هل يجوز الأخذ بشهادة أحد الزوجين المطلقين ضد الأخر؟.
«شهادة الشهود» أو ما يُطلق عليه «البينة الشخصية» تُعد بمثابة وسيلة من وسائل الإثبات والتدليل القانونية والمقصود منها أن يثبت المرء حقه أو يثبت ادعاءه في مجلس القضاء بأشخاص يسميهم للقاضي للإدلاء بالشهادة في النزاع المنظور أمام المحكمة.
ودائما يلجأ الناس لإشهاد بعضهم البعض في معاملاتهم، وذلك لحفظ الحقوق ولكن هنالك من يخطئ في اختيار الشاهد أو الشهود، مما يتسبب له في المستقبل إذا حدث خلاف في ضياع حقه والسبب يعود لجهل الكثير من الناس في معرفة شروط الشهادة ومدى انطباقها على الشاهد أو شهود الذين أشهدهم على حقه عند الآخرين.
إلا أننا فى هذا الإطار، نعلم جيدا من الناحية القانونية أنه لا يجوز شهادة الأصل للفرع أو الفرع للأصل..ولكن هل يجوز للسيدة المطلقة بعد وقوع الطلاق بين الزوجين طلقة بائنة بينونة صغرى الاستناد على شهادة طليقها في واقعة تخصها حدثت بعد وقوع الطلاق؟
وللإجابة على هذا السؤال: أن المرأة المطلقة وهي في العدة إما أن يكون الطلاق رجعياً أو غير رجعي: فإذا كان الطلاق رجعياً فهي في حكم الزوجة، فقد أمر الله سبحانه وتعالى الزوجة المطلقة أن تبقى في بيت زوجها في فترة العدة.
أما إذا كانت المطلقة هذه مطلقة «طلاقاً بائناً» مثل الطلقة الثالثة، أو أعطت الزوج عوضاً ليطلقها، أو كانت في عدة فسخ لا عدة طلاق فهي أجنبية عنه كأي امراة أخري.
أما الطلاق البائن بينونة صغرى: فهو طلاق الزوج لزوجته قبل الدخول الحقيقي بها، أو طلاقه إياها في مقابل مال تفتدي به نفسها، ولم يكن مسبوقا بطلقة أصلا أو كان مسبوقا بطلقة واحدة، وحكمه سواء أكان أول الطلقات أم ثانيها أنه يترتب عليه نقص عدد الطلقات، وإزالة قيد الزوجية في الحال بمعنى أنه بمجرد صدوره يزيل ملك الاستمتاع الذي كان ثابتا بالزواج، ولا يعود هذا الملك إلا بعقد ومهر جديدين بتراضي الزوجين في العدة وبعدها، ولكنه لا يزيل الحل.
بمعنى أن المطلق بائنا بينونة صغرى يحل له أن يعقد على مبانته في العدة وبعدها بدون حاجة إلى زوج آخر يحلها؛ لأنها بالبينونة الصغرى لم يقم بها سبب من أسباب التحريم المؤبدة أو المؤقتة وإذا كان البائن بينونة صغرى يرفع قيد الزواج بمجرد صدوره فلا يحل لأحد الزوجين الاستمتاع بالآخر ولا الخلوة به وتكون منه بمنزلة الأجنبية، وإن مات أحدهما في العدة أو بعدها فلا يرثه الآخر إلا في حالة الفرار كما سيجيء، ويحل به مؤخر الصداق المؤجل إلى أحد الأجلين الموت أو الطلاق، أحكام الأحوال الشخصية في الشريعة الإسلامية – الكلام لـ«البوادى».
وليس في القانون المصري ما يحول دون أداء الشاهد شهادته، لا الدين ولا العدالة فالناس أمام القانون سواء، بل يكفي أن يكون عاقلاً بالغًا ـ ولا ترد شهادة غير البالغين في الوقائع والأحداث، ولكنها تأتي على سبيل الاستدلال: نعم، يحظر القانون على الموظف العام والطبيب والمحامي أن يشهدوا بما علموه؛ بسبب أداء أعمالهم فيما لم يسمح لهم بنشره من أسرار، ما لم يكن فيه مخالفة للقانون فحينئذٍ يجب أن يتقدموا بشهاداتهم، ويجوز أن يشهدوا بطلب المحكمة إذا أذنت لهم السلطة بذلك فيما لا يجب عليهم الإبلاغ به .
وكذلك أحد الزوجين لا يشهد على الآخر بما يضيره – فيما عدا الجنايات والجنح – وكل من عدا أولئك من شهود لهم أن يشهدوا بما رأوه، وللقاضي أن يقبل الشهادة أو يطرحها بحسب ما يتوافر فيها من دلالات.
