعبارة آخرى إذا لحق البطلان العقد ، إما لأنه نشأ باطلا ، أو قابلا للإبطال ثم تقرر إبطاله وتبين إن هذا العقد يتضمن عناصر عقد آخر صحيح لم يقصده المتعاقدان ، هنا يقوم هذا العقد على إنقاص العقد الباطل ، أو أن العقد الباطل يتحول إلى العقد الصحيح مثال ذلك :بطلان الكمبيالة التي لا تستوفي شروطها الشكلية حيث تتحول إلى سند دين عادي ، كذلك إذا لم تتوافر شروط المحرر الرسمي في ورقة ، فإنها تتحول من محرر رسمي باطل إلى ورقة عرفية متى استوفت شروطها ، وبصفة خاصة إذا توافر لها شرط التوقيع وتظهير الكمبيالة لنقل ملكيتها إذا وقع بطلان لنقص بياناته فانه يتحول إلى تظهير توكيلي بقبض قيمة الكمبيالة . وإذا تم إبطال القسمة التي ترد على التمليك بسبب نقص أهلية أحد الشركاء ، فان هذه القسمة تتحول إلى قسمة مهيأة ، أي قسمة انتفاع إذا كان المتقاسم ناقص الأهلية مأذونا له في الإدارة ، وإذا كان هناك عقد بيع مدون في ورقة رسمية وكان الثمن فيه تافها إلى الحد الذي يجعل البيع باطلا لتخلف ركن الثمن ، ففي هذه الحالة يتحول البيع إلى هبه صحيحة لتوفر عناصرها .
ولا يتم إعمال فكرة تحول العقد إلا في حالة وجود مجال لإعمال البطلان الجزئي ، ويتم ذلك في حالتين :
الأولى : إذا كان البطلان قد شمل العقد بأكمله ، والثانية : إذا كان هناك شق باطل في العقد ويترتب على إستبعاده عدم توافر أركان العقد المقصود أصلا ، أو كان من شأن إستبعاد هذا الشق الباطل تغيير طبيعة العقد أو تكييفه .
والواقع إن التحول وسيلة فنية تستهدف الإبقاء على الرابطة العقدية الباطلة في ثوب جديد مختلف عن العقد المقصود أصلا ، فالتحول يرد على وصف العقد أو تكييفه وطبيعته إما البطلان الجزئي فيرد على كم العقد دون المساس بطبيعته
يلزم لتحول العقد توافر الشروط الثلاثة الآتية:-
بطلان التصرف الأصلي : يجب إن يكون التصرف باطلا أو قابلا للإبطال ثم يقضي ببطلانه فالتحول لا يرد على العقد الصحيح ، فإذا كان التصرف صحيحا فلا يجوز إن يتحول إلى تصرف آخر ولو تضمن أركانه ، حتى لو تبين ان العاقدين كانا يفضلانه على العقد الأصلي لو تبينا حقيقة امره ، فالهبه الصحيحة لا تتحول الى وصية حتى لو تضمنت فى نفس الوقت شروط الوصية ، ولو تبين ان المتعاقدين يفضلان الوصية على الهبه.
ويجب ان ينصب البطلان على كل العقد او على شق منه لا يقبل الانفصال عن جملة التصرف ، فإذا كان من الممكن فصل الشق الباطل دون تغيير طبيعه العقد فإنه يتم إنتقاص العقد اي اعمال البطلان الجزئي وليس التحول.
تضمن التصرف الأصلي لجميع عناصر تصرف آخر : يجب ان يشتمل التصرف الأصلي على جميع العناصر اللازمة لقيام التصرف الآخر . فالتصرف الباطل يضم بين طياته أركان تصرف آخر صحيح.
يجب استيفاء أركان العقد الجديد من خلال العقد الباطل وليس من خارجه ، فلا يجوز إجراء التحول إذا كان العقد الجديد يقتضي ادخال عنصر خارجي غير موجود بالعقد الأصلي ، فالعقد الباطل يجب ان يتضمن جميع عناصر التصرف الآخر الذي يتحول اليه فلو اشترى شخص منزلا تبين انه تهدم ووقع البيع باطلا لانعدام المحل ، فلا يجوز تحول العقد الى منزل آخر يملكه البائع حتى لو تبين ان ذلك يتفق مع قصد المتعاقدين لو تبينا ذلك ..
ويشترط فى التحول عدم إجراء اي تغيير فى المتعاقدين ، ذلك ان فكرة تحول العقد الباطل الى عقد صحيح تفترض قيام العقد الجديد بين نفس العاقدين بصفاتهما التي اتصفا بها فى العقد القديم ، فليس فى سلطة القاضي إجراء اي تغيير فى هذه الصفات لخروج ذلك عن نطاق التحول ، لذلك فان تحول العقد يكون ممتنعا إذا كان ذلك يستلزم ادخال متعاقد جديد لينعقد العقد …
يؤدي التحول الى ظهور تصرف آخر مغاير للتصرف الأصلي فى الطبيعه والآثار ، فالبيع فى مرض الموت يمكن ان يتحول الى وصية ، والرهن الباطل يمكن ان يتحول الى حق حبس .
إتجاه نية المتعاقدين المحتلمة إلى التصرف الجديد : لا يتم التحول إلا إذا قام الدليل على أن نية المتعاقدين كانت تنصرف إلى الارتباط بالعقد الجديد لو تبينا ما بالعقد الاصلى من أسباب البطلان .
وليس المقصود هنا الإدارة الحقيقة لأن هذه الإدارة انصرفت فى واقع الأمر إلى العقد الأصلى الباطل . ولكن يكفي هنا الإدارة المحتملة أى نية الطرفين الاحتمالية ، أى أنه يكفي ممجرد احتمال هذا الرضاء ، فالقاضى يستخلص من ظروف الحال أنه كان من المحتمل رضا الطرفين بالعقد الجديد إذ كان التصرف الجديد محققاً للغاية العملية التى يهدف إليها المتعاقدان .
والتعرف على هذه الإدارة الاحتمالية يعد من مسائل الواقع التى بتقديرها قاضى الموضوع ولا معقب عليه فى ذلك متي أقام قضاءه على أسباب سائغه