بالرغم من توافر شروط الأهلية العامة لأداء الشهادة، إلا أن الفرد لا يملكها في دعاوى معينة، وأحوال معينة، وهو ما يطاق علية «بأسباب عدم الصلاحية»، وتنعدم صلاحية الفرد لأداء الشهادة لصفته الشخصية أو وظيفته، فلا يجوز أن يجمع الفرد بين وظيفتي القاضي والشاهد في دعوى واحدة، ولايجوز سماع شهادة عضو النيابة في الدعوى التي قام فيها بأعمال متعلقة بوظيفته، وكما لا تقبل الشهادة ممن له صفة الخصم أوعلاقة عداوة أو ضغينة ثابته مع المتهم أو محاباة وتاخي وجاء ليشهد لصالحه .
فللمحكمة مطلق الحرية في وزن أقوال الشهود، وتقدير الظروف التي يؤدون فيها شهادتهم ولم يضع القانون نصبا للشهادة يتقيد به القاضي في المواد الجنائية بل ترك له تقدير الشهادة بحسب اطمئنانه إليها وبغض النظر عن الشهود الذين سمعتهم، ويسمع المحقق الشهود الذى يرى سماعهم يفيد التحقيق سواء كانوا شهود نفى أو إثبات،
أما الذين لا جدوى من سماع أقوالهم، فان سماع المحقق لهؤلاء يضع من وقت التحقيق، لذلك وضع المشرع سلطة تقديره للمحقق جدوى سماع الشاهد لصالح التحقيق، وللمحكمة سلطة تقديرية واسعة وهذا هو المتفق علية فقها وقضاءا في اختيار الشهود الذين يرى سماعهم، بناءا على طلب الخصوم أو لم يطلبوا .
وفي هذا قالت محكمة النض قإن الأخذ بأقوال شاهد ولو كان قريباً للمجني عليه أمر موكول إلى اطمئنان محكمة الموضوع لصحة ما شهد به، نقض 31/5/1955 مجموعة القواعد القانونية س6 ص1056، إذ أن تقدير قيمة الشهادة متروك دائماً للمحكمة تراعي فيه الظروف التي أبديت فيها الشهادة
«نقض 1/3/1937 مجموعة القواعد القانونية ج4 ق55 ص53».
وعليه، فأمام القاضي الجنائي الكل مقبول شهادته طالما توافر فيه شروط الشهادة والشاهد واطمئنت المحكمة لأقواله وصدقها ونزاهته، سواء المطلقة طلقة بائنة أو طلقة رجعية مادام لا خلال ولا تربص ولا محاباة ولا تعاطف جلي في أقوال الشاهد أو شهادته، لا يمكن التساوي بين جميع الناس في قيمة شهاداتهم ووزنها، لأن ذلك ترك للمحكمة تقدرها ويكون وفقا ضوابط معلومة ومحددة للأخذ بأقوال بعض الشهود أو ردهم تحت رقابة محكمة النقض لتقديرها ذلك.
ويتبين لنا بعد استعراض أدلة الفقهاء، وآرائهم في هذه المسألة، ومناقشتها بمنهج علمي أصولي، ما يأتي أن ربط القانون والفقه بالواقع، يستلزم تغير الحكم بتغير الزمن والعرف والظرف، واختلاف المحاكم و الفقهاء في المسألة اختلاف زمان، لا اختلاف حجة وبرهان؛ لأن سبب الاختلاف يرجع إلى قوة العدالة وضعف التهمة لدى واقعة دون الأخري .
إذا ثبت هذا، فإن الجمع والتوفيق بين الاحكام القضائية آراء الفقهاء الواردة في هذه المسألة، وعلى ضوء مقتضيات المصلحة في عصرنا هذا، يستلزم تحقيقًا للعدالة في أوسع مدى، ما يأتي:
1– قبول شهادة الزوجين او المطلقين للدفع والاستئناس والاستصحاب.
2-اعتبار شهادة المطلقة طلقة بائنة قرينة قضائية يستأنس بها القاضي عند وزن البينات، وتكوين القناعة قبل النطق بالحكم على أن يدرج ذلك في متن أسباب الحكم ومستنداته ومسوغاته.
3-توجيه المحاكم بضرورة سماع شهادة الزوجين أو المطلقين كقرينة قضائية؛ ليكون لها الدور في الدفع والاستئناس؛ وبهذا يتم الجمع والتوفيق بين تحقيق العدالة ودفع التهمة.